تواصل امارة دبي التي أصبحت نموذجا للنجاح الاقليمي في المجالات الاقتصادية والاعلامية طموحا لم يعد يتوقف عند حد فيما يبدو باعلانها تنظيم مهرجان دولي للسينما أثار المخاوف من أن يحجب الضوء عن مهرجان تقيمه القاهرة في نفس التوقيت تقريبا. وكان مسؤولون من دبي قد اختاروا القاهرة ليعلنوا منها هذا الاسبوع عقد مهرجان دبي السينمائي الدولي الاول في ديسمبر كانون الاول القادم وهو نفس الشهر الذي يشهد عقد مهرجان القاهرة الذي بدأ تنظيمه قبل 27 عاما. وكأن عبد الحميد جمعة الرئيس التنفيذي لمدينة دبي للاعلام الجهة المنظمة لمهرجان دبي يرد على هذه المخاوف حين ذكر في مؤتمر صحفي عقد يوم الاحد للاعلان عن المهرجان انه "يكمل المبادرات العربية الرائدة في هذا المجال ويقدم اسهاما جديدا مع بقية المهرجانات العربية بغية تعزيز وضع المنطقة العربية على ساحة العمل السينمائي الدولي." وشدد جمعة على حرصه على "القدوم الى عاصمة الابداع العربي للاعلان عن أول مهرجان دولي للسينما في دولة الامارات" مشيرا الى أن هذا النشاط الجديد يتمشى مع سياسة بلاده "في ناحية الاستثمار في بناء الانسان عبر ايجاد الروافد الكفيلة بدعم توجهات التنمية الثقافية والاجتماعية توازيا مع التنمية الاقتصادية." وتهدف مدينة دبي للاعلام التي افتتحت عام 2001 الى دعم أعمال الشركات والمؤسسات الاعلامية التي بلغ عددها 850 مؤسسة عربية وأجنبية في مجالات البث التلفزيوني والطباعة والنشر والخدمات الاعلانية والتسويقية والترفيهية. وتبدأ الدورة الثامنة والعشرون لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي يوم 30 نوفمبر تشرين الثاني القادم وتستمر حتى العاشر من ديسمبر بينما يبدأ مهرجان دبي في السادس من ديسمبر حتى 11 من الشهر نفسه. وهاجم ناقد مصري طلب عدم ذكر اسمه تداخل توقيت المهرجانين قائلا "كيف يمكن لدولة (دبي) مستهلكة للسينما ولا تنتج أفلاما أن تنظم مهرجانا بهذه الضخامة التي أعلن بها هذا الحدث. "لا يكفي استقدام خبراء سينما عالميين لصنع مجد سينمائي يختلف بالضرورة عن المشاريع الاقتصادية التي لا مجال فيها للخيال أو الثقافة." وتابع الناقد ان معظم الافلام الامريكية التي تشارك في مهرجان كان الفرنسي وراءها في كثير من الاحيان منتجون فرنسيون. وتساءل "هل تكفي استضافة مهرجان كل من وما فيه أجنبي ابتداء بالافلام وانتهاء بصناعها ومرورا بمديري أقسام المهرجان؟" الا أنه أشار أيضا الى ما وصفه بنجاح دبي في "مشاريع اعلامية ومالية حققت قفزات هائلة مقارنة بغيرها في العالم العربي." لكن سينمائيين ونقادا اخرين قللوا من شأن التأثير السلبي على مهرجان القاهرة. وحذر الناقد المصري أسامة عفيفي من أن أي فشل محتمل لمهرجان القاهرة ستقع المسؤولية عنه على منظميه أساسا. وقال "الكارثة فينا (المصريين) حيث بدأ مهرجان القاهرة السينمائي يضمحل بسبب سوء ادارته وليس لعوامل خارجية. لدينا (في مصر) مهرجان كبير لا نعرف كيف نستثمره." وأشار الى أن مهرجان القاهرة كان "فاعلا ومهما ومؤثرا في عهد رئيسه (الكاتب) الراحل سعد الدين وهبه باعتباره مثقفا منتميا يجيد الادارة ولكن من جاءوا بعده يفتقدون الخيال والحلم فضلا عن عدم القدرة على تحديث الادارة." وهاجم عفيفي ما وصفه بمحاولات للتهوين من مركز مصر الثقافي قائلا "حاول (الرئيس العراقي السابق) صدام سرقة الكاميرا من القاهرة ومن معرضها السنوي للكتاب عن طريق اغراءات مهرجان المربد للشعر. وكانت المفارقة في حرص الادباء العراقيين على المشاركة بأي صيغة في معرض الكتاب بمصر." لكن سينمائيين اخرين تحفظوا على هذا المخاوف وقال بعضهم ان هذه مجرد ذريعة لتبرير أو تجاهل اخفاقات مهرجان القاهرة من عام لاخر. وقال مدير قصر السينما بالقاهرة وليد سيف انه بصرف النظر عن التحفظات والانتقادات التي توجه لمهرجان القاهرة فقد بنى لنفسه سمعة دولية ورصيدا جيدا "يستحيل علي أي مهرجان عربي أن يتجاوزها علي المدي القريب". غير أن سيف أضاف أن اختيار هذا التوقيت من مسؤولي مهرجان دبي "سوء تخطيط وتنسيق اذا افترضنا حسن النية وتجاوزنا النظر الى المسألة باعتبارها رغبة في استعراض قوة التواجد والسيطرة الثقافية." وقلل الناقد التونسي خالد شوكات من شأن مهرجان دبي الذي وصفه بأنه سيكون مهرجانا سياحيا وليس سينمائيا. وشدد شوكات على أن السينما ليست مجرد عرض أفلام ولكنها تقاليد في الانتاج والمشاهدة والصناعة التي يمتزج فيها رأس المال بالثقافة التي لها عمق تاريخي في بلد مثل مصر." وأضاف شوكات وهو مدير مهرجان الفيلم العربي في روتردام والذي يعقد سنويا في هولندا "السينما ليست مجرد حدث سياحي بقدر ما تعبر عن ثقافة البلد المضيف وأصالته في الفن الذي يعرضه للجماهير." واستغربت الناقدة السورية نهلة عيسى الحديث عن التأثير السلبي على مهرجان القاهرة الذي وصفته بأنه ليس لم يعد يرقى الى مكانة المهرجانات الدولية. وقالت عيسى "هناك لعبة محببة الى قلوب العرب وهي تعليق سوء ادارتهم على مشجب الاخرين اذ لا أظن أن مهرجان دبي الذي لم يولد بعد يمكن أن يسرق البساط الذي لم يوجد أصلا من تحت أقدام مهرجان القاهرة الذي يتخبط عاما بعد عام ويفتقد أبسط المقومات الواجب توفرها في مهرجان دولي من أفلام متميزة الى حضور فني وجماهيري مكثف. "كل ما سيفعله مهرجان دبي الساعي الى وضع الامارة على خريطة السياحة الفنية الدولية هو اختطاف بعض النجوم المصريين الذين لا يحضرون أنشطة مهرجان القاهرة ولا يدعمونه بوجودهم وبالتالي فغيابهم لن يغير من واقع مهرجان القاهرة ولن يضيف لمهرجان دبي سوى المزيد من البهرجة." موقع "إيلاف" في 13 أكتوبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
القاهرة (رويترز) من سعد القرش |