شعار الموقع (Our Logo)

 

 

فنان السينما السوري محمد ملص صاحب مكانة خاصة في السينما السورية، وعلى الصعيدين العربي والعالمي· فقد استطاع خلال نحو ربع قرن من الزمان ان يساهم في وضع السينما السورية على خريطة السينما العربية والسينما العالمية أكثر من أي مخرج سوري آخر· ولم يكن ذلك لاختيار أفلامه للعرض في المهرجانات السينمائية، وفوزها بجوائز فقط، وقد كان أول مخرج عربي يختار نقاد السينما في فرنسا فيلمه الروائي الطويل الأول ''أحلام المدينة'' للعرض في أسبوع النقاد في اطار مهرجان ''كان'' عام ،1985 وانما أساسا لانه استطاع في أفلامه ان يعبر عن عالم خاص يستمد جذوره من واقع وتاريخ بلاده، وبأسلوب خاص يستوعب أهم تيارات التجديد في السينما العالمية·

المهرجانات والجوائز لتقدير أفلام انجزت، واختبارها وفوزها يكون لما تحقق في الأفلام سواء عرضت في المهرجانات أو لم تعرض، سواء فازت بجوائز أم لم تفز· ومن المؤسف بل والمعطل لتطوير السينما ان تكون المهرجانات والجوائز المقياس الوحيد لتقييم الأفلام، وخاصة عند السينمائيين العرب، وبالأخص عند البيروقراطيين الذين يتولون مسؤولية السينما في وزارات الثقافة العربية، المهرجانات مهمة، والجوائر رائعة، ولكن تاريخ السينما يعلمنا انها ليست المقياس الوحيد لتقييم الأفلام، تماما مثل ايرادات الأفلام ومدى حجم الجمهور الذي يفضلها·

محمد ملص في فيلميه الروائين الطويليين ''أحلتم المدينة'' (عام 1985)، و''الليل'' (عام 1995)، وفي أفلامه التسجيلية والقصيرة، يثبت انه لا يفكر في أي فيلم، ولا يصنعه، إلا بناء على الحاح داخلي، ومعاناة فكرية، وحرقة من القلب· ولهذا هو فنان سينمائي، وليس مجرد مخرج يمارس مهنة· وقد درس وتخرج في معهد السينما في موسكو، وتأثر بالسينما الروسية الجديدة التي بدأت في أواخر الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي، أي في مرحلة ''ذوبان الجليد'' بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي عام ،1956 والذي انتقدت فيه ممارسات ستالين الديكتاتورية علنا لأول مرة· وتأثر خاصة بسينما اندريه تاركوفسكي، والتي امتد تأثيرها حتى إلى برجمان بنفس منطق تأثير شكسبير على كل كتاب المسرح منذ قرون في كل العالم·

رقابة صارمة

في ظل رقابة الحزب الشيوعي السوفييتي المشددة، وسيطرته على وسائل انتاج وتوزيع الأفلام، ورغم ''ذوبان الجليد'' لم يكن تاركوفسكي يستطيع ان يعبر عن رؤيته للعالم، وأسلوبه الخاص في التعبير عنها، إلا بالعودة إلى الماضي القريب والبعيد· وكذلك محمد ملص في ظل رقابة حزب البعث الحاكم في سوريا، وسيطرته على وسائل انتاج وتوزيع الأفلام· كما عاد تاركوفسكي إلى زمن الحرب العالمية الثانية في أول أفلامه الروائية الطويلة ''طفولة ايفان''، عاد ملص إلى زمن الثلاثينات في ''المرآة''، عاد ملص إلى نفس الزمن في ''الليل'' ولكن في سوريا ليعبر عن جذور الواقع الذي يعيشه من حرب 1936 في فلسطين، وبداية الديكتاتورية العسكرية مطلع الخمسينات·

عودة إلى الماضي

العودة إلى زمن مضى هنا ليس لتقديم أفلام ''تاريخيه'' لإلهاء جمهور السينما بالديكورات والأزياء الغريبة عنه وسرد قصص البطولات الحقيقية أو الوهمية، وانما للتعبير عن الواقع من خلال الذات· ''أحلام المدينة'' سيرة الفنان في صباه على نحو ما، ومن خلال التعبير عن الذات يتم التعبير عن ثقافة المجتمع بمنظور نقدي بأعمق معاني النقد، أي الذي يتجاوز نقد السلطة إلى نقد الشعب الذي يصنع السلطة بقدر ما تصنعه· والعالم الفني لمحمد ملص يقوم على تأمل الشخصيات الدرامية، وتحويلها إلى مرايا يرى فيها جمهوره نفسه، ولذلك يكتب سيناريوهات أفلامه بأسلوب يجمع بين الدراما والأدب، ولا يعني بسرد حكايات لها بداية ووسط ونهاية، ولا يختار ممثليه من نجوم السينما المعروفين·

انه يريد ان يعبر بالأضواء والظلال والطلال والألوان عن ثقافة المكان بالمعنى الشامل للثقافة، أي عن آدابه وفنونه وأساليب حياة الناس فيه المرتبطة بأفكارهم ومفاهيمهم وعلاقتهم بالماضي والحاضر ورؤاهم للمستقبل· ولذلك لم يكن من الغريب ان يصدر روايات وقصص ومذكرات أدبية في نفس الوقت الذي يصنع فيه الأفلام، ولا ان يكون من بين أفلامه التسجيلية والقصيرة أفلام عن فنانين وموسيقيين وتشكيليين من بلاده، ولا ان يكون التكوين من العناصر الأساسية لأسلوبه،، والموسيقى على شريط الصوت تخاطب العقل والوجدان معا· وسينما ملص مثل سينما كل مؤلف سينمائي لا تتوجه إلى جمهور السينما السائدة ولكنها مثل سينما كل مؤلف سينمائي ايضا تصنع جمهورها الخاص·

في فيلمه الروائي الطويل الثالث ''باب المقام'' الذي صوره عام ،2003 وأتم العمل فيه عام ،2004 وشاهدته في عرض خاص بالفيديو في القاهرة، يبدأ محمد ملص مرحلة جديدة في مسيرته الفنية الخصبة على ثلاثة مستويات مرتبطة ارتباطا وثيقا: المستوى الأول التعبير عن الواقع المعاش مباشرة لأول مرة في أفلامه حيث تدور الأحداث عام ،2003 والمستوى الثاني تصوير الفيلم بكاميرا الديجتال، ثم نقله على شريط السينما، والمستوى الثالث قيامه بانتاج الفيلم إلى جانب كتابته واخراجه· فلم يكن من الممكن، أو كان من الصعب ان يعبر عن الواقع المعاش عن طريق منتج آخر، ولم يكن من الممكن ان ينتج فيلما سينمائيا حتى لو كانت هناك جهات فرنسية وتونسية ومغربية مشاركة في الانتاج، والجهة الفرنسية هي المذكورة أولا في العناوين مما يعني ان لها أغلبية الانتاج·

تقنيات حديثة

على الصعيد الفني الخالص تتيح كاميرا الديجيتال حرية في الحركة وخاصة في التصوير الخارجي (نحو نصف الفيلم في شوارع واحياء حلب)، كما تتيح ما يمكن وصفه بالانفراد بالمثل والتوغل في أعماقه ليكشف المزيد من أبعاد الشخصية· ولكن كاميرا الديجيتال فقيرة للغاية بالمقارنة مع ثراء الكاميرا السينمائية من حيث الأضواء والظلال والألوان التي توفرها العدسات المتعددة، والتي يوفرها المعمل عند الطبع من نيجاتيف سينمائي· تماما كما ان المونتاج عن طريق الضغط على المفاتيح يختلف عن المونتاج اليدوي على المافيولا· انه مثل الفرق بين العمل اليدوي (الهاند ماد) والعمل الآلي الذي تنتج منه عشرات ومئات النسخ· وارجو ألا أكون في هذا مثل شابلن عندما رفض السينما الناطقة وأصر لفترة على التمسك بالسينما الصامتة لفترة بعد نهايتها·

كتب ملص سيناريو فيلمه مع خالد خليفة وأحمد بهاء الدين عطية، وصورة طارق بن عبدالله، وألف موسيقاه الفنان اللبناني الكبير مارسيل خليفة وقامت بمونتاجه المونتيرة التونسية الكبيرة كاهنة عطية، عن واقعة حقيقية حدثت في سوريا عام ،2001 وأثارت الرأي العام، عندما قام شاب بقتل أخته بمساعدة عمه لانها تهوى الغناء، وخاصة أغاني أم كلثوم· وان يكون عمل فني عن واقعة حقيقية أمرا لا يزيد من قيمته ولا ينقص منها، فالمعيار هو المعالجة الدرامية، وان كان لكونها واقعة حقيقية دلالات خاصة· لو كان فيلم ملص فكرة ألفها لاعتبره البعض مغاليا، واعتبر الفيلم ميلودراميا فالأصل ''الحقيقي'' قي هذا السياق يخدم المصداقية التي تصنعها المعالجة الدرامية قبل كل شيء·

بداية المعالجة

المعالجة تبدأ من اختيار حلب مكانا للأحداث، إذ لم تحدث الواقعة الحقيقية في هذه المدينة· وان كان من الممكن ان تحدث فيها· انها المدينة السورية الثانية بعد دمشق، ولكن ما تتميز به انها مدينة حضارية عريقة ذكرت في برديات اخناتون حين استنجد به سكانها لكي يحميها الجيش المصري من ''البرابرة الآسيويين''، وفي حلب كانت أول مطبعة بالحروف العربية أيام الامبراطورية العثمانية، ومنها جاء عبدالرحمن الكواكبي، والأهم بالنسبة لدراما ''باب المقام'' انها عرفت بالموسيقى والغناء حتى ان هناك مقامات في الموسيقى العربية تسمى المقامات الحلبية· ومن ثم فان قتل المرأة التي تهوى الغناء في حلب يعبر بقوة عن مدى اهدار هذه الجريمة للتراث الانساني في سوريا، تماما كما ان أغاني أم كلثوم طوال الفيلم تعبر عن الحنين إلى عصر الحرية الذي وجدت فيه، في النصف الأول من القرن العشرين في مصر·

لا توجد في سوريا أو في أي دولة عربية أو اسلامية في مطلع القرن الواحد والعشرين قضية أهم ولا أخطر من ''التطرف الديني''·· ولا حاجة للقول انه لا يعبر عن الدين الاسلامي، كما لم تعبر الغزوات البربرية لاميركا الجنوبية تحت راية الصليب عن الدين المسيحي، ولا تعبر مذابح اليمين الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني عن الدين اليهودي· والتطرف الديني الاسلامي لم يهبط من كوكب آخر، وانما كان نتيجة عوامل كثيرة منها الديكتاتورية العسكرية، وفشل الفكر القومي الذي روج لفشل الفكر الليبرالي، وفشل الفكر الاشتراكي الذي تمثل في سقوط الاتحاد السوفييتي، ودعم الولايات المتحدة الاميركية للتطرف الديني كبديل عن التطرف الاشتراكي (الشيوعي).

هذه القضية الأهم والأخطر في تقديري هي موضوع فيلم ''باب المقام''· وكان من المنطقي لفنان مثل محمد ملص في أول أفلامه التي تدور في الزمن الحاضر - زمن تصوير الفيلم - ألا يتناول أقل من هذه القضية· وعبر معالجة حادثة حقيقية واستخدانها للتعبير عن رؤيته الثاقبة للواقع·

اننا في حلب 2003 أثناء الحرب الاميركية في العراق ضد أحد الشياطين الذين صنعتهم لمواجهة النفوذ الكبير الذي تمتع به الحزب الشيوعي العراقي، ولمواجهة الثورة الاسلامية في ايران، والتي بدأت ثورة حقا واسلامية حقا في سنواتها الأولى، المظاهرات في حلب ضد الحرب الاميركية في العراق لا تتوقف طوال الفيلم، وتحمل من بين ما تحمل صورة الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر· وطوال الفيلم ايضا تجري انتخابات مجلس الشعب السوري حيث نرى اللافتات في الشوارع ونسمع عن مآدب الطعام التي تقام ضمن الحملات الانتخابية للمرشحين، ولا تعليق من ملص على المظاهرات ولا على الانتخابات·

انها خلفية تعبر عن الجمود السياسي في فيلم عن التقهقر الثقافي الشامل باسم الدين الاسلامي يتم التعبير عنه من خلال العلاقة بين ايمان وعمها الذي يقال له أبو صبحي نسبة إلى ولده الأكبر صبحي، أو العقيد نسبة إلى رتبته العسكرية قبل ان يحال إلى الاستيداع بسبب النشاط السياسي المعارض لابن أخيه رشيد (شقيق ايمان) المعتقل منذ عشر سنوات، والصراع بين ايمان وعمها أبو صبحي يبدأ مع بداية الفيلم، وينتهي عندما يطلق عليها رصاص الرحمة بعد ان يطعنها أخوها (جميل) الطالب الجامعي المتطرف الديني بالسكين، وقد سأل وكيل النائب العام الشاب الذي طعن نجيب محفاظ في 14 أكتوبر عام 1994 لماذا السكين، وكان رده انه سلاح سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام والصحابة، وبئس ما يقولون·

تعيش ايمان التي تهوى ترديد أغاني أم كلثو،م حياة بسيطة وسعيدة مع زوجها عدنان سائق التاكسي الذي يهوى بنفس القدر الاستماع إلى نشرات الأخبار، وهما يربيان أولادهما وكبيرهم يحمل اسم عبدالناصر، كما ربيا جمانة ابنة رشيد المعتقل وابنة مالك· ويبدأ الصراع بين ايمان وعمها عندما يأتي في بداية الفيلم ويأخذ جمانه بالقوة لتعيش في منزل العائلة كما فعل من قبل مع مالك· لا تدرك ايمان السبب في حرمانها من جمانة التي لم تبلغ العاشرة، ولكننا ندرك ان السبب هو ضيق العم من هواية ايمان لغناء أم كلثوم، وتأثير ذلك على الفتاة الصغيرة· كما انه من ناحية أخرى يرى ان عدنان ضعيف الشخصية لانه لا يمنع زوجته من ممارسة هوايتها، لقد ضاعت ايمان بين الأخ المعتقل الذي لا نراه طوال الفيلم، وبين الزوج الطيب الذي تتبادل معه الحب، ولكنه غارق في نشرات الأخبار·

أبو صبحي هو التعبير الاجتماعي عن السلطة الأبوية الذكورية السياسية التي تحكم سوريا والعديد من البلاد العربية وااسلامية· وفي مشهد رئيسي نراه يتأمل ملابسه العسكرية المحفوظة بعناية، ويتطلع إلى صورة على الحائط وهو يرتديها، ويرثي حاله في صمت بعد ان أصبح تاجر دجاج، وكما في كل الأنظمة الديكتاتورية العسكرية يطلب أبو صبحي من جميل ان يراقب أخته لانه يشك في سلوكها، وكأن من تعني لابد وان تكون عاشقة، وكأن العشق لا يكون إلا لغير الزوج·

ولا يقتصر الأمر على تلصص جميل، على أخته، فالجميع يتلصصون على الجميع في فيلم ''باب المقام''، وكل الشخصيات مختنقة من الكادرات، وتكوين الكادرات يوحي بالسجون في زوايا التصوير، وفي الكثير من أماكن التصوير كالاقبيه والممرات الطويلة المظلمة·

ولا تستسلم ايمان وتحاول استعادة جمانة، ولكن حتى والدها الهرم الذي يترك قيادة العائلة لأخيه أبو صبحي يقف ضد رغبتها· اما أمها، وكل نساء العائلة بما في ذلك أختها غادة فهن لا حول لهن ولا قوة، ويقتلن الوقت بالثرثرة· وفي القلب من الفيلم تبدأ العلاقة بين ايمان و''الخوجه'' أي المغنية العجوز المعتزلة بديعة، تلتفي ايمان مع بديعة في دكان ''شمس الأصيلط نسبة إلى اغنية أم كلثوم المشهورة عندما تذهب لشراء احدى التسجيلات· تلتقي روحيهما في حب الغناء، حب الحياة· وتذهب ايمان لزيارة بديعة منزلها، وتطلب منها ان تعني لها· وتقطع هذه الزيارة الشك باليقين لدى جميل بأن أخته تسلك سيلوكا مشيئا، وخاصة لوجود شاب يرعى بديعة في منزلها، ويطرق جميل باب بديعة في اليوم التالي مع عمه وابنائه ويسألون عن ايمان ولكن الشاب لا يعرفها ويطلب منهم الانصراف·

أسلوب خاص

تبدو أسلوبية محمد ملص مثل كل فناني السينما أصحاب الأساليب في التوظيف الحذر لمفردات اللغة السينمائية وعلى سبيل المثال لا يستخدم مخرجنا اللقطة الكبيرة جدا (الكلوز أب) طوال الفيلم إلا في المشهد الذي يجتمع فيه العم مع أولاده بحضور جميل، ويقررون فيه قتل ايمان، ويجعلهم ملص يأكلون الطعام وهم يتخذون قرارهم الظالم الذي يهدرون فيه التراث الانساني، بل ويعتدون على الخالق سبحانه وتعالى بقتل انسان خلقه ليعيش حتى يسترده في الوقت الذي يشاء، وعلى الدين الاسلامي الذي يعتبر قتل نفسا واحدة بغير حق مثل قتل الناس جميعا·

وفي مشهد آخر من مشاهد الفيلم الكبرى يذهب أبو صبحي إلى أخيه والد ايمان لكي يحصل على موافقته على قتلها، يقول له أبو رشيد: ايمان ''عابت''، ومن دون ان يوضح هذا العيب، ومن دون ان يسأل الأب عنه يرد عليه ماذا تنتظر اذا عاب أحد أصابعك· لا يقترب ملص من الأب بالكاميرا أو المونتاج أو اللقطة المكبرة· يتركه يتحرك في غرفته في حجم متوسط بارد يعبر عن قسوته غير المتناهية· وتشعر الأم بما تقرر، وتتوسل، ولكن من دون جدوى·

وكما ترك مالك شقيق جمانة منزل العائلة وهرب إلى لا مكان بعد ان أوسعه عنه ضربا لانه تعامل مع مهربي السجائر لتوصيلها إلى والده في المعتقل، تهرب جمانة، وتعود إلى بيت ايمان حيث نشأت على حب الغناء - الحياة· وتتوالى المشاهد الدرامية القوية مع اقتراب نهاية الفيلم· من مشهد ايمان وهي تحمم جمانه من رماد السجن - القبر الذي كانت فيه وتغني لها، إلى مشهد المنغولي الذي يسكن في البيت المجاور، ويهوى سماع صوت ايمان·

يصل الفيلم إلى ذروته الدرامية والأسلوبية مع موسيقى مارسيل خليفة المعبرة، وأداء سلوى جميل العقلاني المدهش لدور ايمان عشية اليوم الأخير في الليل، يطلب عدنان من زوجته في الفراش ان تغني له، فتختار أغنية أم كلثوم: غني لي شوي شوي·· غني لي وخذ عيني·· المغنى حياة الروح إلى آخر الأغنية المعروفة، ويتم الغناء اثناء ممارسة الجنس على نحو أقرب إلى الصوفية، ومع حركة كاميرا ناعمة وبطيئة في حجم كبير - متوسط للكادر، ومن دون قطع، ويوحي الحوار بين الزوجين في الصباح باقتراب النهاية على نحو بارع، ويتم تنفيذ الحكم الجائر باعدام ايمان في مشهد بالأبيض والأسود، ويهرع القتلة إلى سيارتهم ويصرخ وراء السيارة ابن الضحية، والمنغولي الذي يحب صوتها·

يرتبط تصوير مشهد القتل بالأبيض والأسود بصريا مع لقطات ثابتة بنفس اللونين، وكأنهما لكاميرا فوتوغرافية تراقب، تتكرر المظاهرات ضد الحرب الاميركية في العراق، والمسيرات الجماهيرية لانتخابات مجلس الشعب· لا يعمق الفيلم شخصية الجار المنغولي، ولا يعرض بما فيه الكفاية الحياة الخاصة للعم، ويكتفي بأن يجعل الأخ القاتل جميل صاحب لحية خفيفة، كما اننا لا نعرف مصير جمانة وقد كانت في البيت عند اغتيال ايمان· ولكن ما يمكن ملاحظته من نقاط ضعف فنية ودرامية في هذا الفيلم لا تؤثر على قيمته·

ان ''باب المقام'' عمل فني كبير من فنان سينمائي كبير، وحدث من أحداث السينما في سوريا والعالم العربي يأتي في موعده التاريخي ليقول للعالم ان هناك من يقاوم الظلام الذي يهدد مستقبل العرب والمسلمين·

الإتحاد الإماراتية في 1 أكتوبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

باب المقام

نظرة ثاقبة على واقع اليوم وبداية مرحلة جديدة في سينما محمد ملص

سمير فريد