الذين يحبون السينما يعرفون جيدا ما الذى يعنيه اسم محمد خان، مخرج كان بقدرته إتمام انقلاب فنى فى السينما المصرية -ومن ثم العربية- لولا أن نجح التيار المضاد فى استعادة الساحة السينمائية مرة أخرى فارضين على الرجل عزلة شبه تامة منذ أربع سنوات. بدأ محمد خان مشواره عام 1979بفيلم: ضربة شمس، ثم توالت أعماله بعد ذلك: الرغبة، الثأر، موعد على العشاء، طائر على الطريق، نص أرنب، الحريف، خرج ولم يعد، مشوار عمر، عودة مواطن، زوجة رجل مهم، أحلام هند وكاميليا، سوبر ماركت، فارس المدينة، مستر كاراتيه، الغرقانة، يوم حار جداً، وكان آخر ما قدمه للسينما"أيام السادات" وذلك قبل أربع سنوات كاملة. ذهبت إلى خان راغبا قبل أن أحاوره فى التعرف إلى- وبحسب ما يتفق الجميع- واحد من أهم المخرجين فى السينما المصرية، تخيلت أنى سأجده حزينا، يائسا ربما من ابتعاده عن العمل الذى لم يفعل غيره طوال حياته. غير أنه لم يكن كذلك أبدا: يفكر، يبحث عن الطرق التى يمكنه بها تقديم سينما جميلة مرة أخرى، ولجمهور يراه متطلعا لمشاهدة شئ مختلف عن المفروض عليه حاليا من قبل بعض التجار. هنا الحلقة الثالثة والأخيرة من لقائنا معه: · فيلم السادات عمل تسجيلى ليس به وجهه نظر بخلاف أفلامك الأخرى. - لا، أنا أخالفك فى هذا فما جذبنى لتقديم السادات هو شخصيته فهى شخصية درامية من الطراز الأول، وعلاقتى امتدت بها لمدة خمس سنوات قبل تنفيذ المشروع، ثم تركت العمل وعدت إليه مرة أخرى بناء على طلب أحمد زكى، وكان السيناريو قد تم كتابته فى الفترة التى تركت فيها العمل به. عندما أنظر للفيلم الآن اشعر أنه منقسم لجزأين الأول هو المثير جدا لأنه يتضمن حياة الشخصية، لهذا كنت أتمنى أن يتضمن الجزء الثانى لمحات من حياته أيضا لكن الوقت لم يكن كافيا، لهذا خرج الفيلم جافا قليلا. لم يحدث أن تدخل أحد من خارج طاقم العمل لتغيير أو تعديل شئ بالعمل، عائلة السادات نفسها لم تتدخل بل على العكس ففى إحدى الجلسات طلب أحد أفراد العائلة أن يتضمن الفيلم وجهتى النظر عن السادات وأنا لم أكن أريد أن أصنع فيلما مع أو ضد. الفيلم مبنى كسيناريو علي رؤية السادات للأشياء دفاعه عنها، لحظات اتخاذه لقرارته، كانت الكاميرا تطل عليه من هذه الزاوية، وبالتالى لا يمكن أن يكون تسجيليا، لأنه دراما لهذا الطفل والفلاح وكفاحه حتى أصبح رئيسا. إنما أحمد زكى يقول لى الآن أننا نريد أن نعمل نسخة أقل زمنيا لكى يتم تسويقه فى الخارج وهذا أنا طلبته فى البداية ولم يستمع أحد لى. · كيف ترى العلاقة بين العمل الذى تقوم على تنفيذه والمكان، دائما كل فيلم من أفلامك ينتمى لمكان ما يصبح علامة عليه..ما الذى يحكم اختيارك للمكان؟ - دائما تلفت الأماكن نظرى، أذكر أنى كنت أسير يوما فى شارع التوفيقية فقابلت حارة صغيرة جدا، مجرد " زنقة " بين بيتين، ظلت فى ذاكرتى حتى جاء تصوير " يوم حار جدا "فصورت مشهد هروب البطل بها. صراعى دائما على الأماكن التى لم يتم تصويرها قبل ذلك، مديروا الإنتاج عندما تقول لهم أريد شقة يأتون لك بقائمة تضم الأماكن التى يتعاملون معها، أنا لا أعمل بهذه الطريقة، عادة انزل مع مدير الإنتاج، نسير ونبحث وعندما يلفت أحد الأماكن نظرى يصعد هو محاولا الاتفاق مع أصحابه. · مشاهد أفلامك تبدو وكأنها مرسومة، عبارة عن لوحات..هل تتخيل المشاهد قبل تصويرها؟ - أقوم بالتحضير طويلا قبل أى فيلم، تفاصيل المشاهد دائما معقدة وتفكيرى هو كيف سأحلها، موهبتى الحقيقة هى فى اختيار المكان الذى أضع به الكاميرا لا توجد عندى مشكلة فى ذلك، بعض المخرجين يحتارون فى اختيار الأماكن التى ينبغى للكاميرا أن تكون بها. أنا أيضا استخدم خام قليل، أتعجب عندما أسمع أن البعض يستخدم 300 علبة خام، لا اذكر أنى استخدمت فى أى من أفلامى أكثر من 110 علبة خام، بخلاف السادات استخدمت 170 علبة. اشعر دوما أن استخدام الأفلام الخام بكثرة يعنى عدم استعداد المخرج لعمله، نأخذ هذا المشهد وهذا وذاك ثم نرى بعد ذلك، أنا لا أفعل هذا إطلاقا. · هذا يعنى أن دور المونتاج فى أفلامك محدود؟ - لا المونتاج يمنح الفيلم حس وإيقاع، ما أقصده أنى أعرف تسلسل الفيلم، أراه قبل التصوير. · شخصياتك فى أعمالك هى بشكل ما جزء منك، نشعر بذلك من خلال حديثك فما الذى تسعى إليه من خلال هذه الشخصيات؟ ما هو الحلم الأبعد؟ - هى لا يمكن أن تكون جزءا خالصا منى لأن الحرية عندنا ليست كاملة، لا تستطيع أن تتناول الشخصية من الناحية الجنسية، الدينية، السياسية، بصدق وبشكل مفتوح، ولأن هذا واقعنا ونعرفه فنتعامل بحذر مع الأشياء، وغياب الحرية الكاملة يمنع أفلامنا من الوصول للعالمية. هناك مشاكل كثيرة تواجهنا، إذا قدمت فيلم عن محامى تشتكى نقابة المحامين أو نقابة الأطباء إذا تعلق بطبيب، أو لابد أن تراه وزارة الداخلية لكى توافق على مضمونه، أمامنا فترة قبل أن نمتلك هذه الحرية. · أنت واحد من أشهر المخرجين الذين لم يلجأوا للروايات لتقديمها للسينما هل هناك أسباب لهذا العداء؟ - الفكرة أنى لست مترجما، قد يكون فى الرواية مايلهم لكنى لا أرغب الالتزام بتسلسلها، أحب أكثر الفكرة المكتوبة للسينما، إنما لدى الآن كتاب أتمنى تقديمه للتلفزيون لأن تنفيذه فى السينما سيكون صعبا. الكتاب عن حياة ريا وسكينة لصلاح عيسى، هو كاتب عظيم وخاصة فى توجيهه النقد لهذه الفترة من الناحية الاقتصادية والسياسية لكنه فى حاجة لميزانية ضخمة، لن أستطيع تقديمه للسينما سيكون ذلك صعبا جدا فلابد له فى تلك الحالة من سيناريو محكم وللأسف ليس لدينا كتاب سيناريو.. · تقصد كتاب محترفون؟ - كتاب يكون لديهم خبرة كافية، الاختزال صعب، كيف تختزل ولا تكون مخلا، يعنى عندما قرأت كتاب ريا وسكينة أحسست أن الفيلم الذى قدمه صلاح أبو سيف كاذب، فيلم يلعب علي الإثارة. · كانت المسرحية أصدق. - لا، كل هذا لم يكن له صلة بالواقع تلك الشخصيات كانت معقدة، وهم ضحايا أيضا، ليسوا فقط قتلة، هم أصلا لم يفكرو بالقتل، كانوا غلابة.. مومسات جئنا من الصعيد فتحنا بيوت دعارة، الدعارة كانت مشروعة وقتها. وجدن أن الساقطات والسيدات اللاتى يستأجرن منهن الأماكن أصبحن أغنى منهن فجاءت الجريمة بناء على ذلك. لا بد أن نفهم دائما لماذا وصلت الشخصيات إلى ما وصلت إليه، للوضع السياسى والأقتصادى ولكل عوامل المرحلة التى عاشوا أثناءها، هذا لا يعنى ألا تدينهم لكن الأهم أن تفهمهم. · اتهمت النقاد يوما بأنهم أحد أسباب ما عرف بالسينما الهابطة وأنهم لا يفعلون سوى تلخيص الفيلم، يعنى كلامك أنه ليس لدينا حركة نقد سينمائى؟ - النقد الذى لدينا حاليا نقد ترفيهى، أن تقول: التصوير كان جميلا والمونتاج مش عارف عامل ازاى، هذه كلمات سهلة، لا يوجد فهم للأدوات نفسها، النقد لا بد أن يرتبط بالثقافة العامة وبالفن نفسه، لدينا نقاد قليلون مثل سمير فريد وسامى السلاموني رحمه الله ورفيق الصبان أحيانا يكتب نقد ممتاز، إنما بشكل عام لا يوجد لدينا نقد علمى. وأنا لا أستطيع إن ألوم النقاد كثيرا لأن الأماكن التى ينشرون فيها ربما لا تطلب سوى ما يفهمه القارئ العادى. · ماذا عن تجربتك مع التليفزيون.. الفيديو كليب هل هى بدائل للسينما؟ - الفيديو كليب كانت تجربة واحدة وقدمتها على سبيل المجاملة، وبالنسبة للتليفزيون هم الذين سعوا إلى وأنا كنت مترددا جدا وكانت لى شروطى وهم منحونى كل ماطلبت، قلت أنى لن أقدم الفوازير بنفس الطريقة المتعارف عليها ووافقوا وعلي هذا الأساس رحبت بالتجربة، لكن المشكلة أنى لم أكن أتعامل مع التليفزيون وإنما مع الشركة المنتجة، أثر هذا جدا على ما كنت أريد عمله، الوقت كان ضيقا وكل شئ كان يأتينى متأخرا الشعر والموسيقى كنا ننتهى من حلقة ليتم عرضها فى اليوم التالى. لست نادما على التجربة فى النهاية، إنما لو تعاونت مع التليفزيون مرة أخرى ستكون لى شروط أخرى لأتمكن من تنفيذ عمل أرضى عنه تماما. · كيف ترى إنجاز جيلك فى السينما، ما الذى حققه؟ اسمح لى أن أقول لك إن هذا الجيل يبدو وكأنه أعلن هزيمته.. - لا أوافق بالمرة على أنه أعلن هزيمته لأنه ما يزال لدينا الكثير والسينما تفتقدنا وليس نحن فقط وإنما تفتقد كذلك الراحلين أمثال كمال الشيخ، عاطف الطيب، السينما المصرية كانت ستكون ثرية جدا لو ضمت كل الاتجاهات، غير أن هذا للأسف ليس هو الواقع، الواقع الآن أن الاحتكار طغى على السينما، الآن نحن فى معركة صامتة نعرف أن أفلامنا لها جمهورها، إنما وبالنسبة لى ان كنت سأقدم سينما فلا بد أن تكون فى إطار أوافق عليه. · وماذا عن سينما الشباب؟ - سينما الشباب هذه كلمه "عبيطة"! · هو مصطلح لتعريفهم به.. بدلا من أن أقول السينما التى ليس لها قيمة.. - تعرف، أنا ألوم هؤلاء الشباب على أنهم لم يدخلوا فيما كان يسمى بأفلام المقاولات، أن يقدموا أفلام بميزانيات قليلة لكنها مفيدة لأنهم كانوا سيتعاملون مع كل الموجود علي الساحة. لكن هذا لم يحدث لأن كل واحد منهم كان يريد أن يقدم فيلما كبيرا وهذه أكبر غلطة لأنهم الآن يستسلموا لطلبات الموزع. · نشر فى إحدى المرات أنك ستتعامل مع النجوم الشباب فى فيلم عنوانه " مخابيل ".. - لا لم يحدث · أنجزت مؤخرا فيلم "كلفتى" بكاميرا ديجتال 00 ماالذى تعنيه سينما الديجتال، هل يمكن معادلتها بسينما الدوجما مثلا؟ - لا، الدوجما لها قواعد مختلفة يعنى هناك شروط لما تستخدمه وما لا تستخدمه وهى انتهت الآن، اليوم فى أمريكا هناك حركة الأفلام المستقلة. أما الديجتال فهى مجرد كاميرا، فقط حركتها أسهل. وأنا نفذت هذا الفيلم ديجتال وكان بذهنى أن أحوله سينما إنما تراجعت عن هذا بسبب ارتفاع سعر الدولار من جهة وأيضا لأن المسيطرين علي الساحة السينمائية الآن لن يمنحوه فرصة العرض، أو لن تكون فرصة كافية، سيقتلوه. الفيلم الآن تنقصه الموسيقى فقط، وقد قررت أن اعرضه على القنوات الفضائية العربية والفرنسية والألمانية، لدي اقتناع بأن الحل الحقيقى لما نواجهه فى الفترة الحالية أن تكون هناك قناة فضائية جريئة، يتم إنتاج الأفلام بميزانيات صغيرة خصيصا لها، وهذا سيؤثر علي السينما لأن الجمهور يريد أن يرى المختلف بالتأكيد. · ماالذى يعينه اسم "كلفتى"؟ - أساسا هى كلمه يونانية ومتداولة فى المدن الساحلية بمصر نقلها اليونانيون الذين عاشوا هنا إلي المصريين، يا واد ياكلفتى تعنى يا واد يا نصاب والفيلم يحكى قصة واحد نصاب. · كيف ترى ما قدمته للسينما؟ - أنا قدمت 20 فيلما لست نادما علي واحد منها، ممكن يكون هناك فيلم أقل من الأخر، ممكن يكون هناك فيلم أتمنى الآن لو قدمته بطريقة أخرى، أضفت له شئ أخر، إنما فى النهاية سجلى نظيف هذا ما أستطيع قوله وهذه ليست نرجسية، فلليوم أقابل شباب لم يروا أفلامى بالسينما ويناقشونى فى محتواها. من البداية كان لدى إصرار أنى لن أقدم إلا ما أريد عمله بالفعل. موقع "إيلاف" في 23 أبريل 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
لقاء "إيلاف" الأسبوعي محمد خان (3ـ3) أجرى الحوار: ياسر عبدالحافظ |