ماذا كتبوا عن كتاب "حول السينما الشعرية" إعداد وتنسيق وكتابة صلاح سرميني |
(حول السينما الشعرية) يتجاوز الحديث عن سينما إستعارات, ومجازات, ليجعل منها ببساطة فناً أسماء إبراهيم * طالعتُ كتاب "حول السينما الشعرية" , والذي بدا لي مُغايراً تماماً, مثل الموضوع الذي يتناوله. وعبر صفحاته الـ240, حاول الإقتراب من تلك السينما, وتاريخها, وكذلك مخرجيها. إنّ أول ما يلفتُ النظر إلى هذا الكتاب, هى روح العمل الجماعية تلك, والتى بتنا نفتقدها فى عالمنا العربي, وهو ما يُحسب ل(صلاح سرميني), وذلك حين شارك فيه 16 ناقداً, وباحثاً, وأستاذاً جامعياً, ومهتماً بالسينما على إختلاف جنسياتهم, ما بين: روسيا, فرنسا, ألمانيا, سوريا, العراق, البحرين, وعلى إختلاف أماكن إقامتهم, فكثير منهم فى المهجر, رغم جذوره العربية, لكنهم, على ذلك التباين الجغرافيّ, إتفقوا على حبهم للسينما, وبخاصة تلك السينما المُغايرة التى وصفها (تاركوفسكى) بأنها : # تلك السينما التى تبتعد بجسارة فى صورها عما هو واقعى, وماديّ متماسك, كما يتجلى فى الحياة الواقعية، وفي الوقت نفسه, تؤكد السينما, وحدتها التركيبية الخاصّة". وهى التى بدأت تتجسّد أكثر فأكثر مع الأفلام التي واكبت الحركة السوريالية في نهاية العشرينيّات(أندريه بروتون, مان رايّ, لويّ بونويل, سلفادور دالي, جيرمين دولاك,00), ومن ثمّ الواقعية الشعرية الفرنسية في الثلاثينيات(مارسيل كارنيه, جان كوكتو, روبير بريسون, جاك تاتي,..), وبعد ثلاثة عقود من الزمان, جاء السينمائيّون الشعراء من جمهوريات الإتحاد السوفيّيتي السابقة: تاركوفسكي, بارادجانوف،... ليقدموا لنا شعريةً سينمائيةً من الصعب التخلص من آثارها ( صفحة 5). وأول معضلة يقابلها القارئ, هى تحديد المفهوم أولاً : ما هى السينما الشعرية؟ هل هى السينما السوريالية؟ هل تلك التى تعتمد على التغريب فى الطرح؟ هل هى تلك السينما التى تتخذ من الشعر موضوعاً لها؟ أم هل هي كلّ ذلك؟ وهل الأفلام التى لا تعتمد على التغريب, أو على الشعر تنتفى فيها صفة الشعرية؟ إن إتساع معنى التيمة السينمائية المقترحة, والتى بدأ بحث (صلاح سرمينى) بها عن تلك الأفلام فى (تظاهرة السينما الشعرية), سواء : الفيلم الشعريّ، الفيلم/قصيدةٌ سينمائية، شعريةُ الفيلم، شعريةُ الصورة، شعريةُ الحوار الداخليّ، الصورة الشعرية، الشعر والشعراء في الفيلم، الحوار الشعريّ، المُعالجة الشعرية، شعريةُ المكان والزمان السينمائيّين، أفلام الشعراء... إلخ. ربما كان مفيداً, أو ملائما لشروط مهرجان, ولكنه جدّ مربك حين أكون بصدد تأصيله فى كتاب. ولكن, (صلاح سرميني) يتفادى هذا المنزلق, حين يقول:
إنّ الصورة السينمائية نفسها تتضمّن نفسَاً شعرياً, منذ الشرائط الأولى كذلك حين يقول: النقاش, والجدل, سوف يجعل دائرة الشعرية في السينما تتوسّع أكثر, فأكثر, حتى نعثر عليها في كلّ فيلم نشاهده. وأخيراً, حين يعترف فى نهاية المقدمة: قدمنا كتاباً, هو بمثابة جولة لطيفة, ومُمتعة(حول السينما الشعرية), تتكوّن من دراسات, ومقالات, وقصائد للسينما, وعنها(صفحات 5 ,6 ,8 على التوالي). ولكن, هذا لا ينفى إطلاقاً جدة موضوع الكتاب على القارئ العربى, ولا طريقة طرحه, بل على العكس, يُحسب ل(صلاح سيرميني) ـ المخرج, والناقد السينمائي ـ صدقه, وموضوعيته. ولعلّ جديد هذا الكتاب أيضاً, هو عدم وقوفه على السينما الشعرية فقط, بل إحتفائه بالمخرجين الشعريين الشرقيين, سواء كانوا روساً, أم عرب, فبخلاف الجزء التأصيلى لتاريخ السينما الشعرية الفرنسية, و القراءة الجديدة التى يقدمها لمذكرات (بريتون), و(بونويل), شمل الكتاب أيضاً إحتفاءً بتجارب الروس, أمثال: تاركوفسكى, بيلشيان, كوباخيدزة, أفيديكيان, و الفرنسى كيراسكى . كذلك إحتفاله بتجارب المخرجين العرب, أمثال: باز شمعون البازى, عدى رشيد, حسن بلاسم, وحتى من لم ينجز فيلمه بعد, مثل (حميد عقبي) الذي حذره الناقد البحريني (حسن حداد) فى مقال خاص بعنوان: "تحويل القصيدة إلى فيلم... مغامرةٌ فنيةٌ محفوفةٌ بالمخاطر". العنوان الفرعى للكتاب طويل بعض الشئ, حتى أنه أشبه بفهرس مقنٌع, أو بيان محتويات: قصائد, دراسات, ترجمات, مقالات,حوارات, تجارب, رؤى, تطبيقات, نصوص, وملاحظات. ولعله كان المحدد للعنوان الرئيسى: "حول السينما الشعرية" وهو الأنسب من حيث طبيعة هذا الكتاب ... فى قصيدته "فى إنتظار القطار", يحتفى (بندر عبد الحميد) بكل منجزات السينما, وأيقوناتها: قفازات ريتا هيوارث, حذاء شابلن, ميكى ماوس, كاليجارى... عوالم, ورؤئ تتشكل منطلقاً من العرض الأول فى (الجراند كافيه) الذى صور مشهد وصول القطار, والذى مازال (بندر) ينتظره. وفى الكتاب أيضا إضاءات عدة : إرتياب (تاركوفسكى) فى الواقع, وإستجوابه, والدخول فى صراع معه, بحثاً عن المبدأ الشعرى للفنان, ونبؤة (حسن بلاسم) للسينمائيين الذين سيكونون شعراء الألفية القادمة دون شك, وكذلك إنتصار (باز شمعون) للمتفرج, مادام يشاهد الفيلم, ويعطى دلالاته, ومادام الفيلم الشعرى لا يُحاكي الواقع المادى, بل يميل إلى تفكيكه, لذا, تظهر أهمية دور المتفرج, خاصةً, وأن الكتاب يشير فى موضع لاحق إلى إستخدام (المونتاج التغريبى), أو (التضادى), والذي يهدف لإثارة المتلقى, وحفزه على التفكير. وفى حوار معه, يبرر (سيرج أفيديكيان) ميله للشعرية فى أعماله بحضور الشعر بشكل واضح فى الحياة, والثقافة الأرمينية, إلى جانب أن ثقافة البلاد الإشتراكية مطبوعة بالغنائية, هكذا كان تبرير (أفديكيان), وأحسبه نسى كونه أرمينياً, أيّ أنه شرقيّ بشكل ما, وأن بذور الغنائية فى جيناته قبل أن تزرع بذور الإشتراكية فى بلاده. بعد ذلك, يبدأ الصراع ما بين الكلمة, والصورة عبر صفحات الكتاب: وحين يثير (فراس عبد الجليل الشاروط) إشكالية تكوين المعادل البصرى السينمائى لما هو شعريّ لغوياً, يضعنا أمام إختيارين لا فضل لأحدهما على الآخر, ففى رأيه, أن التفاوت في العناصر الإشارية, واللغوية, يجعل من تحويل اللغويّ/الشعري إلى مُعادل بصريّ/ سينمائيّ, نقلاً ساذجاً, وغير ذي قيمة, وهو مستحيل أحياناً(صفحة 32). هكذا يرى (الشاروط), ولا أعلم لماذا يصادر, ويضعنا أمام هذين الإختيارين فحسب, أعلم بصعوبة التحويل تلك, فكاتبة هذه السطور لها تجربة فى إنجاز أشعار بالعامية المصرية ضمن حلقات برنامج " اللى بنى مصر " , والذى أذيع على قناة التنوير, وأعلم تماماً إشكالية أن تكون أمام نصّ شعريّ, ومطالب بخلق نصّ بصريّ, لا أقول مواز له, بل مغاير, ويحمل تأويلاً, وتفسيراً, وإضافةً, ولا أزعم نجاحي الأكيد فى ذلك دائماً, ... إن الصعوبة التى يشير إليها (الشاروط) حاضرة, ولكنها لا تنفي النجاح, حتى لو أحياناً،.. ويخالف (حسن حداد) فرضية حتمية النقل الساذج, أو المستحيل تلك, ويشير لتجربة (داوود عبد السيد) وفيلمه (الكيت كات) حين أنجز عملاً لا يقلّ شعريةً, وجمالاً عن النص المقتبس منه, وهو رواية " مالك الحزين " لإبراهيم أصلان , هنا تصدق نبؤة (بلاسم) فى أن شعراء الألفية القادمة, سيكونون سينمائيون بلا شك . ومن الألفية القادمة, إلى القرن الماضي, يأخذنا (صلاح سرميني) ليؤصل للسينما الشعرية ــ السوريالية, إرهاصاتها, تاريخها, وأفلامها مقدماً ــ فى دراسة مترجمة (لم يذكر فيها إسم مؤلفها الأصلي) قراءةً جديدةً لمذكرات بونويل, و بريتون, ويتناول تقنيات الإبداع السينيمائي العزيزة لدى السورياليين, وهى: الكتابة الأتوماتيكية، الجثة الشهية, الكولاج. موضحاً أن السينمائيين السورياليين إعتمدوا طريقة(الكتابة الأتوماتيكية), أو العفوية فى كتابة أفلامهم مستخدمين لعبة (الجثة الشهية) نسبة لأول جملة قالها السورياليون عند إعتمادها, وهى: "الجثة الشهية شربت خمر الموسم الجديد" , وكانت تلك اللعبة تعتمد على كلمات يكتبها كلّ واحد من المجموعة دون معرفته بكلمات الآخرين, وبذلك تتولد الصور, والأخيلة المدهشة, ثم يشير إلى أن كل شيئ فى السينما ينطلق بالضرورة من الكولاج, بدءاً بلصق اللقطات, وإضافة الصوت0 مورداً أمثلة غير تقليدية إستخدمها (بونويل) فى فيلم (كلب أندلسي) عمد فيها لتوليد صوراً جديدة عبر إستخدامه عناصر الصورة الموجودة سابقا. وبالنسبة للكتابة الأتوماتيكية, يقول بونويل: لقد تخيرنا إلتقاط الصور الأولى التي كانت تعبر مخيلتنا, وأهملنا بشكل منتظم كلّ مايمكن أن يأتي من الثقافة, أو التربية, كان من المفترض بأن تكون صوراً تفاجئنا, وأن تحظى على موافقتنا, نحن الإثنين, بدون نقاش(صفحة 45). وفى حين يقول بونويل بأتوماتيكية الكتابة خلال عمل السيناريو, وذلك بإخراج صورا لا عقلانية, وبلا تفسير, إلا أن تلك الأتوماتيكية محل شك ــ بالنسبة لي ــ وشكي هذا أستعيره من قراءاتى للوحات (سلفادور دالي), والذى شارك بونويل فى كتابة فيلميه: "كلب أندلسى" و"العصر الذهبى", وهو ما لا ينفى إحتمالية تأثر بونويل بدالى, سواء بشكل مباشر, وواع, أو بطريقة غير مباشرة. ففى لوحات (دالي) فوضى شديدة, لكنها فوضى منظمة, مما يعنى أن ثمة قصدية فى الأمر, وأن العفوية, أو الأتوماتيكية التى يتحدث عنها السورياليون, ربما كانت غير موجودة بالأساس, فبالنسبة ل(دالي), أراد أن تبدو لوحاته تلقائية, وعفوية, فى حين أنها لم تكن كذلك, بل أصبحت قصدية, وواعية للغاية فى إظهارها عدم الوعي, وعدم القصدية, وهو ما تجد نظيره عند بونويل من مشاهد تجمع بين مظلة, وماكينة خياطة فوق طاولة العمليات, أو مشهد يضم غيمةً دقيقة تقتربُ من قمر مُكتمل, يعقبه لقطة لشفرة حلاقة تقتربُ من عين ,...الخ. كما أن الحوارات المدرجة فى الكتاب نفسه, والتى دارت بين بونويل, و دالي, تلمح فيها تلك الخطة, يقول بونويل: الرجل ينظر حوله, ويبحث عن شيئ ما.. ماذا يرى؟ دالى: ضفدعاً يطير بونويل: خطأ دالى: زجاجة كونياك؟ بونويل: خطأ دالى: حسناً, أرى حبليّن بونويل: أيوه, ولكن, ماذا يوجد خلفهما؟ دالى: الرجل يشدهما, ويسقط, لأنه يجرّ شيئاً ثقيلاً جداً بونويل: آه, شئ رائعُ بأن يسقط . (صفحة 40) نلاحظ هنا أن ثمة خطة, فالتنقيح حاضر, وكذلك المراجعة, والمفاضلة بين الصور, هذا عن فيلم " كلب أندلسى ", أما بالنسبة لفيلم " العصر الذهبى ", فلا ينفى بونويل وعيه, حين يقول: كان(العصر الذهبيّ) فيلماً واعياً تماماً لخطوته, وأغراضه, كي نتمكن من الحديث عن)الكتابة الأوتوماتيكية), حتى فيما إذا تضمّن عدداً من الصور, والأفكار, أو المشاهد التي تُظهرها حجم التطوير, العبارات المضادة للتقاليد, والثقل الإجتماعيّ المُطالب به, يفرض على مؤلفه بأن يتبع خطاً لم يكن موجوداً في الفيلم الأول, والذي كان أكثر حريةً في البناء (صفحة 46).
وليست هذه
المفارقة, هى الوحيدة لبونويل, إذ نجده يزدري جمهوره الذى ولعله نسى أن إحتفاء الجمهور الفرنسى بفيلمه, إنما يأتى إتساقا مع أجواء الحرب العالمية التى أثرت فى جماليات التلقى لدى جمهور تلك الفترة. وينصف (صلاح سرميني) بونويل حين يقول أنه وحده من إستطاع أن يفكر بشكل سوريالى فيما يخص السينما, ويلقي الضوء على ملاحظة هامة, ربما تفسر آلية إبداع السورياليين السينمائيين, وهى أن السورياليين أحبوا السينما بوصفهم متفرجين, فكانت بالنسبة لهم محرضاً, أكثر من كونها فناً, أو وسيلة تعبيرية فنية. ولا أعلم لماذا تساءلت حينها, إذا ما كانت (مسابقة أفلام من الإمارات) ــ والتي تمخض عنها كتابنا ــ كانت تعتمد فى أغلبها على أفلام الهواة, أم لا؟ بعد تجربة بونويل, يستمر الكتاب فى إحتفاءه بالسينما الشعرية, ولكن, هذه المرة مع الروس عبر حوارات معهم, أو مقالات عنهم, أو بأقلامهم, مثل ما نجده عند(أرتافازد بيليشيان) الذى يوضح فكرة (المونتاج التضادي), أو (التغريبى), وهو ما يستخدمه فى أفلامه, فيقول:
بدا لي بوضوح, بأنّ مايهمني قبل كلّ شئ, لم يكن
تجميع عنصريّن مونتاجيّين, أما (ميخائيل كوباخيدزة) فنلمح الجوانب الشعرية فى أفلامه من خلال إستخدامه للأبيض, والأسود, وإحتفائه باللاوعي المستمد من أحلامه, والمتجسد فى أفلامه, وإنعدام الحوار, وهو فى هذا يقول:
لاتتبنى
أفلامي جماليات السينما الصامتة, إنها مُنجزةٌ فقط بطريقة لا تحتاج أما فى فصل تجارب, ورؤى, فيتجدد الصراع بين الكلمة, واللقطة,أو كما يصفها (حسن بلاسم) بحرب المرئى, والمكتوب, ويصف العلاقة بينهما بالعداوة الإيجابية, ليتطور المفهوم إلى مفاوضات سلام بين المرئى, و المكتوب, لافتاً النظر لإستخدام منجزات السينما بإعتبارها مصدر خصب للإلهام, والتجريب, فبعض الروايات مؤخراً تستعير مصطلحات سينمائية فى معالجتها مثل :{ flash back ,cut , fade } ويفجر (بلاسم) إشكالية أسبقية الكلمة على اللقطة فى الوجود, وربما كانت للكلمة ثقلاً أزيد من الصورة فى الثقافة الشرقية, وربما يكون لهذا الموقف مرجعه الدينى, أو الثقافى, فالعربية هى لغة القرآن, وبها نزل, وكانت أولى كلماته " اقرأ" , لذا كان الإحتفاء بالمكتوب فى الشرق, وبعد أن يورد إستشهاداً للروائي(كارلوس فوينتس): "لقد كبرتُ مع بدايات الراديو، وهي حقبةٌ يتوجب فيها الركض إلى بائع الجرائد, للتأكد من الشجاعة التقنية لمصارع الثيران. يتساءل بلاسم : ولكن, ما الحاجة اليوم للكلمة, و قصف (بغداد) يحدث في اللحظة نفسها التي نراها فيها على الشاشة؟ إلى هنا تظن أن الكتاب قد إنتهى, لكن محرره (صلاح سرميني) يفاجئك بوجود إحتفال لمخرجين عرب أنجزوا أفلامهم الشعرية, لتجد نفسك تشارك (عدى رشيد) رحلة بحثه عن فيلم خام ينجز به فيلمه, بعد أن منعت خامات السينما لورودها ضمن قائمة الإستعمال المُزدوج فى العراق, لكنه ينجز فيلميه " جلجامش " و " بغداد بعيون فنانيها " والثالث فى الطريق, أوتصطدم بكاتب السيناريو بطل فيلم " نهايات " لحسن بلاسم الذى يتسلل عبر القصة التى يكتبها, يراقب شخوصها, ويشهدهم, والأحداث حتى يغادر الحدث ــ القصة. وإنتهاءً يعرض لتجربة (باز شمعون البازى), والتى لم تأت وحدها, بل صاحبها نصوصاً, و رسائل متبادلة بينه, وبين(صلاح سرميني), وكذلك تجربته الشعرية الموازية زمنياً لكتابة الفيلم , كذلك مختارات من دفاتر قديمة للمخرج, يصف فيها بغداد, وقد تحولت لألف قطعة, فيذكرك بالحرب العالمية, والدمار الذى خلفته, والذى تمخضت عنه الحركة السوريالية, هنا, يواجه (باز) واقعه بفيلمه, ونصه مُستوحى من نصوص, وأشعار: من الكتاب المقدس ّ ـ ذو النّون مصري ـ إبن عربي ـ محمد إقبال ـ جان دو لاكروا ــ سيرج باتريس تيبودو ـ باز شمعون. عبر معالجة يوم واحد زمنياً من الفجر إلى الليل , ومن خلال حبكة فلسفية على أساس دائرة : الميلاد والموت.
كتاب "حول السينما الشعرية" يتجاوز الحديث عن تلك السينما التى
تولد هو أقرب لحالة تتحدث عن ما وراء الشعري, وعما يجعل من تلك الأفلام ببساطة فناً. ______________ * مخرجة تلفزيونية في قناة التنوير المتخصصة في مصر
|
عرض ملخص لكتاب "حول السينما الشعرية" حسام الدين حسين * قرأتُ مؤخراً كتاب "حول السينما الشعرية" الصادر عن (مسابقة أفلام من الإمارات) الأخير, والذي إشتهر ب(تظاهرة السينما الشعرية). ولأنني لست من المُتخصصين,.. فقد أتاح لي الكتاب فرصةً ممتازةً للإطلاع على أحد المفاهيم الفنية للسينما, وما يتصل به, .. إضافةً إلى الكثير, والكثير من المعلومات القيمة. ولذلك,.. فقد رأيت أنه من المناسب أن أعرض ملخصاً بسيطاً حول الكتاب, وأفكاره لمن لم يتمكن من قراءته, أو لإثراء الحوار حول الكتاب مع من قرأه, و عذراً إن استخدمت خطأ أيا من المصطلحات الأكاديمية, فكما قدمت قبلاً لست أحد المتخصصين, وإنما أحاول ببساطة إيصال ما فهمت من قراءتي للكتاب, فقد يكون في هذا العرض ما يفيد لي, أو لغيري. بدايةً, مثل الكثير من الكتب التي تلجأ إليها للإجابة عن تساؤل ما, أو لتحديد مفهوم ما, تجد نفسك في النهاية محاطاً بأضعاف تلك التساؤلات, و لكن تلك الحيرة التي تتولد لديك, تدفعك للدخول أكثر, و أكثر, وفي رأييّ , فإن تلك الحيرة هي إحدى أجمل مميزات المعرفة. وبالنسبة لي, فرغم سياقة الكتاب للكثير من التعريفات حول السينما الشعرية, ومفاهيمها, فإن أهم ما وصلت إليه, هو بلورة لذلك المفهوم, وليس تعريفاً محدداً له, ومثل ذلك الكثير من الكلمات الكثيرة التي تحيط بنا, فحتى أبسط الكلمات التي نعتقد أننا نعلم تماماً تعريفاً لها, نجد عندما نتأملها, أننا أمام مفهوم, وليس تعريف, فعلى سبيل المثال, فإن كلمةً أساسيةً ككلمة "فن" تكاد لا تجد تعريفا ثابتاً محدداً, ولكنها ذات مفهوم قويّ لأيّ إنسان عادي, حتى, و لو لم يكن متخصصاً, أو أكاديمياً . يبدأ الكتاب بعرض قصيدة عن السينما, وكأنه يؤهلنا لذلك التزاوج الذي سيتحدث عنه في بقية أجزائه عن "القصيدة" و "السينما" و بالفعل, أراها بدايةً جيدةً, وموفقة. بعد ذلك, يعرض الكتاب عرضاً عن ماهية (السينماالشعرية), و اختلافها عن السينما المعتادة لدى الجماهير, فيتعرض لطريقة بناء الفيلم بشكلّ عام, وإختلاف البناء في ما يسمى بالسينما الشعرية, أو "الفيلم القصيدة". البناء, هي كلمة السر التي تبلور جوهر الموضوع, ففيما تعودنا من سينما "تقليدية" هناك بناءٌ منطقيّ معين, ولكنه في (السينما الشعرية) ليس كذلك, فهو بناءٌ "شعريّ" مثل بنية القصيدة, وتراكيبها. يقدم لنا الكتاب في هذا الجزء, و المأخوذ من ترجمة لنصّ للمخرج "تاركوفسكي" أسلوبا جديداً لتزاوج عناصر الفيلم عن طريق عرض جديد أيضا للشعر بحدّ ذاته, حيث يصور الشعر على أنه "طريقة خاصة للاتصال بالعالم", و بالقياس, نصل إلى أن الفيلم الشعري يحمل بين جنباته, ومن خلال صلات عناصره المختلفة تلك الطريقة, والنظرة الخاصة للاتصال بالعالم الخارجيّ . وبالتالي فإن لتلك السينما الخاصة رموزها, و تراكيبها, و طريقة سردها المختلفة,.. إلخ. وببساطة, فإننا نستخدم نفس الكلمات للكلام, و للكتابة, وأيضا لصياغة الشعر وعلى ذلك, فإنّ ما يميز الشعر, هو طريقة التزاوج, و التركيب بين الكلمات, هو ذاته ما يميز الفيلم التقليدي عن الفيلم الشعري "الفيلم القصيدة".. برأييّ الشخصي, إنها الموسيقى الداخلية للفيلم, وعناصره, و مشاهده المنبعثة من طريقة خاصة "شعرية" للتزاوج بين تلك العناصر. إلى هنا, يستمر الكتاب في تأهيل القاريء لتلك المفاهيم الأساسية, و التي نجدها حتى هذه النقطة في الكتاب فضفاضة واسعة, هذا ليس عيباً فيها. يستمر الكتاب في ترسيخ مفاهيم (السينما الشعرية), حيث يطرح مفهوم المتفرج / الشاعر من نصّ لـ "باز شمعون البازي" عن هوية الفيلم الشعريّ. وقد بدت التسمية بالفعل غريبة, وغير واضحة, لكنها تبدو بعد تأمل الصورة بكاملها منطقية. فبدون المتفرج, لا تكتمل أيّ "فرجة" , سواء كانت سينمائية, أو غيرها, ولذا , فنوعية المتفرج / الشاعر هي النوعية المطلوبة لإستكمال عناصر الفيلم / القصيدة. ويسترسل النصّ في شرح العلاقة المتنامية, والتبادلية بين الفيلم, والمتفرج, وفي حالتنا الخاصة هذه, بين الفيلم الشعري, والمتفرج الشاعر. وقد تصدى (باز شمعون) لنقطة هامة بالفعل, وأعترف بأن مفاهيمه تلك تتناقض مع مفاهيم (تاركوفسكي), وغيره من المنظرين للسينما الشعرية, ولكنه كما يبدو, كان مهتماً, ومشغولاً بأن لا تكون مثل هذه السينما حوار داخلي بين من ينتجها من سينمائيين شعراء, و أنفسهم, حيث تبتعد السينما الشعرية كثيراً بما لها من تفرد, و طبيعة خاصة عن المتفرج العادي, وحتى لا تلقى أفلام (السينما الشعرية) في فضاءات, أو من, و إلى من يصنعها على حدّ تعبيره. بعد ذلك, يعرض الكتاب لمقتطفات من حوار مع "سيرج أفيديكيان" المخرج, والنقطة التي تسترعي الانتباه في حواره هي تصريحه بأنه منذ فيلمه "عرفت الشمس جيداً" بدأ في اعتبار أفلامه عبارة عن قصائد لإبتعادها عن الحكاية التقليدية, حيث تقترب أفلامه, منذ ذلك الفيلم, من كونها صوراً ذهنية متفرقة, أكثر منها حكاية تقليدية. يمكننا من خلال ذلك التصريح الإقتراب كثيراً من تعريف للفيلم الشعري, أو بالأدق, لنقطة من النقاط المميزة للفيلم الشعري, حيث تتميز مشاهده بدايةً بأنها مجموعة من الصور الذهنية أكثر من إرتباط مشاهده بالحكاية, كما في القصائد الشعرية بالفعل, فالقصيدة, وخاصةً الأنواع الحديثة منها, تدخل مع المتلقي في حوار متبادل من خلال ما تطرحه عليه من صور ذهنية. ومن حوار "سيرج", نلمس أيضاً تأريخاً بسيطاً للسينما, و بداياتها, وأسباب إستمرار الحكاية إلى وقت طويل بها, حيث إعتمدت على المسرح في نشأتها, ولذا, فقد إستغرق الأمر بعض الوقت ليأتي أمثال "تاركوفسكي, و بارادجانوف, وكوباخيدزة, وفيلليني, وبازوليني, وبرغمان" , ليأتوا بتجريبهم لكسر تلك القواعد البنائية, واللجوء إلى الأحلام, و الكوابيس مثلاً لعرض أفكارهم, والإبتعاد عما هو تقليدي, ويؤكد "سيرج" هنا على أن التفريق, وليس التركيب هو الطريق لإنتاج تلك النوعية من الأفلام, ويؤكد أيضاً على أن الإستعارات, والمجازات, وخلاف ذلك من الصور الشعرية, هي ما يحل في الفيلم الشعري, بدلاً من الأساليب المباشرة. بعد ذلك, يذهب الكتاب إلى تحذيرات "حسن حداد" من محاولة تحويل القصيدة إلى فيلم سينمائي, كون تلك العملية محفوفة بالمخاطر, ثم يضرب مثالا ًعلى السينما التي إتخذت نصا أدبياً لتحويله إلى فيلم بتجربة "داود عبد السيد" في إقتباسه نصّ "إبراهيم أصلان" , ففي رأيّ "حداد" أن "عبد السيد" نجح, لأنه كتب السيناريو منطلقاً من الجو العام للرواية, وليس مترجماً للنص الأدبي. بعد ذلك, و من خلال ترجمتيّن لـ "صلاح سيرميني" عن "السينما السوريالية", و "السينما الفرنسية العجوز" , يعرض الكتاب عرضاً تاريخياً لتطور السينما بغرض إيجاد أرضية تاريخية للسينما الشعرية, موضوع الكتاب, ولن أتوقف هنا كثيراً, فبرأيي أن التأريخ من الصعب تلخيصه, وخاصةً من نصّ مركز ,مثل النصين اللذين تعرض لترجمتهما الأستاذ "صلاح". ولكن النصين على كل حال, يتعرضان, من وجهة نظري, من خلال عرضهما التاريخي إلى نقطة هامة جداً, هي العلاقة المتطورة عبر الزمن بين المتلقي, وبين المُنتَج نفسه, وهو الفيلم, وهي العلاقة الهامة التي أشار إليها "باز شمعون" في نصه, ووضح أهميتها كثيراً, حيث تحتاج (السينما الشعرية) برأيه إلى المتفرج /الشاعر. إلى هنا, يصل الكتاب بقارئه إلى نقطة واضحة إلى حدّ ما عن موضوعه, حيث يذهب بعد ذلك إلى ذكر أسماء من أبرز صانعي هذه الأفلام, وأفلامهم. ولن أستعرض هنا بالطبع كل من تعرض لهم الكتاب, أو حتى جميع أعمالهم, ولكني سأتوقف عند النقاط التي أظنها محورية في إيصال المفهوم العام لي, و للقاريء بالطبع. ومن أول من يستعرض الكتاب أعمالهم, يأتي "أرتافازد بيليشيان" المولود عام 1938 , والذي تستعرض ترجمة "صلاح سرميني" لنص "بيتر أربوس" سيرة حياته ببساطة, و تركيز, حيث لا يمكنك إلا أن تقف أمام تعبير ذلك السينمائي, والذي يقول فيه: "كنتُ أعرف بأنّ ما كنتُ أحسّه لن أستطع التعبير عنه من خلال الكلمات, ولكن عن طريق إحدى الوسائل, ومنها السينما".. إنها العناصر السينمائية التي إستبدل بها شعراؤنا السينمائيون, الكلمات. لقد ذهب شعراء السينما إلى استخدام اللقطة, وكادر الكاميرا, والمؤثرات الصوتية, والمونتاج, والآداء التمثيلي, وغير ذلك من العناصر السينمائية في تراكيب جديدة, ومبدعة, ومختلفة, إستخدموا ذلك عوضاً عن الكلمات لإيصال إحساس ما للمتلقي, إنهم شعراء بالفعل, إنهم لا يسردون لقطات, ولكنهم يعرضون معنى ما, أو إحساساً ما, أو صورةً ذهنيةً ما عن طريق اللقطات. ثم يأتي شرح "أرتافازاد بيليشيان" نفسه عن المونتاج الذي أسماه بـ"التغريبي" في تنظير بسيط لطريقته المونتاجية إن جاز التعبير, و التي إنطلق من مبدأ للمخرج الروسي "أيزنشتين" عن الانطباع, أو الخلاصة التي تنشأ من مواجهة لقطة ما لقطات أخرى, من هنا, بدأ "بيليشيان" في الفصل بين اللقطات التي تحمل معنى ما, والربط بينهما بمجموعة من الحلقات البينية, وما ينتج عن ذلك من تفاعل عام, ليعبر عن المعنى بشكل أكثر قوة, على حد تعبيره. ثم يتصدى الكتاب بعد ذلك للمخرج "ميخائيل كوباخيدزة" الذي وُلد في عام 1939 بجيورجيا. يشير "كوباخيدزة" إلى رؤيته للسينما على أنها تتشابه كثيراً مع اللاوعي الذي يتجسد في أحلامه. مرةً أخرى إنها إحدى الميزات الشعرية للسينما, حيث البعد عن الحكاية التقليدية, و السرد المعتاد للسينما. ومما يقول "كوباخيدزة" أيضا عن أفلامه, أنها قليلة الحوار, بالرغم من أنها صماء, و لكنه يلجأ "للموسيقى الخاصة" بالصور للوصول إلى لغة سهلة الإستيعاب, ومفهومة للجميع. يذهب الكتاب, برأييّ, إلى محاولة تطبيقية لما عرضه من مفاهيم نظرية, عن طريق عرض لرؤى, وتجارب خاصة بشعرية السينما. والأمر من الصعوبة بمكان من حيث عرض تلك التجارب, لأنها بالفعل مركزة, ومبسطة, وأدعو القاريء إلى الرجوع لأصل الكتاب في حالة أراد التفصيل. ولذا, فلن أتوقف هنا إلا أمام بعض الكلمات التي إنطبعت بمخيلتي, وإستكملت, بل وأكدت ما يحاول الكتاب تأصيله من مفاهيم. يقول "ميشيل ديرميه".. "في كل عمل فني جديد ينبغي إبتكار لغة جديدة".. هذه اللغة الجديدة, تفترض كشفاً, وإبتكاراً لتمفصلات جديدة بين الأحجار, والمفردات اللواتي هن اللبنات الأساسية لفعل ما. إنه يشير هنا إلى "التمفصلات", إذن هي نفس الأدوات, ولكنها التركيبة التي نجمع بها تلك الأدوات, هي التي تقودنا لتصنيف المُنتَج.. كلّ الأفلام السينمائية تستخدم نفس الأدوات, ولكن تقنية الصانع هي التي تذهب بذلك الفيلم, أو ذاك إلى التصنيف الذي يستحقه. و من أقوال "أندريه تاركوفسكي": "إن المخرج الناجح, البارع, هو الذي يمتلك خلفيةً ثقافيةً, وفكريةً, ومباديء أساسية في الفن التشكيلي". هذه المقولة, تشير بما لا يدع مجالا ًللشك, بأن المخرج الحقيقي, هو من يمتلك الأدوات التي تجعله ينفذ بعمق إلى الداخل, إلى الجوهر, بعيداً عن العرض السطحي للواقع. إلى هنا, أتوقف في عرضي للكتاب, هو كتاب جيدٌ بحق, يستحق القراءة, وأرجو أن أكون قد أسهمت بهذا العرض البسيط, والمركز في إيصال الفكرة, و تركيزها. ______________ * مهندس معماري يعيش في الشارقة
|
السينما الشعرية وسينمائية القصيدة الشعرية حميد عقبي * اطلعت علي بعض المقالات التي جمعت ونشرت تزامنا مع مهرجان أفلام الإمارات هذه التظاهرة الفنية التي خصصت للسينما الشعرية وأود أن أتحدث بشكل سريع وأعطي ملاحظات حول بعض ما كتب. ـ أكثر المقالات سبق وأن نشرت في صحف وعلي مواقع عديدة أي أننا افتقدنا الجديد وبعض هذه المقالات انطباعات عابرة تفتقد إلي العمق وهذا طبيعي كونها نشرت في صحف او علي مواقع اليكترونية وهناك فرق كبير بين الدراسة التحليلة والمقالات الصحافية وكنت أتمني أن تنشر دراسات مختصرة تعتمد علي التحليل الفني الأكاديمي وأن تناقش هذه الدراسات في حلقات وان تنشر التعليقات حولها. هناك مقالات لا تتعلق بالموضوع نهائيا وهذا يدل علي ان المعدين للكتيب وقعوا في مأزق ربما فاستعانوا بمقالات أخري للحصول علي الكم. هناك خلط واضح بين مصطلحات عديدة مثل السينما الشعرية والشاعرية وبين السينما الشعرية ومعالجة القصيدة الشعرية سينمائيا (سينمائية القصيدة الشعرية). السينما الشعرية لا تعني ابدا ان نعالج قصيدة شعرية سينمائيا فقد تتم معالجة احدي القصائد الشعرية وقد لا يكون الفيلم فيلما شعريا. والحوار الشعري في الفيلم لا يعني ابدا ان الفيلم شعري. السينما الشعرية هذا المصطلح الصعب الذي أطلقه المخرج الإيطالي بازوليني وتحدث عنه المخرج الفرنسي جون كوكتو. بازوليني يؤكد أن السينما أداة للتعبير ويعتبر السينما لغة تعبير قادرة علي إيصال الأفكار والأحاسيس ويعتبر ان السينما الشعرية سينما تتعمق في الوضع الاجتماعي بطريقة تحليلية فلسفية نقدية وقد يثير هذا التحليل الكثير من النقد ووأكثر السينمائيين الشعراء يمزجون بين أفكارهم الشخصية الذاتية وفلسفتهم الخاصة وأحاسيسهم مع الفلسفات والأساطير أي ان الفيلم الشعري لا يعتمد علي قواعد مكتوبة في الإخراج السينمائي فهذا الاتجاه اثار الكثير من الاضطراب وخلط العديد من الأوراق. فالسينما ليست مجرد حرفة وصناعة إنها فن ساحر كما يقول جون كوكتو السينما تصنع الجمال ففيلمه كمثال دم شاعر اثار الكثير من القلق ويقول انه لم يفكر ابداً بصناعة فيلم كان يود تصوير قصيدة بصرية وقد لا يعجب البعض هذا الفيلم والأفلام الشعرية كوننا أمام سينما فلسفية كما يؤكد كوكتو ان السينما الشعرية سينما تفكير فالمشاهد مطالب بأن يفكر ويحلل وأهم شيء ان يحس كما يؤكد المخرج السينمائي بيرجمان فالسينما الشعرية سينما أحاسيس قد لا تكون هناك قصة وسرد قصصي منطقي كما نلاحظ في أفلام بونويل وخاصة كلب اندلسي ـ العصر الذهبي أوكما عند كوكتو دم شاعر وكذا في بعض أفلام بازوليني وتاركو فسكي وبيرجمان. الفيلم الشعري يمكن ان يكون مجموعة من أحلام وكوابيس المخرج نفسه وهو يمزج هذه الأحلام والكوابيس والخيالات المجنونة أحيانا ويستعين بهذا الفن الساحر لتكون النتيجة أفلام قلقة ومرعبة أحيانا والسينما الشعرية سينما نقدية تمس كل المحذورات وقد منعت العديد منها بسبب النقد اللاذع للدين انها سينما تفكير، وتفكير بصوت مسموع وصورة مرئية. اننا امام سينما تحتاج إلي مشاهدة خاصة واستعداد ففي كل لقطة من لقطات الفيلم الشعري امامنا رمز وقد نختلف في تحليله وفهمه وقد نعجز أحيانا في الوصول إلي اجماع فالمعني سيظل في عمق الشاعر ويحرص الكثير من المخرجين ترك كل شيء كما هو ويظل هذا الغموض مغامرة ممتعة عند كل مشاهدة. سنجد أيضا أننا أمام سينما تشكيلية فبناء أللقطة بناء خاص وأحيانا قد تكون لوحة تشكيلية اقرب منها إلي لقطة سينمائية ولو أننا قمنا كمثال بأخذ كل لقطة من لقطات أي فيلم شعري فنحن سنحصل علي لوحات تحمل الكثير من المعاني كونها في الأساس أحلام مجنونة قد تكون مرت علي المخرج في اليقظة اوالمنام فاليد المليئة بالنمل وجثتا الحمارين الموضوعة علي البيانو في فيلم كلب اندلسي تحمل الكثير من الدلالات والرموز بلاغة السينما كفن ساحر يقودنا إلي هذه الأحلام المجنونة. وسنجد كما عند بازوليني الذي يستخدم الجسد البشري العاري ويصوره باسلوب فني رائع سنجد اضطراب هذا الجسد رعشته جماله ليس الهدف هنا أن يثيرنا جنسيا فبازوليني يحاول الوصول إلي الروح هذا السؤال الصعب والكبير وسنجد بيرجمان يسلط ويهتم كثير بالوجه الإنساني للوصول إلي الروح ويعتبر الوجه الإنساني هو الوسيلة للتعمق إلي النفس الإنسانية. السينما الشعرية تثير اسئلة صعبة وتتوغل في قضايا مثل الموت والجنس والدين والله فبيرجمان مثلا دائما يردد اسئلة في أفلامه من نحن؟ ما هبة الحياة؟ ما هوالموت ؟ ماذا بعد الموت؟ لنشاهد فيلمه الفرو اله البرية أو فيلمه صرخات وهمسات. سنجد ان اغلب الأفلام الشعرية معالجات لأساطير كما في فيلم اورفي او ألف ليلة وليلة أو فيلم أوديب ملكا . ولكل مخرج فلسفته الخاصة وهوهنا لا يريد ان يسرد لنا الأسطورة بل يحرص علي ان يسرد أسطورته الخاصة به فهمه الخاص لهذه الأسطورة ويمزج بين أساطيره الخاصة وجنونه وأوهامه وأحلامه وكوابيسه بالاسطورة. الخيال الذي لا حدود له هو ما يميز هذه السينما والأحاسيس وأفكار المخرج ووجهات نظره الخاصة ستكون هي المحرك الأساسي والأساس الذي يبني عليها المخرج كل لقطة من لقطات فيلمه كون اغلب المخرجين الشعراء يمارسون هذا الفن الساحر لحاجة في نفوسهم وليس من اجل المشاهد او الربح فالمخرج يلبي رغبته وأحلامه ولا يهمه أن يفهم المشاهد اللقطة ام يخرج من صالة السينما احتجاجا علي هذا الجنون. مارس المخرج الشاعر هذا الفن السينما ليس كحرفة بل كلذة شخصية وهذا تماما ما نجده عند الشاعر فالشاعر عندما يكتب قصيدته من اجل بيعها فهو هنا يصنع وقد تكون النتيجة فاشلة ولكن كلما كان الشاعر صــادقا ومجــــنونا في شعره كان رائعا وقال العرب قديما أفضــل الشعر أكذبه تعبيرا علي الخيال بدون حدود عند الشـــــاعر والشعر ضرب من الجنون وكذا هنا السينما الشعرية سينما مجنونة فقد يضرب المخرج الشاعر بالقواعد عرض الحائط والسينما الشعرية اتجاه مضاد للاتجاهات السينمــــائية (السينما التجارية ـ سينما النجم ـ أفلام الاكشن) الأخري التي حـاولت كتابة قواعد ثابتة في الإخراج السينمائي إنها تحرر من هذه القواعد ولكنه خروج واعٍ جاء عن تجربه فنية وجمالية فتاركوفسكي مثلا يكسر قواعد نظريات المونتاج عند ايزنشتاين وقد يترك اللقطة مدة طويلة ويدعك كمشاهد واجه لوجه مع الشخصية فلا يحول كأميرته وقد تظل الشخصية صامته لا تفعل شيء سوي أنها تشاهدك هي الاخري. طبعا انا هنا لن اكتب تعريف السينما الشعرية واكتفي ببعض التلميحات ويمكنكم الرجوع الي بحثي للماجستير بحث في السينما الشعرية وسينمائية القصيدة الشعرية للمزيد. اود ان اطرح آخر نقطة وهي ان المخرج السينمائي الشاعر يلعب علي موضوع القداسة فلكل مخرج شيء مقدس قد يكرر استخدامه داخل الفيلم أو في مجموعه من الأفلام. اما بخصوص سينمائية القصيدة الشعرية وهذا مصطلح استخدمته ويعني معالجة القصيدة الشعرية سينمائيا فلا يعني من وجهه نظري السينمائية هي الترجمة الحرفية للقصيدة كون المخرج قد يفشل فعلا في الترجمة ومباراة الشاعر وقد تفقد القصيدة روعتها ولذتها . سينمائية القصيدة الشعرية هوممارسة اللذة نفسها تذوق للشعر وقراءته بطريقة سينمائية انها كما عبرت عنها في بحثي زواج بين السينما. وهي ممكنة ولي تجربة سابقة في هذا المجال فيلمي محاولة الكتابة بدم شاعر عن قصيدة محاولة للكتابة بدم الخوارج للشاعر الدكتور عبد العزيز المقالح انا شخصيا عندما أخرجت هذا العمل فلم يكن يهمني ان يصفق الشاعر لفيلمي بل مارست متعه الإخراج السينمائي وعبرت عن ما في نفسي من قلق وخوف واضطراب في تلك الفترة. وعندما قمت بمعالجة أكثر من ست قصائد شعرية وكتابة سيناريوهات لها كنت اسبح مع روح القصيدة واكتب انفعالاتي واضطرابي وقلقي وجنوني وفعلا اختلفت مع بعض الشعراء حين عرضت لهم السيناريو وهناك مشاهد ولقطات قد توحي بمعاني تختلف مع معاني القصيدة وقد لا تعجب البعض هذه المعالجة وربما لا توجد أحيانا حكاية منطقية فمثلا في سيناريو جميلة أنت كالمنفي يوجد مشهد لحمل في متحف اللوفر ـ المسيح يحمل صليبه يحاول دخول المترو. في سيناريو حياة جامدة طفل علي الساحل يكسر أفلام فيديو ـ في سيناريو آخر قرد يمارس الجنس مع قردة علي ظهر حصان ـ السيدة مريم العذراء تحمل طفلها السيد المسيح وسط قصف عنيف لطائرات حربية. اقدم هذا الإيضاح وادعوكم لممارسة هذه اللذة الجميلة. هذه المتعة الرائعة. إذن فلا داعي للخلط بين السينما الشعرية وسينمائية القصيدة الشعرية كتبت في بحثي للماجستير منهجا خاصا تحدثت فيه عن تجربتي الشخصية والطرق التي اتبعتها في معالجاتي للقصائد الشعرية سينمائيا أود تطويره إن شاء الله. ربما يستفيد منها من يحب المغامرة وخوض هذا الجنون الممتع. ______________ * سينمائي يمني يقيم في فرنسا القدس العربي في 22 أبريل 2005
|