فارس من فرسان الكتابة المسرحية ورائد من رواد الدراما التليفزيونية تعددت أعماله واسهاماته التي لا يتسع المجال لذكرها .. يملك الرؤية الثاقبة والحس الوطني المتميز والنظرة المتأنية والقدرة علي التنقيب في أعماق التراث والتاريخ ليخرج لنا دائما بما ينير الطريق أمامنا .. إنه الكاتب الكبير.. يسري الجندي. عندما ذهبت إليه وجدته في مكتبه منهمكا في وضع اللمسات النهائية للحلقات الأخيرة من مسلسله الجديد «مصر الجديدة» الذي يجري تصويره حاليا المخرج محمد فاضل .. إلا أن ذلك لم يمنعه من الجلوس معي والحديث بهدوئه المعتاد حول تفاصيل عمله الجديد بل وأمتد الحوار لأكثر من ساعة ونصف ليشمل الحديث عن المسرح والتراث ومسلسل الطارق المؤجل عرضه. قبل أن أبدأ بطرح الأسئلة وجدته يبادرني الحديث قائلا: أود في البداية أن أشير إلي أنني لم أشعر بالتعب والإرهاق في كتابة أي عمل للمسرح أو التليفزيون أو السينما بقدر ما شعرت عند كتابة هذا المسلسل، فالمسلسل يتناول فترة شائكة وغنية جدا من تاريخ مصر وكانت محاولة استقرائها لاستخلاص معاني تخص القضايا المعاصرة أحد مصادر المشقة فقد حاولت أن أجعل القراءة الجديدة لهذه المرحلة ذات مضمون، إني ووجدت أن مرحلة ارهاصات ثورة 1919 تم تداعياتها وما ارتبط بها من حركة التنوير ومن مرحلة مهمة في الحياة البرلمانية المصرية رأيت أنها تحمل رسالة لنا الآن. كذلك كنت بحاجة للوثوق من كل التفاصيل الخاصة بالمرحلة بشكل استوجب جهدا تحضيريا كبيرا ثم الجهد الخاص بصياغة السيرة الذاتية لهدي شعراوي. · التاريخ المصري المعاصر مليء بالرموز والشخصيات البارزة .. لماذا وقع اختيارك علي هدي شعراوي بالتحديد؟ - الاهتمام بهدي شعراوي ليس لذاتها فقط ولكن هذا الاهتمام يقودنا بالضرورة للإحاطة بالمرحلة كلها وتقديم بانوراما مهمة عنها من خلال شخصية هدي شعراوي باعتبارها جزءاً حميما من المرحلة ليس فقط فيما يتعلق بقضايا المرأة والواقع السياسي والاجتماعي وحركة التنوير وفيما يتعلق بالحياة البرلمانية فقط، بل كذلك أيضا الحياة الفنية وبالتحديد في حفل الفن التشكيلي فقد ساعدت هدي شعراوي يوسف كامل في بداياته ثم محمود مختار وساهمت في ارسال بعثات لدراسة الفنون في الخارج. هدي شعراوي كانت مثلها مثل كل رموز تلك المرحلة .. مرتبطة بالحياة ارتباطا عضويا حقيقيا ليس كرائدة في مجال حقوق المرأة فقط ولكن كرمز سياسي وتنويري مثلها مثل أحمد لطفي السيد وقاسم أمين فهي موضوعيا تساوي المرحلة بكل ما فيها شأنها في ذلك شأن كل من خرج من معطف ثورة 1919 . · هل يمكن اعتبار اختيارك مساندة للاتجاه الحالي السائد في المجتمع السياسي بشأن المرأة؟ - الأمر مختلف في المسلسل فالحركة النسائية في تلك الفترة كانت نابعة من الحياة المدنية حيث كان جهد هدي شعراوي أهليا ولم تكن في منصب سياسي ولم تكن تملك سلطة تفرض بها رأيها وهذا مهم لمصداقية العمل حيث يؤكد أن هناك وازعا حقيقيا مما يجعل الشعب يستجيب له، كما أن الحركة النسائية في توجهها في تلك الفترة لم تكن بمعزل عن الحياة في مصر ولم تنفصل عن الرجل، فحرية المرأة هي حرية الرجل هي حرية الوطن فحريتهم مرتبطة ببعضها وكذلك تخلفهم أو تراجعهم وهذا هو الارتباط بكل قضايا الواقع المعاش. · باعتبارك مؤلف العمل .. هل كانت لك تدخلات في اختيار فريق العمل مع المخرج محمد فاضل؟ - في الحقيقة لم يكن الأستاذ محمد فاضل هو المرشح الأول لإخراج العمل فقد كان من المفترض أن يخرجه المخرج أحمد صقر ولكن لظروف انشغال صقر بأعمال أخري من جانب ولإصرار مدينة الإنتاج علي البدء في العمل بعد أن قاموا ببناء حي جاردن سيتي داخل مواقع التصوير .. أبدي المخرج محمد فاضل مشكورا استعداده للتفرغ للعمل وترك أعمال أخري لديه لوقت آخر .. وقد احترمت هذا فيه كما احترمت الروح الرياضية للمخرج أحمد صقر بأن تقبل ذلك وتفهمه. أما بالنسبة لاختيار الممثلين فقد اشتركت بالفعل مع الأستاذ محمد فاضل في اختيار الممثلين وهو أمر معتاد أن يحدث خاصة عندما يكون المؤلف ذا خبره في العمل الدرامي وأود الإشارة هنا إلي أنني صاحب اختيار الفنانة فردوس عبد الحميد لدور هدي شعراوي وليس الأستاذ فاضل واتحدي أن تصلح أي ممثلة علي الساحة للقيام بهذا الدور كما ستؤديه فردوس عبد الحميد ولكن في النهاية الاختيارات تكون علي مسئولية المخرج. · ماذا عن مسلسلكم «الطارق» المؤجل عرضه؟ - «الطارق» سيكون جاهزا للعرض في رمضان القادم بإذن الله ولكن ما حدث بشأن تأخيره هو أنه كان خاضعا لمجريات التصوير في الخارج، حيث إنه صورت جميع مشاهده في الخارج وقد كنا أنا وأحمد صقر سعداء بتأخير عرضه حتي يتم خروجه في أفضل شكل، فهي تجربة خاصة من ناحية أنه عمل عربي مشترك إنتاجيا وفنيا بين دول أخري، كما أنه يضم ممثلين من سوريا ولبنان والأردن والمغرب وفلسطين .. ومن ناحية أخري حساسية الموضوع المطروح وقربه هنا الآن، فالسؤال هو هل عندنا مرجعية علي الحوار في تاريخ المجتمعات الإسلامية؟ ويظهر ذلك من خلال تجربة طارق بن زياد كواحد من البربر احتضنه الفتح العربي وتوضيحها لأن القيم الإسلامية في بكارتها الأولي كانت قادرة علي إقامة حوار بين أجناس وأديان وأعمار مختلفة بشكل يجعل الحضارة مزدهرة وإن كان يظهر في العمل أن طبيعة الحكم الأموي وسلبياته هي ما أنذر بأفول التجربة في نفس الوقت. · إذا تحدثنا عن المسرح .. فالسؤال هل المسرح أقرب إليك في الكتابة أم الدراما التليفزيونية؟ ولماذا أنت مقل في أعمالك المسرحية؟ - المسرح بالطبع لأنه يعتبر الدراما المصفاه النقية .. وبالفعل أنا مقل في المسرح في الفترة الأخيرة لأن المناخ المسرحي اختلف والحقيقة أن ما جري للمسرح هو ما جري للواقع العربي والمصري كله من تغيرات غيرت معايير وغسلت أدمغه كثيرة وانعكس ذلك علي وضع المسرح باعتباره أكثر الفنون حساسية. · لقد قدمت بعض أعمالك كعلي الزيبق والسيرة الهلالية في المسرح ثم أعدتها في التليفزيون؟ لماذا؟ - عندما دعيت للكتابة للتليفزيون من خلال المخرجة علوية زكي فكرت أن أضيف للدراما التليفزيونية وكان من الطبيعي أن أفكر بفتح باب التراث إثراء للدراما التي لم تكن تقدم من التراث سوي ألف ليلة وليلة وكان لابد من وجود أعمال لها أشكال أخري .. فعلي الزيبق في المسرح في السبعينات كان ذو صبغة سياسية بحتة، أما في التليفزيون في الثمانينات كان التناول من خلال منظور اجتماعي عن طريق قضية الانفتاح، كما أن المسرح لم يسمح بالتوسع في ذكر النوادر التي كانت تخدم المعني، وكذلك بالنسبة للهلالية حيث إن الوطن العربي في السبعينات غير التسعينات كما أن التكثيف القوي للمسرحية لم يسمح بعرض الأحداث الثرية للسيرة بشكل متفيض كما حدث في المسلسل بأجزائه الثلاثة. · ما مشاريعك التليفزيونية أو المسرحية القادمة؟ - في الحقيقة بعد الانتهاء من هذا المسلسل سأتوقف لبعض الوقت لالتقاط أنفاسي والراحة من مشقة العمل بعدها سأبدأ في مشروع أفضل تكتم تفاصيله الآن. جريدة القاهرة في 19 أكتوبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
يسري الجندي لا توجد ممثلة في مصر أصلح لدور هدي شعراوي من فردوس عبد الحميد محمد عبد الجليل |