شعار الموقع (Our Logo)

 

 

حظيت السينما العربية بحيز معتبر في سلة عروض الدورة الثامنة والاربعين لمهرجان لندن السينمائي الدولي The Times LFF، 20 تشرين الاول (اكتوبر) ـ 4 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، حيث استضيفت ستة افلام روائية عرضت في مهرجانات دولية، حازاثنان منها علي جوائز مرموقة، اضافة الي مديح نقدي لفت الانتباه الي مواهب صانعيها الشباب.

صاحب بيروت الغربية اللبناني زياد دويري (ولد عام 1963) سيقدم جديده قالت ليلا (Lila says) الذي اقتبسه عن رواية الكاتب شيمو (وهو اسم مستعار لما يفترض ان يكون مؤلفاً شاباً من اصول شمال افريقية) التي ذاع صيتها قبل اعوام في فرنسا، نظراً لاجوائها الايروتيكية والاعترافات الحميمية التي تسردها المراهقة ليلا (الممثلة فانيا جيكانتي) الكاثوليكية علي مسامع البطل ـ الكاتب ذي الاصول العربية (الممثل محمد خواص) اثر تعارفهما في غيتو عربي باريسي، بعدما استقرت مع عمتها العجوز في احدي شققه المتواضعة. يحاول الاثنان اخفاء علاقتهما عن اقرانهما، لكن ميلود (الممثل كريم بنحدو) احد قادة عصابات الحي الذي توله بها، لن يسمح بفرصته تفوت حتي لو كانت علي حساب ابن جلدته. المغامرات الجنسية للبطلة والتي ستنطلي علي شيمو، تخفي تحت ادعاءاتها خللاً داخلياً (لم تستشفه سوي والدته الممثلة كارمن لبس ) هو تعبير عن فشلها في مواجهة استحقاق الصداقة، اذ انها تحكي من اجل الاغواء الناقص الذي سيقود ميلود وعصابته الي اغتصابها، ليكتشف البطل ان حبيبته صاحبة الخيال الصادم عذراء، وان قصصها مستقاة من قراءاتها. اضفي دويري بعداً سياسياً لم يتوافر في النص الاصلي عبراشاراته الي هجمات ايلول (سبتمبر) وانعكاساتها وحضورها الضاغط (عبر تغطيات قناة الجزيرة للحرب علي العراق) علي الوسط المهاجر.

باب الشمس للمصري يسري نصر الله و عطش للفلسطيني توفيق ابو وائل (جائزة النقاد الدولية في كان) مسا الفاجعة الفلسطينة من زاويتين مختلفتين: الاول يعيد صوغ الدياسبورا التي ستقود ابطاله الكثر الي المنافي والهجرات. والثاني هو قراءة لمفهوم القهر عبر ممارسات عنفية يقوم بها اب علي افراد اسرته، ضمن اجواء العبودية الجماعية التي ستؤدي بالابن الشاب الي إثم قتل والده.

فيما تذهب اللبنانية دانيال عربيد في باكورتها الروائية معارك حب (جائزة لجنة التحكيم في مهرجان السينما العربية في باريس) نحو الداخل العائلي، لتمتحن خراب افراده وتشظي علاقاتهم، كناتج مرضي لحرب اهلية ضروس. المصري خالد الحجر (سبق ان عرض شريطه السابق غرفة للايجار في دورة 2000) سيشارك بـ حب البنات الذي اعتبره التقديم الخاص بكاتلوغ المهرجان ان الحجر هو النسخة المصرية للاسباني بيدرو المودافار! وقارن اجواءه الدرامية بالمسلسلين التلفزيونيين الاميركيين الشهيرين اصدقاء (Friends) و الجنس والمدينة !!. اما صاحب غلطة فولتير التونسي عبد اللطيف كشيش الذي وُضع جديده هروب (L'esquive) (الجائزة الكبري لمهرجان حيفا الاسرائيلي!!) ضمن خانة ثورات فرنسية عن اليافع كريموالذي يقع في غرام ليدا، ولكي يتقرب منها يشاركها تدريبات مسرحية الكوميدي الكلاسيكي بيير ماريفو. صوره المخرج الشاب (ولد عام 1960) شريطه علي طريقة فريق الدوغما 95 ، بكاميرا محمولة وممثلين هواة، واسبغ عليه اجواء كوميدية لم تنكر التعرض للمشاكل الاجتماعية التي تعصف بابناء الغيتوات الشمال افريقية في فرنسا. شريط كشيش ، الذي يعمل حاليا علي شريطه الجديد حول علاقة سائق تاكسي مع شابة امريكية علي خلفية هجمات ايلول (سبتمبر)، يعج بحيوية نادرة ظهرت بجلاء في مونتاجه اللاهث وحواراته السريعة بين الشخصيات الشبابية التي تمتاز بعقلانية واضحة وادراك بين لمحيطها واشكالاته.

الاسلامفبويا لها حصتها هذا العام، ويعكس الشريط الثاني ياسمين (Yasmin) للمخرج البريطاني كيني غلينان (صاحب فيلم هجوم الغاز ونص كاتب السيناريو سيمون بوفوي بعد تعر كامل ) هذا الهاجس الذي اتخذ بعداً عنصرياً في بريطانيا، عبر حكاية الشابة المسلمة ياسمين العاملة في الحقل المساعدة الاجتماعية، والتي تعيش عالمين: كمسلمة حيث التزامها بالعرف العائلي والديني (ارتداؤها الحجاب ابرز علاماته)، وبريطانيتها حيث انها ولدت واندمجت، الامر الذي يفرض عليها نزع الحجاب قبل دخول المدينة الكبيرة ومكان عملها. انها المرأة الاثنية ذات المنبتين. لاحقاً ستغير هجمات 11 ايلول (سبتمبر) من طبيعة علاقة الاخرين بها، فهي العدوة والمشكوك في ولائها، بل ان فورة الاستعداء ستصل الي الاعتقال، قبل ان يكتشف المحققون انها كانت تسعي فقط الي الافراج عن زوجها. صاغ المخرج غليان من معاناة بطلته خطاباً سياسياً يتهم الطرفين، الاول في اصراره علي نزعة تزمته التي لا تتماشي مع الطلاق الاجتماعي ـ الذاتي للجيل الجديد (جلسات استقطاب الشبيبة للقتال في العراق وافغانستان ضد الاحتلال الامريكي). والثاني (البريطاني) في سذاجة رؤيته ونقص معلوماته حول ايمان وتقاليد وثقافة الآخر الوافد. هناك ايضا الشريط القصير الارهابي الصغير (15 دقيقة) للمخرج آشيف كومار حول صبي يجد نفسه بالخطأ في ارض العدو الهندي حينما رغب في متابعة مباراة كريكيت!

صاحب زمن الجياد الثملة (2000) و اغان لوطني (2002) للايراني بهمن قبادي الذي اصبح اول مخرج سينمائي يعاين الحرب الاميركية علي العراق، ولكن من الكوة الكردية. فجديده السلاحف تستطيع الطيران (Turtles Can Fly) يجول في كردستان العراق، مدججاً بحكايات مؤلمة عن الخراب الانساني الذي عم المنطقة بعد حروب عدة، وهاهي تنتظر الاخيرة بترقب: انها الخلاص من قبضة صدام حسين علي يد اليانكي. قبادي اختار بحنكة ابطاله: اطفال اكراد ضاقت بهم السبل ليعملوا مياومين في اصطياد الالغام وبيعها، قائدهم يدعي كاكا ستلايت وهو يافع متسيد علي جيشه، مخادع، مقاوم، كرس لدي الجميع واقع حال كاذب بانه خبير تركيب اطباق هوائية!، يرتزق من ترتيب قنواتها التي يتهافت عليها عجائز القرية لمتابعة خبر القيامة القادمة.

يقع هذا الصبي الحيوي في حب صبية لاجئة، هربت من غاز حلبجة وفقدت عائلتها، تعيش علي الهامش مع صبي فقد ذراعيه وطفل ضرير. تحاول هذه الصموت والشاهدة علي المجزرة الكبيرة ان تحافظ علي عائلاتها الصغيرة (الطفل اللقيط يدعوها امي )، لكن شرخاً غائراً في اعماقها سيدفعها الي محاولات انتحارعدة ستحقق احدها بالقفز الي واد سحيق (سيكشف المخرج قبادي لمشاهديه واحدة من الفظاعات التي مرت بها هذه الصبية: اغتصابها من قبل جنود النظام المخلوع). كاكا ستلايت سيشهد الاجتياح الاميركي لكردستان، ويصاب بلغم عند محاولته انقاذ الطفل الضرير، ليصبح بدوره معاقاً آخر لا حول له سوي النظر الي الجنود بعين كسيرة. السلاحف تستطيع الطيران (فاز بالجائزة الكبري لمهرجان سان سباستيان الاسباني لهذا العام) كوميديا سوداء عن آثام الحروب يقول عنها قبادي: حينما اعلنت اجهزة الاعلام الدولية نهاية الحرب علي العراق. شرعت في تصوير فيلمي الذي لم يكن من نجومه (الرئيس) بوش او (الرئيس المخلوع) صدام او اي من الديكتاتوريين الآخرين. هؤلاء الذين اصبحوا نجوم العالم. لا احد ذكر الشعب العراقي. ولم تكن هناك لقطة واحدة صورت العراقيين، لقد كانوا ممثلين ثانويين. في شريطي كان الطاقم الثانوي هما بوش وصدام، فيما جعلت من الشعب العراقي واطفال الشوارع الشخصيتين الرئيسيتين .

انعكاسات هجمات ايلول (سبتمبر) اتخذتها البريطانية سالي بوتر لها ( درس التانغو ـ 1997، اورلاندو ـ 1992 و حفارو الذهب ـ 1983) مرجعية درامية في عملها الجديد نعم (Yes) للتبصر في السياسة الغربية التي سعت الي تصوير العرب كشياطين، لكن بوتر لم تنجز بياناً سياسياً، بل صاغت نصاً تهكمياً حول حالة التنميط المرسومة للوافد الشرقاوسطي باعتباره كياناً متخلفاً ويشكل خطراً. اختارت بوتر حكاية حب بطلتها عالمة امريكية (الممثلة جوان آلن) مقترنة بسياسي نافذ (الممثل سام نيل) تقع في حب طبيب لبناني الاصل (اداء سيمون ابكريان) يعيش في منفاه اللندني ويعمل كطباخ. ماحدث في نيويورك وواشنطن سيشكلان العبء الضاغط علي الحبيبين اللذين سيجدان نفسيهما غارقين في تبرير علاقتهما العاطفية ومثلها سعيهما الي عقلنة ما حدث، ليدخلا ـ مع العديد من الشخصيات، خصوصاً مدبرة منزل البطلة والتي لاتني في فلسفة كل شيء ـ في سجالات طويلة حول الدين والسياسة والارهاب والعنصرية والعلاقات الجنسية!(سنستعرض في مقالات قادمة افلام خانات هذه الدورة).

الافتتاح الذي جري اول من امس خصص الي جديد صاحب اسرار واكاذيب (السعفة الذهبية لمهرجان كان 1996) البريطاني مايك لي فيرا دراك (Vera Drake) (جائزة الاسد الذهبي وجائزة افضل ممثلة لاميلدا ستانتون في مهرجان فنيسيا الاخير) وهو عمل قاتم حول الالتباس الاخلاقي الذي ستقع فيه هذه السيدة والأم العجوز، فالي جانب عملها كمنظفة في منازل ارستقراطيي لندن الخمسينات، تملك فيرا جانباً غامضاً، سرياً لا تشاركها فيه سوي صديقة طفولتها التي تتاجر بلؤم واضح بسذاجة فيرا وقدرتها علي اجهاض سيئات الحظ من الفتيات، وهو فعل تسميه البطلة: تنظيف الفتيات وعودة نزفهن الطبيعي !

فيرا ترعي عائلة متكافلة: الاب ميكانيكي، الابن خياط، الابنة المنكفئة علي نفسها، لن يأتيها حظ الزواج الامتأخراً ومتزامناً مع الفاجعة الكبيرة التي ستعصف بقيم الجميع، عندما تلقي الشرطة القبض علي الام فيرا ـ ليلة الاحتفال باعلان الخطوبة ـ بتهمة تعريض حياة شابة الي الموت، بعد عملية اجهاض ادت ادواتها اليدوية الملوثة الي اصابتها بالتهابات كادت تؤدي بها. تسجن البطلة عقاباً لما اقترفت، لكن فيرا تبقي مصرة علي انها كانت تؤدي واجباً اجتماعياً، هو في الواقع رداً ذاتياً علي تورطها بحمل غير شرعي قبل زواجها. المخرج لي (ولد في مانشستر عام 1943) المعروف بحساسيته في الدراما الاجتماعية يصوغ عملاً محكماً حول مفهوم الاثم الفردي وتنصل الآخر من ادراك الدوافع التي يجد فيها المرء نفسه بين نزعتين اخلاقيتين: التطهير، حيث تري فيرا ان في قتلها للاجنة غير المرغوب فيها، انما تحقق رضا عاما قد لا يتفق الجميع مع اجرائه، لكن سيسعون اليه، وبجزع (المشاهد الاربعة لعمليات الاجهاض يصورها لي بمسحة من الحزن خصوصاً الفتاة الجايمكية).

والثاني هو العقاب، فالابن سِد (اداء ملفت من الممثل المسرحي والتلفزيوني الشاب دانيال مايز) سيكون الصوت العائلي الذي سيّحمل امه الذنب (الاب يقبل علي مضض ان زوجته لم تكذب)، مقابل المؤسسة القانونية الحكومية التي تري في اعتراف فيرا بالاثم واقع حال لانزال عقوبة سجنها لسنوات طويلة (هناك مشهد سريع ذكي يحمل مغزي إلالتباس لدي البطلة، حين تلتقي مع احدي السجانات وهي ترتقي السلالم داخل العنبر فتنهرها الاخيرة: انظري الي وجهتك يا فيرا! )، وفيه ستلتقي بزميلتي مهنة يقضين مثلها محكومياتهن عن جرائم تنظيف الارحام !

صحيح ان النظرة العامة للاجهاض تغيرت منذ خمسينات القرن الماضي، الا ان عودة المخرج لي الي هذا الموضوع اثارتحفظات كثيرين تخوفوا من الظن الناقص الذي قد يجد فيه البعض مأرباً لتبرير تعميمه (اي الاجهاض) بحجة الانقلابات الكبيرة في مفاهيم العائلة والتربية والامومة (رفضت ادارة مهرجان كان الفرنسي ادراجه ضمن مسابقة الدورة الماضية من دون اعلان الاسباب!)، لكن الشريط لا يتحدث عن الاجهاض كادانة وحسب ـ فهومحكوم بظرفه الانساني الخاص الذي يبدو انه لن يتغير كعلاقة بين ذكر وانثي ـ بل نعي حقبة اجتماعية كانت فيها بريطانيا تعيش فاقة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما استتبعه من انهيار مدو لقيم اجتماعية وعائلية تتكرس اليوم بانفتاح لا مثيل له.

القدس العربي في 22 أكتوبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

انطلاق الدورة 84 لمهرجان لندن السينمائي الدولي:

سلة عروض عربية معتبرة تقرّب المشاهد البريطاني من فلسطين والاثم اللبناني وشريط ايراني يعاين جروح اكراد العراق

زياد زياد