شعار الموقع (Our Logo)

 

 

اتهم مرة بالتودد لأميركا ومحاولة كسب ودها ورضاها، وأخرى بالمعاداة الشديدة لها ومحاولة تشويه صورتها والنيل منها.

.. وفي عقود مرت الصقت به أسوأ النعوت والصفات فهو ممالئ لليهود تارة، وهو مؤيد لاتفاق الصلح مع دولتهم تارة أخرى، وهو الى جانب ذلك حامل للكثير من التهم والنعوت السيئة. هو يوسف شاهين، المخرج المصري ذو الأصل اللبناني الذي يأبى الا أن يشاكس ويتمرد بعبقرية مجنونة... شاهين الذي اراد هذه المرة التعبير عن غضبه، ليتحول ذلك "الغضب" بفعل تقلباته ومزاجيته العبقرية الرائعة الى عتاب ولوم قدمهما بأسلوب فني راق لا يمكن لأي كان تجاهل روعته، على رغم كل المشاهد المعترض عليها من قبل الكثيرين لتنافيها مع كثير من أصول الحشمة.

هذا الفيلم اثار من الانتقاد قدر ما أثار من الاستحسان، وهما أمران ما كانا ليكونا لولا ما صاحب كل خطوات الاعداد والانتاج من جلبة وصخب اعلاميين عربيين في المقام الأول، صخب كان عموده الفقري الأول النقاد والصحافيين من محبي شاهين ومن كارهيه وحتى من أولئك الذين وقفوا في منتصف الطريق ليحبوا جوانب من براعة هذا المخرج ولينتقدوا جوانب أخرى. كل ذلك الصخب الذي أصبح عادة "شاهينية"، أدى الى ان يحقق فيلم "اسكندرية نيويورك" أحد أفضل ايرادات شباك التذاكر المصرية في موسم الصيف الماضي على رغم عرضه في نهايات الموسم الأمر الذي كان من الممكن أن يجعل الفيلم في ذيل قائمة الايرادات، فإن ما حدث كان مفاجأة للجميع إذ وصلت ايرادات الفيلم لحد الآن الى 769519 الف جنيه مصري.

حقوق عرض حصرية... وإقبال ضعيف

هذا الصخب الشاهيني أدى كذلك الى تسارع كثير من دور العرض العربية الى التسابق في الحصول على حقوق عرض فيلمه هذا قبل سواها، في البحرين كانت سينما الدانة هي من قامت بهذه الخطوة لتحصل على حق حصري لعرض الفيلم في البحرين، وهذا ما أكده المدير العام لسينما الدانة جيرارد سعد مرجعا سبب ذلك الى القيمة الفنية العالية للفيلم إذ يقول "حصلنا على حقوق عرض فيلم "اسكندرية نيويورك" في البحرين بشكل حصري، لتميز هذا الفيلم ولأنه أحدث ضجة عالمية، كما إن السينما لا يمكنها الاعتماد على الأفلام التجارية والا فانها لن تحقق اي نجاح، وخصوصا مع وجود شريحة كبيرة من المثقفين" ويضيف سعد "السينما اليوم اصبحت ثقافية بالدرجة الأولى، وإذا لم نقدم مثل هذه النوعية من الأفلام التي تلائم الذوق الرفيع في المجتمع، أصبحت السينما مثل اية تجارة أخرى هدفها الكسب المادي فقط".

وحول مستوى الإقبال والإيرادات التي حققها الفيلم الذي بدأ عرضه بسينما الدانة في الأول من سبتمبر/ أيلول الماضي ويستمر حتى شهر نوفمبر / تشرين الثاني المقبل، يقول سعد "اقبال الجمهور على هذا الفيلم ضعيف" مرجعا أسباب ذلك للفترة التي عرض فيها الفيلم، وهي الفترة التي تمثل نهايات موسم الصيف، "كما ان الكثيرين يرون فيه تكرارا لأفلام شاهين الأخرى التي تتناول سيرته الذاتية".

وسيرة ذاتية أخرى لشاهين

نعم جاء شاهين هذه المرة ليقدم لنا جزءا رابعا من أجزاء سيرته الذاتية التي كان قد بدأها في نهاية عقد السبعينات بفيلم "اسكندرية ليه" وهو الفيلم الذي عبر فيه شاهين عن رؤيته تجاه الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية من خلال استعراضه لتجربته الشخصية او لأجزاء من تلك التجربة، ثم تلى اعترافاته تلك بأخرى جاءت في العام 1982 حين قدم الجزء الثاني من سيرته الذاتية في "حدوتة مصرية" وهو الفيلم الذي كان أشبه ما يكون بمحاكمة ذاتية واجتماعية وربما عالمية.

العام 1990 شهد الجزء الثالث من مذكرات شاهين "ان شاء لنا تسميتها كذلك" بعرض فيلم "اسكندرية كمان وكمان"، وأخيرا جاء العام 2004 لنشهد جميعا أقوى وربما أخطر اعترافات شاهين الذاتية في "اسكندرية نيويورك".

هكذا تدرج معنا شاهين في عرض سيرته الذاتية عبر اكثر من عقدين من الزمان، وكما تدرج في اعترافاته كذلك جاء التدرج في تقديم اسلوبه الفني الشاذ والغريب، الذي لا يمكنك ان تقف منه موقفا ثالثا فإما أن تكون محبا له أو كارها، وللحب درجات طبعا، إذ لا يعني الاعجاب بكل ما يلقي به هذه المشاكس الغاضب على الدوام.

تدرجات شاهين تلك اتضحت ايضا بظهور المزيد من علامات النضج الفني عبر مختلف افلامه التي رسمت تاريخه الفني، كما إن افلامه الأربعة الأخيرة وأقصد بها تلك التي تتناول سيرته الذاتية، وان كان الكثيرون يأخذون عليها المبالغة في الحديث عن الذات بل وربما تقديم تجربته الذاتيه وكأنها منفردة بشكل لا يشاركه بها أحد، الا انها وبحق تمثل علامات بارزة على الساحة السينمائية المصرية، أثارت جميع الأنظار وأدارات كل الرؤوس، كارهة كانت ام محبة، بل واخذت شاهين دون سواه من أبناء بلده وجيله لأكبر المهرجانات وأرقاها في عالم الصور المتحركة.

ويبدو أن الحوادث في حياة هذا المخرج الذاتي تأتي دائما على قدر أحلامه ونبوءاته، فهذا المحب الكاره لأميركا كان على موعد مع جزء من بعض حوادث أفلامه، ولربما كان يعلم أن اليوم الذي تقف فيه أميركا مانعة فنه من الوصول الى جمهورها آت لا محالة، وها هو فعلا يأتي حين تقف سياسات اميركا وقواعد ديمقراطيتها الخرقاء في وجه رؤيته الفنية الناضجة، مانعة اياها من الوصول لاسماع وأنظار جزء من جمهورها المثقف في أميركا، على رغم ما يراه الكثيرون من سطحية طرحها وعدم تمثيلها للرؤية الناضجة في الشارع العربي، وذلك بحجة اثارة هذه الرؤى الشاهينية لمشاعر الكراهية والعداء تجاه أميركا.

هذه الاعترافات لم تغضب الشرق المحافظ فقط لما تحويه من اشارات لحياة شاهين التي وجد فيها الكثيرون خروجا عن كل ما يمت بصلة للشرع أو التقليد، وانما اغضبت الغرب المنفتح لمحاولتها الانفتاحية على شعوبه.

نعم جاء رفض مهرجان نيويورك السينمائي لفيلم شاهين ليقدم الحلقة الأخيرة في سلسلة الصخب المصاحبة لهذا الفيلم منذ البدايات، وليمثل القشة الأخيرة التي قصمت ظهر المشاهد العربي المتظلم دائما من سياسات اميركا العنصرية تجاه العرب والمسلمين. هذا الرفض اعتبره البعض بمثابة رسالة عداء موجهة ضد العرب والمسلمين، واتخذه آخرون فرصة للنيل من ديمقراطيات أميركا الزائفة، يقول سعد "يوسف شاهين لا يهاجم أميركا في فيلمه هذا بل على العكس يشيد بالمجتمع الأميركي لكنه في الوقت ذاته يعارض السياسة الأميركية الواضحة للجميع، فهم سائرون على نمط معين من الانحياز لجهة معينة" ويضيف "شاهين يشيد بالنظام الأميركي الاقتصادي والاجتماعي ويؤكد ان المجتمع الأميركي متطور الى حد كبير، أما من الناحية الثانية فان لشاهين وجهة نظر أخرى وهي تعبر عن رأي جماعي يحمله العرب جميعا فيما يختص بالسياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط "..." أما فيما يتعلق بـ "اسرائيل" فقد عبر شاهين عن انه لا يكره اليهود، لكنه يرفض السياسة الصهيونية العالمية".

قسم ثالث من الجمهور والمراقبون دافعوا عن قرار المهرجان، ورفضوا نعته بالمجحف المتحامل على أية جهة، بل واعتبروه حقا لمنظمي المهرجان يمارسونه بكل حرية وهو حق لا يحتمل اية مبالغة في التفسير والتحليل او توجيه اصابع الاتهام لأي طرف كان.

الأديب والكاتب السينمائي أمين صالح أحد من دافعوا عن هذا القرار إذ يقول: "أشك في أن يكون فيلم شاهين قد منع عرضه في المهرجان لأسباب سياسية، وبالذات في أميركا وأوروبا، ففيلم المسيح مثلا سمح بعرضه على رغم كل الاعتراضات الدينية التي وجهت له، والأسوأ من ذلك فيلم فهرنهايت 9/11 الذي عرض على رغم مهاجمته الرئيس الأميركي نفسه، بل وحقق هذا الفيلم ايرادات عالية في أميركا".

ويشكك صالح في ان يكون المنع قد صدر أصلا ولذلك فهو يوصي بالتحقق من مصدر الخبر إن كان عربيا أم أميركيا، ويضيف قائلا: "إذا كان هذا الأمر صحيح فللموزع والمنتج الحق في رفع الأمر للقضاء في هذا البلد، لأن الدستور الأميركي يكفل له هذا الحق".

ويعتقد صالح بوجود أسباب أخرى لهذا المنع، إن كان قد صدر، قائلا: "في اعتقادي يعود أمر المنع لأسباب فنية، وانا شخصيا أستبعد الجانب السياسي".

تختلف الآراء دائما بشأن شاهين وبشأن كل ما يتعلق به، ويظل الصخب قائما هنا وهناك، وتبقى كلمة الفصل الأولى للجمهور المحب أو الكاره لهذا المشاكس الغاضب، ليقرر ان كان شاهين عبقريا أم فوضويا، مقنعا أم سطحيا، مخرج "الشطحات" أم مدرسة فنية قد نجد لها امتدادا في عالمنا العربي.

ويؤكد صالح كلامه هذا بالقاء نظرة على عملية توزيع الأفلام الأخرى في أميركا إذ يقول: "في أميركا تواجه جميع الأفلام صعوبة في التوزيع حتى الأفلام الأوروبية، والأسباب في ذلك تجارية بحتة، فالموزع هناك لا يجد الاقبال على مثل هذه الأفلام فلا يعرضها... الأفلام الأوروبية إذن تشكو من عدم وجود دور عرض لها في أميركا فكيف هو الحال بسواها من الأفلام".

هكذا يستبعد صالح وجود أية أسباب سياسية لمنع الفيلم، ويشكك في صدور المنع بالدرجة الأولى مختتما حديثه بالقول: إنه "لا يعقل ان يرفض اي مهرجان فيلما ما لأسباب سياسية".

على أي حال، تختلف الآراء دائما بشأن شاهين وكل ما يتعلق به، ويظل الصخب قائما هنا وهناك، وتبقى كلمة الفصل الأولى للجمهور المحب أو الكاره لهذا المشاكس الغاضب، ليقرر ان كان شاهين عبقريا أم فوضويا، مقنعا أم سطحيا، مخرج "الشطحات" أم مدرسة فنية قد نجد لها امتدادا في عالمنا العربي، وليقرر ايضا ان كان ما يحدث حربا اعلامية اميركية تجاه كل ما هو شرق أوسطي، أم صخب اعلامي لا أكثر ولا أقل. 

أفلام السيرة الذاتية ليوسف شاهين

- اسكندرية ليه .1979

- حدوته مصرية .1982

- اسكندرية كمان وكمان .1990

- اسكندرية نيويورك .2004

الوسط البحرينية في 13 أكتوبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

بعد منع آخر أفلام شاهين

أمين صالح: لدي تحفظات... والمنع قد لا يكون سياسيا

المنامة/ منصورة عبدالأمير