بقدر سعادتنا بالازدهار اللافت لصناعة السينما حاليا، إلا أنه
فى الوقت ذاته مثير للقلق، فبمجرد نظرة على خريطة الكيانات الاقتصادية المتحكمة
فى السوق السينمائية وغياب معلومات شافية كافية لحجم هذه الصناعة، خصوصا أن
أغلبها مجرد واجهة لدول أجنبية، تتقدمهم «الشركة العربية للإنتاج والتوزيع»
كانت الذراع الطولى للكيان الاحتكارى «هيرمس» قبل أن تعيد بيعها إلى «فنون»
التى تمتلكها «إسعاد يونس» وزوجها علاء الخواجة - الأردنى الجنسية - برأسمال
قدره 20 مليون دولار، ورغم قلة إنتاجها السينمائى إلا أن قيمتها الحقيقية فى
احتكارها للقسط الأكبر من كعكة التوزيع السينمائى، ومع أنها لم تنتج سوى 11
فيلما فقط فى الفترة من 2000 إلى 2007 منها فيلم «محطة مصر» لكريم عبدالعزيز
ومنة شلبى، فقد حقق إيرادات بلغت 3 ملايين و400 ألف جنيه رغم استمرار عرضه
لأكثر من 18 أسبوعا، وتسببت هذه الإيرادات الهزيلة فى صدمة عنيفة للشركة ولم
يكن «ليلة سقوط بغداد» بطولة أحمد عيد وبسمة وإخراج محمد أمين أسعد حالا رغم
استمراره 10 أسابيع حقق خلالها إيرادات وصلت إلى 4 ملايين و500 ألف لم تغط بها
الشركة تكلفة إنتاج الفيلم!
حسب البيانات المتاحة والموثقة من غرفة صناعة السينما فإن
إجمالى الإيرادات النهائية للشركة العربية للإنتاج والتوزيع السينمائى خلال عام
2007 لم تتجاوز 6 ملايين جنيه رغم إنتاجها لعدد 4 أفلام خلال نفس العام بتكلفة
إنتاجية بلغت 18 مليون جنيه! فى مقابلها يقف التحالف الثلاثى «النصر وأوسكار
والماسة» بقيادة «محمد حسن رمزى» التى تمتلك مع الشركة العربية لكل منها 140
شاشة عرض مقابل 60 دار عرض مستقلة يدور حولها الصراع، ويصل رأسمال المجموعة
الفنية المتحدة 100 مليون جنيه وانتجت 40 فيلما من 2000 إلى 2007 والسنة
الأخيرة انتجت 8 أفلام كان آخرها «الجزيرة» لشريف عرفة وبطولة أحمد السقا فى
أضخم إنتاج ساهمت فيه الشركة منذ دخولها مجال الإنتاج والذى وصلت إيراداته 7
ملايين و255 ألف جنيه فى الأسبوع الأول فقط من عرض الفيلم، بينما لم يحقق فيلم
«أسد و4 قطط» بطولة هانى رمزى والفوركاتس سوى 3 ملايين و300 ألف جنيه، والذى
زاد إنتاجه على 5 ملايين جنيه!!
جاء دخول شركة «جودنيوز» لحلبة الإنتاج السينمائى ليفرض أكثر
من تساؤل حول مصدر أموال هذه الشركة والمرجح أنها خليجية ويديرها الإعلامى عماد
أديب ويساعده فيها شقيقاه عادل وعمرو، وأكثر ما لفت النظر لأداء هذه الشركة حجم
الأموال المنفقة على أفلامها والتى تخطت الحدود المتعارف عليها فى السوق
السينمائية المصرية فى باكورة أعمالهم «عمارة يعقوبيان» والذى تكلف 22 مليون
جنيه - حسب ما ذكرته الشركة - والذى حقق إيرادات وصلت لأكثر من 20 مليون جنيه
داخل مصر، وتلاها فيلم «حليم» الذى لم يحقق نجاحا يذكر، بل عمد إلى استغلال
ظروف مرض وموت «أحمد زكى» ووصلت تكلفة إنتاجه إلى 20 مليون جنيه وهو رقم مبالغ
فيه على مستوى إنتاج الفيلم وهو ما تكرر بشكل أكثر حدة فى فيلم «مرجان أحمد
مرجان» الذى تكلف إنتاجه 26 مليون جنيه! أما اللافت فيما يخص إنتاج «جودنيوز»
فهو طبيعة الموضوعات السينمائية التى اختارتها الشركة فى برنامجها المستقبلى
للإنتاج وبدأ من «عمارة يعقوبيان» وما أثاره من جدل سياسى واجتماعى أدى إلى
تشويه صورة مصر وما سيتلوه من أفلام مثل «ليلة البيبى دول» و«بيت من لحم»!
الغموض يكتنف «جودنيوز» للتعرف عليها ماديا وحاولنا التوصل إلى
أى معلومات دقيقة عن حجم رأسمالها ولم نستطع، والسؤال الذى يطرح نفسه كيف تقوم
مؤسسة بهذا الحجم الضخم على معلومات عشوائية غير موثقة أو يجرى التعتيم عليها
رغم هذه الميزانيات الخيالية، الأغرب أن «عادل أديب» - العضو المنتدب لجودنيوز
- صرح لجريدة الشرق الأوسط قبل ذلك، إن شركته وضعت خطوطا مستقبلية من أجل إعادة
فتح سوق للسينما الأجنبية داخل مصر وبالتحديد الهندية والفرنسية!
وهو لغز آخر من ألغاز «جودنيوز» التى لانعرف كيف تغطى تكاليف
إنتاجها ومن أين تحصل على الفارق، ولماذا التعتيم ولاتعلن عن ميزانيتها
بشفافية؟! فى الوقت نفسه تصاعدت أسهم شركة «الباتروس» للإنتاج الفنى، وهى
الأخرى لانعرف رقما محددا لميزانيتها وكان يملكها الأمير «الوليد بن طلال»
وانتجت فى حينها «زكى شان»، و«ويجا»، ثم انتقلت ملكيتها إلى رجل الأعمال «كامل
أبوعلى» الذى انتقل من الاستثمار السياحى إلى السينما وقدم باكورة أعماله «ازاى
تخلى البنات تحبك» عام 2002 ثم توالى إنتاج الأفلام حتى وصلت عام 2007 إلى 10
أفلام حققت أكثر من 18 مليون جنيه إيرادات! ومن أهم الشركات على الساحة
السينمائية «العدل جروب» برأسمال يزيد على 50 مليون جنيه، وعلى ذات مستوى رأس
المال تبرز شركة «السبكى» وإن يغلب على أفلامها خلوها من الإبداع وتمتاز
بتغليبها للمنطق التجارى على جميع ما انتجته، وتعود أصول عائلة «السبكى» إلى
منطقة شعبية بحى الدقى وفيها تقع محلات الجزارة التى تملكها العائلة، وقد فرضت
العائلة ذوقها الخاص على الأفلام التى أنتجتها، ويتذيل جهاز السينما المشهد
الإنتاجى السينمائى بدعاية لاتتناسب مع حجم ما قدموه من أعمال فنية فى إشارة
إلى إنها يد الدولة لكسر الاحتكار والتكتلات الاقتصادية فى الفضاء السينمائى
وإنقاذها من التدنى، لكنها دائما كانت تعانى التخبط الإدارى والفكرى! أخطر ما
يواجه السينما المصرية مستقبلا هو ذلك الصراع الخليجى - الليبى فى الفترة
الأخيرة الذى يهدد بفرض موضوعات وأفكار مستوردة على المجتمع المصرى تغير
تركيبته الفكرية والاجتماعية خصوصا أن تدعم محطات فضائية لـ «روتانا»،
ART
تدعمهم حيث إن الوليد بن طلال - صاحب شركة روتانا للصوتيات والمرئيات - أصبح
يمتلك 40% من حجم الإنتاج السينمائى المصرى سنويا من خلال الشراكة فى تمويل بعض
الأفلام مع شركة الباتروس التى كان يمتلكها والتى اتفقت مع «روتانا» على إنتاج
7 أفلام منها 3 لأحمد حلمى، وهى: «ظرف طارئ»، و«مطب صناعى»، و«كده رضا»، وشراكة
أخرى مع شركة «الإخوة المتحدين» لصاحبيها وليد وفاروق صبرى بالإضافة إلى شراكات
أخرى، ورغم أن «روتانا» شاركت العام الماضى فى إنتاج 12 فيلما رفعت خطتها
لإنتاج 20 فيلما. بينما يتواجد الشيخ صالح كامل - رئيس مجلس إدارة راديو
وتليفزيون العرب
ART
- داخل الوسط من خلال التمويل المشترك وبمقتضاه يحصل على حقوق التوزيع الخارجى
لحوالى 20% من الأفلام المنتجة السنوية فى مصر، وجاء فيلم «مفيش غير كده» ليكشف
التدخل السافر لرأس المال الخليجى، حيث فوجئ السينمائيون بمشاركة «ART»
فى إنتاج الفيلم ثم حاربته عند عرضه وقررت رفعه من دور العرض لاعتراضه على ظهور
إحدى قريباته فيه بشكل غير لائق أخلاقيا من وجهة نظره!
فى مقابل المد السعودى والخليجى فى السوق السينمائية المصرية
طور الجانب الليبى استراتيجيته من خلال ذراعه السينمائية «شعاع للإنتاج الفنى»
والتى دخلت السوق المصرية منذ 8 أعوام وتستعد بقوة لمزاحمة الأمراء والشيوخ
الخليجيين، خاصة أن الحكومة الليبية رفعت ميزانيتها من 3 ملايين دولار إلى 150
مليون دولار، وهكذا سيحتدم الصراع الذى سيزيد من محنة السينما المصرية ويملى
عليها شروطا جديدة، خصوصا أن «شعاع» كانت تنتج أفلاما ذات قيمة فنية عالية
ولكنها كانت تفشل تجاريا رغم حصولها على جوائز فى المهرجانات الدولية مثل «أرض
الخوف»، و«فتاة من إسرائيل»، و«كلام الليل»! «شعاع» توقفت لفترة عن الإنتاج
بسبب تضارب سياسات مجلس إدارتها مابين الجانب الممول والجانب المصرى المالك
للشركة قانونيا، خاصة فيما يتعلق بالمواجهة مع السعوديين الذين يسيطرون على
الساحة الفنية والإعلامية العربية! «شعاع» تضع فى خطتها الجديدة إنتاج أكبر كم
من الأفلام للنجوم «السوبر ستار» بميزانيات ضخمة تصل إلى 100 مليون جنيه كما
تحاول امتلاك 60 دار عرض فى السنتين المقبلتين، وبالتأكيد تفعيل الوجود الليبى
عبر «شعاع» سيغير مصير صناعة السينما فى مصر! يكتمل ثالوث الخطورة فى كون
السينما المصرية لا تملك مقدراتها بعد أن سلمت بعض الشركات زمام أمورها للإنتاج
المشترك الذى يفرض شروطه بصفته الممول، وتتصدر القناة الخامسة الفرنسية
والاتحاد الأوروبى مؤخرا هذا التوجه بالتعاون مع شركة «أفلام مصر العربية»
وتتعاون فقط مع شاهين وسلالته الإخراجية يسرى نصر الله، وأسماء بكرى، وخالد
يوسف، وأخيرا، أحمد عاطف وتكون محصلتها أفلاما مثيرة للجدل السياسى والاجتماعى،
ودائما ما يواجهها النقاد والجمهور بتهمة الإساءة إلى صورة مصر! شركة أفلام مصر
العالمية انتجت فى السنوات الماضية، أفلاما يدخل فيها الإنتاج المشترك مع إحدى
الشركات الفرنسية والتى فرضت علينا أفكارا بعينها، وذلك ما أكده المنتج وائل
عبدالله الذى قال: الأفكار التى تروجها هذه الأفلام ليس لها علاقة بما يحدث فى
مصر وإنما تروج لمعان معينة كما أن هذه الأفلام تسببت فى طرح أفكار ورؤى شاذة
عن مجتمعاتنا العربية بشكل عام والمصرية بشكل خاص!
وأضاف: السينما التى يتم تمويلها بهذا الشكل تروج لأفكار معينة
خارجة عن قيمنا وحضارتنا، لذلك تصور دائما الجانب المظلم فى حياة شعوبها لتكتسب
الصفة الأكثر التصاقا بها وهى «سينما الكآبة». المخرج أحمد عاطف أحدث تلاميذ
يوسف شاهين وصاحب آخر فيلم ممول من الخارج، دافع عنها ورفض مايردده البعض عن
الأفلام المشتركة بكونها غزوا أو استعمارا ثقافيا ويقول إن إنتاج الأفلام
السينمائية بشكل مشترك من أهدافه فتح أسواق خارجية للفيلم المصرى وبالتالى لا
يصبح الفيلم مقصورا عرضه على الدولة المنتجة وإنما يتعدى ذلك إلى بعض الدول
الأوروبية، خاصة أننا أصبحنا نواجه أزمة حقيقية لتسويق الفيلم المصرى الذى
اقتصر توزيعه على الدول الخليجية وبعض الدول العربية كالأردن وسوريا، مشيرا إلى
أن فيلمه الأخير «الغابة» الذى تم إنتاجه بمساهمة ودعم بعض المؤسسات الأوروبية
كلف 5,3 مليون جنيه، حيث حصل على دعم فقط 10 آلاف يورو. أشار عاطف إلى أن معظم
الأفلام التسجيلية التى يتم إنتاجها بالتعاون مع صندوق الجنوب التابع لوزارة
الخارجية الفرنسية تتراوح ميزانية دعمها مابين 20 و100 ألف يورو موضحا أن مثل
هذه المؤسسات ليس لها غرض وراء دعمها لمثل هذه الأفلام والدليل أن فيلماً مثل
«باب الشمس» يتناول بصفة خاصة هجرة الفلسطينيين عام 1948 من منطقة الجليل ثم
حياتهم فى المخيمات، فالفيلم إنتاج فرنسى - مغربى! المنتج جاب خورى والذى يمثل
الضلع الرئيسى فى شركة «مصر العالمية» رفض الإعلان عن الميزانيات الخاصة
برأسمال الشركة فى حين هاجم بعض الكيانات الإنتاجية السينمائية الموجودة على
الساحة الآن وقال إنها ليس لها تاريخ ولا نعلم من أين تأتى بالأموال الطائلة
التى تتجاوز مئات الملايين وتنفقها على إنتاج الأفلام. وقال خورى: إن السينما
المصرية تعانى من ارتفاع تكلفة الإنتاج التى تزيد عاما وراء عام فمثلا منذ
عامين كانت تكلفة الفيلم لا تتعدى 5 ملايين جنيه، وصلت اليوم إلى أكثر من 20
مليون جنيه، وبالتالى أصبح على المنتج المغامرة برأسماله دون وجود أى قواعد أو
اعتبارات تنظم إنتاج الأفلام السينمائية! المنتج محمد حسن رمزى أشار إلى أن
المخاطرة فى إنتاج الأفلام الآن أصبحت شبه مميتة وخطيرة جدا نظرا للتنافس
الشديد الذى يواجه صناعة السينما الآن فحتى السبعينيات لم يكن هناك تنافس شرس
بهذا الشكل وذلك لدخول البث التليفزيونى وظهور شرائط الفيديو والأقراص المدمجة
والقنوات الفضائية أدى ذلك إلى عزوف نسبة كبيرة من المشاهدين عن الذهاب لدور
السينما فأصبح يكتفى بإدارة جهاز الفيديو أو استخدام الكمبيوتر فى أى مكان يذهب
إليه! منيب شافعى - رئيس غرفة صناعة السينما - يرى أن صناعة السينما اليوم
أصبحت استثمارا يدر ربحا على أصحابه فيقول: قديما كان الفيلم لا تزيد تكلفته
على 20 ألف جنيه أما اليوم فتصل التكلفة إلى 20 مليون جنيه نتيجة ارتفاع أجور
الفنانين وبالتالى ما يدفعه المنتج فى إنتاج فيلم ما، ينعكس على الأرباح
والإيرادات التى يحصل عليها وتتجاوز المليون وذلك بعد أن زادت دور العرض
السينمائية ووصلت الآن إلى 300 دار عرض متوقعا أن تصل خلال المائة عام القادمة
إلى الألف. وقال: كنا نطبع 6 نسخ فقط من الفيلم، أصبحت اليوم تزيد على 50 نسخة!
وعن ارتفاع أسعار تذاكر السينما يوضح منيب أننا فى الغرفة سعينا لأن نخفض ضريبة
الملاهى منذ عام 1948 إلى 48% ثم نجحنا أن نخفضها إلى 22% منذ عامين حتى وصلنا
إلى 5% فقط مشيرا إلى أن ارتفاع التذاكر يرجع إلى تطوير دور العرض السينمائية
وتقديم خدمات لم تكن موجودة من قبل.
وأشار إلى أن دخول الفضائيات فى الإنتاج نشط صناعة السينما فى
مصر متوقعا أن يزيد عدد الشركات العاملة فى مجال الإنتاج السينمائى وأن نعيد
عصر السينما الذهبى تدريجيا حتى نصل إلى مائة فيلم فى السنة.
واضح أن الفترة المقبلة ستشهد ظهور تكتلات إنتاجية جديدة على
الساحة السينمائية فى مصر وأن تجتذب رءوس أموال تتعدى المليارات!
روز اليوسف المصرية في 5 يناير 2008
|