صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

105

104

103

102

101

 

كوينتين تارانتينو

تارانتينولاند (2/2)

كتابة: سامي غنابا

ترجمة: صلاح سرميني

 
 
 

مع كلّ فيلمِ جديد، يقدم لنا تارانتينو المزيد من جنونه الجميل، حيث يُعيد ربط الأنواع، ويجعلنا نتألق في كلّ مرة بنتيجةٍ يُعاد تشكيلها قليلاً، وتجديداً "إعادة النظر" للأشكال.

*****

لا يزال تارانتينو، قبل كلّ شيء، عاشقاً، وفيتيشياً للسينما، ومع ذلك، فإن هذه الفيتيشية ليست الشيء الوحيد الذي يحفزّه كمخرج، خاصةً كرجل.

على الرغم من المازوخية التي تمّ عرضها ببذخٍ في بعض أفلامه، إلاّ أننا، في وقتٍ مبكرٍ جداً، نلاحظ عنده احتراماً، وإعجاباً لا حدود لهما لممثلاته، مما يضفي غطاءً على كلّ هواجسه، وشخصياته الأكثر تميزاً (شوسانا، العروس، ميا، جاكي، زوي ...).

من Pulp Fiction إلى Basterds ، الشخصيات النسائية عنده قوية، وتفرض نفسها، وقاسية، وحساسة.

يمثل Death Proof ذروة هذا التأنيث في مسيرته السينمائية، في هذا السياق، اللقطة الافتتاحية، قدمان موضوعتان على لوحة القيادة للسيارة، تُظهر كلّ فيتيشية تارانتينو بامتياز، علينا العودة إلى Pulp Fiction ومشهده الشهير، حول تدليك القدمين، لفهم أهمية مثل هذه اللقطة، وفتنة المؤلف الطفولية تماماً (وحتى الصبيانية) بالجنس الآخر، وخاصةً بالنسبة لقدمه (المقصود ذروته الجنسية الخاصة به).

رأينا ذلك لاحقاً في Jackie Brown، حيث استمتع تارانتينو بدون حياءٍ بالبصبصة على بريدجيت فوندا وهي تهتزّ في ديكور المشهد عارية القدمين.

دعنا نقول بوضوح، في Death Proof نشهد على توليفةٍ مثالية لجميع "آثام" المخرج الأمريكي:

السينما (تكريمٌ ذكيّ للعروض السينمائية المُزدوجة في صالات ال grindhouse مع كل ما يفترض وجود إشارات إلى سلسلة B، وشرائط الأفلام المُنجزة بطريقةٍ بيتوتية/منخفضة التكاليف).

النساء (المُلتهبات روزاريو داوسون، وروز ماكجوان، والإمبراطورة زوي بيل، كلهنّ مثالياتٍ في صورهنّ المثيرة).

الموسيقى  جنغل جوليا تعمل مضيفة إذاعية، ألحان أبريل مارش، و The Smiths  التي لا تقاوم، أو تلك الرقصة الرائعة على موسيقىThe Coasters).

مع Death Proof (الذي لم يحظى على الإعجاب ظلماً عندما تمّ عرضه، ثم عُرض في برنامج مزدوج مع  Planet Terror للمخرج روبيرت رودريجيز، مزينٌ بشرائط دعائية كاذبة عن أفلام متخيلة سوف تُعرض لاحقاً)، لا يخفي تارانتينو أيّ شيء من جرأته، وتطرّف تجريبه، يدعو، فجأةً، مقارناتٍ مع الرؤوس القوية مثل جودار، أو وارهول، لالتقاط هذه الصلات الوارهولية (نسبةً إلى أندي وارهول)، يمكن للمرء أن يذكر على سبيل المثال هذا التحوّل الفظّ إلى الأسود والأبيض في الإطار، في منتصف لقطة طويلة، وواحدة ، ثم يتمّ تخفيفه مرةً أخرى في أكثر الألوان حيويةً، مشوّباً بعلامة الأصفر المبهر.

أما بالنسبة للمخرج الفرنسي جودار، فإن المشهد الطويل في الحانة، المُزين بملصقات الأفلام، بين جنغل جوليا، مارسي، وبيترفلايّ يتحدثن عن كلّ شيء، ولا شيء، بينما يستنفدن مصائبهن الوجودية الصغيرة على صوت صندوق الموسيقى يُذكّرنا بفيلم Bande à part (جودار).

تارانتينو رجلٌ ذكيّ/خبيث، والأهمّ من ذلك كله، يريد أن يعرف الجميع ذلك، في سباقه من أجل الاستبدادية، يستأجر ممثلة مشاهد خطرة (لا سيما في فيلم Kill Bill)، ويدفع حدود نظامه/منهجه، حيث يأخذ النًسخ هنا بعداً جديداً تماماً.

بتجاوز الفكرة البسيطة المتمثلة في إعادة إحياء روح ثقافة ال grindhouse (صالات عرض فيلمين بثمن تذكرة واحدة)، أو أعمالٍ مثل Vanishing Point أو Dirty Marry ... أو Rolling Thunder ، هنا يقدم مطاردة سيارات هي الأكثر إبهاراً، وبراعةً، وجاذبية على الإطلاق في تاريخ السينما، على الأرجح.

بالإضافة إلى ذلك، وكي يجعل كلّ شيءٍ مربحاً (أكثر فائدةً)، فإن النساء، أمام الشرير الكبير (يلعب كورت راسل النموذج الأصلي المثالي للوحش الرجولي)، يخرجن سالمات – مع أنغام الأغنية الفرنسية

 "Laisse tomber les filles" (دعونا نتغاضى عن هذا الأمر يا فتيات) للفرنسي جينسبورغ، ممتعٌ، تحيا الأخلاق التارانتينية، والإفراط الأنثويّ.

في فيلمه الثالث على التوالي حول موضوع الانتقام، Inglourious Basterds ، يمنح المخرج الأمريكي لنفسه عملاً ـ بياناً لجميع الأفلام التارانتينية، تنعكس فيه جميع موضوعاته المفضلة.

مع آخر أعماله، التي يصف بطلته (وُفقاً لكلماته الخاصة) بأنها جان دارك اليهود (اللقطة القريبة الأخيرة لشوسانا تُذكّرنا بجان دارك للمخرج كارل دراير)، يضع تارانتينو نفسه في تقاطع التاريخ (وتاريخ الفن السابع، بعد كلّ شيء)، وببساطةٍ، يقرر إعادة كتابته!

لاحقاً (المعنى: إذا نظرنا إلى الأمر من بعيد)، نفهم بشكلٍ أفضل الاستقبال المختلط/المتباين إلى حدٍّ ما الذي تلقاه الفيلم عند عرضه في مهرجان كان.

الهولوكوست، القضية الحساسة الكبرى! يبدو بأننا نكاد نسمع همساً في جوقة: "كيف يجرؤ على ذلك؟" بطريقته الخاصة، وبصورةٍ مباشرة، يكسر مؤلف Pulp Fiction ميثاق السينما ـ التاريخ، من خلال إعادة كتابة الساعات الأخيرة من حياة هتلر، وجوبلز، في الفضاء المحدود للخيال/الروائي، ينتهك تارانتينو التاريخ بالتأكيد، لكنه، في الوقت نفسه، يجسّد، وبوضوحٍ شديد، مهارته التي لا يمكن إنكارها في التخريب من خلال "إزالة الطابع الرسمي/التحوير".

من خلال الخيال الأكثر دموية (Gore)، سيكون قد نجح في تجاوز اللحظات المفصلية في التاريخ ("هذا من أجل انتقام اليهود"، أعلنت شوسانا، عند إشعال النار في صالة السينما الخاصة بها)، وتظهر بهذا الفعل، في ابداعٍ معين، مالم يتحقق حتى ذلك الحين.

ثرثارٌ، متفجرٌ، وشخصيٌّ للغاية، يرسم Inglourious Basterds ، قبل كلّ شيء في خطوطٍ عريضة، خرائطيّة تارانتينولاند (عالم تارانتينو)، هذه المنطقة الساحرة (الخلابة) لسينما ثرثارة، متمردة، ذكية، محررة، ومتحررة في نفس الوقت ...

لذلك، دعونا نشعر بالارتياح، أفلام تارانتينو تتبع بعضها البعض دائماً بوتيرةٍ جيدة، ومن الواضح أن مؤلفها ليس لديه رغبة في التوصل إلى اتفاق في الآراء!

إلى المنعطف التالي إذن.

المصدر:

Gnaba, S. (2009). Quentin Tarantino : Tarantinoland!. Séquences, (263), 17–19.

Inglourious Basterds

رايخ "الـ 1000 عامّ" كوماندوز الأوغاد

ماكسيم بيليه

ترجمة : صلاح سرميني

عندما يلتقي، في مكانٍ واحد، صيادٌ يهوديٌّ، ملازمٌ أمريكيٌّ مكلفٌ بجعل الحركة النازية تدفع ثمن فظائعها، ويهوديةٌ فقدت كلّ شيءٍ نتيجة الاحتلال النازيّ لفرنسا، فإنّ النتيجة، من المُرجح، داميةً، خاصةً، إذا قرّر كوينتين تارانتينو مصيرهما.

*****

مخلصٌ كالعادة، في هذا الفيلم يبعث المخرج إلى الحياة شخصياتٍ قوية لا تسلك أربعة مساراتٍ لتحقيق أغراضها.

أولاً، هناك العقيد النازيّ هانز لاندا، الذي أدّاه بشكلٍ رائعٍ كريستوف والتز، يُسمّى بحقٍّ "صياد اليهود" من قبل المواطنين الفرنسيين، هذا المُحقق الخاصّ بقوات الأمن الخاصة، يرتدي قبعة ضباط فرقة "الجمجمة" (Totenkopf)، الكيان المسؤول عن "المعسكرات"، هو بالآن ذاته، دقيقٌ، ذكيٌّ، وساديٌّ، لا أحد يستطيع إخفاء أيّ شيءٍ عن عينه الثاقبة، واليقظة، يتحدث الألمانية، والفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية، وهو الصورة النمطية المثالية لضابط قوات الأمن الخاصة المتحمّس، والانتهازي.

ثمّ هناك الملازم ألدو رين، قائد الأوغاد، الذي سيجعل النازيين يعيشون مذبحةً، وذلك بممارسة نفس لعبتهم، ولكن أفضل منهم.

سوف نجد المعاناة، وفروات الرأس، والجماجم المحطمّة بضرباتٍ ثقيلة من مضرب بيسبول، في كلّ جزء من ساحة المعركة في فرنسا المحتلة التي سيمرّ فيها.

أخيراً، هناك شوشانا دريفوس، المُلقبة بإيمانويل ميميو، وهي شابةٌ يهوديةٌ فرنسيةٌ شاهدت أسرتها تموت على أيدي رجال لاندا، إنها باردةٌ، ونزيهةٌ تماماً، تطالب بالانتقام، هذا ما ستُعدّه في صالة السينما التي تمتلكها خلال العرض النازيّ الأول لآخر فيلم سوف يشاهده جوزيف جوبلز، المُروّج الدعائيّ الشهير للرايخ الثالث.

بالحديث عن الدعاية النازية، يهتمّ تارانتينو بها، وسوف يُلمّح إليها على نطاقٍ واسعٍ طوال الفيلم، سواء من خلال لوحةٍ تُظهر هتلر أكبر من شكله الطبيعي، أو غسيل الدماغ الذي نشعر به بقوةٍ في سلوك الجنود الاشتراكيين الوطنيين، أو من خلال أحدث فيلم لجوبلز، حيث نرى، على وجه الخصوص، بطله ينقش صليباً معقوفاً بسكينٍ في جرس الكنيسة في نفس الوقت الذي يهاجمه مائة جندي أمريكي، سيكون تمثيله/تجسيده للناقل الرئيسي للحزبية الدعائية النازية قريبة جداً من الواقع التاريخي.

منذ البداية، يشدّنا تارانتينو، تبدو العناوين الأولى للفيلم (التترات)، بالإضافة إلى المشهد الأول للفيلم، وكأنه قد تمّ تشكيلها من قِبَل العظيم سيرجيو ليوني نفسه.

نشعر بالتأثرّ القويّ بأفلام الوسترن الإيطالية في فيلمه (الموسيقى البطيئة، ولا سيما من قبل سيد هذا النوع إنيو موريكوني؛ لقطاتٌ مقرّبة، ولقطاتٌ قريبة جداً، صمتٌ طويل، إلخ).

كما هو الحال في المشهد الثاني من فيلم "الطيب، السيء، والقبيح"، فإننا نتعامل مع استجوابٍ لذيذٍ حول طاولةٍ بين صائد القتلة، واللصوص، ورجل يخفي معلوماتٍ عنه.

هذه المرة، بدلاً من المشاركة في الطعام، سوف يكون الحديث حول غليون، هذا الجزء من الافتتاحية وحده يستحقّ المشاهدة، لأنّ التلاعب النفسي ثقيلٌ للغاية بين عقيد قوات الأمن الخاصة، وهذا الفلاح الفرنسي المُشتبه بإخفائه اليهود في كوخه.

وكحال هذا المشهد الرئيسي، ستكون الحوارات قوية، ومتواصلة في الواقعية طوال العمل، وغالباً من خلال عاديتها.

ونظراً لتصوير رُبع الفيلم بالفرنسية، والرُبع باللغة الألمانية، والنصف باللغة الإنجليزية، فإن اللهجات هي إحدى نقاط القوة العديدة للفيلم، سواء كانت لكنة لاندا باللغة الفرنسية، أو مجرد لهجة رين الجنوبية الفائضة، مما يجعلنا نضحك من البداية إلى النهاية (خاصةً عندما يحاول التحدث باللغة الإيطالية دون نتائج مقنعة)، لا يمكن إلاّ أن نؤكد فقط أنه بالحفاظ على اللغة الحقيقية لكلّ شخصية، يكون الانغماس في القصة أكثر حرية.

من المُحتمل أن يكون فيلم Inglourious Basterds هو أقوى أعمال تارانتينو، وأكثرها مذاقاً، فهو مليءٌ بالحركة، والمواقف الطريفة الأصلية، مع الاحتفاظ بالجانب الفكري الذي يتشكل في الحوار الثريّ، والمتماسك، كما يحبّ المخرج أن يدعنا نسمعها.

علاوةً على ذلك، فإن حركات الكاميرا المذهلة، جنباً إلى جنب مع شريط الصوت الرائع بنفس القدر، تجعل الفيلم غامراً، ومؤثراً في نفس الوقت.

ومع ذلك، فإن الشريط الدعائي، الذي وعد بفيلمٍ ذي كثافة متواصلة، يعكس، بالكاد، الجوهر الحقيقي للعمل، والذي تبين أنه أكثر هدوءاً - دون أن يكون كذلك حقاً.

باتباع نفس منطق الجملة الأخيرة من الفيلم، التي قالها ألدو رين، من المحتمل جداً أن يكون تارانتينو قد أنجز تحفته من خلال سرد القصة غير المحتملة لهؤلاء الكوماندوز الأوغاد.

المصدر:

Belley, M. (2009). Compte rendu de [Inglourious Basterds :

 le « Reich de 1 000 ans » / Le commando des bâtards — États-Unis / Allemagne 2009, 153 minutes]. Séquences, (263), 20–20.

سينماتك في ـ  23 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 19.09.2022

 

>>>

105

104

103

102

101

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004