يتميز الفيلم القصير بحساسية فنية خاصة، ومعايير دقيقة ومرنة في الرؤية والاخراج، اذ لا يمكن اعتبار الفيلم القصير تكثيفا للفيلم الطويل، مثلما لا يمكن تأكيد العكس، وذلك لوجود تمايز في البناء السردي بين النوعين السينمائيين، الأمر الذي يؤكده الناقد السينمائي (نور الدين الصايل) بقوله أن: (الفيلم القصير سيستمر في التأرجح بين ما هو متفق عليه باعتباره عملا محفوفا بهفوات مبتدئ وبين تمرين هامشي خارج السياق) ولقد عبر منظمو المهرجان عن رغبة محمومة في احتضان الفيلم القصير، وتأصيل استقلاليته وقوته بين الفنون السينمائية الأخري، خاصة وأن حصيلة هذا النوع السينمائي في تزايد مطرد بالمقارنة مع الفيلم الطويل، مما يطرح وبالحاح سؤال الجودة في هذا التراكم الحاصل علي امتداد حوض البحر الأبيض المتوسط. اسدال الستار : أسدل الستار علي الدورة الثانية للفيلم القصير المتوسطي بطنجة، والذي استمرت فعاليته من 21 الي 25 ايلول (سبتمبر)، تنافس خلالها 32 فيلما من معظم دول الحوض المتوسطي، بالاضافة الي عروض خاصة للفيلم المغربي القصير، وذلك ضمن زاويتي (خاص) و(استعادة). وعلي امتداد أيام المهرجان، ظل سؤال مدي استقلالية / تبعية الفيلم القصير للفيلم الطويل يخيم علي معظم النقاشات التي عرفتها ردهات سينما (روكسي) وسينما (دوليز) المحتضنتين لفعاليات المهرجان، الذي عرف توافد الكثير من النقاد، الذين كان حضورهم الفعال، في مناقشات الأفلام باهتا للغاية، فقد ظهر جليا أن الوجوه النقدية والسينمائية ذاتها التي يتكرر حضورها في مهرجانات خريبكة وسلا والرباط بحكم مهادنتها الواضحة، من أجل البقاء ضمن لائحة المدعوين الي مهرجانات قادمة. تكونت لجنة التحكيم من المخرج والسيناريست البوسني (دانيس تانوفيتش) والممثلة والمخرجة المسرحية المغربية (خلود البطيوي) والممثل والكاتب والمخرج التونسي (هشام رستم) والصحافي والناقد السينمائي الفرنسي (كي بروكر) والمخرج المغربي (عبد القادر لقطع) والتي أعلنت عن نتائجها في حفل الاختتام وذلك بتتويج فيلم (الغزالة) للمخرجة (ستيفاني ديفيفي) من فرنسا بالجائزة الكبري، فيما ذهبت جائزة التحكيم الخاصة لفيلم (سكيبر ستراد) للمخرجة (ايريني فاكليوتي) أما جائزة أول عمل فقد فاز بها المخرج الجزائري (نسيم أماوش) وذلك عن فيلمه (من الضفة الأخري) أما الفيلم المصري (يعيشون بيننا) فقد نال تنويها خاصا من لجنة التحكيم. وبالنسبة لجوائز التمثيل، فقد فازت الممثلة الاسبانية (يترمارتنيز) بأحسن دور نسائي عن دورها في فيلم (60 عاما) أما جائزة أحسن دور رجالي فقد عادت للممثل المغربي (حميدو بن مسعود) عن دوره في فيلم (لا هنا لا لهيه). ورغم موضوعية النتائج المعلنة، الا أن الجمهور الحاضر وكذا النقاد والمهتمين بهذا الحقل السينمائي، لم يتجاوبوا معها، ورشح الكثير الفيلم اليوناني (سكيبر ستراد) للفوز بالجائزة الكبري، لشاعريته وتكامل عناصره، الا أن لجنة التحكيم كان لها رأي آخر. الغزالة: فيلم في 30 دقيقة، من انتاج سنة 2003 م، وهو يحكي حكاية اليزابيث (ماري لور دسكدرو)، امرأة في الأربعينيات من عمرها، تخرج مع كلبها من البيت لأن زوجها يشاهد مباراة في كرة القدم، أصابها الهلع وهي تمر بجانب مجموعة من الشباب، فلجأت الي مقهي مجاور، وهناك تلتقي بيوسف (عبد الحفيظ ميتالسي) اللص المهاجر الذي سيمنحها درسا مثيرا في الاثارة والجنس. الفيلم من اخراج (ستيفاني ديفيفي). سكيبر ستراد : فيلم في 30 دقيقة، وهو من انتاج سنة 2003 م، ويحكي حكاية بحار مفلس (مليستر جيورجياديس) يصل الي ميناء بعيد، يقيم بأحد الفنادق العتيقة، يتقاسم غرفة صغيرة مع شخص يقيم بالنهار لا يعرفه، قبل أن يكتشف من خلال الرائحة المنبعثة من الغرفة أن من يقتسم معه السرير : مومس... الفيلم من اخراج (ايريني فاكليوتي). وماذا بعد ؟ : توقف طواف المهرجانات السينمائية عبر المدن المغربية عند مدينة طنجة، والشاهد علي دورتي المهرجان، يتخبط في حيرة السؤال عن جدوي مهرجانات لا تطور آليات الاشتغال عند المخرجين المغاربة، التي تطبع أفلامهم سمة ضعف المخيال، والجنوح للاستسهال والكولاج، باستثناء بعض الانتاجات الفردية الناجحة التي لا يتم استثمارها كانطلاقة جماعية .
القدس العربي في 13 أكتوبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
محمد الازرق * |