شعار الموقع (Our Logo)

 

 

علي ظهر كوكب بعيد جدا‏,‏ في زمن بعيد جدا‏,‏ كان هناك مخرج سينمائي حقق فيلما في شبابه ابتلع الإيرادات العالمية جميعا‏.‏ فيلمه كان مطلب كل الناس‏.‏ كل من علي ظهر ذلك الكوكب‏.‏ وما هي إلا بضعة أشهر حتي أصبح ذلك المخرج أغني وأشهر مخرج سينمائي في العالم‏.‏ بلغ من الثراء إلي حد أنه لم يعد واردا لديه تحقيق أي فيلم آخر‏.‏ وإن فعل فعلي الفيلم الجديد أن يكون مشتقا من الفيلم القديم‏.‏ بناء علي ذلك أنجز أجزاء أخري ناجحة ثم عاد وطرح الأجزاء المنتجة في أسطوانات‏DVD‏ وأنزل إلي الأسواق شخصيات الفيلم كلعب وكألعاب فيديو وكرسوم متحركة ومن وراء كل هذا استطاع مضاعفة أرباحه وهو لايزال دون الخمسين من العمر‏.‏

هذا لا يمكن أن يحدث إلا علي كوكب اسمه هوليوود‏.‏ وهو حدث فعلا‏.‏ ليس مرة واحدة بل عدة مرات‏.‏ حدث مع جيمس كاميرون‏(‏ تايتانيك‏)‏ وحدث مع بيتر جاكسون ‏(ثلاثية سيد الخواتم‏)‏ وحدث مع ستيفن سبيلبرج‏(‏ إنديانا جونز‏)‏ وحدث تحديدا مع جورج لوكاس‏(‏ سلسلة ستار وورز‏).‏ في العام‏1997‏ كان لوكاس ثاني أغني سينمائي في العالم من بعد سيتيفن سبيلبرج‏.‏ اليوم‏,‏ ومع إخفاقات سبيلبرج الأخيرة‏,‏ وبقاء نجم أفلام ستاروورز مشتعلة‏,‏ لوكاس علي الأرجح أغني سينمائي في العالم‏.‏ حتي وإن كان الثاني أو الثالث‏,‏ فإن ذلك لا يزال يؤدي إلي ذات النتيجة‏.‏

انطلق جورج لوكاس في نفس المجموعة التي وثبت إلي النجاح والشهرة في مطلع السبعينيات‏,‏ فهو أحد أربعة مخرجين رمي كل منهم بسهمه صوب العمل السينمائي في فترة واحدة‏.‏ الثلاثة الآخرون هم مارتن سكورسيزي وفرنسيس فورد كوبولا وستيفن سبيلبرغ‏.‏ وفي حين حقق سكورسيزي وكوبولا أمجادا فنية في الغالب اندفع لوكاس وسبيلبرج إلي إنجاز نجاحات تجارية في الغالب‏.‏ لكن لوكاس أكثر من سواه عرف معني ابتكار مشروع واحد واستثماره مرات ومرات‏.‏ في العام‏1977‏ أطلق ستار وورز بعد ثلاث سنوات أتبعه بفيلم الإمبراطورية تضرب مجددا وبعد ثلاث سنوات أخري أنجز الجزء الثالث عودة جيداي‏.‏

مهارة

وقبل أسابيع‏,‏ وبعد كل هذه النجاحات التي أنجزها منذ ذلك الحين أعاد إطلاق الأفلام الثلاثة مجتمعة في بوكس واحد من الإسطوانات المدمجة‏.‏ وهذه لم تكن المرة الأولي التي أطلق فيها هذه الأفلام علي الفيديو أو علي أسطوانات‏,‏ لكن الجديد هذه المرة‏,‏ ولضمان موجة بيع عارمة‏,‏ أدخل علي كل جزء من هذه الأفلام مشاهد وترميمات لم تكن متوافرة في السابق‏.‏ وسمعناه يدافع عن ذلك في أحاديثه قائلا‏:‏

حين قدمت ثلاثية ستار وورز الأولي‏(‏ علي اعتبار أنه أنجز في التسعينيات وإلي اليوم ثلاثية أخري‏)‏ لم أكن راضيا إلا بنسبة‏25‏ بالمئة‏.‏ وأعلنت ذلك حينها‏.‏ شعرت باليأس نتيجة ذلك وعزمت أن أجري تغييرات علي تلك الأفلام في المستقبل‏.‏ الآن حان الوقت وأستطيع أن أؤكد أنني أنجزت ما أنا سعيد ومعجب به. طبعا لا يضير شيئا إذا كانت الغاية تجارية أيضا‏.‏ فكل من اشتري الثلاثية من قبل علي دي في دي‏,‏ ويعتبر نفسه من أتباع أشهر سلسلة خيال‏-‏ علمي تم إنتاجها في التاريخ‏,‏ لن يرضي علي نفسه هو الآخر أن تكون لديه مجموعة غير منقحة بمشاهد جديدة‏.‏ وعليه سينضم إلي الملايين التي تشتريها للمرة الأولي‏(‏ وقوامهم من أجيال لاحقة‏)‏ وبذلك سينجز الفيلم مئات الملايين من الإيرادات كما فعل كل فيلم من أفلامه التابعة لهذه السلسلة إلي الآن‏.‏

هذا كله والجزء الجديد الثالث من الثلاثية الجديدة‏(‏ أو السادس حسب تتابعها من العام‏1977‏ إلي اليوم‏)‏ يقترب من التجهيز للعرض العالمي الأول في الخامس من أيار‏/‏ مايو العام المقبل تحت عنوان ستار وورز‏-‏ الفصل‏3:‏ انتقام سيث‏.‏ وبالطبع ينتظر أن تلتهب الصالات بجمهور من كل الأعمار ينوي قطع تذاكر إلي هذا الجزء الأخير من الرحلة الطويلة‏.‏

إنها مهارة لا يمكن دحضها علي الرغم من أن لوكاس‏,‏ حين أنجز ستار وورز الأول ‏(‏بميزانية لم تزد علي‏11‏ مليون دولار‏)‏ لم يكن واثقا من أنه يقدم علي عمل سيحقق نجاحا كبيرا‏,‏ ناهيك أن يكون نجاحا عملاقا‏.‏ مهارة قوامها بلايين الدولارات‏.‏ إمبراطورية تضرب وتضرب ثم تعاود الضرب وكلما فعلت ذلك أودعت في المصارف بلايين إضافية من الدولارات‏.‏ في هذا النطاق لوكاس أنجح مخرج حي‏(‏ أو حتي ميت‏)‏ في العالم‏.‏

التاريخ حسب لوكاس

لعل الجانب المادي من حياة لوكاس السينمائية يطغي علي جوانب أخري‏.‏ هل يمكن أن يكون لوكاس في الوقت ذاته فنانا سينمائيا فذا؟ هل يظلمه النقاد حين ينصرفون عن تقييمه علي هذا الصعيد مفضلين الحديث عن نجاحه واستثماراته؟ هل تأثيره الكبير علي هوليوود واحتلاله مكانة لم يتوصل إليها سوي حفنة من المخرجين قبله وإلي اليوم سرق من موهبته كفنان؟

الحقيقة هناك جواب واحد عن هذه الأسئلة الثلاثة وهو‏:‏ لا‏.‏

حقق لوكاس ‏(‏الذي ولد في‏1944/5/14‏ في بلدة مودستو‏,‏ ولاية كاليفورنيا‏)‏ خمسة أفلام من إخراجه فقط‏.‏ الأول‏THX2238(1971),‏ وأميركان غرافيتي‏(1973)‏ ثم دخل مجرة ستار وورز بإخراج أول أفلام السلسلة سنة‏1977‏ ثم عاد وحقق الجزء الأول من الثلاثية الجديدة ستار وورز‏:‏ الشر الخفي‏(1999)‏ ليتبعه بالجزء الثاني من الثلاثية الجديدة ستار وورز‏:‏ هجوم الكلونز‏(2002).‏ حين ينطلق الجزء الثالث من الثلاثية الجديدة ستار وورز‏:‏ انتقام سيث يكون ذلك سادس فيلم يخرجه‏.‏

بمعاينة أفلامه هذه نجد أن فيلمه الأول في العام‏1971‏ كان طموحا معبرا عن طاقات وخيالات أكثر منه نتيجة سينمائية كاملة‏.‏ في ذلك الفيلم تحدث عن نظام ديكتاتوري يفرض طريقته في الحياة علي أتباعه‏.‏ أحد هؤلاء الأتباع‏(‏ روبرت دوفال‏)‏ يقرر الهرب والفيلم يلاحق محاولته هذه‏.‏ المثير للملاحظة هو التصميم الديكوراتي للفيلم‏:‏ لقد أحاط المخرج شخصياته بخلفية بيضاء كاملة لا تعكس تقدما مستقبليا بقدر ما تعكس وضعية ذلك المجتمع وشخصياته‏.‏ رجال ونساء لوكاس حليقي الرأس‏.‏ ثيابهم هي أيضا بيضاء‏.‏ حالة من شأنها أن تضعنا سريعا في نطاق خداع بصري يعكس خداعا اجتماعيا هو ما يتحدث الفيلم عنه‏.‏

أميركان غرافيتي‏ (1973)‏ نال تقريظا أعلي مما يستحق‏.‏ تدور أحداثه في العام‏1962‏ أيام الروك أند رول والجيل الصاعد علي أعتاب الحرب الباردة وبعيدا عنها‏.‏ لوكاس لم يكن يتخيل معظم أحداثه وشخصياته بل يتحدث‏,‏ وقد صور الفيلم في البلدة التي ولد فيها‏,‏ عن نفسه وعالمه حين كان لا يزال شابا صغيرا‏.‏ الفيلم حلو بسبب طعمه‏,‏ لكنه ليس جيد الصنع بالضرورة‏.‏ لوكاس خريج مدرسة وليس خريج تقليد وموهبة كشأن فرنسيس فورد كوبولا‏.‏ ولوكاس لا ينفي أنه استفاد من عمله مع كوبولا إذ قال ذات مرة‏:‏

كوبولا علمني كيف أكتب السيناريو‏.‏ وبما إنه يعمل عن كثب مع الممثلين فقد علمني أيضا كيفية ذلك‏.‏ أكن له تقديرا كبيرا‏.‏

في عالم بعيد

أمريكان غرافيتي ينتهي ببعض شخصياته وهي تطمح إلي الذهاب إلي هوليوود بحثا عن العمل والنجاح والشهرة‏.‏ بذلك يؤكد لوكاس علي ذاتية ذلك الفيلم الذي يبقي‏,‏ علي قصوره‏,‏ أفضل أعماله إلي اليوم‏.‏

لكن إذا ما كان انتقال لوكاس من بلدته الصغيرة إلي هوليوود مغامرة حياة تكللت بالنجاح‏,‏ فإن حس المغامرة ذاتها هو الذي نتلقفه من ستار وورز‏(1977)‏ ثالث أفلامه‏.‏ مرة أخري ما يجمعه الفيلم من أفكار وطروحات بين دفتيه هو أعلي قدرا وأهمية من عملية الإخراج ذاتها‏.‏ حكاية ستار وورز التي تقذفنا بثلاث شخصيات تحاول إعادة حق مسلوب في كوكب بعيد جدا في زمن آخر غير هذا الزمن‏,‏ تمتاز بأن أحداثها ليست بالضرورة مستقبلية‏.‏ إنها عالم متواز يتيح للوكاس إلقاء تحية علي سينما الخيال‏-‏ العلمي بالأمس وليس الخيال‏-‏ العلمي المستقبلية‏.‏ العملية الإبداعية‏,‏ لنقل طريقة ستانلي كوبريك في أدويسا الفضاء‏:2001‏ أو طريقة الروسي أندريه تاركوفسكي في سولاريس‏,‏ ليست موجودة بإتكال المخرج علي المؤثرات ومشاهد المعارك‏.‏ طبعا كل ذلك هو أساس نجاح الفيلم والسلسلة من بعد‏,‏ لكن القيمة الفنية محصورة في أضيق نطاق‏.‏

الفيلمان اللاحقان من السلسلة كانا من إخراج سينمائيين آخرين‏.‏ لوكاس كمنتج‏,‏ عمد إلي المخرج أرفن كيرشنر لإنجاز الإمبراطورية تضرب من جديد‏(1980)‏ والي المخرج الراحل ريتشارد ماركاند لإنجاز انتقام الجيداي‏(1983).‏ كلاهما‏-‏ خصوصا انتقام الجيداي‏-‏ عمل مثير وبالغ الترفيه‏.‏ تحبه إذا كنت متيما بتلك السينما ولا تكترث إليه إذا كان الخيال العلمي ليس من النوع المفضل إليك‏.‏

الثلاثية الجديدة

ومن‏1983‏ إلي‏1999‏ عاش لوكاس علي ظهر الكوكب الذي صنعه لنفسه‏:‏ مجد وشهرة وإنتاج لأفلام يخرجها آخرون من خارج سلسلته‏.‏ من بين هذه الأفلام سلسلة إنديانا جونز التي تتألف حتي الآن من ثلاثة أجزاء ناجحة بدورها‏.‏ ومع أن الحديث تردد كثيرا حول جزء رابع إلا أن خلافا فنيا بين لوكاس وسبيلبرج يمنع الجزء الرابع من التحول إلي حقيقة‏.‏ لب هذا الخلاف هو أن لوكاس لا يزال غير راض عن السيناريو الذي تمت كتابته‏,‏ ثم عدل وعدل أكثر من مرة‏.‏ والاتفاق بين الرفيقين يقضي بأن يرضيا معا علي المشروع قبل الموافقة علي إنجازه‏.‏

ضعف سليقة لوكاس في العمل مخرجا لم تتبد إلا عندما قرر أن يعود مخرجا بثلاثية جديدة‏.‏ ستار وورز‏:‏ الشر الخفي كان مهزلة مكبرة ومطعمة ومحلاة بكل ما يتمناه الجيل الجديد من مغامرات فضاء ومؤثرات كومبيوتر‏.‏ التمثيل‏,‏ خصوصا من ناتالي بورتمان كان أقرب إلي تشييع روح‏.‏ الفيلم كله يتهالك أمامك مشهدا وراء مشهد‏.‏ العذر الوحيد لذلك‏,‏ وضمن شروط فقط‏,‏ هو أن الفيلم يحاول أن يكون صلة وصل بين الثلاثية السابقة والثلاثية الجديدة مع العلم أن أحداث الثلاثية الجديدة تقع‏-‏ زمنيا‏-‏ قبل أحداث الثلاثية القديمة وتؤدي إليها‏.‏

الفيلم الثاني من مجموعة ستار وورز الجديدة هجوم الكلونز أفضل بقليل علي صعيد إتقان المؤثرات‏,‏ لكن العبث الفني وقصوره وشحة الطروحات والأبعاد لا يزال طاغيا‏.‏

بذلك تكون الأفلام الخمسة الوحيدة المنجزة بتوقيع لوكاس مخرجا لا تبرر مطلقا اعتبار البعض له كمخرج لامع أو موهوب‏.‏ حين يرتقي النقد المنتشر حول العالم إلي فضيلة التمييز بين الأشياء ومعرفة الفواصل بينها وعدم استخدام النعوت كيفما حدث‏,‏ يستطيع أن يضع لوكاس في مستواه الحقيقي علي صعيد العملية السينمائية كاملة‏.‏ لوكاس‏,‏ ضمن هذه النظرة المعدلة‏,‏ هو رجل أعمال ناجح بالدرجة الأولي ارتدي ثياب الإخراج كما قد يفعل صاحب كراج هجره عماله‏.‏ لكن هنيئا له علي ترميماته وتعديلاته وعلي تلك الملايين التي يجنيها كل عام‏.‏ الحياة بحاجة إلي الخفة‏.*‏

الأهرام العربي في 2 أكتوبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

جورج لوكاس المخرج الأكثر ثراء لايزال يشعل الدنيا حروبا

رجل الأعمال يرتدي ثياب الإخراج‏!‏

‏ هوليوود/ محمد رضا