من صورة الى اخرى، تقتات السينما على الشعر، هذا النمط، نمط التعبير الرمزي يقبع في قلب الفن السابع منذ بداياته، على الشاشة العريضة، تنعش عواطف المشاهدين المبهورين. في بداية القرن العشرين، سعى جورج ميليس بأفلامه الخيالية القصيرة، الى ان “يزوج” الشعر بالسينما، غير ان السورياليين اعتمدوا مولد السينما الشعرية الحقيقية، كانت موضوعاتهم مركزة حول الجنسانية والاحلام، وهما موضوعان من التابوهات التي عرضوها في نتاجاتهم، استعملوا الاستعارات والترميز وبلاغة الشعر لكي يعبروا عن احساساتهم فيلم: “كلب أندلسي”، الذي كتبه سلفادور دالي ولوي بونويل، وحقق أواخر عام ،1926 عالج الجنسانية والضيق بواسطة الصور القوية صور العين المقطوعة بالموسى، على وجه الخصوص وكرونولوجيا متشظية كليا. من ناحيته، وان لم تتماثل افكاره مع السوريالية، ساهم جون كوكتو في اثبات هذا النوع السينمائي. كانت الجنوسة موضوعته THEME المتواترة في قصائده كما في نتاجاته الاخرى، ومثلت الموضوع الاساسي لفيلمه الروائي: “دم الشاعر” عام ،1930 الذي يعرض في اكثر من لوحة، احلام الشاعر، مع مقاطع صوتية لكوكتو، هذا الفيلم الشعري، مثل فيلم لوي بونويل، التقى وريثه: السينما التجريبية. السينما الشعرية: امتلك السينمائي الايطالي بياربازوليني كل شيء لكي يثير اعجاب من حوله. من جهة اخرى، حملت نتاجاته وسم شخصيته، كشاعر وناطق رسمي عن المهمشين، عاش سنواته الاخيرة في الشارع، بالنظر الى معرفته بلغة الشارع، ناداه فدريكوفيلليني لكي يساعده في كتابه حوار فيلمه: “ليالي كابيريا” حيث يدور في اوساط البغاء. في عام 1968 حقق بازوليني نظرية (THEOREME) الذي أثار الاكليروس الكاثوليكي: خضع لرقابة الكنيسة التي أرادت، بدون نجاح، ان تمنع توزيعه، بعد عام، كرر الجرم، في فيلمه عن يسوع وحواريه الاثنى عشر. عانى السينمائي الأوكراني سيرجي باراد جانوف من الرقابة، في الواقع، سجنته السلطات الاوكرانية خلف القضبان كلما حقق فيلما، الحجة؟ انحراف سياسي، بيد ان افلامه جميعها لا تكشف معاناته، “لون الرمانة” عام ،1969 استدعى بواسطة اللوحات العارضة للايقونات القديمة حياة الشاعر الأرميني اروتيون سيديان المسمى بملك الغناء، خلال القرن الثامن عشر: أمحى الجمال التشكيلي للصور والغنائية الشعرية للمعالجة هذا النتاج. فيلم آخر: “المرأة”، عام ،1976 للسينمائي السوفييتي آندريه تاركوفسكي، يسطر موضوعات العائلة، مستعيناً بذريعة الانسان الذي يرى طفولته وهو يتابع ابنه يحتوي هذا الفيلم على انعكاسات عدة حول العلاقات الابوية، الامومية والاخوية، اكثر من ذلك. تلا آرسيني تاركوفسكي، والد الشاعر قصائده على الشريط الصوتي، كيف نطمر تعصب الشعر؟ أرواح حساسة تتجنب الظهور: تبعا لتحرر تقاليد وعادات السبعينات، حطمت السينما القيود التي تعوق حريتها، هكذا، تبدى العنف والجنس على الشاشة العريضة، لكي يسليا الجمهور، والسينما الشعرية لم تدخر وسعها في هذا الشأن، إذ سبر سينمائيو الجيل الجديد أغوار الشعر في الاغتيال، الجنس والجريمة. كان السينمائي الفرنسي ليوكاركس من أوائل الذي طرقوا هذا الاتجاه فيلمه: “دم فاسد”، المحقق عام ،1986 وقامت ببطولته النجمة جولييت بينوش، روى بتفصيل انجذاب لص صغير الى عشيقة زعيمة. انقذت المرجعيات السينمائية هذا الفيلم من “التطويل”، وكذا من النهاية التي لا تحمل اي وعد، من ناحيته، قرر دافيد كروننبرج ان يقتحم موضوع: “السادو مازوشيه في فيلمه: “كراش” (CRASH)، عام 1996 متابعا عالم الشخصيات المدمرة ذاتيا الخاضعة للجنس وحوادث السيارات والجروح، نجح السينمائي في تحقيق قصيدة عنيفة، نادرة للغاية، ثم قابل السينمائي الياباني تاكيشي كيتانو الحب بالعنف، في: “نيران الحيل” عام ،1998 الذي تتابعت، خلال احداثه مشاهد الحنو العميق والعنف المجاني، بحيث انبثقت قصيدة جديدة. مع فجر الألفية الجديدة، اقتحمت السينما الشعرية طرقا عدة. بداية، فيلم: “اركضي يا لولا اركضي” للالماني توم تيكوير، عام ،1999 اجتاز حدود قدرية، استعارت جمالية فيلمه جمالية الفيديو كليب، بحيث تبدت قصيدة متكلفة للغاية، حسية للغاية، بالنسبة للسينمائي الصربي اميركوستاريكا، زاوج بين الهزل والشعر في فيلمه الاخير: “قطة بيضاء، قطة سوداء” الذي انتهى منه عام ،1999 مستعينا بالاثارة الهزلية لكي ينظم ايقاع فيلمه، نجح السينمائي في تحقيق قصيدة منعشة ومضحكة في آن معاً، أخيرا، سطر فيلم: “أوربانيا” لجون شير، على منوال كوكتو، الأوديسا الوجودية، والأوروفية(1) لجنوسي شاب يعيش على حدود عالمين منذ تركه صديقه شعريا، هذا الفيلم تجربة لامعة لأسلوب السينما الشعرية. رغم التشعب، لا يمكن ان تستمر السينما الشعرية في تفتحها دوما، من الممكن ان يكون التذوق مطمورا، يرى السينمائيون في الشعر شكلا تعبيريا جديدا للاحساسات العميقة، وهذه الاحساسات تجتاز الشاشة لكي تجابه عواطفنا، واي مقاومة باطلة.
الخليج الإماراتية في 4 أكتوبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
بقلم: فيليب بلزيل ترجمة: احمد عثمان |