شعار الموقع (Our Logo)

 

 

من بين الدول الأوروبية التي توجد فيها حركة نشطة لإنتاج الأفلام السينمائية، هناك دولتان فقط تهتمان بإنتاج الأفلام ذات المواضيع المتعلقة بمصائر أفراد او جماعات من أقوام وشعوب أجنبية الأصول خاصة من الذين صاروا يعيشون ويعملون في الدول الأوروبية ويحملون جنسياتها ويشكلون جاليات غريبة متنوعة العادات والتقاليد، مخلخلين بذلك التوازن السكاني وخالقين مشاكل جديدة للمجتمعات التي دخلوا عليها

وصاروا جزءا عضويا منها وفاعلا، ولكنه، غريب وناشز  رغم كل شيء. هاتان الدولتان هما فرنسا وألمانيا. تهتم فرنسا، من خلال نسبة كافية من إنتاجها السينمائي والتلفزيوني، الروائي والتسجيلي، بشكل رئيس بمشاكل المهاجرين إليها الذاتية أو المرتبطة والمتداخلة مع مشاكل المجتمع الفرنسي الأصلي تأثرا وتأثيرا، وجلهم من المحيط الفرانكفوني، وخاصة من الدول الافريقية، العربية منها وغير العربية.

في أحيان كثيرة ، وفي خلفية هذا الاهتمام او حتى في واجهته، يمكن تلمس وملاحظة التعبير عن عقدة ذنب في العديد من الأفلام الفرنسية، ومحاولة التكفير عن التاريخ الاستعماري الذي لم يبرد رماده بعد من خلال العديد من الأفلام التي تناولت أحداثها من خلال الحقبة الاستعمارية وتضمنت مواقف انتقادية دانت الاستعمار وممارساته. المخرجون الذين يتولون عملية إخراج الأفلام ذات المواضيع المتصلة بقضايا العالم الثالث أو اوضاع الجاليات الأجنبية داخل فرنسا ومشاكل المهاجرين الجدد اليها، ليسوا دائما من أصل فرنسي بل إن العديد منهم إما من أبناء المهاجرين، أو حتى من المخرجين الأجانب المقيمين في أوطانهم والذين تتيح لهم فرنسا فرصة تمويل أفلامهم او دعم إنتاجها والذين يعبرون في تلك الأفلام عن وجهات نظرهم تجاه القضايا المطروحة، في معظم الأحيان، اكثر مما يعبرون عن وجهة النظر الفرنسية، الرسمية، على الأقل.

في كل الأحوال فإن الاهتمام الفرنسي بمعالجة مثل هذه المواضيع والقضايا هو نتيجة كونها صارت من المواضيع والقضايا الداخلية “المحلية” التي يعيشها المجتمع الفرنسي شاء أم أبى، والذي لم يعد مجتمعا فرنسيا صافيا من الناحية العرقية، بل تحول تدريجيا منذ أواسط القرن العشرين الى مجتمع متعدد القوميات، وتدخل في صميم هموم الناس هناك على اختلاف منابتهم، أي أنها باتت قضايا فرنسية بقدر ما هي قضايا افريقية أو عربية أو عالم ثالثية.

عقدة ذنب الألماني

ألمانيا، التي تحولت بدورها الى دولة متعددة القوميات، هي البلد الثاني الذي ينافس فرنسا في حجم الإنتاج الفيلمي الذي يبحث في مواضيع لها علاقة، بشكل خاص، بالهجرة والمهاجرين الأجانب، ومشاكلهم المختلفة داخل المجتمع الألماني. لكن، على العكس من صناعة السينما في فرنسا التي تتيح فرصة اخراج الأفلام لمخرجين مهاجرين أو من أصول مهاجرة، فان السينما الألمانية تعتمد على المخرجين من أصول ألمانية، باستثناء حالات قليلة، يفرض فيها مخرج ألماني الجنسية وأجنبي الأصل نفسه على السينما الألمانية، مثل حالة المخرج التركي الأصل فاتح ايكين. وهذا يعني بالنتيجة أن السينما الألمانية تعالج قضايا القوميات الأجنبية من وجهة نظر ألمانية بالدرجة الأولى، تعالجها من زاوية تأثيرها في المجتمع الألماني. وعلى العكس من السينما الفرنسية أيضا، لا تعكس هذه النوعية من الأفلام الألمانية عقدة ذنب تجاه الشعوب والقوميات الأخرى، على الرغم من أن حربين عالميتين مدمرتين عرفهما القرن العشرين، اشعلت ألمانيا فتيليهما، وتسببتا في حصد الملايين من أرواح شعوب أخرى، هما مبرران جد كافيين للاحساس بعقدة الذنب .

عقدة الذنب الوحيدة التي يمكن ملاحظتها من خلال السينما الألمانية هي تجاه اليهود، وهي عقدة ذنب، على الأغلب، مفروضة على السينما والمجتمع والسلطة في ألمانيا فرضا من قبل الحركة الصهيونية العالمية وممثلتها الدولة “الإسرائيلية”، أكثر مما هي وليدة مشاعر طبيعية صادقة. ليس هذا الاستنتاج اعتباطيا، بل هو يقوم على ملاحظة ظاهرة تزايد الاتجاه في السينما الألمانية في العقدين الأخيرين نحو تضمين الأفلام الألمانية كليا أو جزئيا، وبدون مبرر منطقي، بل حتى ضمن سياق مفتعل في معظم الأحيان، حكايات وشخصيات تندرج ضمن زج ما يمكن أن نطلق عليه اصطلاحا تسمية العنصر “اليهودي” داخل حكاية الفيلم زجا مقحما.

العنصر “اليهودي” وصفة شائعة من وصفات الدعاية الصهيونية، غير المباشرة، يتم استخدامها من خلال العديد من الأفلام السينمائية الأمريكية والأوروبية. وهي تهدف ابتداء للتذكير، ولو بشكل عابر، بأن اليهود موجودون على الأرض. ولا يقتصر هذا التذكير على تأكيد الوجود بحد ذاته، بل تضيف اليه بعض الأفلام بعدا عاطفيا اذ تربطه بالاضطهاد الذي تعرض له اليهود، لا سيما في الفترة النازية، وهذا ما يؤدي للتذكير بدولة “اسرائيل”. يقابل هذا الاستخدام المتعاطف والدعائي للعنصر اليهودي، ويتكامل معه بالضرورة، استخدام لعنصر “سلبي” هو العنصر “العربي” في العديد من الأفلام السينمائية الأمريكية والأوروبية حيث تظهر صورة العربي، من دون مناسبة أو سياق، بشكل مثير للغضب أو حتى للسخرية، فهو اما أن يكون ارهابيا او يكون ثريا فاسقا او جاهلا ومتخلفا .

التوليفة المفتعلة للافلام

يجمع الفيلم الألماني الحديث “أغنية أيلول” (اخراج وتمثيل أوللي لوميل وانتاج عام 2002 )، بين العنصرين النقيضين “اليهودي” و”العربي” ضمن توليفة مركبة مفتعلة تنتقل الأحداث فيها من ألمانيا الى أمريكا. تجري أحداث الفيلم في خريف عام 2001 في مدينة لوس انجلوس وذلك قبل اسبوعين من أحداث سبتمبر/أيلول وتفجير البرجين. في بداية الفيلم يستلم فالانتين، وهو ملحن موسيقي ألماني رسالة من مطلقته التي تعيش في لوس أنجلوس تطلب فيها منه الحضور اليها لمساعدتها في حل مشكلة ابنهما ستيفان البالغ من العمر ثمانية عشر عاما. ما مشكلة ستيفان ؟ انه خطيب لفتاة فلسطينية مسلمة تدعى ليلى، وهي حامل منه في الشهر الثالث. يعيش ستيفان وليلى في منزل واحد مع صديقيهما جودج بوسيا وآنا اللذين يكرهان المسلمين السود، في حين أن ستيفان وليلى يكرهان اليهود ويشكلان مع آخرين عصابة ارهابية تقوم بترويع التجمعات السكنية اليهودية، ترسل لهم رسائل التهديد وتطلي جدران المنازل برسم شعار الصليب المعقوف. بعد وصوله الى لوس انجلوس يقيم فالانتين علاقة جيدة مع العصابة المعادية لليهود ثم ينضم الى العصابة العنصرية الأخرى التي تعادي المسلمين السود، لكنه سرعان ما يكتشف ان الكل يكره الكل وان الكراهية والاحقاد هي لب المشكلة. وهكذا يعثر فالانتين على الحل السحري للقضاء على معاداة اليهود: انه يعلن أنه جدته كانت يهودية .

تتخذ العودة الى الأصل اليهودي بعداً أكثر صراحة في الفيلم الألماني الأحدث “النسيج الرائع” (اخراج جان شوتيه وانتاج عام 2003)، المركب بدوره من أحداث ملفقة. يتحدث الفيلم عن ماكس، وهو شاب في الثلاثين من عمره، يفترض فيه أن يكون الوريث لمصنع النسيج الذي يملكه والده اليهودي، الذي استطاع النجاة من الحرب. لكن ماكس يرفض المستقبل الذي يهيئه له والده، كما أنه يرفض التقاليد اليهودية التي تتمسك بها عائلته، لهذا يتخلى عن العمل في المصنع. ولكن ماكس، ويا للصدفة، يصدم بسيارته ذات يوم صبيا يتبين أنه يهودي. وهذا ما يجعله يعيد النظر والتأمل في هويته. وإثر مجموعة تجارب قاسية يمر بها ماكس، يقرر السفر إلى “اسرائيل” بحثا عن حياة أكثر صفاء. في هذه الأثناء يدخل والده في غيبوبة بعد تعرضه لحادث، كما أن شقيقه يترك المصنع ويسافر إلى المغرب. ونتيجة لكل هذا يشعر ماكس بمسؤوليته تجاه العائلة.

النبش في الماضي 

ويروي فيلم “روزينشتراسي” (إخراج مارجريت فون تروتا، إنتاج عام 2003) قصة تدور حول الشابة حنة التي تعيش في نيويورك مع والدتها، التي ما ان يتوفى والدها حتى تبدأ في نبش ماضي أسرتها، حيث تكتشف أن والدتها اليهودية قد تم تربيتها من قبل امرأة ألمانية تدعى لينا، بعد أن جرى تهجير والديها زمن الحرب. وهذا النبش في الماضي يسبب القلق لدى والدتها المدعوة روث التي تحاول نسيان الفترة الصعبة التي عاشتها في صغرها .

وتسافر حنة إلى ألمانيا وتلتقي لينا التي أصبحت الآن في التسعين من عمرها. وهي ستروي لحنة قصتها: كانت لينا متزوجة من موسيقي يهودي. وذات يوم لا يرجع زوجها الى المنزل، فتبدأ رحلة شاقة للبحث عنه، تقودها الى معسكر الاعتقال فتلتقي هناك مع العديد من النساء الألمانيات اللواتي يبحثن عن أزواجهن اليهود، كما تعثر لينا على الطفلة “روث” وحيدة بلا والدين، فتصحبها معها وتقوم برعايتها إلى أن يعثر عليها أقارب لها يعيشون في أمريكا ويأخذونها للعيش عندهم. بعد عودتها إلى نيويورك إثر لقائها مع لينا، تعيد حنة لوالدتها خاتما كانت قد ألقته عند قدمي لينا قبل رحيلها بعد أن أرجعته لينا لها، وهكذا تستعيد الأم روث خاتمها الذي يذكرها بأمها اليهودية التي هجروها مع أبيها عنوة زمن الحرب.

في المقابل، يجسد الفيلم الألماني المعنون “الصديق الغريب” (إخراج إيلمر فيشر، إنتاج عام 2003)، النموذج التقليدي لاستخدام العنصر “العربي” في السينما العالمية. يتحدث الفيلم عن الشابين كريس الألماني ويونس اليمني الجنسية، والاثنان في العشرين من عمرهما، يلتقيان في أوقات متباعدة في البداية، ثم يبدآن تدريجيا صداقة في ما بينهما، مما يؤدي إلى أن ينتقل يونس للعيش في السكن الطلابي الذي يقيم فيه كريس، حيث تتوطد أواصر الصداقة بين يونس وكريس وصديقته جوليا واللذين وجدا في يونس الصديق الغريب الذي يمكن لهما ان يثقا به. وغالبا ما يجلس يونس وكريس ويتناقشان في مسائل فلسفية تتعلق بالدين والعالم والنساء والحب بشكل عام. ويبدو يونس من خلال علاقته بكريس وصديقته جوليا إنسانا منفتحا على العالم، عقلانيا وغير متعصب.

لكن يونس يختفي فجأة قبيل أيام من الهجوم الانتحاري بالطائرات على البرجين في نيويورك. وهكذا تتولد الشكوك عند كريس حول حقيقة شخصية صديقه يونس ودوافع بعض تصرفاته ويكتشف أنه كان صديقا “غريبا”.

هذه النماذج من الأفلام الألمانية الحديثة لا تخرج عن مألوف السينما الأمريكية والأوروبية عامة في استخدامها للثنائية الضدية المتمثلة في استخدام العنصرين “اليهودي”، إيجابا، و”العربي”  سلبا، وذلك لخدمة غرض دعائي واحد بطريقة مباشرة أحيانا وغير مباشرة أحيانا أخرى، وبالتالي لا تضيف جديدا إلى ممارسة شائعة قديمة قدم السينما نفسها .

الخارج عن المألوف هو عدوى العنصر “اليهودي” التي انتقلت إلى بعض أجزاء جسم السينما العربية في السنوات الأخيرة .

الخليج الإماراتية في 11 أكتوبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

تتعاطف مع اليهودي وتسم العربي بالارهاب

نماذج من السينما الألمانية الحديثة

عدنان مدانات