تلتئم الدورة السادسة لمهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية بين الاول والعاشر من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل في موعد بات سنوياً ثابتاً للمهرجان المتخصص بالنتاج الوثائقي. في العادة، يكمل Docudays، العنوان الفرعي الذي يطلقه عليه اصحابه، حلقة المهرجانات السينمائية المتنوعة بين المختص بالانتاجات العربية باختلاف اشكالها (ايام بيروت السينمائية) والمعني بالسينما اللبنانية (نما في بيروت) والسينما الاوروبية (مهرجان السينما الاوروبية) وسينما الأطفال (مهرجان الجنى) وسواها. على الرغم من ان إحدى حلقات الدائرة فُقدت هذا العام بإلغاء مهرجان سينما الشرق الاوسط في بيروت لأسباب عللها القيمون عليه بـ "الوضع الامني" بما لم يفسر بقدر ما عزز الغموض حول المهرجان والغائه. ولا يغيب عن البال التظاهرات السينمائية الفرعية التي تحييها المراكز الثقافية والنوادي السينمائية ومنها "سينما في طور البناء" الذي أحياه المعهد الثقافي الالماني قبل اسبوع وعروض من مهرجان رام الله الفلسطيني التي استضافها النادي السينمائي بالجامعة الاميركية خلال الاسبوع المنصرم. مازال "مهرجان بيروت الدولي للافلام الوثائقية" يسعى الى تكريس السينما الوثائقية في المشهد السينمائي المحلي والعالمي. فهو من خلال عروضه الدولية يتوجه الي الجمهور المحلي والعربي ويتطلع عبر برنامجه العربي الى لفت أنظار العالم الى نتاج السينما الوثائقية العربية. بعد ست سنوات من انطلاقته، يعتبر مؤسسه ومديره محمد هاشم ان ما ينقص المهرجان "التحول مؤسسة حقيقية تتعدى الجهود التي يبذلها افراد شغوفون بالسينما على هامش اعمالهم الحقيقية. يجب ان يصبح المهرجان عملنا الاساسي لأنه يستحق ذلك وان يتحول مؤسسة تعمل على مدار السنة." في مقابل ذلك، يرى في حواره مع "المستقبل" ان المهرجان حقق مكانة معقولة خلال السنوات الفائتة "فالتحضيرات باتت اسهل وكذلك الحصول على الافلام. لم نعد نحن فقط الذين نسعى الى طلب هذا الفيلم او ذاك، بل ان عدداً كبيراً من الافلام يصلنا من دون ان نطلبه وهذا دليل على ان المهرجان صار مقصوداً ومتابَعاً من قبل بعض المخرجين والمنتجين وربما المهرجانات الاخرى. كما ان مخرجين كثيرين متحمسون للمجيء لمرافقة عرض افلامهم". على ان ما لمسه هاشم خلال التحضير للدورة الحالية يتمثل بـ"هبوط عام في مستوى الافلام الوثائقية على صعيد العالم. صحيح ان الانتاج في ازدياد ولكن ربما تكون تلك الطفرة وذلك الاقبال علي الوثائقي بعد ان اصبح متاحاً ومطلوباً هما احد اسباب الهبوط. الكل يتهافت علي الفيلم الوثائقي وكيفما اتفق على صعير الانتاج والعرض". يشير هاشم الى ان اختيار الافلام للدورة الحالية اعتمد بالدرجة الاولى متابعة عروض المهرجانات الدولية في ما يخص الافلام العالمية "الافلام الجيدة تتنقل بين المهرجانات وتتوجه الانظار اليها تلقائياً". برغم ذلك، تقوم ادارة المهرجان باختيار اولي من بين الافلام المرشحة "ومن ثم تُعرض على عدد من الأشخاص للأخذ بآرائهم أما افلام الطلاب فيتكفل بمتابعتها واختيار الافضل بينها لجنة مؤلفة من شخصين". على ان هاشم يلفت الى ان معايير الاختيار النسبية والتي يصعب تلخيصها بنقاط محددة، تميل الى الاخذ بالاعتبار امرين هامين "قدرة العمل على جذب المشاهد لأن واحداً من اهداف المهرجان كسب جمهور للسينما الوثائقية والثاني قدرته على فتح نافذة تعبيرية جديدة او مختلفة على صعيد اللغة الفنية. بالنسبة الي، هنا يكمن التجريب الحقيقي المبني على اسس والمنطلق من ارض ثابتة وليس في تلك المحاولات التي تعتبر انه بقدر ما احتار الجمهور فيها بقدر ما ازدادت عبقرية صاحبها". يلخص هاشم العقبات التي تواجه المهرجان بمشكلة التمويل مستغرباً ان تعجز الانشطة الثقافية المستمرة كالمهرجانات عن العثور عن مهتمين بها "من الضروري ايجاد آلية تمويل بين القطاع الخاص ووزارة الثقافة كأن تذهب نسبة من الضرائب الى دعم النشاط الثقافي. من البديهي ان تحظى المهرجانات التي اثبتت حضورها على اهتمام بعض المستثمرين في القطاع الخاص لأنها بهذه الطريقة تتمكن من تطوير نفسها ومن التقدم. كيف تفعل ذلك من دون ان تكون محور اهتمام احد؟! حتى المصارف التي تُعتبر شرياناً اساسياً في دعم بعض الانشطة الثقافية، نجد صعوبة بالغة في الوصول الي المعنيين في بعضها". افلام لبنانية ودولية تحتوي الدورة السادسة من المهرجان على خمسة وستين فيلماً من اثنين وثلاثين بلداً وهي موزعة على أربع فئات رئيسية: بانوراما دولية، أفلام عربية، أفلام طلاب وأفلام لبنانية عروض اولى. في حين تكمل مسابقة افلام الطلاب اللبنانية والدولية التي تمنح جوائزها عبر لجنة تحكيم الى افضل فيلم، افضل فيلم لبناني، افضل انجاز تقني وافضل موضوع وبحث، تدخل الدورة الحالية مسابقة جديدة للافلام الوثائقية القصيرة دون خمس وأربعين دقيقة وتتيح للافلام العربية واللبنانية التنافس مع افلام أجنبية على جائزتي افضل فيلم وافضل فيلم عربي. أما البانوراما الدولية، فتحتوي على عرض لأبرز الافلام التي عُرضت خلال العام في المهرجانات العالمية. بينما تتضمن فذة الافلام اللبنانية كما يوحي اسمها افلام تُعرض للمرة الاولى. في الفئة الأخيرة، ستة افلام جديدة تُقدم في المهرجان بعروضها الاولى هي: "الطريق الى كربلاء" لكاتيا جرجورة، "وقع خطى على الرصيف" لرين متري، "سينيكارافان" للارا سابا (داخل المسابقة)، "رومبوان شاتيلا" لماهر ابي سمرا، "لأ..بس" لراني بيطار (داخل المسابقة) و"برلين بيروت" لميرنا معكرون (داخل المسابقة). الى تلك، يختتم شريط محمد سويد الوثائقي الجديد "حكاية جريدة" المهرجان في عرضه الاول ايضاً. في تعليق على ما يعتبره البعض شرطاً جائراً، أوضح هاشم مسألة الاصرار على العرض الاول للافلام اللبنانية بالقول: "هذا الموضوع سيُحل ابتداءً من السنة المقبلة حيث ستكون هناك فئة جديدة بمثابة بانوراما لأبرز الافلام العربية التي انتجت خلال العام والتي يمكن ان تحتوي على افلام عُرضت في اطار آخر. ولكنني مازلت أرى في هذه النقطة ايجابية للفيلم وللمخرج. فبين عرض خاص وآخر ضمن مهرجان يصل كتالوغه الخاص الى مهرجانات أخرى، تشكل الفرصة الثانية مساحة فضلى لجهة تسليط الضوء على العمل ومقارنته بأفلام أخرى عالمية وعربية لاسيما ان العالم اليوم يرى كل شيء اي ان فكرة المحلية انتفت". ويضيف ان "البانوراما العربية ستكون جزءآً من تغيير التقسيم الجغرافي بحيث تكون هناك فئتان اساسيتان: وطنية وعالمية، وتشمل الاولى العالم العربي بوصف المهرجان هو الاوحد في المنطقة المختص تحديداً بالنوع الوثائقي. اي ان هناك دوراً أعتقد انه بات مطلوباً من المهرجان ان يكون واجهة الانتاجات العربية الوثائقية ليس من موقع احتكاري البتة انما في غياب المبادرات الاخرى. بل ان نشوء مهرجانات وثائقية في المنطقة سيعزز هذا الدور بحيث تكون هناك اكثر من قناة لعرض النتاج الوثائقي العربي". وبالعودة الى العروض العربية، بعض العناوين المؤكدة: "كل شيء سيكون على ما يرام" لتامر عزت (مصر)، "نساء في صراع" لبثينة كنعان (فلسطين)، "أصوات بريئة" لخضر عيدروس (الامارات)، "كوابيس الواقع" لأسيل منصور (الاردن)، "حول بغداد" لبسام حداد وسنان انطون. ومن العناوين العالمية: "ماراثون الصحراء" (اسبانيا)، Mystic Iran (ايران)، The Big Durian (ماليزيا)، Surplus (سويد)، Smile and Wave (هولندا)، A Life of Death (اميركا) وغيرها. وفي حين حُسم أمر فيلم الختام، مازال الافتتاح غير مقرر بانتظار تأكيد مشاركة فيلم Born into Brothels عن الاطفال الذين يعيشون في بيوت الدعارة. وهو من بين الافلام المرشحة لاوسكار افضل فيلم أجنبي للعام 2005. على ان المؤكد تكريم المصور السينمائي حسن نعماني ليلة الافتتاح. عربي.. دولي.. سياسي بين وجهيه العربي والدولي، يسعى المهرجان الى ان يكون واجهة دولية للداخل وواجهة عربية للخارج. يعتبر هاشم ان الدورات السابقة حققت تلك المعادلة مشيراً الى ان "العروض الدولية موجهة الى المشاهد المحلي كما الى المخرج غير القادر على السفر مراراً خلال العام للاطلاع على أحدث الانتاجات. وعلى القول بأننا قبل سنتين لم نكن نحلم بعرض افلام جديدة او حتى من السنة السابقة. اما اليوم فأفلام 2003 متاحة وافلام 2004 نتنافس عليها مع مهرجانات أخرى. فضلاً عن ذلك، نسعى عما قريب الى تشكيل لجنة للافادة من خبرات دولية في تنظيم المهرجان واختيار افلامه". لا شك في ان التوجه السياسي المرتبط في احيانٍ كثيرة بالفيلم او بالاسقاطات السياسية الملحقة به تتحكم في اختيارات المهرجانات لاسيما العربية التي تولي الموضوع السياسي أهمية قصوى تتعدى أحياناً اللغة والشكل الفنيين. عن ذلك يقول هاشم: "مهرجان بلا هوية لا يستطيع اثبات نفسه. لا بد من موقف له وتوجه. لا أدعي ان المهرجان هو الصدر الرحب الذي يستقبل الجميع. لا أؤمن بهذا الهراء لأن المهرجان ليس شاشة تلفزيونية تحتوي على ما هب ودب. نعم، آخذ المعيار السياسي بالاعتبار. لا أعرض فيلماً يتعاطف مع الطفل الإسرائيلي كما يتعاطف مع الطفل الفلسطيني. لا أعرض فيلماً يشكر مخرجه في آخره صديقاً اسرائيلياً على ضيافته له في اسرائيل... ثمة مسائل مبدئية وأخرى تتعلق برأيي الشخصي وتلك لا أمنعها للحفاظ على مساحة تعبير حرة. ولكن لا بد من الالتفات الى الموجة المتعارمة من تحول السينما مدخلاً للتطبيع مع اسرائيل وتلك مسألة تجري علي نطاق واسع من خلال مهرجانات ومؤتمرات. الاسرائيلي لا يهمه توقيع معاهدة سلام معنا بل الاعتراف. وما تلك الافلام الا اعتراف به. ثم ان المخرج الوثائقي ليس حيادياً اي اننا لا نستطيع الفصل بين آرائه ومواقفه من جهة وبين افلامه من جهة ثانية. اي لا نستطيع ان نفهم موقفه مع القضية الفلسطينية وتحول افلامه جسراً لتسويق مشاريع التطبيع". أريسكو..الخيار الأوحد يضحك هاشم من السؤال عن اختيار صالة أريسكو بالاس لعروض المهرجان. فبعد اربع دورات أحياها في مسرح المدينة وفي ظل اقفال الأخير "لم يعد هناك مكان للاختيار. أريسكو هي الصالة الوحيدة في منطقة الحمرا المجهزة للعروض. ومسألة الحمراء مفصلية وشخصية بالنسبة الي إذ لا أستطيع تصور المهرجان خارج الشارع. والحق ان اصحابها كانوا متعاونين في ظل انغلاق الابواب على الصالات الاخرى في الشارع التي تعاني مشكلات تقنية وقانونية احياناً. ولعل ذلك يقودنا الى ان نتساءل عن دور بلدية بيروت الغائب في ايجاد مركز ثقافي للمنطقة. نحن نلوم وزارة الثقافة دائماً مع ان دورها تنظيمي واداري بينما هذه امور مناطة بالبلديات. كل بلدية مسؤولة عن إحياء منطقتها بمركز ثقافي دائم وهذا امر ليس بالصعب او بالعصي". المستقبل اللبنانية في 8 أكتوبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
"مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية" يحيي دورته السادسة بين 1و10 تشرين الثاني محمد هاشم: هبوط شامل في مستوى الأفلام الوثائقية على صعيد العالم ريما المسمار |
“سينما الحرب في لبنان” وثائقي لهادي زكاك: عبثية الحرب في عيون مخرجين وأداء ممثلين جو قديح سينما الحرب في لبنان وثائقي آخر يخرجه هادي زكاك، هذا المبدع المثقف الذي يدهشنا كل حين بأعماله الوثائقية القيّمة. باتت الذاكرة اللبنانية مهددة بالزوال، او هامدة في جوارير الارشيف القديمة، لو لم ينتشلها زكاك ليفاجئنا بأنه العين الساهرة على الماضي، وكأن رسالته هي إيصال هذا التراث الى الاجيال الجديدة، وتذكيرنا بأن الفن السابع في لبنان له اساطيره، وإن خجولة. فمنذ ايام الجامعة ومنذ ان دون اول عمل له على صفحات كتاب عن السينما اللبنانية، لم يهدأ هذا المخرج عن الانتاج، وان كان اسمه هادي. سينما الحرب في لبنان ، وثائقي يحملنا في الزمان والمكان، لنرى مجددا عبثية الحرب بعيون المخرجين المختلفين واداء الممثلين. كأن الحرب كانت كذبة، والدليل على ذلك ان الممثلين، الكتّاب والمخرجين اللبنانيين مهما كان معتقدهم او انتماؤهم، كانوا يعملون معاً طوال فترة الحرب، مما يؤكد مرة اخرى انها كانت حرباً موجهة على لبنان، سلّطتها اعين الغيرة والحسد والاستبداد، التي وجهها الغريب نحو بلدنا ولم يرو غليل كرهه حتى اليوم. فهل الحرب في لبنان ما زالت مستمرة؟ هل السينما في لبنان ما زالت تناضل؟ مرت اجيال، مخرجون كبروا قبل اوانهم، ممثلون تبعثروا مع فقدان الذاكرة، فرق تعمل، صورت معارك زائفة تحت الرصاص الحي، خلال معارك حقيقية. لماذا؟ لم يجد هادي الجواب، لكنه طرح السؤال على نفسه، سؤال يطرحه بدوره علينا من خلال فيلمه الجديد. · ما هو الفيلم؟ انه فيلم وثائقي يستعرض نظرة عن الافلام الطويلة التي عالجت موضوع الحرب منذ عام 1975 الى عام 2000. يستعين الفيلم بأرشيف عن الحرب. انها افلام عن الحرب وعن السينما. · هل يمكننا ان نعتبر هادي زكاك مؤرخاً للسينما اللبنانية؟ - انت تعرف اهتمامي بالتأريخ. هذا العمل هو تواصل في عملي على ذاكرة السينما. · مجمل الافلام اللبنانية عالجت موضوع الحرب. الا تظن ان السينما وصلت الى اكتفاء من هذه الظاهرة؟ - هذه الافلام اعطت هوية للسينما، لأن لها ارتباطاً بواقعها. انها ايضا تشكل ارشيفاً عن الحرب، ولو كانت افلاماً روائية، لكنها ذاكرة ضرورية للمحافظة وتكوين الارشيف. هناك بعض الافلام التي كررت ذاتها او قلّدت افلاماً اخرى، ولكن بالمجمل الافلام قليلة. · نرى ان بعض هذه الافلام ليست موضوعية، وخصوصا التي شارك في انتاجها اوروبيون. فالحرب اللبنانية كانت من خلال نظرتهم الغربية وقراءتهم الغربية. أهذا صحيح؟ - يجب ان نقارن بين الافلام التي صورت خلال الحرب وما بعد الحرب. شعرنا بأن بعض الافلام تمسكها قيود انتاجية ادت الى هذه النظرة التي تتكلم عنها. لكنني ارى ان هذه الظاهرة موجودة في كل الانتاجات المشتركة. فالانتاجات السينمائية المشتركة مع مصر تسيطر عليها النزعة المصرية لأقصى درجة. الافلام التي تعالج موضوع الحرب تشاركت بالانتاج مع بلدان غربية والنظرة كانت تصل احيانا الى درجة الـexotic. · هل الفيلم مكوّن فقط من الارشيف؟ - الفيلم مكون من الارشيف ومن مقابلات مع الذين شاركوا في هذه الافلام من ممثلين، مخرجين. الغاية من هذا الارشيف ان نرى الوضع الحالي من خلاله. · رأينا افلاما عن الحرب لكننا لم نر افلاماً كثيرة تعالج المشكلات الحياتية الحديثة. لماذا هذا الهرب بالزمن؟ - اكثرية المخرجين الذين تطرقوا لموضوع الحرب هم من جيل الحرب، فمن الطبيعي ان يعودوا بالذاكرة لهذه الفترة التي عاشوها. اما النقطة الثانية فهي ان صورة لبنان بالنسبة الى الكثيرين من الاجانب مرتبطة بالحرب. دليل النهار 8 أكتوبر 2004 |