* الخصخصة العشوائية أدت إلي دخول مغامرين إلي مجال الإنتاج أفسدوا السينما بأفلامهم الرديئة * الأمل الآن في القنوات الفضائية التي يمكنها أن تساهم في حل مشكلة التوزيع في مكتبه بمدينة الإنتاج السينمائي وجدته منهمكا بين كثير من أوراق وتليفونات وأيضا لقاءات جميعها مهمة كما يبدو.. وعندما سألته قال: نحن نعمل لاستعادة صناعة السينما التي انهارت منذ عام 1990، منذ أن صدرت قرارات تبعية شركات الإنتاج والتوزيع السينمائي إلي وزارة قطاع الأعمال ومن هنا بدأ الحوار حول أزمة السينما مع نقيب السينمائيين ورئيس جهاز صناعة السينما «ممدوح الليثي» الذي جمع بين حنكة الإنتاج الفني وبراعة الكتابة السينمائية. ممدوح هو صاحب أفلام «ميرامار» و«ثرثرة علي النيل» و«ثلاثية نجيب محفوظ» و«الكرنك» و«الحب فوق هضبة الهرم» و«المدمن» وغيرها من الأفلام الشهيرة كعادته تحدث بصراحة وجرأة ووضوح عن واقع السينما المصرية وكعادته أيضا حول هذا الواقع الأليم إلي أمل في المستقبل، وعودة مرة أخري للحديث عن أزمة السينما الذي بدأه ممدوح الليثي مباشرة قائلا: أزمة السينما المصرية بدأت عندما انتهت صناعة السينما، وصناعة السينما ليست مجرد أفلام. بمعني زيادة دور العرض فحسب ـ وإن كان هذا جزء منها ـ ولكن هناك مفردات وتفاصيل في تلك الصناعة تحقق نجاحها لا يدركها سوي من عايش الصناعة لسنوات.فهناك مثلا الكاميرا والاستديو ومعدات الإضاءة والتصوير ومعدات الصوت والمعامل كل هذا اندثر ومات عندما صدرت قرارات بتبعية شركات مصر للإنتاج والتوزيع، ودور العرض إلي وزارة قطاع الأعمال. بداية الكارثة كان هذا القرار، حيث توقف تطور صناعة السينما في مصر بينما تطورت الصناعة في العالم كله، وتركنا نحن ما لدينا من إمكانيات فنية للضياع والانهيار وتحولت الاستديوهات إلي عشش ينمو فيها البوم وخصخصت تلك الصناعة، وأصبح المنتج في مصر يشتري فيلما خاما مدفوعا عليه جمارك باهظة الثمن لتصوير فيلمه، ثم يسافر إلي الخارج لعمل المونتاج، والمكساج وليأتي فيما بعد بالفيلم جاهزا للعرض داخل مصر. ولأن المنتج الواحد لا يتعدي إنتاجه في العالم أكثر من فيلمين أو ثلاثة، فهو لم يشعر بانهيار الصناعة. ظل الأمر هكذا منذ عا 1990 إلي عام 2002 عندما أنشئ جهاز السينما وعهد إلينا بإنتاج أفلام وإنشاء استديوهات فكان هناك حل من اثنين: إما أن نقوم بإنتاج أفلام بالطريقة المعمول بها وترك الوضع علي ما هو عليه، أو أن نقوم بإعادة الصناعة مرة أخري. فقمنا بإنفاق 50 مليون جنيه من ميزانية مدينة الإنتاج الإعلامي وجهاز السينما، فقمنا بشراء أحدث أنواع الكاميرات، ومعدات المكساج والمونتاج والتحميض فاستطعنا بذلك إعادة الصناعة، وعتابي لوزارة الثقافة أنها سمحت بتبعية السينما كصناعة لوزارة قطاع الأعمال وسمحت بإصدار قرارات كان من شأنها انهيار السينما وكل ما كانوا يفكرون به هو مزادات للخصخصة. وعندما طرحوها للخصخصة لم يبق من تلك الصناعة شيء والاستديوهات نفسها أصبحت تحتاج إلي تجديد تام ممن اشتراها بإنفاق الملايين علي تجديدها وأفلس المنتجون قبل أن يبدأوا في عملية الإنتاج السينمائي.. الوحيدون الذين كسبوا هي وزارة قطاع الأعمال، وما أعتقدوا أنه أرباح من صفقة تأجير الاستديوهات ما هي إلا فرق أسعار استئجار تلك الاستديوهات من وزارة الثقافة وهو 148 ألف جنيه ثم إعادة تأجيرها مرة أخري سواء لمدينة السينما أو الشركات الخاصة بما يوازي 80 مليون جنيه. وكان من المفترض أن تدعم تلك الأموال صناعة السينما بايجاد معامل جديدة أو فتح أسواق لنا بالخارج ولكن الموظفين بالوزارة قاموا بإضافة حوافز جديدة لهم نتيجة لنجاح الصفقة وتحقيق أرباح، فقد اعتبروا أن هذه أرباح لهم قاموا بتوزيعها علي أنفسهم! · أستاذ ممدوح ماهو برأيك ما الحل البديل في ظل السياسة الرأسمالية الحالية؟ ـ الحل أن تقوم وزارة الثقافة بإدارة عملية الخصخصة فالوزير فاروق حسني رجل مثقف ويعرف كيف يدير العملية بالمحافظة علي صناعة السينما.. فالإيجارات المبالغ فيها أفسدت الصناعة تماما وقضت علي المنتجين الواعين وجعلت الجميع يخسرون، ومكسب وزارة الأعمال ليس دائما، فداخل وزارة الثقافة هناك من يعرفون كيفية التعامل مع صناعة السينما. الإنتاج العشوائي: · هل معني ذلك أنك راض عن المستوي الفني لما يقدم بالسينما المصرية الآن؟ ـ بالطبع لا.. فأنا أطلق علي الإنتاج السينمائي اليوم اسم «الإنتاج العشوائي» وتلك هي المشكلة الثانية «المستوي الفني للأفلام» وهو ناتج أيضا عن المشكلة الأولي، لأن اقتحام مجال الإنتاج السينمائي من مجموعة من المغامرين لا ينتمون للفن بصلة، وقاموا بإنتاج أفلام عشوائية تحمل أسماء غريبة ومضمونا تافها معتمدين علي اسم نجم محبوب يجذب الجمهور، وهذا الإنتاج سيئ من الناحية الفنية لأن هؤلاء المنتجين لا يقدمون مضمونا ولا يقدمون فنا لأن المعدات اختفت، ورغم أنهم حققوا أرباحا بالملايين نتيجة أفلام تنتج بأقل التكاليف وتوزع علي دور عرض كثيرة فتحقق تلك الأرباح. · أليست تلك الأرباح الطائلة دليلا علي نجاح تلك الأفلام؟ ـ النجاح ليس هو الانتشار، النجاح السينمائي شيء مختلف وأفلام البورنو تكسب أكثر.. هل معني ذلك أن نقدم هذه الأفلام للجمهور؟ الفن يسعي للارتقاء بذوق الجمهور. فيجب أن نقدم فنا واعيا سواء كان كوميديا أو تراجيديا. · كيف تحقق الموازنة الصعبة.. الارتقاء بذوق الجمهور في ظل خصخصة السينما؟ ـ هذا الانيهار الفني أيضا ناتج عن إشراف وزارة قطاع الأعمال علي العملية السينمائية بالكامل فالناحية الفنية تحديدا هي مسئولية وزارة الثقافة المنوطة بالرقي بالذوق العام ونحن الآن نحاول والمنتجون الآخرون مثل «رأفت الميهي وشركات مثل إكسير» أن نعيد السينما المصرية لوضعها الصحيح. · وما هو الضلع الثالث في مشكلة أزمة السينما؟ ـ نحن تحدثنا عن السينما كصناعة وفن ويبقي الحديث عن السينما كتجارة، وهو أيضا ما ساهم سلبا في انهيار السينما المصرية، لأنه نتيجة لظروف سياسية وثقافية أغلقت أسواق خارجية كثيرة أمام الفيلم المصري والتوزيع الخارجي خاصة العربية أغلقت ولكن البديل لها الآن هي القنوات الفضائية التي قامت بعملية تعويض، حيث بدأت منذ سنتين فقط ويمكن من خلالها إجراء التوازن في التوزيع. · وما أسباب إنغلاق الأسواق؟ ـ ضعف المستوي الفني للفيلم أحد الأسباب، كذلك استعادة علاقتنا الثقافية، وإرسال وفود وبعثات سينمائية للترويج للفيلم العربي سيكون مفيدا في هذا الأمر وسيساعد علي فتح الأسواق التي أغلقت علي نفسها وهذا نتيجة ظروف داخلية في تلك البلدان مثل بعض الدول العربية مثال: أننا فقدنا السوق اللبناني مثلا وكان سوقا مها لنا ونحن نحاول استعادته ولكننا نعتمد اليوم علي القنوات الفضائية الجديدة، كذلك هناك كثير من الشركات الجادة التي بدأت تقتحم المجال السينمائي بإنتاج واع مرة أخري مثل «عماد الدين أديب» و«محمد رمزي» وإنتاج «مدينة الإنتاج الإعلامي» و«رأفت الميهي» سواء بالتضامن في إنتاج مشترك أو منفرد بين كل علي حدة ولكن العصر الذهبي للسينما المصرية يحتاج إلي وقت لاستعادته. · أين هذا الإنتاج خاصة لمدينة الإنتاج الإعلامي التي كان مخطط لها أن تكون هوليود الشرق تجتذب منتجين من الخارج للتصوير والإنتاج بداخلها؟ ـ الأهداف شيء والواقع شيء آخر «فاجأني ممدوح الليثي بتلك العبارة التي قالها بحسرة شديدة»، ثم أضاف قائلا: الظروف الاقتصادية والأمنية والظروف التي حدث فيها عمليات إرهابية أثرت علي الإنتاج، ولكن المدينة بها إمكانيات ضخمة تعمل علي جذب المنتجين وهو ما سيحدث في الفترة القادمة. · هل نحن لدينا إمكانيات متكاملة لذلك؟ ـ نعم نحن نملك إمكانيات فنية وبشرية الآن لعمل ذلك. · وما هي المشكلة.. هل في التسويق؟ ـ نعم كان هذا في فترة سابقة ولكن اليوم أ.نبيل عثمان تولي مهمة التسويق الخارجي، وقد أرسل واستقبل أيضا عدة وفود متبادلة بيننا وبين عديد من الدول ستأتي ثمارها قريبا إن شاء الله. وبهذا التفاؤل والأمل في استعادة صناعة السينما في مصر لعصرها الذهبي انتهي الحوار علي أمل حصاد الثمار قريبا. جريدة القاهرة في 26 أكتوبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
نقيب السينمائيين يتحدث عن أزمة السينما ممدوح الليثي
عبير الشرقاوي |