صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

125

124

123

122

121

 

مجلة السينمائي

نحو دعمٍ أوسع من الشركاء الاستراتيجيين

كتابة: عبد العليم البناء

رئيس تحرير مجلة السينمائيّ

 
 
 

نُنهي مع صدور هذا العدد (العشرية الأولى) من أعداد مجلة (السينمائي) التي استطاعت - ولله الحمد - الصمود أمام التحديات الصعبة التي واجهتها بصبرٍ، وأناة، لاسيما أنها كانت – ومازالت - المجلة السينمائية الورقية الوحيدة في الساحة عراقياً، وعربياً، حيث واظبت على الصدور الدوريّ بدعمٍ، واسنادٍ ومشاركة مباشرة، من نخبةٍ من الكتاب، والنقاد العراقيين، والعرب، الذين أسهموا برفدها بكتاباتهم، ودراساتهم، وموضوعاتهم المتنوعة، التي راكمت تجربتها، وتعبيد الطريق أمامها، لمواكبة أحدث التجارب، والإنتاجات، والمهرجانات السينمائية العراقية، والعربية، والدولية، وفتحت ملفات، وحوارات شاملة، ومهمة، فضلاً عن عرض أحدث الإصدارات السينمائية، ومتابعة أخبار النجوم، وصُناع السينما في مختلف أنحاء العالم، بهدف إشاعة، وتكريس الثقافة السينمائية الرصينة بتمظهراتها المختلفة، ودعم السينما المستقلة والترويج لها، وهي تخوض غمار تجربة (الإنتاج المشترك) عربياً، وأجنبياً، في ظلّ غياب الرؤية الاستراتيجية لدى الجهات الحكومية، وانعدام البُنى التحتية التي تحقق صناعة سينمائية أصيلة..

وبدءاً من هذا العدد، والأعداد المقبلة، سنحافظ - بعونه تعالى - على انتظام صدورها، وإيجاد مراسلين دائمين في بعض العواصم العربية، والبحث عن منافذ تسويقٍ حيوية لتوزيعها داخل، وخارج العراق، وكذلك في أبرز المهرجانات المحلية، والعربية، والدولية، من خلال عقد شراكات استراتيجية تحقق المصلحة المشتركة لجميع الأطراف، واستكمال هيكلية المجلة، وتوفير مقرّ دائم يليق بها، وبمحرريها، وروادها، وتنظيم فعاليات، وبرامج، وأنشطة ثقافية، وفنية مُكملة، باعتبار (السينمائي) مشروعاً ثقافياً لا غنى عنه في تفعيل الحراك الثقافي والإبداعي المنشود..

إن جميع هذه الأهداف تحتاج الى احتضان، ودعم متواصل، من جميع الشركاء الاستراتيجيين لتصب في خدمة البلد، والثقافة عامة، والسينما خاصة، باعتبارها إحدى أدوات القوة الناعمة التي لا غنى عنها في عالم اليوم.

 عانت المجلة – ومازالت - تعاني من التمويل، والدعم المادي المطلوب، من أجل ديمومة صدورها، وتوفير مستلزمات الأجور، والمصاريف المعروفة، التي استطعنا تجاوز بعضها، من خلال الدعم المتنوع، الذي نتوقع توسعته، من لدن الشركاء الاستراتيجيين - مشكورين - المتمثلين، بنقابة الفنانين العراقيين، وصندوق تمكين في البنك المركزي العراقي، ورابطة المصارف العراقية الخاصة، والموسيقار العالمي نصير شمة..

لقد حظينا - مؤخراً - بدعم هيئة الإعلام والاتصالات، الذي نأمل أن يستمر مستقبلاً.. ويسرنا أن نقدم شكرنا، وامتناننا للسيد الرئيس التنفيذي للهيئة الأستاذ محمد الأسدي، وللسيد عضو مجلس الأمناء، ومسؤول قطاع الإعلام فيها الأستاذ مجاهد أبو الهيل، لتعاونهما الجاد والمثمر في إطار توافق، وانسجام أهداف، ورسالة مجلة (السينمائي)، وهيئة الإعلام والاتصالات بشكل واضح وملموس.

أنياب

فيلم (أنياب، إخراج محمد شبل، إنتاج عام 1981) واحدٌ من الأفلام النادرة باختلافها في المشهد السينمائي المصري، والعربي.

هناك خلطةٌ طريفةٌ في هذا الفيلم، ومنها :

يجمع بين التجريب النخبويّ، والتوّجه الجماهيري.

من إنتاج شركة أفلام مصر العالمية "يوسف شاهين".

محسن نصر مدير تصوير، عادل منير مونتير، عاطف الطيب مساعد مخرج....

وعلى الشاشة: أحمد عدوية، علي الحجار، منى جبر.... وحسن الإمام.

تمصيرٌ لأسطورة دراكولا، وإسقاطها على المجتمع المصري في الثمانينيّات.

رعب، مصاصو دماء، زومبي، كوميديا موسيقية، رقص، غناء.....واقتباسات من هنا وهنا، ومنها التعبيرية الألمانية...

سذاجةٌ، وجديةٌ، وقضيةٌ مجتمعيةٌ مصيرية...

الطريف في هذا الفيلم (الثوريّ شكلاً حتى يومنا هذا) بأن مصاصي الدماء، وقبل أن يكونوا الحاكم، والنظام نفسه، هم : السمكري، الطبيب، مدرّس الدروس الخصوصية، الميكانيكي، سواق التاكسي.....

باختصار: الشعب.

طبعاً، وأيضاً مصاصو الدماء في القصر.

أتذكر فشل الفيلم نقدياً، وجماهيرياً.

اليوم، وبعد مشاهدة الفيلم، أفهم لماذا يرفض الجمهور المصري مثل هذا النوع من الأفلام.

كيف تدعوه إلى مشاهدة فيلم، وتقدم له رسالة واضحة بأنه هو نفسه مصاص دماء...كل واحد يمصّ دم الآخر.

والأكثر طرافةً، بأن المخرج يمصّ دماء الجمهور عن طريق أسلوب تجريبيٍّ لم يعهده من قبل أبداً، ولا أعتقد بأن جمهور اليوم سوف يتسامح معه (مع أنه فيلم يستحق إعادة الاعتبار له نقدياً على الأقلّ).

توفى المخرج محمد شبل صغير السن، هل كان موته صدفة؟

التعويذة

السينما العربية، وفي أفلام الرعب القليلة التي قدمتها، حوّلت الرعب إلى نكات، المخرج المصري محمد شبل نموذجاً.

كان ("أنياب" من إنتاج عام 1981) علامةً في مسيرة السينما المصرية على الرغم من كلّ العيوب في الفيلم التي حوّلته إلى نوع من الكوميديا.

في "التعويذة" عام 1987، تخلص محمد شبل من طموحاته التجريبية، وأنجز فيلم رعب تتضمن رسالةً اجتماعية، وأيضاً تحوّل إلى فيلم كوميدي من زيادة الرعب فيه.

في "غرام، وانتقام بالساطور" عام 1992، تخلص محمد شبل من طموحاته التجريبية، وابتعد كثيراً عن الرعب عندما تبين له بأنّ الجمهور يغالي في الضحك، وأنجز فيلماً مضحكاً، وهذه المرة كي يقضي على مستقبله المهني.

أما فيلمه الرابع "كابوس" عام 1989، فلم أشاهده بعد كي أتأكد بأنه لم يكرر تقليده لمشهد الحمام، والدوش في فيلم "بسيكوز" لهيتشكوك مع الموسيقى، والمؤثرات، أو أنه قد أعلن توبته، وأصبح يهتمّ بالحلول الدينية كما ظهرت هذه الرسالة واضحة في فيلمه "التعويذة"؟

الخلبوص

كان من المُفترض أن أشاهد فيلماً بعنوان "زيكو"، ولكن، كان المحتوى فيلماً آخر، بدون عنوان، وعرفت بعد المشاهدة أنه (الخلبوص، إخراج : إسماعيل فاروق، إنتاج  عام 2015)، وقلت خلاص كمل شوف إيه الحكاية.. كملت.

كارثةٌ فنية، أو بالأحرى كوارث.

كيف يسمح مخرجٌ لنفسه أن يقدم فيلماً كهذا (بدون إشارة تعجب).

الطريف، بأنني في الفيلم لم أتعرّف على قاهرة أعرفها منذ أن وعيّت على السينما المصرية، ولا تلك التي عشت فيها سنواتٍ طويلة، وبعد ذلك زرتها عشرات المرات.

ما شاهدته في الفيلم قاهرةٌ لا أعرفها، فيها ملامح من مدن إمارتية: الشارقة، أبو ظبي، دبي..

شخصياتٌ لا أعرف عنها شيئاً، هل هي موجودة فعلاً في مصر؟

أجواءٌ غريبةٌ أشاهدها في الأفلام الأجنبية فقط بشكلٍ أفضل.

ديكورات منازل، ومقاهي عصرية بشعة تُظهر أذواقاً رديئة.

هل هي ديكورات بيوت، وفيلات، ومقاهي، وأماكن ترفيه، أم أنها ديكورات محلات حلاقة، وملابس، وفضاءات في المتاجر الكبرى.

هذا غير الدروس السلوكية، والتربوية البذيئة المتوفرة في الفيلم، والتي يمكن أن يقلدها أيّ جيل يريد أن يخفي تخلفه بكل ما هو عصريٌّ شكلياً.

الأخطر، وما كنا نفخر به، ويميزنا عن الغرب الفاسد، .... العائلة.

العائلة غائبة من هذه الأفلام، وكأننا تخطينا العلاقات الاجتماعية في بلدان شمال أوروبا، ووضعناها في جيوبنا.

الأفظع، كان الفيلم من إنتاج عام 2015، وأتخيل كيف يمكن أن تكون أفلام 2022؟

وهناك من يولول ضدّ شخصية نسائية تخلع ملابسها الداخلية بدون أن نشاهدها.

يا آنسات، ويا سيدات، ويا سادة.

نحن لاندفن رؤوسنا في الرمال، ولكن، الأحرى، بأننا ندفن أنفسنا في الرمال.

زومبي على الطريقة المصرية

رُبما من المفيد تصحيح بعض المُسلّمات، أو الأخطاء في تاريخ السينما المصرية، حيث تشير المراجع العامة بأن فيلم Dawn of the Mummy من إنتاج مصري/إيطالي/أمريكي، بينما المرجع الأكثر دقة هي عناوين الفيلم نفسه (التترات)، حيث نقرأ فيها بأن المنتج هو المخرج نفسه، فارق عجرمة، بالمشاركة مع أحمد رمزي (هل هو الممثل المصري نفسه؟ لا أعرف).

مشاركة ممثلين إيطاليين، وأمريكيين في فيلم تمّ تصويره في مصر، وبعض اللقطات في الولايات المتحدة لا يمنحه تلك الجنسية الثلاثية، ويمكن القول بأن الفيلم مصري خالص.

ولكن، إذا كانت الشركة التي أنتجت الفيلم (شركة المخرج نفسه) أمريكية الجنسية، فهو فيلم أمريكي.

وبغضّ النظر عن جنسية الفيلم أكانت مصرية، أم أمريكية، وطالما أن المخرج مصري الجنسية، يمكن إدخال هذا الفيلم في نوعية فرعية من تاريخ السينما المصرية: أفلام الرعب، كما يمكن القول بأنه ربما يكون الفيلم المصري الوحيد من نوعية أفلام الزومبي، والهلع على الطريقة الإيطالية (جيالو) حتى وإن كانت هذه المخلوقات الزومبية تثير الضحك، وحتى لو تصدى مخرجو أفلام الجيالو الإيطالية لهذا الفيلم، وفي مقدمتهم داريو أرجنتو، ونعتوا المخرج بأنه "عايز يبيع المية في حارة السقايين" (باللغة الإيطالية طبعاً).

أما من هو المنتج المُشارك، أحمد رمزي، فهو فضولٌ يستحقّ عناء البحث.

الفرح الذي تحوّل في نفس الليلة إلى مأتم

أكثر ما يُلفت الانتباه في فيلم (الفرح، اخراج سامح عبد العزيز، إنتاج عام 2009)، هي الحارة المصرية، وسكانها بالُمُقارنة مع الحارة، وسكانها في الأفلام المصرية القديمة: العنف.

العنف بين الزوج، وزوجته، بين أفراد العائلة، بين الأولاد، بين أهل الحارة، بين الأجير، وصاحب العمل، بين الغني، والفقير، بين الصغير، والكبير ..

كلّ شخصية في الفيلم تحاول أن تضع الآخر في مرتبةٍ أدنى، وبالأن ذاته، تحاول كسب مرتبة أعلى، كل شخصية في الفيلم تُحذّر من الآخر، وتحذر منه..

ومع ذلك، في المشهد الأخير، وفي الدقائق القليلة التي تظهر فيها العناوين الختامية، يقدم السيناريو مشهداً مغايراً تماماً لما شاهدناه طوال الفيلم، ويُعيد (سينمائياً) بعض الجوانب الإنسانية للحارة، وسكانها، أو يقدم نسخةً أخرى مكثفةً من الأحداث، وكأنّ كل ما حدث لم يحدث، وليس أكثر من حلم، أو احتمال.

كانت الحارة في الأفلام المصرية القديمة، وحتى اليوم تُلهمنا، تُعلمنا، وتوّجهنا نحو الأفضل إنسانياً، تأثرنا بها جميعاً حتى أنها كانت المُحفز الأكبر للعيش في مصر، أو على الأقلّ محاكاة الحياة فيها.

على عكس الحارة في الأفلام المصرية الجديدة (ولا أعرف منذ متى بدأ هذا التحوّل)، والتي تجعلك حذراً حتى من الاقتراب منها، أو التعامل مع سكانها، ورُبما يتفاداها حتى من يعيش في مصر.

ذئابٌ لا تأكل اللحم

(ذئاب لا تأكل اللحم، إخراج اللبناني سمير أ. خوري، إنتاج مصر/لبنان/الكويت عام 1973)، هذا الفيلم، لو شاهدته منذ سنواتٍ، وأقصد عندما كنت متحمساً للنقد المُراهق، لكنتُ اعتبرته واحد من أسوأ الأفلام العربية، وحفرت بمعولي النقديّ حفرة عميقة له..

اليوم، وبعد أن هدأ ذاك الحماس النقدي، أعتبر هذا الفيلم "قطعة سينمائية أثرية"(وهذا التوصيف يختلف عن معنى "التحفة الأثرية") يتوّجب علينا إعادة قراءته من منظوراتٍ مختلفة بغضّ النظر عن المستوى النوعيّ للفيلم الذي يتناسب ونوعية أفلام جماهيرية أُنتجت في فرنسا فترة السبعينيّات، وكانت تجذب إليها جمهوراً واسعاً.

هناك تقاطعاتٌ مثلاً بين "ذئاب لا تأكل اللحم"، وأفلام المخرج الفرنسي جان فرانسوا ديفي الذي كان يبحث عن الإثارة فقط، بينما أيّ مخرج عربي، ولأسبابٍ رقابية رسمية، وغير رسمية، لا يكتفي بها، وإنما يمزجها مع مشهيات سينمائية أخرى.

مثلاً، من بين الملاحظات التي خطرت على بالي: إمكانية تصوير الفيلم بكامله في دولة الكويت في بداية السبعينيّات (مع مشاهد العريّ الكامل لبطلاته، والمثلية الجنسية النسائية).

أكان التصوير في الكويت، أو في مصر، أو في أيّ بلد عربيّ آخر، فهذا يعني، بأن السينما وقتذاك كانت أكثر حريةً من اليوم، وبالتالي، كان الجمهور العربي منفتحاً، ومتسامحاً إلى درجةٍ كبيرة.

من خلال أفلام كهذه يمكن قراءة تلك المجتمعات، أو إعادة قراءتها: العادات، السلوكيات، التفكير، الأخلاقيات....

ومن أجل هذه الأغراض الدراسية، والبحثية مترافقة مع متعة مشاهدة تراث السينما، فإنّ مشاهدة هذه الأفلام، وحتى إعادة عرض مختاراتٍ منها في الصالات التجارية، ضرورة حتمية سوف يثبتها المستقبل القريب.

سينماتك في ـ  28 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 19.12.2022

 

>>>

125

124

123

122

121

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004