تُعتبر "جماعة السينما الشابّة" بمثابة التجمّع الأول من نوعه في فرنسا، وقد أسّسها "مارسيل مازيه"* عام 1971 كإمتدادٍ عمليّ لـ "المهرجان الدوليّ للسينما الشابّة" في مدينة "إيييّر"، حيث كان المسؤول لمدة (12) سنة عن إختيار الأفلام وبرمجتها في قسم "السينما المختلفة"> وقد جاءت فكرة التجمّع إهتداءً بنموذج "تعاونية مخرجي الأفلام في نيويورك"، بعد أن نوّه السينمائيّون الحاضرون آنذاك في "المهرجان" بأنّ أيّ مؤسّسة تجارية أو غير تجارية لم تكن قادرةً على توزيع أفلامهم: "المختلفة، التجريبيّة، الطليعيّة، الأُخرى، المُستقلّة، الشخصيّة، السرّية، الجديدة، المُتفرّدة، الإبداعيّة، أو الفنيّة، ..." وبالإضافة لفعاليّات مهرجان "إيييّر"، وحتى توقفه عام 1983، فقد نظمّت "جماعة السينما الشابّة" مئات العروض في "باريس"، وسريعاً في باقي المدن الفرنسية، وبلادٍ أخرى من العالم، ضامنةً بذلك الدعاية والنقاش حول ظهور "سينما أخرى" في الصالات التجارية، وأيضاً في المتاحف، المكتبات، المراكز الثقافية، المدارس - الإبتدائية، الإعدادية، والثانوية -، الجامعات، المستودعات، البيوت ..، وحتى في الكنائس، وفي الهواء الطلق. وقد إهتمّ بأمور التنظيم والتنشيط بشكلٍ متتابع كلٍّ من "جان بول دوبويّ" و"كلود برونيل"، وعدداً آخراً من السينمائيين. وفي عام 1975 نظمت "الجماعة" في "المركز الثقافيّ الأمريكيّ" بباريس عرضاً تاريخيّاً للفيلم الوحيد لجان جينيه "أغنية حبّ" الذي كان ممنوعاً رقابياً، وفيما بعد، صدر قرار الإفراج عنه، مما سمح للجماعة بعرضٍ واسعٍ له - بموافقة مؤلفه -، أيضاً، وبالحصول على "إعترافٍ" يمنح الأفلام "الذاتيّة التمويل" مكانةً حقيقيةً في "فضاء" الإنتاج السينمائيّ. وقد نشرت "الجماعة" مابين الأعوام (1976-1980) ستة وعشرين عدداً من المجلة المتخصصّة "سينما مختلفة"، وإحتوت على دراساتٍ حول الجوانب العمليّة والنظريّة للسينما، كتبها سينمائيّون ونقاد مثل: "مارسيل هانون، مارغريت دوراس، دومينيك نوغيز، جان بيير سيتون، .."، حول شكل وحرية الكتابة في الفنّ السينمائيّ. وقد كان الهدف من تأسيس "جماعة السينما الشابّة" عرض الأفلام وأشرطة الفيديو، القديمة والمعاصرة، تلك التي تمتلك حقوق عرضها، دعم شبكات التوزيع في فرنسا وخارجها، الإشتراك مع تعاونياتٍ فرنسية مماثلة، تشجيع إنتاج "سينما أخرى" بعيدة بما يكفي عن السياقات الجمالية والثقافية للسينما الصناعية والتجارية. وتتضمّن قائمة مقتنيات "الجماعة" مخزوناً تاريخيّاً من الأفلام لمئات السينمائيين مع 200 عنوان، منها أفلام "مارغريت دوراس، يوريس إيفانز، فيرناند ليجيه، مايّا ديرين، شانتال أكيرمان، موريس لوميتر، جاك مونوري، مارسيل هانون، جان بول دوبويّ، باتريك بوكانوفسكي، ستيفان مارتي، دومينيك نوغيز، ليونيل سوكاز، .." وأفلام السينمائيين الأمريكيين من "الأندرغراوند"، واليابانيين لسنوات الستينيّات أو السبعينيّات. وبالإضافة لخمسين فيلماً، شريط فيديو، وإنشاءاتٍ لمؤلفين معاصرين، تبقى "الجماعة" مفتوحة بشكل واسعٍ على فناني الوسائل السمعية/البصرية. وإلى جانب الموقع الخاصّ على "الأنترنيت"، تُصدر "الجماعة" المجلة الإلكترونية "صور وسينمات مختلفة". وفي "الخميس" الأول من كلّ شهر، وتحت عنوان "خميس السينمات المختلفة" تقدّم - في إحدى صالات الدائرة الباريسيّة الخامسة - أفلاماً من "مقتنياتها"، بالإضافة لأفلامٍ وشرائط فيديو لمؤلفين تدعوهم خصيصاً لعرض آخر إنتاجاتهم. وتُنظم "الجماعة" حالياً "مهرجان باريس للسينمات المختلفة"، والذي إنعقدت دورته الأولى خلال الفترة من 28 إلى 31 يناير من عام 1999، وكانت تحت عنوان "من إيييّر وحتى اليوم". المهرجان الدوليّ للسينما الشابّة من البارحة إلى اليوم خلال الأعوام 1965 و1970، برمج "المهرجان الدوليّ للسينما الشابّة" أفلاماً لجان أوستاش، أندريه ديلفو، جان دانييل بوليه، ميشيل فانو، روبير لابوجاد، لوك موليه، فيليب غاريل، مارسيل هانون، .. وفي 1971 (إيييّر)، و1972 (تولون)، بدأ "مارسيل مازيه" مع "جماعة السينما الشابة" بإختيار أفلامٍ من السينما المختلفة والتجريبية، لتصبح فيما بعد جزءاً من البرمجة العامّة للمهرجان. وللأخذ بعين الإعتبار خصوصيّات قسم "السينما المختلفة"، فقد مُنحت الجائزة الكبرى لدورة 1982 مناصفةً بين فيلمين: "مرَّتان"/جاكي رانيال عن قسم "سينما الغد"، و"Pic Pic et collégramme"/راشيل فاينبرغ عن قسم "سينما اليوم". وحصل "دينامو"/ستيفان دفوسكين على جائزة الفيلم الأجنبيّ، و"الإمبراطور يلحس الطماطم/شوجي تيراياما على جائزة الفيلم القصير. وإلى جانب أفلام "المسابقة الرسميّة"، فقد خصصّ "المهرجان" تظاهراتٍ ثرية ومتنوّعة: - (1974) عروضٌ تكريمية لكلٍّ من: جوناس ميكاس، بيتر كوبيلكا، ميكائيل سنو، فيرنير نيكيز، بول شاريتز، والسينما الأمريكيّة المستقلّة الجديدة. - (1975) موريس لوميتر. - (1977) كريس فيلبي، وإدوارد لويكين. - (1978) السينما التجريبيّة الهولندية. - (1979) مارغريت دوراس. - (1980) عروضٌ إستعاديّة للأفلام التي حازت على الجوائز الكبرى في قسم "السينما المختلفة" للمهرجان منذ 1973، جوانب من أعمال "بول شاريتز"، سينمات "مارغريت دوراس"، سينما الحقيقة 1980. وتحت عنوان "بعض الأحجار البيضاء من تاريخ سينما مختلفة" عُرضت أفلام "جورج ميليّيس"، الطليعة الفرنسية لسنوات العشرينيّات، أعمال "هانز ريشتر"، سينما "الأندرغراوند" الأمريكية. - (1982) تكريم "يوريس إيفانز"، إنتاجات مجموعة "زانزيبار"، الأعمال الجديدة لـ "بول شاريتز"، الموجة الأمريكية الجديدة، أفلامٌ من إختيار "مارغريت دوراس"، مسيرة عشرة سينمائيين فرنسيين، أفلام تجريبيّة يابانية، ورسومٌ متحركة من "جمهورية الصين الشعبية". - (1983) السينما اليوغوسلافيّة المختلفة، ستة مؤلفين يوغوسلاف، تكريم "ألكسندرو يودوروفسكي"، أفلام "جان كوكتو"، "لوي بونويل"، "سلفادور دالي"، "مان راي"، مسيرة بعض السينمائيين الفرنسيين، وعشرة سينمائيين أوروبيين، أفلامٌ من إختيار "تاكا إيمورا"، وأفلام "ستيوارت شيرمان". السينما المختلفة.. حوار مع "مارسيل مازيه" *بعد توقف فعاليّات "المهرجان الدوليّ للسينما الشابّة"، والذي إستقبلته "إيييّر" - المُتموقعة في الجنوب الفرنسي بالقرب من "تولون" - وبقيّ مصيره لسنواتٍ طويلة يتأرجح بين التبدلات الإنتخابيّة للحكم المحليّ للمدينة، حتى قضى عليه "اليمين" نهائياً، فخسرت فرنسا - والعالم - واحدةً من أهم تظاهراتها السينمائيّة الطليعية. ولكنك بدورك لم تتوقف عن نشاطك بالتعريف بالسينما المختلفة، ويبدو بأنك ماتزال مؤمناً بفكرة "المهرجان" وأهمية إستمراريته، وهكذا، أحييّته من جديدٍ بإسمٍ آخر: "مهرجان باريس للسينمات المختلفة". **بكلّ بساطة - وبعزمٍ وتصميم - أردت من خلال تظاهرة "من إيييّر إلى اليوم"، الدورة الأولى لمهرجان "باريس للسينمات المختلفة"، التي إنعقدت خلال الفترة من 28 إلى 31 يناير 1999، أن تشهد على إستمراريّة الإبداع السينمائيّ، الفيديويّ، والوسائط الإعلامية المُتعدّدة، الأصيلة، والمختلفة. *وماهي السينما "المختلفة" التي تدافع عنها؟ ** يمكن لي القول، بأنّ هذه السينما (أو الفيديو) لاتحتاج إلى أيّ تصنيف، إنها تُعرّف عن نفسها من خلال مشاهدتها، ولكنها - بدايةً - تستخدم الصورة والصوت بطريقةٍ "حرّة" و"مُتحررّة" تماماً. * كيف تكون السينما المختلفة "حرّة" و"مُتحررة"؟ **إنها قبل كلّ شيئ، "مُتحررّة" من البناء الروائيّ التقليديّ "المقدّس"، فهي لاتحكي بالضرورة "قصصّاً" و"حكايات" بمقتضى السيّاق الأكاديميّ: موضوع، فعل، وتطور. والأهم من هذا، هي "مُتحررّة" من المواضيع المحرّمة/التابوهات: الثقافيّة، الجماليّة، السياسيّة، الإجتماعيّة، الشخصيّة، الجنسيّة، التاريخيّة، المعاصرة، المستقبليّة، إلخ .. إلخ .... وحقول إلإستيحاءات الإبداعيّة لهذه السينما "لاحدود لها". *لقد كان عنوان رسالة الدكتوراة للسينمائيّة التجريبية، والباحثة الفرنسية "فريديريك دوفو" بعنوان "هذه السينما التي لاحدود لها"، كما أشار الباحث الفرنسيّ "دومينيك نوغيز" في كتابه "إحتفاءٌ بالسينما التجريبية"، بأنّ "الشكل هو القائد العام، أو المحرّك الأساسي للفيلم". **لقد بدأت التقنيّات السينمائيّة، الفيديويّة، والوسائط الإعلامية المتعددّة، تسمح بذلك، وللتحقّق من هذا الأمر، علينا الإشارة إلى تنوّع الأعمال "المختلفة"، والمُنجزة منذ سنواتٍ في جميع أنحاء العالم. وبهجرة التقنيّات المُتكررة، المُعادة، والنمطيّة -المتواضعة-لسينما صناعيّة وتجارية، يمكن "للكاميرا" أن تدور في كلّ الإتجاهات، تقدّم "العدسة" صوراً مُضبّبة "فلو"، إطاراتٍ وحركات مختلفة بشكلٍ آخر، أصيلة ومُتفرّدة عما عهدناه في السينما "الثريّة مادياً"، وتعودنا على "تتابعٍ مونتاجيٍّ" لاينشغل كثيراً بالتطوّر الزمنيّ المُتصاعد للأحداث، و"مزجاً" للأصوات والموسيقى لايحترم منطقاً معهوداً للحكاية. وهذا لاينفي رغبة البعض بإنجاز "رواية مُصوّرة"، ولكن بالتعبير عنها بالطريقة الأكثر حريةً وإنعكاساً لما يريد أن يقوله المؤلف، وذلك بإستخدام كلّ المقاسات التي يرغبها، وبدون الإنشغال بمخاطر المدّة الزمنية. *سينما مختلفة، تجريبيّة، طليعيّة، أُخرى، مُستقلّة، شخصيّة، ذاتيّة، جديدة، سريّة، مُتفرّدة، إبداعيّة، فنيّة ... وماذا أيضاً ؟ **السينما التي ندافع عنها لاتنقصها التصنيفات، وهي تكشف عن الثراء الخارق، وتنوّع الأساليب السينمائيّة والفيديّوية، إنها "سينما - فنّ"، الفنّ السابع، وهي كذلك بالتحديد. *لقد تصالح المجتمع (نسبيّاً) مع الرسم اللاتصويريّ، التجريديّ، أو المُتناهي في الصغر، مثل الموسيقى، النحت، أوالفنون المعماريّة "الجريئة"، و من الغريب أنّه بقي محافظاً مع "السينما"؟ **ومع ذلك، فإنّه بعد "التسجيلات" الأولى لفنّ "السينماتوغراف" في البداية، لم يتوانَ الكثير من الفنانين - في العشرينيّات - عن إستخدام تقنيات السينما لإبداع أعمالٍ أصيلة، وبسرعةٍ سيطرت التجارة والصناعة على السينما، وصادرتها لتخلق منها سلعةً إستهلاكيّة "مُّوحدّة" ومُربحة، "روث الجواميس" كما قالها بقوة "جان لوي بوري". *وهكذا سيطرت فكرة "الكثير من الصناعة، والقليل من الفنّ". **نعم، مازلت بدوري أتذكّر ماقاله السينمائيّون (مارغريت دوراس، دومينيك نوغيز، شوجي تيراياما، ..) بمناسبة "المهرجان الدوليّ للسينما الشابة" عام 1975: "نحن نريد البقاء بعيداً عن هذه السينما التي تموت كلّ مساء سبت على الأرصفة". لقد كتب الكثير من السينمائيين، الفيديوييّن، المُنظّرين، النقاد المُتنوّرين، والأساتذة - ومازالوا يكتبون - حول هذه "التيمات"، وماعلينا إلاّ قراءتها بتمعّن. وأيضاً، فإنّ أماكن عرضٍ بديلة ( أومؤسّساتية) تقترح اليوم أفلاماً سينمائيّة أو فيديويّة، وماعلينا إلاّ الذهاب لمشاهدتها.
· إستحاءً من "سينما، سينمائيّ، سينمائيّة"، أقترح اليوم "فيديّو، فيديويّ، فيديويّة" · مارسيل مازيه" رئيس "جماعة السينما الشابّة"، ونائب الرئيس لجمعية "من سينما أخرى". · كان المسؤول عن إختيار وبرمجة مهرجان إيييّر لقسم "السينما المختلفة" خلال الأعوام (1971-1983). · عمل سابقاً في إدارة أرشيف الصور، ومن ثمّ في الإدارة التجارية للوكالة الفرنسية للصحافة "AFP"
· صحيفة القدس العربيّ ـ لندن · جريدة الصحافة ـ تونس · كُراسات السينما ـ العدد 4 ـ المُجمّع الثقافي/أبو ظبي ـ بمناسبة الدورة الثانية لمُسابقة أفلام من الإمارات 2003 |
برتولوتشي: لقاء |
جماعة السينما الشابّة: السينما الإستهلاكيّة "المُوحدّة" هي "روث الجواميس" نحو ثقافةٍ سينمائية طليعية موازية :"جماعة السينما الشابّة" : السينما الإستهلاكيّة "المُوحدّة" هي "روث الجواميس" فيها الكثير من الصناعة، والقليل من الفنّ باريس/ صلاح سرميني |