إنّ هوليود قائمة على القوة والتأثير، فالنجوم يريدون المزيد من المال، والمنتجون يريدون المزيد من النفوذ، اما المخرجون فيريدون المزيد من الحرية الإبداعية. لكنّ البعض يريد المزيد من كل هذه الأشياء.. لذلك لم يُفاجأ أحد عندما تسرّبت أخبار شبه مؤكدة في نهاية العام الماضي عن نية اربعة من أهم مخرجي هوليود الشباب تشكيل شركة إنتاج خاصة تُحقِّق لهم الاستقلال الابداعي، الصلاحيات المطلقة، المزيد من الأرباح، والحق في تملُّك النسخ السالبة negatives لأفلامهم. المخرجون هم: ستيفن سودربرغ (ترافيك)، ديفد فينشر (نادي القتال)، سبايك جونز (ان تكون جون مالكوفيتش)، والكسندر بَيْن (انتخاب). وفي اجتماعات سرية استغرقت ما يزيد عن ثمانية عشر شهراً، كان هؤلاء الخارجون عن السرب يشكلون نادياً او تجمُّعاً ينادي (بالحرية الإبداعية) التي سيعملون من خلالها كشُركاء من اجل هدفٍ أعظم. وبحسب شروط الاتفاق المبدئي، فانّ كلاً من المخرجين سيصنع ثلاثة أفلام خلال السنوات الخمس المقبلة. وهذه الأفلام ستُوزّع محلياً من قبل شركة USA Films، اما حقوق التوزيع الخارجي لكل فلم فستُباع كلٌ على حِدة. كما انّ المخرجين المُشار إليهم أعلاه سيكونون مُحتكرين من قبل شركتهم هذه، وسيكون لكل منهم الحق في الإشراف والسيطرة على النسخة النهائية للفلم المعروض Final Cut، إضافة الى الصلاحيات لتجاوز الحدود العليا للميزانية المقرّرة عند الضرورة. وعلى مدى سبع سنوات يأمل هؤلاء المخرجون بإمكانية امتلاك حقوق الملكية الكاملة Copyright لكل الأفلام التي يصنعونها من خلال الشركة. لكن هذه الأشياء هي من باب الأمنيات والأحلام .... إذ ما علينا سوى التحقُّق من تاريخ هوليود في السبعين سنة الماضية، إذ تقريباً في كل عقد، تجمّعت المواهب سوية لنفس الأهداف التي أشرنا اليها سابقاً. والنتيجة، انّ العديد حاولوا … لكنّ القلة نجحوا. (الفنانون المتحدون) في العشرينات، (أفلام الحرية) في الاربعينات، (برت لانكستر وشركاؤه) في الخمسينات، (الفنانون الأوائل) نهاية الستينات، (شركة المخرجين) و (افلام سانفورد) في السبعينات. اما في التسعينات، فانّ وكيل الفنانين المشهور (مايكل اوفيتز) حاول ان يجمع سوية كل من المخرجين ستانلي كوبريك، باري ليفنسون، سدني بولاك، مارتن سكورسيزي وآخرين. وعلى حد قول المنتج مايك ميدافوي: "هناك إغراء دائمي لأن يتحد الفنانون، ولكن الجميع ينسون او يتناسون ان (الفنانين المتحدين) فشلوا في النهاية". ويُكمل قائلاً: "سيكون جميلاً بالتأكيد ان يتجمع العديد من الفنانين لمساعدة بعضهم البعض واكتساب المزيد من السيطرة على أعمالهم. ومن جهة ثانية، فان الاستوديوهات هي التي تهيئ الأموال ومستلزمات الإنتاج، وهي ترغب في السيطرة على الإنتاجات النهائية من اجل ضمان أموالها. وهذا يؤدي الى التناقض في النهاية، لأن الفنانين لا يرغبون في الاستماع الى أحد". وعلى حد قول فرنسيس كوبولا، إنّ بناء إمبراطورية ما عمل مضني وشاق: "فهناك مسائل عملية تتعلق برغبة المخرجين في إنجاز أعمال (شخصية) الطابع للجماعة، وأعمال (تجارية) الطابع للاستوديوهات الأخرى. كذلك هناك قضايا تتعلق بموازنة القوة التي قد يحظى بها او يحققها احد المخرجين في المجموعة تجاه زملائه الاقل حظاً. وفي هوليود، فان الموهبة مثل سوق الأسهم في صعود وهبوط، ومن الصعب جداً الموازنة بين هذه العوامل او (الأهداف المتحركة) على الدوام". لنتأمل قضية التجمّع الذي ضم ستيفن سبيلبرغ، جورج لوكاس، وجون ميليوس في منتصف السبعينات؛ عندما قرر هؤلاء المخرجون الصاعدون – وقتها – إعطاء بعضهم البعض نسبة مئوية صغيرة من أرباحهم. وفي حينها انجز سبيلبرغ (لقاءات من النوع الثالث)، اما لوكاس فقد أنجز (حرب النجوم). بينما لم يحظ فلم ميليوس (يوم الأربعاء الكبير) بأي نجاح مادي يذكر مقارنة بالأرباح الخيالية التي جناها الفلمان الاولان. وعلى حد قول احد المنتجين: "لقد كان امراً عظيماً بالنسبة لميليوس، وكارثة بالنسبة لكل من لوكاس وسبيلبرغ". ويقصد المبالغ التي حصل عليها الأول بناءً على الاتفاق المبرم سلفاً بين المخرجين الثلاثة. ومن الواضح، انّ المنافسة الحادة ما هي الا واحدة من الشِراك التي تنتظر مثل هذه الشَراكات الإبداعية. الفنانون المتحدون United Artists: في عام 1919 شكّل نجوم السينما الصامتة؛ شارلي شابلن، دوغلاس فيربانكس، ماري بيكفورد والمخرج الشهير غريفث شركة (الفنانين المتحدين) للسيطرة على شؤونهم الفنية والمالية وتولي مسائل الإنتاج والتوزيع في أفلامهم الخاصة. وبعد نجاحات باهرة في أفلام كثيرة (الأزمنة الحديثة، روبن هود وغيرها)، فقدت الشركة بريقها كتجمّع للفنانين وأصبحت نموذجاً لموزِّع الأفلام المستقِّل. ومنذ سنوات طويلة غدت مملوكة من قبل استوديوهات MGM. أفلام الحرية Liberty Films: في عام 1945 أطلق المخرجون؛ فرانك كابرا، ويليام وايلر، جورج ستيفنز – ضُباط سابقون -، بالإضافة للمنتج سامويل برسكين شركة (أفلام الحرية). إذ في نهاية الحرب عندما عاد كابرا الى امريكا، لم يتمكن من توقيع أي عقد مع أي من الاستوديوهات والشركات القائمة آنذاك، لذا لجأ الى تكوين أفلام الحرية. وقد تعاقدوا مع شركة RKO لصنع تسعة أفلام على مدى ثلاث سنوات. لكن في النتيجة، لم يرَ النور من هذه الأفلام سوى فلم واحد هو (إنها حياة رائعة It’s a wonderful life) الذي اصبح معلماً بارزاً في تاريخ السينما بالرغم من فشله التجاري آنذاك، مما ادى الى بيع الشركة الى استوديوهات بارامونت، وبالتالي خسرَ كابرا كل حقوقه في هذا الفلم البارز. لقد كانت الشركة تطمح للحصول على امتياز مطلق لأن يقرر الفنانون ما يريدون بأنفسهم. وبالطبع حقق هؤلاء المخرجون لاحقاً مجموعة رائعة من الأفلام مثل (شَيْن)، (العملاق)، (مكان في الشمس)، (الوريثة) … كان من الممكن ان تكون من نصيب شركة أفلام الحرية فيما لو استطاعت البقاء. هيشت – هيل – لانكستر Hecht – Hill – Lancaster: نفس الرغبات السابقة في التحرر وتحقيق المزيد من السيطرة الذاتية في الشؤون المالية والفنية دفعت النجم الكبير (برت لانكستر) لاتخاذ طريق المنتج المستقل في عام 1954. إذ انشأ شراكة مع وكيله الفني (هارولد هيشت) ورفيق عمله الكاتب/المخرج (جيمس هيل). وقد أصبحت هذه الشركة، التي عُرفت باسم مؤسسيها، من اكبر المنتجين المستقلّين في الخمسينات. إذ عقدت ميثاقاً مع (الفنانين المتحدين) بموجبه تُموِّل الأخيرة أفلام الأولى كلياً، على ان تعود 75% من الأرباح الصافية الى لانكستر وشركائه. وقد صادفت الشركة نجاحات كبيرة في أفلام مثل (مارتي)، (رائحة النجاح الزكية)، (موائد منفصلة)، (تابع الشيطان)، (أُركض صامتاً، أُركض عميقاً) وغيرها … حتى وُصفت بأنها (صفوة الصفوة). ولكن في النهاية تفرّق المؤسسون عن بعضهم في عام 1962 بسبب المشاكل المالية والشِجارات الداخلية. الفنّانون الاوائل First Artists: في نهاية الستينات ضمّ النجوم سدني بواتييه، بول نيومان، وباربرا سترايساند صفوفهم لتكوين شركة (الفنانين الاوائل). وقد أنضم إليهم لاحقاً كل من ستيف ماكوين ودَستن هوفمان. لقد استغرق إنشاء الشركة ما يقارب الخمس سنوات من الجهود القانونية لتنظيم مختلف التفاصيل والالتزامات، بوجود خبراء في الإدارة الفنية والقانونية. وبموجب ميثاق الشركة، يحصل كل ممثل على 150 الف دولار كمقدّم عن كل فلم، و 10% من إجمالي العائدات، واخيراً على حصة من الأرباح الصافية تصل الى 50%. وقد إلتزم الجميع بالعمل في ثلاثة أفلام على الأقل، مع تمتُّعهم بحق الإشراف على النسخة النهائية والحرية لصنع أي فلم لا تتجاوز تكاليفه 3 مليون دولار. وقد حصلت الشركة على الاموال اللازمة من بنوك تجارية خاصة في انكلترا، ووقعّت عقوداً لتوزيع أفلامها في الخارج. لقد كانت هذه المرة الاولى التي يتجمّع فيها نجوم التمثيل بهذه الصورة منذ العشرينات. واستطاعت المجموعة إنتاج أفلام رائعة مثل (مولد نجمة)، (ليلة السبت في الضواحي)، (حياة وأوقات القاضي روني بين)، (الفرار)، (الفراشة) وغيرها. لكنّ الشركة تخبّطت لاحقاً في مشاكل إدارية وأفلام فاشلة عديدة، مما ادى الى انسحاب النجوم المؤسسين. ثم تحولت الى شركة عامة بعد ان بِيعت اسهمها في البورصة عام 1973. واخيراً تمت تصفية أعمالها بشكل نهائي عام 1985. شركة المخرجين The Director's Company: وهذه الشركة من بنات أفكار شارلز بلودهورن، رئيس شركة (Gulf + Western). إذ أراد احتكار خدمات المخرجين: فرنسيس كوبولا، بيتر بوغدانوفيتش، ويليام فريدكين مقابل إعطائهم الحرية الابداعية التي كانوا يبغونها. وحسب الاتفاقية الموقعة عام 1972، فان المخرجين يستلمون 350 الف دولار كمقدم عن كل فلم. كما يُسمح لهم بصنع أي فلم لا تتجاوز ميزانيته 3 مليون دولار، ويمكن ان ينتجوا أي فلم لا تتجاوز تكاليفه 1.5 مليون لمخرجين آخرين. بالإضافة الى حقهم المطلق في إعداد النسخة النهائية Final Cut لأفلامهم. وقد أجرى بوغدانوفيتش مفاوضات مطولة مع شركات البث التلفزيوني لتبقى افلام الشركة غير ممسوسة uncut عند العرض التلفزيوني. ولكن المشاكل سرعان ما بدأت بالظهور. إذ ساد جو من الامتعاض في الشركة جرّاء إستلام كل مخرج مبلغ 300 الف دولار من عوائد وأرباح فلم بوغدانوفيتش الناجح (القمر الورقي)، بالإضافة الى تدخُّل أعضاء الشركة السلبي في فلم بوغدانوفيتش التالي (ديزي ميللر). ويقول كوبولا، انّ العلاقات بين بوغدانوفيتش وفريدكين كانت سيئة اساساً، وخصوصاً ان الاخير لم يقدِّم أي فلم للشركة واكتفى بقبض حصته من الارباح فقط. وعلى قول بوغدانوفيتش، فان المشاكل كان سببها المال وليس غير. وخصوصاً بعد ان صنع فريدكين فلمه الشهير (طارد الارواح Exorcist)، فأصبح غير مهتماً بمبلغ 350 الف دولار مقابل الملايين التي جناها من هذا الفلم. وقد حاول بوغدانوفيتش المستحيل مع كوبولا للمحافظة على على الشراكة، وخصوصاً انّ الاخير قدّم للشركة فلمه الشهير (المحادثة)، لكن بدون نتيجة. ويقول بوغدانوفيتش عن هذه التجربة: "لقد ركلنا باقدامنا مملكةً من اجل المال. المال يذهب. اما المملكة فتبقى". افلام سانفورد Sanford Productions: وفي مطلع السبعينات، أنتجت شراكة المخرجين سدني بولاك ومارك ريدل افلاماً مهمة مثل (جيرماي جونسون)، (رعاة البقر)، و (الفزّاعة). ولفترة وجيزة سارت أمور الشركة بصورة حسنة، وضحّى المخرجان بأجورهما انتظاراً للأرباح النهائية في سبيل تحقيق مستوى فني رفيع. اما حالياً، فانّ الشراكة القائمة بين بولاك والمخرج البريطاني انتوني منغيللا تدير عمليات الإنتاج المختلفة في سبع أفلام من بينها (الامريكي الهادئ) و (الجبل البارد). ويقول بولاك: "إننا نعمل بالضبط كشركة مُنتجة. ولهذا فان الشراكة مستمرة". علماً إن بولاك رفض مراراً، وعلى مدى سنوات، دعوات الوكيل الفني المشهور (مايكل اوفيتز) للدخول في شركة مخرجين كُبرى تضم اسماءً لامعة مثل سكورسيزي وكوبريك وليفنسون وزيمكس وآخرين. ويبرِّر ذلك بقوله: "يجب ان تكون صبوراً، ناضجاً، مستعداً للتعامل مع تقلّبات وتغيّرات كبيرة في الرؤى والأمزجة. ولهذا قلّما تستمر مثل هذه الشركات في أعمالها". موقع "إيلاف" في 9 أكتوبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
سينمائيون نحو الاستقلالية في هوليوود اعداد: يوخنا دانيال |