صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

125

124

123

122

121

 

الوجه الخفيّ من السينما

كتابة: صلاح سرميني/باريس

 
 
 
 

الأفلام من فئة (B)، و(Z)، .... وحتى بلا أيّ فئةٍ على الإطلاق، هي أفلامٌ رديئةٌ (B)، ورديئة جداً (Z)، ومع ذلك تحظى على شعبيةٍ واسعة في بلدان إنتاجها، وكلّ أنحاء العالم.

بالنسبة لي، أستمتعُ بها، وأضحك مع كلّ لقطةٍ، ومشهدٍ فيها على الرغم من أنها أفلام مغامراتٍ، وحركة، ورعب، وجاسوسية،... ولكنها منجزة بطريقةٍ سيئةٍ إلى حدّ تحوّلها إلى أفلامٍ كوميدية.

إنّ ولع أحدنا بنوعٍ معينٍ من الأفلام، لا يمنع بأن يهتم، أو يشاهد بولعٍ مُماثلٍ نوعاً آخر على النقيض تماماً، مشاهدة كلّ أنواع السينما تمنح التذوّق توازناً إيجابياً، وأتجرأ القول، بأنها تطوّره، وتدرّبه، وتثري المُمارسة النقدية.

وفيما إذا كانت ميزانية سلسلة الأفلام من فئة  (B) متواضعة، فإنّ ميزانية سلسلة الأفلام من فئة (Z) ضعيفة جداً.

وفي معظم الوقت، يُستخدم مصطلح سلسلة الأفلام من فئة (Z) لوصفٍ سلبيٍّ لبعض الأفلام من فئة  (B)، وهي في هذه الحالة تُعتبر(فئة Z) متواضعة جداً، ومفلسة بشكلٍ خاصّ، وهي مرادفة بشكلٍ عامّ للفقر الفنيّ الكبير.

تجدر الإشارة، إلى أنّ المصطلح لا يمتلك مكانةً رسمية: حيث إذا كان بإمكان البعض أن يدّعي، أو على الأقلّ، يقبل بتسمية مخرج، أو ممثل أفلام من فئة  (B) ، لن يتباهى أحدٌ أبداً بأنه ينجز أفلاماً من فئة (Z)، رُبما باستثناء مخرجي الأفلام الهزلية الفاقعة (أو "الأفلام السيئة جداً طوعياًّ") كما حال إنتاجات الشركة الأمريكية Troma المتخصصة في هذا النوع من الأفلام.

وطالما أنها موجودة بكثرةٍ، فهذا يعني بأن جمهوراً (ملسوعاً في دماغه) يلاحقها، وحتى يقتني كل شيء عنها.

 

ماذا تعني أفلام من فئة/ أو سلسلة (B)

 

في الأصل، يعني مصطلح "أفلام من فئة/أو سلسلة B "، الفيلم الأقلّ نبلاً من "البرنامج المزدوج"(عرضٌ مكوّنٌ من فيلمين بثمن تذكرة واحدة).

اعتاد الموزعون، وأصحاب الصالات الأمريكية على تقديم الأفلام في "عبوّاتٍ من فيلمين": فيلمٌ رفيع المستوى بميزانيةٍ كبيرة، مع ممثلين معروفين، وآخرٌ بميزانية أقلّ ينتمي عموماً إلى سينما النوع (الويسترن، أفلام الرعب، إلخ.).

جعل هذا النظام من الممكن تقديم أمسية مع "فيلمين" بتكلفةٍ منخفضة، وهكذا تخصصت بعض الشركات في إنتاج أفلام "سدّ الفجوة".

وُفقًا لبعض المؤرخين السينمائيين، يمتلك المصطلح أصلاً مزدوجاً، والذي لم يكن فقط بسبب جودة الأفلام:

في هوليوود، معظم الاستوديوهات حيث يتمّ تصوير الأفلام من الدرجة الثانية كانت موجودة ببساطة في الجزء "B" من السجل العقاري للمدينة.

وفيما إذا كان مفهوم "البرنامج المزدوج" لم يعدّ ضمنياً في تعريف أفلام من فئة/ أو سلسلة B، يستمرّ المصطلح في تعيين فيلم بميزانية منخفضة نسبياً: أفلام الحركة، والرعب، وأفلام المغامرة ...

يمكن للأفلام من فئة/ أو سلسلة B أن توزع/تعرض في الصالات السينمائية مباشرة، أو عن طريق أشرطة الفيديو، وقد كان المصير الأخير هو الجزء الأكبر من سلسلة B منذ التسعينيّات.

أفلامٌ من فئة / أو سلسلة B ليست بالضرورة سيئة، حيث يمكن أن تكون في بعض الأحيان مفاجآت جيدة، وعروض مسلية، لكن المصطلح لا يزال مهيناً، وتحقيرياً إلى حدٍّ ما.

وفي الوقت الذي تحتقر الثقافة السينمائية العربية هذه النوعية من الأفلام، وتتجاهلها، هناك في كلّ أنحاء العالم ملايين من المتفرجين يحبونها، ويعشقوها.

إذاً، الأفلام من فئة B هي التي يتمّ إنتاجها بميزانيةٍ ضعيفة، ومستوى فنيّ متواضع، أما الأفلام من فئة Z فهي التي يتمّ إنتاجها بميزانية شحيحة، ومستوى متدني للغاية.

 

عندما يقضي التخلف على التراث السينمائي

 

في سبتمبر من عام 2015، احتفت الدورة الـ 21 لمهرجان سينما الغرابة في باريس بالأفلام الجماهيرية التركية، وكان معظمها نسخاً عن الأفلام الأمريكية.

هذا خبرٌ مفيدٌ، وطريفٌ أن يحتفي مهرجانٌ سينمائيٌّ بأفلامٍ جماهيرية مسروقة من أفلامٍ أخرى.

المُحزن، بأنّ المعلومات المكتوبة عن هذا الاحتفاء تذكر بأن السينما التركية فترة الخمسينيّات وحتى التسعينيّات كانت تُنتج حوالي 300 فيلماً في السنة، ومع وصول الوسائط الجديدة للمُشاهدة، وبسبب التخلف المُزمن في بعض المجتمعات، تمّ تدمير نسخ هذه الأفلام من أجل الحصول على نترات الفضة الموجودة في المادة التي تُصنع منها الشرائط السينمائية، ولم يبقَ من هذا التراث السينمائي إلاّ بعض الأفلام المُتوفرة عن طريق الفيديو.

كارثةٌ سينمائيةٌ، يمكن أن نجد لها مثيلاً في بلدانٍ أخرى.

 

من طرائف السينما التركية فترة الخمسينيّات، وحتى التسعينيّات.

 

في الفيلم التسجيليّ المُتفرّد

 Remake, Remix, Rip-Off : About Copy Culture & Turkish Pop Cinema

(طبعةُ جديدةٌ من فيلم سابق، مزجٌ من أفلام سابقة، سرقات: حول ثقافة النسخ، وسينما البوب التركية)

وهو فيلمٌ من إنتاج تركيا/ألمانيا عام 2014، وأنجزه المخرج سيم كايا في إطار أطروحة دكتوراه دولة، وعُرض خلال الدورة 21 لمهرجان سينما الغرابة في باريس عام 2015.

في الفيلم، يحكي أحد المخرجين الأتراك القدامى، بأن الإنتاج السينمائي في تركيا خلال الفترة من الخمسينيّات، وحتى التسعينيّات وصل إلى 300 فيلم روائي في السنة كلها مسروقة من أفلام أجنبية، وكان بدوره يخرج فيلماً في الأسبوع.

الطريف، بأنه لم يكن هناك غير ثلاثة كتاب سيناريو في تلك الفترة، وكانوا يشاهدون الأفلام الأجنبية الناجحة في بلدانها، وينقلون أحداثها.

الأكثر طرافةً، شارك بعض الممثلين الأتراك في أكثر من 1500 فيلم.

 

أفلامٌ من البلاستيك

 

إذا أردنا أن نشاهد فيلماً يحارب فيه الممثلون بسيوفٍ من البلاستيك، نساءٌ محارباتٌ بملابس قصيرة جداً تُظهر ما تحتها، أثداءٌ بالمُفرق، والجملة، أخطبوطٌ عملاقٌ من البلاستيك، مؤثراتٌ صوتية لأسهم منجزة بالفمّ...تشووو، سيوفٌ تدخل تحت إبطّ الممثلين، ولا نقطة دم فيها، فيلم مغامرات بين بطل تركي، وفايكنغ أشرار اشتروا ملابسهم، واحتياجاتهم من محل ألعاب أطفال، والأهمّ، كلبٌ يمثل دور ذئب، إذا أردنا أن نضحك، ونتسلى؟

ما علينا إلاّ مشاهدة هذا الفيلم

 Tarkan Viking kani (تاركان ضد الفايكنغ)

من إخراج محمد أسلان، وإنتاج تركيا عام 1971.

 

أبطالٌ خارقون


السينما التركية عندها أيضاً جيمس بوند، وهنا إحدى العينات:

En büyük yumruk

فيلمٌ تركيٌّ من إنتاج عام 1983، وإخراج جيتين إينانج، أما جيمس بوند، فهو جونيت أركين.

وفي فيلم تركيّ آخر من إنتاج عام 1982 بعنوان Dünyayı Kurtaran Adam (الرجل الذي سوف ينقذ العالم)، ومعروفٌ أيضاً تحت عنوان "حرب النجوم التركي".

جيتين إينانج نفسه يقدم في عام 1986 رامبو التركي (Korkusuz).

 وبعد النجاح الساحق الذي حققه أسوأ فيلم خيال علمي في تاريخ السينما (وخاصة عن طريق الأنترنت)، ظهر في عام 2006 الجزء الثاني بعنوانDünyayı Kurtaran Adam'in Oğlu  )ابن الرجل الذي سوف ينقذ العالم(، ومعروفٌ أيضاً تحت عنوان "حرب النجوم التركي 2" إخراج كارتال تيبيت.

 

سرقات السينما(ت) الهندية

 

منذ أعوامٍ طويلة، تقدم السينماتيك الفرنسية في باريس برنامجاً مزدوجاً بعنوان"Cinéma Bis"(الترجمة الحرفية: سينما مكرر)، أصبحت العروض مواعيد لا غنى عنها لعُشاق الأفلام من فئة (B)، و(Z)، ومازالت تثير الفضوليين الذين تجذبهم أفلاماً خارج إطار المألوف، غريبة، ومنحرفة، خرجت من طيّ النسيان بفضل الأجيال الجديدة من عشاق السينما.

قبل أن يبدأ اهتمامي بهذه النوعية من الأفلام، لم أكن أتخيل بأنّ السرقات في السينما وصلت إلى هذا الحدّ، أفلامٌ مسروقة من أفلام أخرى حققت نجاحاتٍ عالمية، وأفلامٌ مسروقة من ألعاب فيديو، وأفلامٌ مسروقة عن طريق القصّ، واللصق،... وسرقاتٍ أخرى عجيبة، غريبة،... ولطيفة.

عالمٌ من الأفلام لا أعتقد بأن أحداً يعرفه غير المتابعين، والشغوفين، أفلامٌ يتداولها عشاق هذا النوع عن طريق الأنترنت، ويهتمّ بها نقادٌ، وباحثون، يكتبون مقالاتٍ، ودراساتٍ، ويؤسّسون مواقع، ومدونات متخصصة، وحتى يؤلفون كتباً عنها.. (بينما نحن نحتقرها، كما نحتقر أشياء كثيرة).

عالمٌ أبعدتنا السينما الجادة عنه، ويستحق الاكتشاف، وهو ما أفعله من خلال كتاباتي التي تسعى إلى تغيير نظرتنا عن السينما، والتعامل معها في تنوّعها، الجيد منها، والرديء، ومحاولة التخلص من فكرة ورثناها عن "سينما جادة".

السينما(ت) الهندية هي الأكثر سرقةً للأفلام، الأمريكية خاصة، وهي تسرق فيلماً، وتعصره، وتضع فيه توابل كثيرة، وتفبرك واحداً آخر على الطريقة الهندية، أو تسرق مجموعة أفلام، تضعها في خلاطٍ، وتصنع منها فيلماً آخر ......على الطريقة الهندية أيضاً.

باختصار، هي أكثر السينمات في العالم التي تستخدم "الخلاط"، وتقدم عصيراً من الأفلام، أو شبه الأفلام (وهذا لا يعني بأن كلّ السينمات الهندية هكذا).

 

بعض السرقات الأخرى

 

سرقات الأفلام في السينما أكثر مما نتصور، حتى فيلم "الطيور" لهيتشكوك تمّت سرقته مرتين من نفس المخرج الفيتناميّ جيمس نيجويين الذي أراد أن يصنع فيلماً تشويقياً، وقدم في عام 2008 فيلماً بعنوان Birdemic: Shock and Terror، وبتكلفة إنتاجية 10 ألاف دولار، وكانت النتيجة فيلماً كوميدياً في أقصى حالاته "التراجيدية".

وبعد النجاح الجماهيري اللافت الذي حققه بدءاً من عام 2010، لم يكتف المخرج بما ارتكبه بحقّ العظيم هيتشكوك، بل أنجز فيلماً آخر بعنوان Birdemic 2: The Resurrection، وهذا يعني، أنه أحياناً، فيلم "قمامة" يمكن أن يصبح "أيقونةً" في "سينما النوع".

في عام 1977 أنجز الأمريكي جورج لوكاس الفيلم الأول من سلسلة أفلام "حرب النجوم"، ولم ينتظر المخرج البرازيلي أدريانو ستيوارت طويلاً كي ينجز نسخةً كوميديةً من "حرب النجوم"، وكانت بعنوان Os Trapalhões na Guerra dos Planetas
في عام 1984 ظهرت سلسلة أفلام "ترميناتور"، وكانت البداية مع فيلم لجيمس كاميرون، لم ينتظر المخرج الأندونيسي إتش.تجوت جليل طويلاً كي يقلد الأصل، ولكن، مع ترميناتور امرأة، وكانت النتيجة فيلماً مفلساً بعنوان Lady Terminator.

حزينة

في يوم ما شاهدت فيلماً فرنسياً قصيراً ( 4 دقائق) بعنوان HAZINA، إخراج أكسل سلفادوري ـ سينز.

في الفيلم يصور المخرج ثنائيّ مصري، أعتقد متزوجان، في أحد الجوامع الأثرية في القاهرة، ومن ثم، في مكانٍ أثريٍّ آخر، ما أثارني في هذا الفيلم بأن المرأة ملتحفة بالسواد من رأسها حتى قدميها، لا يظهر منها حتى عينيها، والشاب يرتدي ملابس عصرية جداً، وغير ملتحي.

الشاب يصور المرأة/زوجته في داخل المسجد، كتلة من السواد، وفي المشهد التالي يطلب من امرأة أخرى أقلّ تحجباً بأن تصورهما، الرجل يقف بجانب المرأة/ زوجته، ويضع يده على كتفها، كتلة من السواد، وبجانبها رجل يرتدي ملابس عصرية تماماً.

سوف أتجاوز تحريم الصورة، وحرمة التصوير داخل مسجد، والملابس العصرية للشاب، والكاميرا الفوتوغرافية الرقمية التي يستخدمها، وأقف فقط عند الصورة، والتي تعني الظهور، والوضوح، والتي هدفها إظهار الشيء، ...وكل ما تحمله الصورة من معاني فيزيائية، نفسية، سلوكية، تاريخية.

لا أدري ماهي الفائدة من تلك الصورة، كيف يمكن أن يراها أحدٌ ما، والمرأة كتلة سوداء، كيف يمكن أن تتعرّف على نفسها بعد سنواتٍ، وكيف يمكن أن ينظر أولادها مستقبلاً إلى تلك الصورة، وهي ليست أكثر من كتلة سوداء لحظة التقاطها، وسوف تبقى كتلة سوداء اليوم.

سينماتك في ـ  28 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 11.12.2022

 

>>>

125

124

123

122

121

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004