يُحسب للمخرجة اللبنانية جوسلين صعب انها صورت فيلمها غزل البنات انتاج عام 1985 اثناء نشوب الحرب الاهلية في لبنان، رغم تعرض فريق العمل المشارك معها لاهوال هذه الحرب المجنونة، ويُحسب ايضا لنفس المخرجة انها لم تنتظر هدوء هذه الحرب كما تفعل السينما العالمية المتقدمة التي صورت العديد من الافلام بعد انتهائها وبخاصة الحربين العالميتين وحرب امريكا في فيتنام وغيرها.. وبهذا خرج فيلمها ليعبر بصدق عن عمق الخراب والدمار والقتل الذي خلفته هذه الحرب في بيروت. تقول جوسلين ان فيلمها يحكي قصة مدينة اكثر منها قصة اشخاص يعيشون في بيروت، المدينة التي تعرضت لوابل من النيران والدمار حل بها علي الاخضر واليابس.
تقول: كاتب السيناريو الفرنسي جيرار بارشي عاش الحرب من خلال اشتراكه في الحرب العالمية الثانية وبالتالي فهو يفهم جيدا كلمة الحرب وتأثيرها علي البشر من خلال اشتراكه بالفعل في هذه الحرب فهو اكثر من اي فرد اخر يفهم جيدا بشاعة هذه الحرب بأعتباره احد المشاركين فيها.
حينما نريد ان نضفي البهجة علي حياتنا في لبنان فاننا نتحدث اللهجة المصرية كما نسمعها في الافلام ورغم ان احداث الفيلم تتم وقت الحرب فأنني اردت ان اعبّر عن ان الحرب لم تمنعنا من ان نمارس عاداتنا وطقوسنا الحياتية بشكل مستمر كنوع من اضفاء البهجة علي حياة كئيبة ومملة فقد عاش لبنان ثقافة الحرب بكل اشكالها وعاني كثيرا من ويلاتها لعدة سنوات.
بالفعل بطلة فيلمي ليست ممثلة ولكنها فتاة رأيتها في الشارع تنظف امام باب منزلها ولكنها تركت عندي انطباعا انها الاصلح للدور.. فأنا لم اكن اريد ممثلة محترفة بل كنت اريدها فتاة ولدت في زمن الحرب فقط.
انا مرنتها لمدة عام كامل علي الوقوف امام الكاميرا وازالة الرهبة من مواجهة عدسات التصوير لكي تعطي صورة عن جيل جاف، جيل ميت ولد في زمن ميت حتي ان البطلة حين يموت البطل الذي كانت تحبه في الشارع تتوقف امامه لحظات ثم تتركه دون ان تذرف دمعة واحدة علي فراقه، هذا الجحود والنكران هو جيل الحرب.
البطل يمثل جيلا آخر متقطعا بين الشرق والغرب، هو جيل بلا هدف او امل في الحياة فهو جيل اكبر من جيل ابناء الحرب ولكنه بالفعل جيل ميت بدليل موته في نهاية الفيلم.
قصدت من وراء هذه التسمية ان الفتاة تحلم طول الوقت بغزل البنات وهو حلوي هشة كأحلامها ولكن موزع الفيلم بعد ذلك واثناء عرضه تجاريا غير اسمه الي حياة معلقة لان في الحرب كل شيء معلق وخاصة حياة الناس، وبالمناسبة فيلم غزل البنات عرض في مهرجان كان عام 1985.
السينما التسجيلية مختلفة ولكن اثرها كان شديد الوضوح في هذا الفيلم لانه يتناول قصة مدينة وواقعا مريرا اقوي من الفيلم الروائي، واتصور ان السينما التسجيلية تمنح صانعيها رؤية نافذة ولهذا فهي بالتأكيد تمنح اصحابها سرعة بديهة وانا بالفعل استفدت منها.
انا ابنة لهذه الحرب، وكنت انظر اليها وكأنها انسان يعاني من مرض عضال قاسي لا يرحم ينهش في عظامه ولحمه ولا استطيع ان امد يدي بالدواء له، فالكارثة اكبر وكنت اشاهد شيئا يذهب وربما لا يعود ابدا انها الحرب المدمرة ولهذا من الصعب علي ان اشاهد هذه الحرب مرة اخري لانه يذكرني بزمن صعب وقاسي اتمني الا يعود.
بالعكس انا احب الفيلم جدا لانه اول افلامي.
غودار هو اكثر فنان تأثرت بأعماله لانها اعمال محبة للفن السريالي واراها في زمن الحرب لوحة سريالية كلما تجولت في ارجاء المدينة كان هناك ما يشبه ذلك.
بعد مرور 18 عاما علي انتهاء الحرب لا اريد ان اتحدث عنها ولكنني اريد ان اتكلم عن الحب والحرية في كل اشكالها لان الحرب اخذت الكثير مني برغم ان جيل السينمائيين الحاليين لا يتحدثون في افلامهم الا عن الحرب فهم مثلها ابناء هذا الزمن ولكن بالنسبة لي اريد ان اتطرق الي الحياة والحرية وكفانا حروبا. القدس العربي في 28 يناير 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
المخرجة اللبنانية "جوسلين صعب": السينما التسجيلية تمنح رويا نافذة للأحداث عمر صادق |
|