صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

10

09

08

07

06

 

في ذكرى السينمائيّ الهنديّ ساتياجيت راي

د. مالك خوري/القاهرة

 
   
 

مخرجٌ، كاتب سيناريو، سينمائيٌّ توثيقيّ، ناقدٌ سينمائيّ، كاتبٌ، رئيس تحرير، شاعرٌ لكلمات الأغاني، كاتبٌ موسيقيّ، رسامٌ، مصمّمٌ غرافيكي، وخطاط.. 

من أوائل الذين ساهموا بترسيخ البُعد السينمائي الخاص بواقع الانسان المُهمّش طبقياً في الدول الخارجة من تحت مظلة الاستعمار.  

في أحد كتاباته الصحافية الأولى، دعا إلى أن يحسم الكاتب، والفنان أمره منذ البداية تجاه الوقوف إلى جانب البورجوازيين، أو البروليتاريين، وفي النهاية، بقيّ الواقع الاجتماعي للحياة في صُلب اهتمامات راي الفنية، والسياسية، فقال عن السينما:  

"بالنسبة لوسيلة تواصلٍ شعبية، فإن أفضل إلهامٍ للاستيحاء، لا بدّ وأن يأتي من الحياة، وأن تكون جذوره داخلها، إذّ لا يمكن لأيّ درجةٍ من الصقل التقني أن يغطي التصنع في الثيمة، وعدم مصداقية المعالجة".  

تأثر في بدايات شغفه بالسينما بالمخرج جان رينوار، والذي عمل ضمن الفريق البحثيّ له عندما كان رينوار يصوّر أحد أفلامه في الهند، تعرّف فيما بعد على المدرسة الواقعية الجديدة من خلال فيلم فيتوريو دي سيكا "سارق الدراجات"، حيث وجد إطاراً ثيمياً، وتوجهاً أسلوبياً، وإنتاجياً يتناسب مع حدسه الفني، وتوجهاته الاجتماعية.  

بالرغم من الترحيب العامّ في العالم الغربيّ (خصوصاً ضمن الأوساط اليسارية، والتقدمية، والتي كانت نافذة في حينه ضمن أوساط المثقفين هناك) بتجربته السينمائية الأولى"أغنية على الطريق الصغير" La Complainte du sentier (Pather Panchali) 

نذكر أيضاً الترسّبات الطبقية، والعنصرية، والاستعمارية التي جابهته في بداية مسيرته، والتي كانت (وما تزال) ترفد الفكر السائد في الدول الاستعمارية القديمة، والجديدة، ويُحكى أنّ السينمائي الفرنسي فرانسوا تروفو قال تعليقاً على الفيلم:  

"لا تهمّني مشاهدة فيلم يتناول مجموعةً من الفلاحين يأكلون بأيديهم"! 

ساتياجيت راي، أيقونةٌ سينمائيةٌ انسانيةٌ من عالمنا الذي ما زال مهمّشاً، وهو الفنان الموسوعي الفذّ الذي ساهم بشكلٍ ضخم في رسم معالم سينما تُماثل شعبه، وتُحاكي حكاياه، عوضاً عن إعادة صياغة حكايات الاستعمار عن عالمه، كما يفعل الكثيرون هذه الأيام، فمع تأثره، وشغفه، وتمتعه بالإرث الانساني لثقافة، وفنون العالم الغربي، كان راي من أوائل من نجحوا بالنطق بلغةٍ سينمائية "عالم ثالثية" خاصة، تنبض بحسّ هذا العالم، وتوجساته، وثقافته

المخرج الفرنسي برتران تافرنييه.. وداعاً

سينيفيليُّ، ومؤرخٌ سينمائيّ بفضولٍ لا يشبع، يحتلّ برتران تافرنييه (1941-2021) مكانةً بارزةً بين صانعي الأفلام.

في حياته المهنية التي استمرّت 35 عاماً، أكّد على تفرّده بالبدء في اتخاذ وجهة نظرٍ مُعاكسة للعديد من مخرجي جيله.

سخر منه مخرجو الموجة الجديدة، فوجد كاتبا السيناريو، والحوار العظماء، جان أورينش، وبيير بوست، المصداقية في عينيه.

في فيلمه الطويل الأول (ساعاتي سان بول/ L’Horloger de Saint-Paul  )، يعتمد على تجربتهما، ويقتبس رواية سيمينون التي نقلها إلى مدينة ليّون، مسقط رأسه، ومقرّ "معهد لوميير" الذي كان يرأسه.

منذ بداياته، أكّد برتران تافرنييه ميوله الانتقائية، مما جعله غير قابلٍ للتصنيف، ورائعٌ.

بعد أن أخرج فيلمين تاريخيين: (Que la fête commence /لتبدأ الحفلة1975 )، (القاضي، والقاتل/ Le Juge et l’assassin 1976)، تناول قضيةً اجتماعيةً معاصرةً من خلال الاهتمام بالنضال الذي بدأته لجنة الدفاع عن المُستأجرين (Des enfants gâtés/أطفالٌ مدللون 1977).

اعتمد على سيناريو خيالٍ علميّ مع (La Mort en direct/الموت مباشرةً 1980)، وأعاد النظر في الماضي الاستعماري لفرنسا في (Coup de torchon/ممسحة 1981)، كما شهد على شغفه بموسيقى الجاز مع (Autour de minuit/حول الليل 1986).

على غرار فيلم (Un dimanche à la campagne/عطلة يوم أحد في الريف)، الحسّاس، والساحر، الذي حصل على جائزة الإخراج في مهرجان كان عام 1984، أو (حنين الأب/ Daddy nostalgieعام 1990)، فإن الأفلام الأكثر حميمية، التي تحمل ختم شخصية الأب، وتستحضر الوقت الذي يمرّ بلا هوادة، تحدث في مسيرته السينمائية التي تتضمّن أيضاً العديد من الأفلام التسجيلية.

في عام 1982، أنجز برنامج/بورتريه بعنوان (Philippe Soupault et le surréalisme /فيليب سوبّوو، والسريالية).

الفنّ قبل الأخوّة... غالباً

خميّس الخياطي/تونس

أتذكّر أنّه في مهرجان قرطاج السينمائي لسنة 1988، اقترب مني أحد النقاد الجزائريين، وقال في لهجة الصديق المُعاتب:  

"لماذا لا تحبّ الأفلام الجزائرية"؟  

وفي مهرجان القاهرة السينمائي لذات السنة، كتبت صحيفة "روز اليوسف" تحت عنوان "أعداء الفن المصري"، ما معناه، أنّ فلاناً (كاتب هذه السطور) يشنّ حرباً ضدّ الفن، والسينما المصريين.  

وفي لقاء "فاس" الأدبي لسنة 1990، قالت إحدى الفنانات التشكيليات:  

"لماذا لا تحبّ السينما المغربية؟". 

وفي تونس، أُتهمتُ بكوني "كاتون الجديد" الذي يعمل على هدم قرطاج (المهرجان)... 

أسئلة، واتهامات، وإن اختلفت في الموقع، والأغراض، والشخصيات، فإنها تلتقي على أرضٍ واحدة، ولها الهدف الواحد.  

يقول عبد القادر الجرجاني في كتابه "نقد الشعر" عن النقد، أنه قائمٌ على التميّيز، والتحليل... والتمييز قائمٌ، بحسب نظري، على قسمٍ كبيرٍ من ذوقٍ يعززه التحليل القائم على المعرفة، المعرفة متاحةٌ لكلّ الناس. يكفي أن يتحمّل الإنسان مشاق الركض بحثاً عنها حتى يجدها، وهي، جرّاء ذلك البحث، ومعاناته، تصقل الذوق الذي بدوره يختزل قسماً كبيراً من المعرفة، ويدلّ على نشوء التيارات الفكرية، والجمالية، أو على أفول تياراتٍ أخرى فكرية، وجمالية...  

وإنّ بدت القضية كقضيةٍ معرفية فحسب، فهي كذلك قضية ذوق... والذوق قد يُخطئ، وقد يُصيب، ولكن وجوده قائمٌ، ولا أحد له الحق أن يشكّك في شرعيته، إلاّ إذا انتصب على معرفةٍ ناقصة، هزيلة، وعمل جاهداً على فرض مفاهيمه دون قبول مناقشتها.  

إلاّ أنّ المسائل الثلاث المطروحة، لا تعتمد الذوق، والمعرفة، بقدر ما تعتمد شعوراً "شوفينياً" يرى في موقف معيّنٍ من حالةٍ معيًنة موقفاً كلياً من حالةٍ عامة، وبالتالي، فهي تخلط الأوراق، وتمزج بين الفردية، والجماعية، ولا تناقش الذوق، والمعرفة بقدر ما تخونهما، وتعزلهما عن فضاء فعاليًتهما، فيصبح التقييم المًغاير "عداءً"، في حين هو اختلاف، ويصبح الموقف المختلف "تهجماً على الكلّ"، في حين هو محاولة لإجلاء الغشاوة عن مفاهيم قد تكون "خاطئة"، وإظهارها بالمقارنة بين العناصر المكوّنة للأثر الواحد، وعدم التوازن المفروض بينهما من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى، وضع الأثر الواحد، والفردي في خارطة الإنتاج على المستوى المحلي، والإنتاج العام على المستوى العالمي... 

تقول إحدى شخصيات أحد أفلام النابغة الأميركي "وودي آلن":  

لو كان لي أن أختار بين الله، والحقيقة، لاخترت الله".  

ولو كان لي (شخصياً) أن أختار بين الفن، والدفاع عن "علمٍ" معين، لاخترتُ الفنّ بما فيه من نواقص، وتناقضات، وأسقطتُ العلم من حساباتي، ليس عداءً مني له، ذلك أنّ الفن، والفكر أصدق تعبيراً عن الإنسان مهما كانت منزلته، ومهما كانت جنسيته، ومهما كانت عقيدته، عوض الدفاع عن رايةٍ قد لا تعني في النهاية إلاّ رمزاً من رموز الهوية الوطنية الضيقة، والعازلة عن التلاقح بين الحضارات، والثقافات في عالمٍ أصبح اليوم قريةً صغيرةً تكشف خفاياها كاميرات التلفزة، ووسائل الإعلام الجماهيري، وشبكات التواصل الاجتماعي... تحت شعار "صراع الحضارات" الذي أصبح ورقة تينٍ تغطي فشل سياساتٍ عربية في الدفاع عن المواطن العربي

إنّ الحدود الفاصلة بين الدول، كلّ الدول، كبيرها، وصغيرها، أصبحت لا معنى لها من زاوية الانعزال، والانطواء، إذّ السماء المشتركة بيننا مرصّعة بجميع أنواع الأقمار الاصطناعية الملتقطة للعديد من أنواع الصور، والتي تبثّ بدون رقابة إلاّ رقابة المال، والذكاء التكنولوجي، والمقدرة الاستشرافية، فإلى متى سيبقى هذا المنظور العربي القطري الضيّق يتحكم في المواطن العربي، في ذوقه، ومعرفته، في حين أصبحت المعرفة أكثر انتشاراً، وأصبح للذوق فضاء يمكن أن يتبلور فيه بذاته دون وصاية من الحاكم الأكبر، أو الحاكم الأصغر؟ 

ثمّ، ما هو هاجس الانتماء القطري، في حين أصبح الإنتاج السينمائي، والتلفزي اليوم متعدد الجنسيات، فتتفاعل معه أيمّا تفاعل الطبقات الاجتماعية المختلفة يسراً، وثقافة، وما معنى هذا الانزواء داخل حدود القطر الواحد مهما كان اتساع مساحته إن لم يتمّ على حساب إلغاء نسبية الحكم، وعالمية الإنتاج، ولصالح تكثيف الحدود الفاصلة بين الحضارات، والثقافات؟ وما جدوى "تخوين" الناقد، والرميّ به فريسة أمام الشعور الشوفيني المنزويّ داخل مرآة الذات الضيقة التي ما فتأت تؤكد على تعالي ثقافةٍ على أخرى، وبلدٍ على آخر، وإنسانٍ على إنسان؟  

كفانا انغلاقاً على هوية "مُفبركة" ضيقة مسلطة لغرضٍ في نفس يعقوب، فإما أن تكون رؤية المخرج عربية، حرّة، صادقة وعادلة، وناقدة، ونافذة إلى أسّس القضايا، وإما أن تكون الرؤية عربية كذلك، ولكنها هشة، تابعة، ضعيفة، مزيفة، مسطحة، خاوية، وإن طلعت علينا من "أمّ السينما".... 

أيّ العربيّين نختار؟ هو السؤال...  

الفنّ له قواعده، ومناخه، وهو الباقي... ما دامت حرية الفرد هي المُبتغى، والساحل الآمن الذي إليه تهّف المراكب، وفيه يجد المواطن المبدع حقه في الرؤية، والفعل، ودونما مراقبة إلاّ رقابة الضمير.  

أما حكاية الضمير هذه، فتلك قصة طويلة لا مجال لقصّها هنا... 

شُعلة

الرقص على شظايا الزجاج

في الوقت الذي تحتقر الثقافة السينمائية العربية، وتُهمّش، وتتجاهل السينمات الهندية الشعبية (مع بعض الاستثناءات النادرة)، تُدهشنا الثقافة السينمائية الفرنسية باهتمامها البالغ، والمُخلص، والمُعمّق بكل سينمات العالم من الأكثر تواضعاً إلى الأكثر نخبوية. 

وفي الوقت الذي يتوضّح التقصير المُعيب من طرف الثقافة السينمائية العربية على مستوى الصحفيين، والنقاد، والمؤسّسات، نجد العكس تماماً من طرف الثقافة السينمائية الفرنسية، صحافة، ونقاداً، ومؤسّسات. 

في الخامس، والعشرين من شهر ينار 2021، نظمّ "مُلتقى الصور" بباريس، وهو واحدٌ من أهمّ المؤسّسات الفرنسية، جلسةُ افتراضية مع الباحثة تيريزا فوكون، وهي محاضرةٌ في جامعة السوربون نوفيل ـ باريس 3، وتُدرّس جماليات السينما، وتحليل الأفلام، ونظرية الصور، وتشرف على أطروحات الماجستير، والدكتوراه، وهذا يعني بأنها ليست صحفية أخبار، ومنوعات، ولا ناقدة تلخص حكايات الأفلام. 

في تلك الجلسة، التي استغرقت حوالي ساعة، كانت مخصصة للحديث عن واحدٍ من أشهر كلاسيكيات السينما الهندية، فيلم Sholay (شُعلة) للمخرج الهندي راميش سيبي، الذي حظى على نجاحٍ كبير منذ عروضه الأولى في عام 1975. 

لم تستهلك تيريزا فوكون الوقت المُخصص لها كي تحكي لنا حكاية الفيلم الذي يستغرق حوالي 3 ساعات، بل تخيرت تفكيك مشهدٍ تقديسيّ عند السينيفيليين (مدته حوالي 5 دقائق)، حيث جمعت بين زخارف الرقص في الأفلام البوليوودية (مثل الرقص على شظايا الزجاج)، والوسترن (خاصةً الإيطالية)، حول عقدة تمزج الحب، والانتقام

سينماتك في ـ  24 ديسمبر 2022

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 08.05.2021

 

>>>

10

09

08

07

06

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004