المنامة ـ القدس العربي : بعد أن وجه الأنظار السينمائية نحو منطقة الخليج، بفيلمه الروائي الأول الحاجز، يطوف المخرج السينمائي البحريني بسام الذوادي بفيلمه الروائي الثاني زائر لعرضه في أكثر من بلد بدءاً من البحرين، عمان، الامارات، قطر، أبو ظبي، دبي، ملتقي أصيلة السينمائي في المغرب، وصولاً الي مهرجان أيام قرطاج السينمائي القادم في تونس، ومهرجان القاهرة في نهاية هذا العام. والمخرج الذوادي حاصل علي بكالوريوس اخراج من المعهد العالي للسينما في القاهرة عام 1982، قام باخراج مجموعة من الأفلام السينمائية القصيرة والوثائقية والتسجيلية، الي جانب العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية والمسرحية. أنتج وأخرج أول فيلم روائي بحريني الحاجز عام 1990 الذي نال اهتمام النقاد العرب والأجانب.كما اختير عدة مرات لعضوية لجان تحكيم مهرجانات سينمائية عربية، وهو مؤسس ومدير مهرجان السينما العربية في البحرين عام 2000. يعمل حالياً رئيساً للدراما والأفلام التسجيلية في تلفزيون البحرين. علي هامش مشاركته الأخيرة في ملتقي أصيلة السينمائي، ولمزيد من الاطلاع علي تجربته السينمائية ووضع السينما في منطقة الخليج العربي كان هذا الحوار: · لم تكن مخرجاً لفيلم زائر فقط بل كنت كاتباً لقصته أيضاً، من هو زائر، وما حكايته؟ جاءت مشاركتي في كتابة السيناريو مع الكاتب والقاص فريد رمضان من خلال وضعي للفكرة الأساسية للفيلم بناء علي طلب الشركة المنتجة ولظروف ضيق الوقت التي أحاطت تنفيذ العمل. أما الفيلم فيعالج فكرة ميتافيزيقية، تحكي قصة روح تعود بعد مقتلها الغامض بهيئة كابوس يلاحق فاطمة لتفضح الواقع وتكشف أسرار علاقاتها السابقة بغيرها من الشخصيات، ومن ثم لتميط اللثام عن خفاياها وتضعها بمواجهة مآزقها النفسية وأزماتها الانسانية تجاه ذواتها والآخرين، وبعد صراع مع الرعب والوحشة والظلمة وفقدان الأمل بالخروج من المقبرة التي استدرجتهم اليها الروح يتمكنون من النجاة، لتتخلص فاطمة من عذابات ذلك الزائر/ الكابوس. · لماذا اخترت العمل علي هذه الثيمة، وما الذي أردت قوله من خلالها؟ أعتقد أن هذه التجربة جديدة في السينما العربية، وهنا لا أقول بأنها التجربة الأولي أو الوحيدة في هذه النوعية من الأفلام وانما تأتي ضمن نوعية قلما نجدها في السينما العربية. وأردت التركيز من خلالها علي اتجاهين: الأول أننا نملك القدرة علي تنفيذ هذه النوعية من الأفلام التي تتطلب تقنية بصرية عالية والثاني كان يمثل اجابة علي تساؤلي الدائم حول امكانية تنفيذ أفلام جماهيرية تحوي التشويق والاثارة دون أن تفقد رصانتها الفنية والفكرية، وأتمني أن أكون قد نجحت في تحقيق ذلك. · عند عرض فيلمك زائر أحدث ما يشبه الصدمة لدي ذائقة الجمهور في اكثر من بلد لأسلوبه الفنتازي وأجوائه الغامضة وتراوحت الآراء ما بين الاعجاب والتساؤل وعدم الفهم. هل قصدت فعل الصدمة، أم أن ذلك كان بحثاً في فضاء الجماليات؟ نعم، قد يكون ذلك بحثاً في فضاء الجماليات، ولكني لا أعتقد بأنني أحدثت صدمة بهذا المعني لدي المشاهد، فقد اعتاد علي هذه النوعية في الكثير من الأفلام الأجنبية، لكن ربما أكون قد اصطدمت مع ذائقة الجمهور بالنسبة للأفلام العربية، قد يكون السبب هو عدم ثقة جمهورنا بقدرة السينمائي العربي علي معالجة شتي أنواع الدراما السينمائية. ولا أعتقد بأن هناك من لم يفهم الفيلم، فقد كان الطرح بسيطاً ولم تردني آراء بهذا الخصوص. · حظي، فيلمك الأول الحاجز باهتمام نقدي لافت، علاوة علي نجاحه الجماهيري نسبياً عند عرضه آنذاك، كما تباينت الآراء حول فيلمك الحالي زائر . ما الجديد في رؤيتك السينمائية ـ الاخراجية؟ أعتبر الحاجز ابني الأول، لذلك قد أنحاز اليه أكثر من أي عمل آخر قمت أو سأقوم به، وبشكل عام ثمة افتراق جوهري ما بين الفيلمين فكرياً وفنياً ورؤيوياً. قد يكون زائر حقق نجاحاً جماهيرياً أكبر من الحاجز لدي عرضه في البحرين والخليج ـ ربما لأجواء الاثارة ـ ولكن يبقي أن هذين عملين مختلفان لا يمكن لي وضعهما في خط نقدي واحد أو رؤية فنية واحدة. كما أسلفت، فقد اعتمدت في زائر أسلوباً اخراجياً مختلفاً ورؤية تعتمد علي التقنية أكثر من الطرح. · لوحظ في فيلميك، النزوع التجريبي والاتكاء علي اللغة البصرية في حمل المضمون ألا تري أن في ذلك مجازفة بالغة أمام ذائقة سينمائية استهلاكية؟ العمل السينمائي بكل أشكاله يعتبر مجازفة بالغة بالنسبة لنا أمام الجمهور مهما كان نوعه، فالسينما كانت ولا تزال عملاً فردياً يحتمل النجاح والفشل النسبيين، ففيلم الحاجز لم يرُق تماماً للجمهور الخليجي رغم نجاحه النسبي، بينما حظي باهتمام الجمهور الأوروبي ووضع ضمن الأفلام العربية المهمة والعكس صحيح بالنسبة لفيلم زائر. أري أن كل فيلم مهما كان نوعه سيكون له جمهوره الخاص، ومجازفة المخرج وخوفه تأتي دائماً من البيئة الاجتماعية والثقافية التي يعمل فيها ومن جمهوره المحلي أكثر من جمهور الخارج. · هل يمكننا اعتبار ذلك اصراراً علي المضي في المغامرة وان كانت فردية ان صح التعبير؟ قطعاً هو اصرار علي الاستمرار في هذه المغامرة التي تشكل متعة كبري للمخرج أو للفنان عموماً رغم كل المخاوف واحتمالات النجاح أو الفشل. وهذا ما يدفعني الآن للمضي في فيلمي الروائي القادم أحلام صغيرة للكاتب فريد رمضان، كما أعد لمشروع سينمائي جديد بالاشتراك مع الكاتبين البحرينيين أمين صالح وراشد الجودر، والذي أعتقد أنه سيكون بمستوي تجربة الحاجز . · قمت بعمل فيلمك الأول الحاجز عام 1990، وجاء فيلمك الثاني زائر هذا العام 2004، لماذا هذه الفجوة الزمنية الطويلة نسبياً؟ نعم، بالنسبة لي كسينمائي، أجدها فجوة زمنية طويلة، ولكن كان ذلك لظروف عديدة أبرزها صعوبات الانتاج اضافة الي عملي في التلفزيون والذي أثر علي سلبياً بكل تأكيد. · هل يعد انجاز فيلم هنا وفيلم هناك كافيا لصناعة سينمائية في البحرين؟ هل ثمة آفاق في المدي المنظور لحماية ودعم هذه الأعمال؟ لا أقول ولا أعتقد بامكانية الحديث عن صناعة سينمائية في البحرين أو في الخليج العربي، هذا حديث مبكر ومطلب بعيد المدي جدا، لكنني أري أنه مع استمراري وغيري من الزملاء بتقديم الأعمال السينمائية، اضافة الي تشجيع المواهب الخليجية علي المحاولة وعدم التوقف، فان هذا الجهد التراكمي سيؤسس مستقبلاً لسينما خليجية وهذا ما نطمح اليه حالياً، ولحماية ودعم هذه الأعمال لا بد من خلق بنية سينمائية خليجية لها امكانياتها وجمهورها والجهات الداعمة لها، ولن يتحقق هذا لدينا الا من خلال الدعم الحكومي وايجاد مؤسسات تضم السينمائيين اضافة الي الاهتمام بتدريس مادة السينما في كليات الآداب والاعلام بل وانشاء معاهد للسينما كغيرنا من بلدان العالم، واقامة المهرجانات السينمائية لاكتساب الخبرات الضرورية بالانفتاح علي التجارب السينمائية العربية والعالمية. · هل تعتقد أن أزمة الانتاج السينمائي لا تقتصر علي البحرين فقط، بل تشمل كافة دول الخليج رغم توفر الامكانيات المالية، أين يكمن الخلل الحقيقي برأيك؟
دون مواربة أقول لك، عدم الوعي بأهمية السينما وقيمتها لدي القطاعين العام
والخاص، وأعني هذا الكلام حرفياً، فهل يعقل أن يسألني مسؤول في شركة توزيع
سينمائية محلية عن جدوي اقامة المهرجانات اذا لم تحقق لنا مردوداً مالياً؟
هذه الذهنيات هي التي تتخذ القرار في شركات التوزيع لدينا، ذهنيات معزولة
عن الهم الابداعي كله وليس فقط السينمائي، لا تدرك أن السينما ليست مجرد
أفلام ترفيهية تباع للجمهور وانما هي ذاكرة الانسان والمجتمع والوطن وأن
علينا جميعاً واجب حمايتها وابراز قيمها الانسانية والجمالية، لذلك هي غير
معنية اطلاقاً بدعم صناعة أفلام محلية وهذا مما يعيق محاولاتنا الدائبة
لخلق حالة سينمائية في الخليج. · ألا تعتقد أن في ربط قضية العمل السينمائي برمتها بقضية التمويل اعادة انتاج لأزمة السينما العربية وهي تراجع القيمة الفنية والفكرية للأعمال المنتجة أمام سلطة السوق أو الشروط الخاصة للمنتج ؟ بالتأكيد أن هذه المسألة تربك الفنان وقد تؤدي الي تشويه رؤيته الفنية والفكرية ولكن أعتقد أنه يمكن للفنان في ظل هذه الظروف أن يحقق نوعاً من التوازن بين متطلبات سلطة السوق كما أسميتها وبين متطلبات العمل السينمائي الأصيل والحقيقي، اذا ما امتلك الثقافة السينمائية العميقة وكان متمكناً من أدواته الفنية بما يمكنه من العمل بشروطه الابداعية دون الاصطدام المباشر ودون الرضوخ في نفس الوقت. بتقديري أن تراجع القيمة الفنية والفكرية للكثير من الأعمال السينمائية حالياً، ولنأخذ مصر علي سبيل المثال، انما يعود لغياب صناع السينما الحقيقيين، واستفراد بعض المخرجين والفنانين الذين لا يعملون الا وفق نظرية السوق، ما أحدث احباطاً كبيراً لدي مخرجين وفنانين حقيقيين، علماً بأن بعضهم مازال يعمل للمحافظة علي سينما جادة وجميلة في آن. أما علي صعيد مشاريع التمويل الخارجي والانتاج المشترك، فانها من ضمن أفكار عديدة نقوم ببحثها ودراستها مع زملائنا في الخليج ونتمني أن نحقق شيئاً في القريب. · في الحاجز قمت بتعرية تناقضات المجتمع البحريني (العربي) والعلاقات المتفسخة التي تحتضنها بني تقليدية في مواجهة قوي تغيير تتوق الي الانعتاق. وفي زائر تلعب تلك الشخصية الغامضة دورها في تعرية الدواخل الانسانية للشخصيات الأخري. ما هي هواجسك الانسانية والابداعية الأخري؟ أنا مهموم بالانسان العربي، باشكاليات شخصيته الانسانية والاجتماعية والثقافية، لا أعتقد بخصوصية خليجية في هذا المجال، تعنيني تعرية تركيبتنا الاجتماعية وموروثنا التاريخي الذي خلق من هذا الانسان شخصية مقهورة مستلبة لا تعي قيمة حريتها الانسانية والفكرية، فالحدث بالنسبة لي ما هو الا مدخل للاقتراب من دواخل الشخصيات عن كثب وتحليلها وكشف مآزقها في علاقتها مع عوالمها الداخلية ومع العالم الخارجي، وربما كان لهذا علاقة بشغفي بعلم النفس أيضاً منذ أيام الدراسة لادراكي أن دراسته عامل مهم لفهم الشخصيات التي يصوغها الكاتب في نصه، التي تقع بين يدي المخرج لاحقاً ليعمل فيها رؤيته ويعيد بث الحياة فيها بلغته السينمائية الخاصة. · من الملاحظ أنك تشارك بحيوية في المهرجانات السينمائية العربية، وهناك، تنافس بين الدول العربية في الآونة الأخيرة علي عقدها. كيف تقيم دور هذه المهرجانات وهل أسهمت في اغناء المشهد السينمائي العربي أم لا تعدو كونها احتفاليات اعلامية؟ ليس هناك مهرجان سينمائي مجاني، بمعني انعدام قيمته وجدواه، فالمهرجانات تحقق أكثر من هدف حتي وان كنا غير منتجين للسينما، أليس من حق الجمهور، وفيه الكثير من المثقفين، أن يتمتع بمشاهدة سينما مختلفة عن السائد، مما يطور ذائقته السينمائية ويهيئ لنا الأرضية مستقبلاً لأعمالنا السينمائية؟ ثم أننا كسينمائيين بأمس الحاجة لهذه اللقاءات والحوارات لنحقق تبادلاً معرفياً وتقنياً، الي جانب أن اقامة المهرجانات في دولنا تعكس صورة ايجابية عن مجتمع مثقف ومتحضر يدرك أهمية وجود السينما الحقيقية في حياته. وكل مهرجان سينمائي في العالم هو احتفالية اعلامية، وهذا لا يفقده أهميته في اغناء المشهد الثقافي كما أعتقد. · هل أنت متفائل بمستقبل لصناعة السينما في البحرين والخليج العربي؟ نعم أنا، متفائل بمستقبل السينما في البحرين والخليج العربي، وذلك من خلال الجيل الجديد المؤهل أكاديمياً والمثقف سينمائياً الذي نلمس اهتمامه الكبير، وسيقدم هذا الجيل أفلاما جيدة تنتمي لرؤيته وفكره وشخصيته، لذلك أنا دائما متفائل بقيام صناعة أفلام في منطقتنا. القدس العربي في 3 أكتوبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
المخرج البحريني بسام الذوادي: أنجز فيلمه السينمائي الثاني زائر مؤخرا
التقته: رحاب أبو هوشر |