من المؤكد أن السينما المصرية قد خرجت من أزمتها التى استمرت لسنوات، ليس فقط لعبورها مأزق النوع الواحد ممثلا فى سيطرة أفلام الكوميديا الهزلية بفيلم "سهر الليالي"، ولا بسبب ظهور عدة مخرجات واعدات بأفلام جيدة، ولكن للصحوة الفكرية وتميز سيناريوهات أفلام دخلت مناطق شائكة جدا، وعلى رأسها فيلم المخرج أسامة فوزى والسيناريست هانى فوزى "بحب السيما" فيه يفصحان عن هويتهما المصرية المسيحية، إذ يتناول الفيلم أسرة مسيحية تقطن حى شبرا دون ضرورة للخوض فى مسألة الصداقة مع المسلمين كما فى الفيلم السابق للكاتب هانى فوزى "فيلم هندي"، ومن المهم جدا أن قضية التدين وعلاقتها بالجنس والحياة التى تم تناولها من زاوية شخص قبطى -مسيحى مصري- تنطبق فى كثير من أسسها مع أى دين، ومع الدين الإسلامى تحديدا، الحرام والحلال، الثواب والعقاب، الخوف من النار وطلب الجنة، ضغوط الحياة وشهوة الجسد، قضية الحرية، والسؤال المطروح منذ فترة: هل الفن حرام؟ كل هذه القضايا مشتركة بين الديانات المختلفة، طرحها المؤلف هانى فوزى بالتركيز على أسرة مصرية، راويا حياتها فى حقبة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بداية ووسط الستينيات، من خلال الطفل الذى هو المؤلف نفسه غالبا، طفل صغير يعشق السينما بينما يمنعه أبوه المتدين عنها "عدلي" محمود حميدة، فى الفيلم الطفل شاهد على كثير من خطايا الكبار يساوم كل منهم بفضح أمر خطيئته أو دعوته للذهاب إلى السينما، يتضرع الطفل فى صلاته -فى مشهد أبدعه المخرج أسامة فوزي- إلى الله بأن يجعل والده يوافق على فرصة مشاهدة فيلم المنتقم، وبعدها سيصلى له كثيرا، يطمع أكثر ويطلب فيلما ثانيا وثالثا، السحب تتحرك وينهمر المطر، الأم تهرع لإنقاذ طفلها من البرد، يمرض الطفل ويقدم لنا المبدعان شخصية غير نمطية للطبيب الذى يكرهه الطفل بتفاصيل صغيرة ممتعة وينجح المبدعان فى إشعارنا برفض السلطة ممثلة فى كل رموزها بداية من رجل الدين والناظر الفاسد والطبيب، الأم ليلى علوى تعمل ناظرة مدرسة ابتدائية يزورها مفتش التربية الفنية معترضا على إلغاء حصص الرسم لصالح دروس العربى والحساب، يكتشف الفنان زكى فطين عبد الوهاب موهبتها الفنية عندما تسقط لوحة تمثل منظرا طبيعيا ملفقا من عدة أجواء حيث شجر أوربى مع النخيل العربى، يسقطها فتظهر فى ظهر اللوحة لوحة أخرى بها رسم عارى لجسد امرأة، لوحة مرسومة بشكل فنى، ويبدأ مفتش التربية الفنية فى تحفيز الأم لاستعادة موهبتها وتحفيزها على العودة، ويكتشف الطفل أيضا نفس الشئ -نتيجة حادث عارض- مع اللوحات المعلقة فى بيتهم، هذه التفصيلة الرمزية التى تعنى كيف يخفى مظهر سطحى -وسخيف كما يقول الطفل- وبلا روح أشياء أعمق وأكثر خصوصية وبروح حقيقية، يصدر الأب صورة الله الذى يعاقب بالنار أكثر من صورته الرحيمة مهددا بها الطفل، الأم تكره هذا السلوك من الأب وتعاتبه عليه، تتزوج أخت الزوجة منة شلبى لدفع حمى الجسد من شخص غير مسئول، يترك لها توأما ويتهرب من الجيش، الجدة عايدة عبد العزيز التى تتلقى مكالمات تليفونية غزلية من مجهول بينما زوجها سارح فى ملكوت خاص به، غالبا يتعاطى مخدر،ا رسم المؤلف شخصيته بما يؤكد ذلك، وكل الشخصيات مرسومة بتفاصيل لا تقل عن أمتع القصص القصيرة الممتلئة بالغنى والخصوصية، فيلم "بحب السيما" يجبر المشاهد على احترامه وعلى تتبعه رغم خلوه من الهزل، فيلم قاتم فى كثير من أجزائه، ملئ بالنكتة وبروح المرح فى أجزاء أخرى ولكنه على مداره العام فيلم جاد، يناقش قضاياه بعمق، مع لحظات تخفيف يقوم بها غالبا الطفل المعجزة، الراوى صغيرا، الشاهد على زمن من حياة أسرة مصرية مسيحية، رغبة الطفل الوحيدة -خطيئته لدى الأب- حبه للسينما التى جعلها المؤلف والمخرج تعبيرا عن الحياة الحقيقية، الحرة والمنطلقة فى مقابل سلطة الدين وسلطة الدولة. ليلى علوى أم وامرأة، نجحت فى التعبير عن ثنائية الأم المضحية التى تعمل ليل نهار من أجل أسرتها، والمرأة الممتلئة بالحيوية والراغبة فى إشباع احتياجاتها الجسدية والنفسية، عايدة عبد العزيز الجدة التى لا تشاهد ولا لحظة واحدة بدون شيء تفعله، تلهى نفسها بالعمل لتعوض فقدان الإشباع العاطفى نتيجة غياب الزوج لتوهانه وأنانيته، محمود حميدة المتدين كما كل مصرى، المثالى فى صراعه مع الله والكنيسة، والناظر وعبد الناصر، مقاومته لإغراء زوجته ودفعها له ليعيش كالبشر، دور صعب أداه بجدارة متناسيا وسامته، منة شلبى قبل عمليات التخسيس والتجميل، فتاة مصرية ممتلئة بالرغبة، مقنعة تماما، وجه معبر عن لحظات الفرح والحزن، هى أم قبل الأوان والتوأم على ذراعيها، تفاصيل كثيرة كلها محققة بالصورة تعاون فيها مع صلاح مرعى بالإدارة الفنية وهندسة المناظر، وطارق التلمسانى بالصورة التى تحمل أسلوبا لونيا يوحى بماض قريب، يحافظ على درجات لونية تقترب من اللوحات الزيتية، وخالد مرعى فى مونتاج خال من الألعاب، يستمد إيقاعه من روح المشاهد فيتمهل عندما يتوجب التمهل، كما فى مشهد موت الأب وهو يصحب الطفل على الدراجة فى الغروب، ويلهث فى تتبع إيقاع حركة الأم التى تقوم بمهام متعددة، موسيقى جديدة على الأذن لم نسمع عذوبة مثلها من قبل، فيلم مميز بكل عناصره الفنية، وكما كل عمل ثورى ينتهى الفيلم وقد تغيرت الشخصيات، الأب عدلى وقد اشترى جهاز التلفزيون بعد أن شاهدنا الطفل كطائر مغرد محملا على كتف الأب فى مشهد فائق ترتاح فيه قلوبنا، ويصل المخرج فى تعبيره عن معانى المؤلف درجات تطاول السماء، أسامة فوزى لا يكسر فقط الأنماط المعتادة ولكنه يقدم مشاهد الفرح والموت بشكل مبدع، حيث ينقلب الفرح إلى مأتم ويتزوج الشابان وعلامات الضرب على العريس والقسيس، والمأتم وقد تحول لمشادة أخرى بين اتجاهين فى الحياة، أناس كاذبون مخادعون، وأناس صادقون، وأثناء تلاوة القديس لصلاة الميت يصعد العمال بالتليفزيون إلى الشقة لا ينسى صلاح مرعى شركة النصر للتليفزيون وكأن الأب قد أعطاهم الإذن قبل موته يبارك استمتاعهم بالحياة، وعندما يموت الجد أثناء تجمع الأسرة لمشاهدة التليفزيون فتغلقه الأم، ويعيد الطفل فتحه وهو يضحك مقبلا على الحياة، بحب السيما دعوة لحب الحياة والبعد عن التعصب الدينى وادعاء امتلاك الأخلاق الحميدة . دعوة للحرية واحترام الفن . "بحب السيما" فيلم يعبر عن كل البشر أيا كانت انتماءاتهم الفكرية أو العقائدى. العربي المصرية في 13 يونيو 2004 |
دعوة لحب الحياة والبعد عن التعصب واحترام الفن بحب السيما فيلم يعبر عن كل البشر صفاء الليثي |
فيلم مثير للإهتمام
القاهرة - من رياض ابو عواد يوجه فيلم "بحب السيما" لاسامة فوزي نقدا لاذعا الى الاصولية الدينية والنزعة التسلطية من خلال بوتقة قبطية كاسرا الكثير من المحرمات في السينما المصرية التي تسعى عادة الى الابتعاد عن الخوض في قضايا الدين والجنس او التعامل مع الأقليات. يتناول الفيلم قصة ابن لاسرة قبطية متزمتة يعشق السينما الا ان والده المتزمت والمتسلط (محمود حميدة) يمنعه حتى من مشاهدة الافلام التي يرى انها تدعو الى الفساد والانحلال كما يمارس كل انواع القهر على زوجته الرسامة (ليلى علوي) ويكبت ابداعها الفني. ويقول الناقد في اسبوعية "صباح الخير" عصام زكريا ان الفيلم يمكن ان "يفهم من خلال عدة مستويات" فمسار الاحداث الدرامية يمكن ان يشكل "نقدا لاذعا لتزمت الاصولية الدينية القبطية والاسلامية الى جانب التزمت السلطوي في الاسرة التي يمثلها الاب وايضا استبداد السلطة السياسية". ويرى زكريا ان "الفيلم قدم صورة حقيقية عن مجتمعات القهر التي تولد الخيانة والكذب على النفس وعلى الاخرين ولا بد ان تؤدي في النهاية الى الهزيمة". وقد ظهر ذلك جليا قبل نهاية الفيلم عندما مزج المخرج بين مشهد الغروب وخطاب تنحي الرئيس جمال عبد الناصر اثر هزيمة حزيران/ يونيو 67 وموت الاب وذلك في تهيئة لانتقال المجتمع المصري "الى مرحلة اكثر ظلامية مهدت لها مرحلة الستينات بتزمتها السياسي" كما تقول الناقدة في اسبوعية "المصور" امينة الشريف. ويقول الناقد في اسبوعية "روز اليوسف" طارق الشناوي ان "السيناريو الذي كتبه هاني فوزي جاء سلسا وواقعيا وجميلا الى جانب المخرج اسامة الذي صنع حالة من البهجة والمتعة التي لا تخلو من العمق على مستوى الفكر والصورة السينمائية". وفي قراءة ثانية يقول الشناوي "من يرى هذا الفيلم سيصبح اقرب الى الله فالاديان وجدت لسعادة البشر لكن من يقومون على تفسيرها هم الذين يعملون على تعاسة البشر والصبي هنا نموذج للفطرة الدينية كما عبر عنها في مخاطبته الله بكل مشاعر صافية". ميدل إيست أنلاين 9 يونيو 2004
|