أحدث فيلم بحب السيما للمخرج المصري أسامة فوزي دوياً غير مسبوق في الأوساط القبطية هذه المرة، وقد وُجهت كالعادة اتهامات شتي لمؤلف النص هاني فوزي ومخرجة أسامة فوزي ولأبرز ممثليه الفنان محمود حميدة، والنجمة ليلي علوي، والطفل الواعد يوسف عثمان ، ولعل أقسي هذه التُهم هي تهمة المس بالذات الالهية، وازدراء الأديان، والتطاول علي قدسية الكنيسة، والحضَّ علي كراهيتها ، وقد ذهب البعض منهم الي القول بأن السماح بعرض هذا الفيلم يعرِّض الوحدة الوطنية للخطر ! غير أن السلطات المختصة طوّقت هذا الحريق قبل أن يمتد الي المناطق الخطرة، وأطفأت ألسنته المتصاعدة التي تريد أن تلتهم الأخضر واليابس علي حد سواء. وسمحت بعرض الفيلم علي رغم الاحتجاجات، وبعض المظاهرات التي حدثت في بعض الكنائس والتجمعات القبطية، ولم تنفع الرسائل الالكترونية التي وُجهت الي أقباط مصر للحد من مشاهدتهم لهذا الفيلم علّه يُمني بالفشل الذريع. غير أن الذي حصل هو العكس تماماً، فقد نجح الفيلم ليس في مصر وحدها، وانما امتد هذا النجاح الي بقية الدول العربية. ففي أيام قرطاج السينمائية أُدرج هذا الفيلم ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، وكان من المتوقع أن يفوز باحدي الجوائز الرئيسة الثلاث في هذا المهرجان السينمائي العريق، غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن ولم يفز الفيلم الا بجائزة أفضل سيناريو لـ هاني فوزي وأفضل تصوير لـ طارق التلمساني بينما كان النقاد يتوقعون فوز المخرج أسامة فوزي بـ التانيت الذهبي أو الفضي في الأقل الأمر الذي صدم النقاد والصحافيين والمشاهدين حينما فازت أفلام أخري عادية لم تكن تستحق هذا الفوز عن جدارة فنية. ورب سائل يسأل عن مضمون هذا الفيلم، ورؤيته الفنية، والأبعاد الجمالية التي يتوافر عليها بحيث جعلته حديث الناس في الأوساط الفنية والثقافية؟ البعض الآخر يتساءل عن الأسباب الحقيقية التي دفعت بالعديد من نقاد الأدب والسينما لأن يكتبوا عن هذا الفيلم باسهاب كبير كما فعل د. جابر عصفور الذي كتب أربع مقالات متتالية في صحيفة الحياة اللندنية، وهناك العديد من النقاد والمثقفين الذين تصدوا لفكرة منع الفيلم أو مصادرته أو مقاضاة مخرجه، ومُنتجه، ومؤلفه، وممثليه، لكن الذي حصل هو العكس تماماً فقد رُدت الدعوي القضائية لعدم كفاية الأدلة، ولأن المؤسسة الثقافية الرسمية في مصر أرادت ألا تترك الحبل علي الغارب هذه المرة، لكي لا تفسح المجال الي المؤسسة الدينية المتشددة سواء أكانت مسيحية أو اسلامية، وتتدخل في جوانب ابداعية تخرج تماماً عن اطار تخصصها الديني البحت. بحب السيما بين الأصالة والاستنساخ أكد الناقد د. جابر عصفور علي أوجه التشابه بين فيلمي بحب السيما للمخرج المصري أسامة فوزي، وفيلم سينما باراديسو للمخرج الايطالي جيوسيبي تورناتوري، ومرّد هذا التشابه بحسب ظنه أن كلا الفيلمين يندرجان تحت توصيف الكوميديا الدرامية ، وأن البطلين طفلان صغيران ينجذبان الي عوالم السينما الساحرة كما هو الحال مع نعيم يوسف عثمان الذي استحوذ علي دور بارز من البطولة الثلاثية التي توزعت بينه وبين أمه نعمات ليلي علوي وأبيه عدلي محمود حميدة ، والطفل توتو الذي أفضي به حب السينما الي أن يصبح واحداً من مخرجيها الخلّص. كما أن المسافة الزمنية التي تفصل بين عودة المخرج الايطالي الي قريته بسبب وفاة صديقه الذي أغراه في الولوج الي عالم السينما، وبين الراوي، كاتب السيناريو هاني فوزي، الذي يستعيد ذكرياته المقترنة بحبه للسينما في منطقة شبرا في القاهرة خلال ثلاثين سنة، وأن كليهما يدوِّنان سيرتهما الذاتية من خلال حب السينما والانقطاع لعوالمها الفنية والجمالية. ولو دققنا النظر جيداً لوجدنا أن مضمون فيلم بحب السيما يبتعد كثيراً عن مضمون فيلم سينما باراديسو وكذلك عن فيلم صندوق عجب للمخرج التونسي رضا الباهي بالرغم من أن الفيلم الأخير يتمحور أيضاً حول فتيً يعشق السينما، ويتعلق بها بشكل مذهل. ففيلم بحب السيما لا يعوّل كثيراً علي تعلق الطفل بالسينما فقط، وانما يتصدي لقضايا حساسة كالعلاقة بين الذات البشرية والذات الالهية، وما يكتنفها من كذب وزيف والتباس، كما يتناول الفيلم موضوعة الايمان ويفلسفها بطريقة واقعية مجردة عن الأهواء والعواطف. وتأتي أهمية هذا الفيلم من خلال محاولته الجادة في الولوج الي أعماق أسرة قبطية هي نموذج مصغّر للحياة القبطية بعامة في المجتمع المصري لسبر أغوارها، والتعرّف علي ماهيتها، والكشف عن حقيقتها الناصعة بما تنطوي عليه من تزمّت، وتشدّد، ونزعات أصولية هنا أو هناك. هذه المقدسات الشكلية المهلهلة لا يناقشها سينما باراديسو ولا صندوق عجب . من هنا فان التصدي الشجاع مقرون بفيلم بحب السيما علي وجه التحديد، هذا الفيلم الذي أثار العديد من القضايا الاشكالية، وتصدي لها بشجاعة لا مثيل لها، منتصراً لحرية الاختيار الفردية، وللقناعات الشخصية المتحررة التي لا تضع ثقتها بقوي غيبية، ولا تطمئن كثيراً الي تأويلات رجال الدين الملفعين بالعمائم السود، والجلابيب البيضاء، أو رجال الكهنوت الذين يدورون في فلك واحد، ويتطلعون الي الحياة من خلال نظارة معتمة سوداء. فالتعلّق بفن السينما هو تعلّق بالحياة الجميلة التي ينبغي أن نعيشها بالطول والعرض والعمق معاً، مُكتشفين من خلالها خبايانا وأسرارنا ومواطننا الدفينة الراكسة في أعماقنا السحيقة. هل نستطيع القول ان الفن هو الأداة الوحيدة القادرة علي ملامسة الوجدان البشري، أو كشفه وتعريته في الأقل؟ لقد طرح هذا الفيلم قضايا جريئة تهم الانسان الواعي المثقف، وتؤرق الانسان البسيط المثقل بمحمولات معرفية فطرية تتأرجح بين المفاهيم الحقيقية للدين، وبين التأويلات المغلقة العمياء التي تحد من آلية التواصل الفردي بين الانسان وخالقه، وتضع العراقيل بوجه المتع واللذات البشرية التي ينبغي أن ينعم بها الانسان علي وجه البسيطة. ان أغلب العاملين في هذا الفيلم مُخرجاً ومُؤلفاً وممثلين لا يبحثون عن الصرعات أو اثارة الزوابع في فناجين مكسورة، ولا يستهدفون العقائد الدينية كونها عقائد سماوية مجردة، كلا، فهم فنانون من الطراز الأول، يبحثون عن الحقيقة، ويسعون اليها، مُضحين بكل ما يمتلكون من جهد ومال وقوة أعصاب، وهم ليسوا طلاب شهرة خاطفة قد تزول بعد بضعة أيام، بل أنهم دعاة للحرية والاجتهاد واعمال الذهن، وهم يقفون ضد الوصاية الدينية والسياسية التي تتحرك في دوائر مغلقة، بينما يتسامي الفن والابداع في آفاق التجليات المفتوحة. ويكفي أن نشير هنا الي أن المخرج أسامة فوزي قد أنجز طوال تسعة أعوام ثلاثة أفلام فقط وهي عفاريت الاسفلت و جنة الشياطين و بحب السيما فهاجسه هو النوع، وليس الكم، وهو لا يتطلع الي شباك التذاكر والمردودات المادية، وانما يتطلع بشوق كبير الي قوة التأثير التي تُحدثها أفلامه في ذهنية المتلقين وقلوبهم ووجدانهم علي حد سواء. ومن منا لا يتذكر أن فيلمه ذائع الصيت جنة الشياطين الذي انتزع سبع جوائز في المهرجان القومي للسينما المصرية، كما حصل علي جائزة مهرجان دمشق الدولي، فمن غير المعقول أن يُهمل مخرج هذا الفيلم وتكتفي لجنة تحكيم أيام قرطاج السينمائية لعام 2004 بمنح الفيلم جائزتي التصوير والسيناريو، وهو بشهادة الجميع يستحق جائزة الاخراج عن جدارة كونه فيلماً يتوافر علي عناصر فنية وجمالية، ناهيك عن تناوله للقضايا الحساسة التي أشرنا اليها آنفاً، مع الأخذ بعين الاعتبار الأداء الرائع الذي برع فيه كل من محمود حميدة وليلي علوي ويوسف عثمان، هذا فضلاً عن أصالة الفيلم وبعده عن الاستنساخ والتأثر السطحي العابر. خرق التابوهات الثلاثة أراد مؤلف النص ومخرجه معاً أن يخترقا التابوهات الثلاثة مرة واحدة من خلال التعاطي مع أسرة مسيحية مصرية مكونة من أب أرثوذكسي متشدد جداً وهو عدلي محمود حميدة الأخصائي الاجتماعي، وأم بروتستانتية انجيلية متفتحة بعض الشيء، وهي نعمات ليلي علوي تعمل مديرة مدرسة، تخلت عن الرسم وأصبحت مجرد عقلية ادارية، وطفلين هما نعيم ونعمــــية، لا تخفي هنا الدلالات الدينية لمعاني هذه الأسماء جميعاً ، كذلك هنالك الجد والجــــدتان، والخال والخالة، والجيران، الأمر الذي يعطي صورة موسعة وشاملة عن الأسرة القبطية وطريقة تعاطيها مع الحياة اليومية العامة. يركز هذا الفيلم علي ثنائية التحريم والتحليل، ومبدأ الثواب والعقاب الذي طرحه الأب عدلي بطريقة مخيفة بثت الهلع في نفوس أفراد العائلة جميعاً. كما طرح مفهوم الجنة والنار من وجهة نظره الدينية المتشددة، ومفهومه لشهوات الجسد، وللرغبات الانسانية بشكل عام، ونظرته الي الفن بمختلف أشكاله وتجلياته من خلال الطفل الصغير المؤلف، الشاهد علي كثير من خطايا الكبار والناضجين في الأسرة، والمبتز لهم في الوقت نفسه الذي يعشق السينما ويتعلق بها. كما تناول الفيلم فترة الستينات، وهي حقبة الرئيس جمال عبد الناصر، وما رافقها من وقائع وأحداث سياسية واجتماعية هامة. الكثير من النقاد والمتلقين الذين شاهدوا الفيلم وجدوه لم يقتصر علي الديانة المسيحية فقط، وانما تمتد مرموزاته الدينية والاشارية الي الديانات السماوية كلها، وليس بالضرورة أن يظل مقتصراً في دلالته الواضحة علي الديانة المسيحية فقط، أو علي الأسرة القبطية فقط، بل أنه يتناول الأسرة المصرية بمفهومها الأوسع من المعني الديني الضيق. فالأب الذي يمثل السلطة المنزلية، وكما نسميه في أعرافنا رب الأسرة يريد أن يرسّخ قناعاته في أذهان أفراد أسرته، ويسيّرهم علي هواه، فلا غرابة حينما نسمع الأب عدلي وهو يخاطب ابنه مُحذراً اياه من مغبة ارتياد السينما قائلاً حتخش النار، نار لا تطفأ، ودود لا يموت! فمن وجهة نظر الأب المتشدد أن الرقص والغناء والموسيقي والتلفاز والسينما والتشكيل وكل الفنون الابداعية حرام. ومن مفارقات الطفل نعيم هو سؤاله اذا كان ربنا لا يحب كل هذه الحاجات الجميلة، فيا تري ربنا بيحب ايه؟ هذا الطفل الصغير مقموع من قبل سلطة الأب كثيراً، فهو مُجبر علي ارتداء ملابس كثيرة جداً رغم الجو الحار، لكنه لحظة غياب الأب يقلع أغلب ملابسه الخارجية، ويشاهد عبر جهاز العرض الصغير صوراً للقطات فنية كثيرة، ويتمرد علي سلطة الأب، بل ويسخر منها في أغلب الأحيان. لا يمكن التوقف عند كل اللقطات والمشاهد التي تنطوي علي مفارقات حادة وصادمة، ولكنني سأختار أبرزها. فالأب عدلي المذعور من فكرة النار يقول أخاف أرتكب الخطية قبل ما أموت، وأخسر كل شيء.. أخسر الجنة . وكأنه يتعامل مع الجنة والنار بمفهوم تجاري لا يخرج عن اطار الربح والخسارة وهو يحسد الناس الذين يرتكبون الخطايا والآثام ثم يتوبون قبل أن يموتوا بلحظات يا بختهم! الأم نعمات ليلي علوي امرأة جميلة، وأكثر تفتحاً من زوجها المتعصب بالرغم من اسمها مشتق من رغبة زوجها في الجنة والنعيم، لكنها مصابة بداء النسيان، فهي تنسي كل شيء حتي مفاتيح الباب، وتحاول أن تتأكد من صنبور الماء أو من قفل الباب، أو من سدادة الغاز، ولعل الدلالة هنا أنها قد تنسي التزاماتها الدينية والأخلاقية أو قد تتساهل في طريقة حياتها اليومية، وخصوصاً بعد أن انتقلت من رسم الأجساد الأنثوية العارية الي رسم الطبيعة، ومزاولة التعليم. هذا النمط الحياتي المتشدد لا ينجح في كبح جماح الأم والأولاد، فالطفل الصغير يذهب الي بيت جدته ليستمتع بمشاهدة الأفلام عبر جهازه الصغير، والأم تتمرد علي حياتها الجديدة المحصورة بين النحو والمحفوظات والحساب، وتحاول أن تعود الي فنها من خلال رسام آخر يحرضها علي العودة الي الرسم من جديد. حتي الجدة لم تستطع أن تتفادي معاكسات الرجال الذين ربما يرون فيها مخلفات جمال قديم، أو اثارة غير مندثرة. الأم نعمات تثور بين آونة وأخري علي ارشادات زوجها وتعاليمه القاسية فتنفجر ذات مرة لتقول حتكرَّهوه فيَّ و فيك و في ربنا! صلاة صلاة صلاة.. ملعون أبو الدنيا والدين..وأستغفر الله، كرهتني في الصلاة.. أستغفر الله العظيم . هنا يتفاقم الوضع النفسي لنعمات فلا تجد ضيراً في التعبير عن شهوتها الجنسية التي لم تُشبع، فالجنس بالنسبة لعدلي نجاسة خارج اطار الانجاب. فعدلي يصوم 200 يوم في السنة، وحتي عندما يمارس الوصال فانه يطلب منها أن تُطفئ النور! فهي لا يريد أن يري مفاتنها الأنثوية! كما أنه يخفي عنها أعضاءه التناسلية، ويمارس الحب بشكل سريع الأمر الذي يدعوها الي الانفجار صارخة ليه كل حاجه بسرعة، بتحسسني كل ما تقرب مني، انك بتعمل خطية، ابعد عني أنا مش شحَّاتة ، البنت تتمرد هي الأخري علي سلطة الأب فترتدي ملابس ضيقة جداً وتتطلع الي مفاتنها في المرآة، وتتبادل القُبل مع حبيبها رغم تحذيرات الأب. نتيجة هذه الضغوط الشديدة توشك الأسرة أن تنفلت، فالأم تبدي نوعاً من التراخي تجاه مداعبات الرسام الذي غيّر لها قناعاتها، واستدرجها الي منزلة، وقبّلها، وأوشك أن يواقعها! البنت كوّنت علاقة عاطفية مع ابن الجيران، والطفل ذهب مع خاله الي السينما، أما الأب فقد وجد نفسه في مواجهة تُهم جديدة، فعندما يضرب مديره يُتهم بالشيوعية وهو بعيد عنها، ويسجن، ويعذب بشدة، ويعود الي البيت منكسراً مما ألّم به. الكنيسة نفسها تتحول الي مكان للغزل العاطفي، والطفل نعيم يتوق لأن يري فيلم المنتقم ثم يقلع عن مشاهدة السينما تماماً. ثمة مشاهد أخري تستحق أن نشير اليها مثل مشهد الطفل نعيم وهو يرفع مريلة احدي التلميذات الصغيرات، أو مشهد الصور العارية في ورق القمار، أو مشهد الأم وهي تستحم أمام أنظار ابنها الذي يراها أجمل وهي عارية، يا واد بص قدامك أنت مش مكسوف؟ ما هو ربنا شايفك مش مكسوف ليه؟ أو مشهد اللوحات التشكيلية المقلوبة التي تخبئ أجساد نسوية عارية تشتعل بالرغبات الجنسية. اصابة الطفل بمرض حمّي الروماتيزم ترتب عليه ممنوعات جديدة لها دلالات أخري بحيث تتفاقم عليه قائمة الممنوعات والمحرمات الجديدة والقديمة فتزيد الطين بلّة. الأب يمرض بالقلب، والخال يفشل في الحصول علي معدل يؤهله لدخول كلية الفنون الجميلة قسم الرسم . ربما يكون تشبيه السينما بالجنة هو الأكثر انسجاماً مع مخيلة الطفل العاشق للسينما، وأن التذاكر هي صكوك غفران، وأن الملائكة يدخلون السينما أو الجنة لا فرق بعد أن يسمح لهم رضوان، حارس باب الجنة أو السينما بالدخول! بعد تعليق عدلي علي خطابات عبد الناصر نراه يتغير تماماً، وينقلب واقفاً في الجهة الأخري قائلاً لأول مرة العمر قصير نضيّعه ليه في المتاهة دي؟ محدش بيتغير الا اللي عايز يتغير وربما يكون أقوي اعتراف يقدمه لله عز وجل هو الآتي الناس بتكذب علي بعض، لكن أنا بأكذب عليك أنتَ، كل ده كذب، أنا بحب الخطية، ومبحبش السيما عشان بتعريني وبتقولني وبتكشفني قدامي وتفضحني، أنا بحب الخطية، بس خايف من جهنم.. يعني لو مافيش جهنم.. يا تري كنت أعمل نفس الحاجات دي؟ أنا ماعرفكش، أنا بأعرف شوية اشارات و طقوس وحركات آلية.. أنا تايه ما بين طايفة وطايفة.. وكلام وكلام عكسه.. احنا مختلفين في كل حاجة.. لكن كلنا بنتفق علي حاجة واحدة وبس، اننا خايفين منك، خايفين منك، بس مبنحبكش.. نفسي أحبك، نفسي أحبك زي ما تكون أبويا! الأم عندما تعود من بيت الفنان التشكيلي الذي عانقها رغم ممانعتها المتأخرة تذهب الي الكنيسة لكي تعترف كي لا يعاقبها الرب في ابنها فتقول سامحني وارفع عن ابني نعيم، خايفة عليه من ذنبي، خايفة تعاقبني فيه . ثم يعترف الابن بأنه قد ذهب الي السينما من وراء أبيه، وأنه يحب أولياء الله الصالحين من الممثلين، وأنه يحب الرقص والغناء وما الي ذلك. ثم تحاول نعمات أن تعترف له بالخطيئة التي ارتكبتها ولكنه يعاجلها بالقول متقوليش حاجة أنا عارف! ثم يموت الأب عدلي علي سجادة الصلاة، وهو يسمع خطاب التنحي لعبد الناصر الذي يعترف بهزيمته هو الآخر ويطلب من الناس أن يساعدوه علي تحقيق هذا القرار. اذ نسمع صوته الحزين يتسلل الي أعماقنا قائلاً أيها الأخوة لا يمكننا أن نخفي عن أنفسنا اننا واجهنا نكسة خطيرة خلال الأيام الأخيرة، وقد قررت أن أتنحي تماماً عن أي منصب رسمي و أي دور سياسي وليكن الله معنا جميعاً . بعد موت الأب تتولي الأم سلطة البيت، ثم تحرضها الجدة علي الزواج لكنها ترفض حتي الفنان يوسف الذي أعاد لها رغبتها الفنية، ثم تطلب نوسه الطلاق من زوجها الكذاب، ويهاجر بلبل لأن البلد ما بقتش بلد علي حد قوله بلد اللي يحفظوه ويرددوا في الكتاب، بلد اللي مبيفكروش ومبيرسموش.. ومبيحبوش السيما! الجد يفارق الحياة ونعيم يدير ظهره لهم ويفتح شاشة التلفاز بعد أن اصطحبه والده الي السينما علي كتفيه. ونكاية بكل السلطات فقد بال نعيم عليهم جميعاً من شرفة أحلامه، ونافذة خياله المتأجج. ان فيلماً يتمتع بكل هذه الجرأة والشجاعة النادرتين، فضلاً عن تمتعه بالمواصفات الفنية الأخري كان لابد أن يحصد جائزة الاخراج، ولكن يظل عزاؤنا دائماً بأن الجوائز ليست مقياساً دقيقاً لنجاح هذا الفيلم أو ذاك. القدس العربي في 18 أكتوبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
بحب السيما لأسامة فوزي:
تونس/ عدنان حسين أحمد |