شعار الموقع (Our Logo)

 

 

ظهرت عناوين الفيلم على الشاشة لحظة دخول التلميذات الصغيرات إلى القاعة. كانت سبقتهم بالحضور مدرسة أخرى واستقر تلاميذها في أماكنهم, وسكنت جلبتهم في انتظار العرض, ارتفعت ضوضاء القادمين, فتطوعت عن غير ذي صفة بالإشارة للعارض أن يوقف العرض بضع دقائق, راحت المدرسات يصدرن الأوامر والنواهي في عصبية باللغة الفرنسية فتضاعفت الضوضاء.

ظهر عنوان الفيلم على الشاشة باللغة الفارسية تصحبه ترجمة باللغة الإنكليزية "عاشق الطيور" إخراج راحبار جانبري. المشهد الأول لطفل يزحف على بطنه عبر أسلاك الحدود وهو يدفع أمامه صندوقاً للبضائع المهربة, بدا على وجهه الاضطراب, كان ينتظره على الجانب الآخر رجلان, يسرعان بالهرب حينما يطاردهما حرس الحدود, في لقطة معبرة تعلق ملابس الطفل بالأسلاك الشائكة, استشعرت حاجة الصغار لمن يعاونهم على متابعة الأحداث, سرت همهمات في الصالة اسكتتها صيحة إحدى المدرسات.

في بيت ريفي صغير يعيش الطفل بهروز في سلام مع شقيقته الصغيرة "ليلى" ووالدتهما وجدتهما. أفردوا قاعة تحيط بها الطيور لتنعم بالأمان والطعام حتى تضع بيضها فيحمل الشقيقان صغارها إلى الخلاء لتنشأ في بيئتها الطبيعية, ما منح المخرج فرصة لعرض جماليات السهول الخضر.

تعاني الأسرة ضيق ذات اليد حتى يرفض البقال منح الأم احتياجاتها البسيطة إلى أن تسدد ما عليها, فتنصرف دامعة العين, ولا يغيب الموقف عن عين أحد الرجال في المقهى المقابل. يدور الحوار بين الشخصيات باللغة الفارسية تصحبة ترجمة بالإنكليزية على الشاشة, فتعلو احتجاجات التلاميذ. تطالب إحدى المدرسات زميلها بالترجمة ولكن صوته يذوب في شريط الصوت المرافق للفيلم, يصل بالكاد إلى مجموعة صغيرة حوله فتعم الضوضاء.

على الروابي الخضر بالقرب من الحدود يطّلع الطفلان على إحدى عمليات التهريب فيبتعدان بسرعة, ولكن بهروز يتعثر في بعض البضائع المهربة فيحملها معه ويصير الطفل البريء عن غير قصد ضالعاً في عمل غير قانوني.

يعرض أحدهم (رجل المقهى) على الأم أن يعمل (بهروز) معه مستغلاً حاجتها للمال, فتضطر للتنازل عندما يدفع لها أجره مقدماً. في هدوء ينسحب تلاميذ المدرسة الأولى خارج الصالة بعد أن عجزوا عن فهم الحوار ومتابعة الأحداث, وفي الصباح الباكر يصحب الرجل (بهروز) في عربته إلى الغابة, ويكون على الطفل أن يخفي نفسه بين الأشجار ليطلق حنجرته محاكياً صوت الطيور فتأنس له وتسقط في الشبكة. وفي لقطة معبرة يجتمع كل من الطفل والطيور في شبكة واحدة ضحية للصياد, ولكن يتحرك في نفسه عشقه للطيور فيطلق عصفوراً جميلاً خارج الشبكة قبل أن تقبض عليه يد الصياد.

تنقلنا الكاميرا إلى السوق, تصور إناساً يسعون من أجل لقمة العيش, منهم من يكسبها بالكد والعمل, كما رجل ضخم الجثة يستعرض قوته في فك قيده بالسلاسل الحديد, ومنهم من ينتزعها بالخداع والغش, يبدو (بهروز) متورطاً مع النوع الثاني, تحت ضغط الحاجة, يقبع الطفل في باطن عربة خشب ليحاكي تغريد الطيور فيخدع المشترين, بينما يقوم بائع آخر بتشغيل جهاز تسجيل أسفل قفص الطيور ويعمل طفل آخر في تجارة المشروبات الممنوعة من دون أن يفطن رجال الشرطة لما يدور في الخفاء.

تصحب إحدى الأمهات المكافحات طفلتها إلى السوق لتبيع مشغولاتها اليدوية وتشتري لطفلتها عصفوراً مغرداً, تلمح الطفلة بهروز في باطن العربة وتعي دوره, غير أنها لا تكشف أمره فيتابعها بنظراته بين شقوق العربة ممتناً لحسن صنيعها. في لقطة معبرة, تكتشف الأم زيف العصفور فتعيده للبائع الذي ينكر صلته به لتقوم مشاجرة بين البائعين المتنافسين وتنقلب العربات ليصاب (بهروز) فتتقدم الطفلة وتطلقه من محبسه. وفي لقطة معبرة ينطق وجه الطفل ببؤسه الذي يتضاعف تأثيره حينما تصل شقيقته "ليلى" في الوقت ذاته حاملة له وجبة الغداء لتكشف كم التنازل الذي يقدمه أخوها من أجلهم.

ترفض الأم استمرار ابنها في مثل ذلك العمل القائم على الخديعة والزيف فيطالبها الصياد بما دفعه لها, ويتمادى في إهانتها إلى حد التشهير بها بين جيرانها, فتقذف له الجدة الطيبة بخاتم فريد تعتز به. يسترد الطفل صفاء روحه ويعود الى الأسرة توازنها حين تعمل الأم على "النول" اليدوي لتكسب عيشها من إبداع يديها, ويعاهد بهروز نفسه على رد الجميل لصديقته فيحمل لها عصفوراً مغرداً مهما بعدت المسافة ومهما بلغت مشقة الرحلة, لتكون في الواقع رحلة تكفير عن أخطائه الصغيرة. تطل الطفلة من نافذتها المكللة بالورود, وتنصت الى تغريد العصفور, تعرف أنه هدية بهروز إليها, تتأمل جماله ثم تطلق سراحه لينعم بالحرية مع أسراب الطيور المحلّقة.

فيلم عامر بالإنسانية, زاخر بالمشاعر, إذ نعايش خلال الأحداث طفلاً في مأزق يصحبه في رحلته من اليأس إلى الأمل وينتهي الفيلم بنصرة الحق والحرية.

الحياة اللبنانية في 15 أكتوبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

"عاشق الطيور" للإيراني راحبار جانبري:

فيلم متميز مع جمهور خاص

القاهرة/ فريال كامل