رغم أن فيلم ''بحب السيما'' بدأ ينسحب من دور العرض السينمائي في مصر مفسحا الطريق للأفلام الجديدة بعد أن حقق مليونا ونصف المليون جنيه مصري في الاسابيع الثلاثة الاولى إلا أن الفيلم مطروح بشدة في الأوساط السينمائية والسياسية والقبطية بعد تكتل الرهبان الأرثوذكس ضد استمرار عرضه· وتقدم 14 منهم ببلاغ للنائب العام المصري المستشار ماهر عبدالواحد يطالبون فيه بمنع عرض الفيلم وسحب نسخه من الاسواق· وأحال النائب العام بلاغ الرهبان الى المحامي العام الأول للتحقيق ومشاهدة الفيلم واتخاذ قرار بشأنه· ثورة الرهبان على الفيلم مازال البابا شنودة الثالث بطريرك الاقباط الارثوذكس بعيدا عنها تماما واتخذت شكلا آخر في التضامن مع دعوى قضائية سبقتها قبل اسبوعين لمنع عرض الفيلم تقدم بها المستشار نجيب جبرائيل ''المحامي الارثوذكسي'' ونظرتها محكمة الامور المستعجلة بالقاهرة السبت الماضي وأجلتها ليوم 24 يوليو الجاري لضم خصوم جدد وهم الرهبان وبعض المواطنين الأقباط· ويؤكد ذلك أن هناك إصرارا قبطيا على منع عرض الفيلم الذي أكد الرهبان مجتمعين في مكتب النائب العام على ثمانية تجاوزات تبدأ بازدراء العقيدة المسيحية، وأماكن العبادة، وإهدار كرامة بيت من بيوت الله، وازدراء الصليب والتفوه بألفاظ لا تتفق مع جلال السيد المسيح ''عليه السلام''، والسخرية من الصوم المسيحي وضرب العلاقة بين الطوائف المسيحية ''الارثوذكس والبروتستانت'' واختلاط النسب وأخيرا ازدراء رجال الدين المسيحي!! وهناك المزيد من الدعاوى القضائية مع توالي فاكسات أقباط المهجر ورسائلهم عبر الانترنت والتي تدعم ثورة الكنائس ضد الفيلم الذي بدأ عرضه في نحو 40 دار عرض· وأكدت الدعاوى أن منعطفا خطيرا يدخله الفيلم والمتحمسون له من نقاد السينما الذين يرفضون رقابة الكنيسة على الافلام وتدخل رجال الدين في الابداع وتدور على صفحات الصحف مناظرات بين رجال الدين ونقاد السينما بشكل وصل لحدود تبادل الاتهامات· أزمة رقابية بدأت الازمة بما سربته إحدى موظفات الرقابة على المصنفات الفنية في مصر والتي تحركت بدافع ديني ضد الفيلم وسجلت انه يمس العقائد المسيحية ويزدري الطائفة الارثوذكسية واوصت بعدم عرضه· وفي محاولة لتفكيك الازمة وازاء تحفز رجال الدين المسيحي تقرر تشكيل لجنة من كبار المثقفين وبعض رجال الدين المسيحي لمشاهدة الفيلم الامر الذي اثار ثورة السينمائيين ووجدوا فيما قررت الرقابة الاقدام عليه خطوة للخلف وقمعا لحرية الابداع وتعلية السلطة الكنسية على ضمير المبدع، وتراجعت الرقابة عن الاستعانة برجال الدين المسيحي بعد أن وجهت دعوات بالفعل لأسماء كبيرة في الكنيسة مثل الانبا بسنتي أسقف حلوان والمعصرة ''ارثوذكس'' والدكتور يوحنا قلتة نائب بطريرك الاقباط الكاثوليك، وجاء قرار التراجع تحت ضغوط رجال السينما والصحافة الذين تدافعوا ليشاهدوا عرضا خاصا للفيلم فيما يسمى ''مجلس شورى النقاد''، وانتهى العرض بتصفيق حاد للفيلم كما وصفت لجنة كبار المثقفين الفيلم بأنه شجاع مع حذف ثلاثة مشاهد فقط· وترددت الرقابة في الترخيص بعرض الفيلم وواجهت هجمات صحفية على مديرها الدكتور مدكور ثابت الذي ألغى مجلس شورى النقاد، وأعاد الدكتور جابر عصفور رئيس اللجنة العليا للرقابة تشكيل لجنته العليا وضم اليها عددا من كبار الصحفيين والنقاد والمثقفين لتكون هي الحكم النهائي في مصير الافلام المصرية· وتبارت الصحافة المصرية في الدفاع عن الفيلم ومنع تقييمه من وجهة نظر دينية· وقال الناقد كمال رمزي إن هذا الفيلم الشجاع يحتاج لمساندة شجاعة، وأفردت مجلة ''المصور'' الاسبوعية تحقيقا موسعا على اربع صفحات كاملة واحتل جزءا من الغلاف بعنوان ''الاقباط على شاشة السينما المصرية بين محاذير الرقابة وتوجس الكنيسة'' جمعت فيه نخبة من المثقفين الاقباط ونقاد السينما والمفكرين ورجال الدين واجمعوا على عدم ولاية الكنيسة او الازهر على الفنون عامة والسينما على وجه الخصوص وان الكنيسة ليست جهة رقابية ولا جهة منع او تسلط ولابد من الابتعاد بها كلية عن هذا الطريق· وفي نفس الوقت بدأت الكنائس إصدار تعليمات شفاهية للاقباط بعدم مشاهدة الفيلم لأنه ينطوي على مساس بالعقيدة الارثوذكسية ويقدم نموذجا لعائلة مسيحية بروتستانتية على انها نموذج لكل العائلات المسيحية وهذا ليس صحيحا، كما يتعدى الحدود في زواج الارثوذكسي من البروتستانتيه وهذا ممنوع كنسيا ويزدري المسيحية وطقوسها ويجعل الكنيسة مسرحا للأفعال المنافية للآداب وعلاقات الحب والغرام وكثيرا من المشادات التي تتناثر فيها الالفاظ الخادشة للحياء، ويبول فيها طفل صغير على رؤوس المصلين· الحملة اثرت على ايرادات الفيلم الامر الذي ادى لرفعه من بعض دور العرض ومنها سينما مودرن بشبرا بعد ان حقق ثمانية آلاف جنيه بمعدل 600 جنيه يوميا وظل معروضا في سينما ''الامير ودوللي'' بنفس الحي· الحملة المسيحية الارثوذكسية على الفيلم اتخذت اشكالا شتى بخلاف رفع الدعاوى القضائية منها ملاحقة الكتابات الصحفية التي تشيد بالفيلم والتشهير ببعض الكتاب، وتجييش حملة من جانب أقباط المهجر الذين لم يشاهدوا الفيلم للمطالبة بمنع عرضه، واستكتاب بعض آباء الكنيسة لمقالات وآراء وتوزيعها على الصحف باعتبار أن هذا هو رأي الكنيسة في الفيلم ردا على ما تردد من ان الكنيسة ليست غاضبة من الفيلم لدرجة ان رأيا مناهضا للفيلم للأنبا بسنتي اسقف حلوان والمعصرة تم تعميمه على الصحف والمجلات· المفاجأة كانت رفع دعوى قضائية من خلال مركز ''الكلمة'' لحقوق الانسان وتصدى للدعوى مستشار الاحوال الشخصية القبطي نجيب جبرائيل الذي أكد انه أقام الدعوى ضد الفيلم ليس مدفوعا من الكنيسة ولكن مدفوعا بعقيدته الدينية التي مست بشكل فيه ازدراء· وأكد ان مئات المسلمين والاقباط من كافة الطوائف تضامنوا معه· مجلة ''روز اليوسف'' هاجمت الدعوى القضائية بعنف واعتبرت جبرائيل مثل مشايخ الحسبة، كما قالت ''صوت الامة'' المستقلة أن القمص مرقس عزيز كاهن الكنيسة المعلقة المتضامن مع جبرائيل يشبه الشيخ يوسف البدري صاحب دعاوى الحسبة ضد المثقفين والابداع والسينما في مصر· وأكد المستشار جبرائيل أنه ليس من شيوخ الحسبة ولا يبحث عن شهرة بل يحاول حماية معتقده الديني، رافضا استنكار دعاوى الحسبة في الاوساط المثقفة· وقال انها دعاوى قضائية لمرضاة الله في ترديد واضح لمقولات شيوخ الحسبة قبل تنظيمها من جانب النائب العام المصري بعد واقعة تكفير الدكتور نصر ابوزيد وتفريقه عن زوجته الدكتورة ابتهال يونس منذ عشر سنوات· واستغل القمص مرقس عزيز صفحات صحيفة ''الميدان المستقلة'' للنيل من معارضيه مهددا إياهم بالويل والثبور، وقال سنظل وراء الفيلم حتى لو طارت فيه رقاب· وأفردت مجلة ''المصور'' للمرة الثانية صفحاتها لعدد من المفكرين والكتاب للرد على القمص مرقس وانصاره وكان أبرز الردود للناقد سمير فريد الذي أشبع القمص تقريعا ولوما مطالبا بمنع تدخل رجال الدين في الفن· كما افردت مجلة ''الكواكب'' ملفا خاصا على عددين كان واضحا فيه عنوان ''ليلى علوي تشعل ثورة الاقباط'' وداخل العدد نشرت حوارا على اربع صفحات للمستشار نجيب جبرائيل تحت عنوان ''محاكمة غير سينمائية لفيلم سينمائي''، واشارت لجبرائيل بعنوان ''هذا الرجل لا يحب السيما''، وابدى جبرائيل تخوفه من عرض الفيلم في صعيد مصر، كما ابدى القمص مرقس عزيز عزمه وتصميمه على مطاردة الفيلم !! فتح النار والتزم مخرج الفيلم أسامة فوزي الصمت مكتفيا بتجميع كل ما كُتب عن الفيلم والرد في حدود ضيقة، بينما فتح المؤلف هاني فوزي النيران على الذين يناهضون الفيلم مؤكدا رفضه أي محاولة للمساس بحريته في الكتابة أو الخيال ورد على منتقديه بأن فيلمه روائي لا تسجيلي· أما اسامة فاضطر للسخرية ممن صوروا الفيلم على انه فيلم بروتستانتي وقال انه سيقدم فيلما جديدا ارثوذكسيا، ثم قال سأصنع فيلما عن السنة ثم فيلما عن الشيعة وهكذا حتى لا أغضب أحدا· وحمل أسامة بشدة على الرقابة وقال للأسف كل هذا الذي يحدث سببه موقف الرقابة وهذا هو الذي جعلنا الآن نجلس لنفتش في ديانات صانعي الفيلم وديانات الذين وافقوا عليه وديانات الذين رفضوه وهذا ما يخلق الفتنة وليس الفيلم نفسه· ويضيف: أنا متأكد من أنني صنعت فيلما يجعل الناس أقل تعصبا ويحمل دعوة لحب الحياة، وحب الله بدلا من الخوف منه، هذا هو الفيلم في سياقه العام، أما إذا أراد البعض التوقف عند التفاصيل فكل التفاصيل حقيقية وأنا عشتها والفن في النهاية وجهات نظر· هاني فوزي مؤلف الفيلم قال: أصور حياة أسره من البروتستانت أو الأرثوذكس أو الكاثوليك وهذا اختيار فني ليس مقصودا به أي شيء آخر وهل اذا صنعت فيلما عن أهل النوبة مثلا يكون من حق القاهريين ان يعترضوا لأنني لم أصنع فيلما عنهم في حين أنهم هم الأكثر عددا؟ وهكذا يمكن أن أصنع فيلما عن طائفة لا يزيد عدد أفرادها على مئة ومع ذلك سبق لي أن ألفت فيلما بطله قبطي أرثوذكسي وهو ''فيلم هندي'' ومشاهد الكنيسة فيه تم تصويرها في كنيسة أرثوذكسية· ويضيف هاني: قدمت فيلما عن حياة فرد وليس عن العقيدة المسيحية، قدمت فردا متزمتا وليس عقيدة متزمته، والابطال في الفيلم نماذج فردية تمثل نفسها، مع ملاحظة ان الاحداث تدور في فترة الستينات واعتراضات من رفعوا الدعوى ليس لها منطق، مثلا بطل الفيلم يمتنع عن معاشرة زوجته وهو صائم، هذا فهمه -هو- للصيام وليس معنى هذا ان ما يفعله ينطبق على بقية المسيحيين، ويتطرق هاني لأحد أهم المآخذ وهو زواج الارثوذكس من البروتستانت ويقول الارثوذكس طوال الوقت يتزوجون البروتستانت والقول بغير هذا غير صحيح وكل ما في الأمر ان الطرف الانجيلي يتم تعميده في كنيسة ارثوذكسية ثم لماذا يتجاهلون ان الاحداث تدور في فترة الستينات· وقال إن مشهد المعركة في الكنيسة الذي يعترضون عليه كان في دار مناسبات تابعة للكنيسة التي غضبوا من انها كنيسة بروتستانتيه، وحتى لو كانت مشاجرة فهى في كنيسة بروتستانتيه، واعتقد ان من رفع الدعوى لم يفهم الفيلم· نجيب جبرائيل صاحب الدعوى يرفض الاتهام بانه لم يشاهد الفيلم أو لم يفهمه ويقول أنا مستشار في محكمة الاحوال الشخصية ولي وجهة نظر، وما يقوله المخرج والمؤلف مجرد تبرير لاعتدائهما على المقدس في عقيدتنا المسيحية، وتقديري ان المخرج مثل طفل يعبث بشيء لا يعرف عواقبه وعقابه ويؤدي للفتنه والصدام بين الطوائف، فالمخرج تعمد ان يصور كل مشاهد الفيلم في كنيسة بروتستانتيه كما لو كانت الطائفة البروتستانتيه هي الغالبه والعكس صحيح فالارثوذكس هم الاغلبية، كما اظهر الفيلم ان لدى الارثوذكس تزمتا مقيتا في ممارسة صلواتهم وصيامهم وعلاقة الزوج بزوجته، وبين الفيلم أن الديانة المسيحية فيها من التعقيد والتزمت بحيث يمكن ان تطيح بالعلاقة الزوجية في سبيل الصيام· واكد المستشار جبرائيل ان الفيلم جعل الكنيسة وهي مكان مقدس مكانا للقاء العشاق كما تحول الفرح والمأتم الى معركة شرسة داخل الكنيسة، واكد ان رسالة الفيلم ليست واضحة واساء الى المسيحيين الارثوذكس ولتاريخ وطقوس الكنيسة القبطية والتي شهد لها العالم بأكمله· كما ان الفيلم يثير الفتن الطائفية ويكدر السلام الاجتماعي ويزدري طائفه لها وجود قانوني في مصر وهي طائفه الاقباط الارثوذكس ويمكن ان يحدث صداما بين الطوائف المسيحية في مصر ويؤلب طائفة ضد أخرى، وقال: ليس الهدف من الدعوى القضائية ان اقول ارجعوا الى الكنيسة الارثوذكسية لان الكنيسة ليست جهة رقابية ولكن حتى تستقيم الامور يجب ان يستطلعوا رأي الكنيسة فيما يتعلق بالعقيدة ولا اعترض على قصة الفيلم، وانما على الاخطاء الدينية· وقال اكرام لمعي راعي الكنيسة البروتستانتية والذي اختصمه المستشار جبرائيل: لم اقرأ السيناريو ولو عرض عليّ لأقرأه لرفضت، لان الفيلم لم يصور بأكمله داخل الكنيسة والقصة بلاشك خيالية من إبداع المؤلف وطلب مساعدتي في جانب محدد فقط من الفيلم ولأن الرقابة وافقت على السيناريو فان رفضي سيكون مشكلة، ولذا قبلت التصوير وحتى الشكر الذي وجهته اسرة الفيلم لنا ككنيسة طلبت رفعه من المقدمة حتى لا يساء الفهم· ونحن ضد أي إساءة للكنيسة بجميع طوائفها، كما أننا ضد الرقابة بكافة أشكالها لأننا لسنا أطفالا، وقد استفاد صناع الفيلم من الضجة التي حدثت بشكل لم يكونوا يحلمون به· الإتحاد الإماراتية في 9 يوليو 2004 |
القاهرة/ مازن حمدي |
|