شعار الموقع (Our Logo)

 

 

في أقل من أسبوع تربع فيلم ''السقوط'' الذي يصور نهاية الزعيم النازي إدولف هتلر على قمة الأفلام في ألمانيا وشاهده الآلاف من المواطنين والأجانب ومن شتي الأعمار· ولم تخل وسيلة إعلامية في ألمانيا من تغطية واسعة وتحليلية حول الفيلم وردود الفعل لدى الألمان، وخاصة الشباب منهم الذين لم تتح لهم الفرصة من قبل إلا للتعرف على الجانب المظلم في حياة هتلر وسيرته وأعماله· ولعل أهم ترجمة لردود الأفعال المؤيدة والمعارضة هو ما عبرت عنه مجلة ''شتيرن'' التي أجرت تحقيقات وحوارات موسعة عن الفيلم وآراء وتحليلات نقدية، واختصرت الرسالة الإعلامية التي تريد إيصالها بأن جعلت العلم الألماني غلافها وقد انشق عن أدولف هتلر بزيه العسكرى والذي كان يرتديه ونظرته الصارمة التي عرفت عنه في أوج الرايخ الثالث· وحرصت في افتتاحية كتبها رئيس التحرير أنه من المصادفات أن يتزامن عرض الفيلم مع نتائج انتخابات الولايات الألمانية التي كشفت عن تنامي اليمين المتطرف وعودة النازيين الجدد إلى البرلمان·

الفيلم تكلف 13,5 مليون يورو (16,8 مليون دولار) وبمعايير السينما الألمانية يعتبر واحدا من كبريات الإنتاج، ومدته 170 دقيقة أي يقترب من 3 ساعات، وانتجه وكتب السيناريو له برنت إيشنجر (55 عاما) واستمر تصويره عامين، واختار لللقيام بدو هتلر الممثل السويسري برونو جانتس الذي يقول أنه أخذ وقتا طويلا في التفكير في القيام بدور الفوهرر قبل أن يقرر الموافقة، والممثلة جولين كويلر لدور إيفا براون عشيقة هتلر والتي تزوجها قبل أن يقتل نفسه يوم 30 إبريل 1945 برصاصة من مسدسه بعد أن وضعه في فمه·

ولم يتناول الفيلم من هتلر سوى الاثنتى عشر يوما الأخيرة في حياته والحكم النازي، وتدور معظم الأحداث حول تلك الأيام التي قضاها الفوهرر أو الزعيم مع إيفا براون وأركان نظامه ومن أبرزهم وزير الدعاية الشهير يوزف جوبلز وأسرته· واعتبر ما فعله المنتج إيشنجر بمثابة تحطيم لواحد من الأصنام المحرمة في ألمانيا وهو الحديث عن الجانب الإنساني في هتلر، بعد أن أغرقت السينما العالمية والالمانية وجميع أجهزة إعلام مابعد الحرب الرأي العام الألماني بالجانب البشع في هتلر وأركان نظامه الدكتاتوري·

مذكرات السكرتيرة

وقد اعتمدت قصة الفيلم الذي بدأ عرضه يوم الخميس 16 سبتمبر في 400 دار سينما، على كتابين في إعداد السيناريو الأول مذكرات سكرتيرة هتلر الشخصية جيتراود يونجه والتي توفيت قبل عامين وكتاب للمؤرخ الألماني يواخيم فيست وضعه تحت عنوان ''السقوط''، عبر فيه عن وجهة نظر مفادها أن في هتلر يكمن مفتاح فهم العصر الذي عاشه الفوهرر، حتى لو كان الرفض المطلق لذلك ''الزعيم'' هو السائد، وذلك مما يتعارض مع آراء لكثير من المؤرخين أو السياسيين يرون أن اختصار عصر النازي في شخص هتلر هو تجسيد للاشتراكية القومية في شخص واحد وأدائه ويبعد اللوم عن الألمان في انتهاج سياسات هتلر بعد الاقتناع بها والاندفاع في طاعته العمياء وتأييده المطلق· ولكن بدون هتلر لم يكن هناك تصور في اندلاع الحرب العالمية الثانية أو الهولوكوست· لذلك كما يقول فيست أن فهم شخصية هتلر أمر حيوي·

من المشاهد التي تكمن فيها اللمحات الإنسانية لهتلر والمأخوذة أساسا من أفلام صورتها إيفا براون بنفسها، ولم تعرض على الجمهور من قبل، ظهور الزعيم النازي وهو يداعب بعض الأطفال، ويحتضن أولاد وزير دعايته جوبلز، ويلاطف سكرتيرته، ويتلقى بسرور تورته في احتفال بعيد ميلاده أعدتها إيفا براون·

وفي أحد دور السينما في ميدان بوتسدامر بلاتز الذي لا يبعد إلا مئات من الأمتار عن ذلك المخبأ الذي شهد نهاية هتلر وتدور أحداث كثيرة في الفيلم، شهده في تلك الدار 350 شخص كانت الملاحظة الملفته هو السكون المطلق في دار العرض دون أن يعلو صوت في الصالة لا ضد أو مع إي مشهد من الفيلم، ولكن عندما ظهرت على الشاشة زوجة وزير الدعاية جوبلز وهي تعطي السم لأطفالها الست، انسابت دموع كثير من جمهور الفيلم·

وحش وحقير!

ونشرت بعض تعليقات لكثير ممن شاهدوا ''نهاية هتلر''· قالت المراهقة ألمانية ماري لويزا هيلبلاو من برلين والتي لا يتعدي عمرها 14 عاما ''إن ما فعله هتلر لم يكن عظيما· لقد كان وحشا وحقيرا، وأعتقد أن مشاهدته شيئ مهم· أما الألماني هانز يواخيم كان عمره 10 سنوات عندما انتحر هتلر ويبلغ من العمر الآن 70 عاما وعلى المعاش، فقال ''أعتقد أنه عمل جيد أن نجد منتجا ألمانيا وقد غامر بفيلم عن هتلر مثل هذا، على أنه لا يعجبنى الأسلوب الذي أظهر هتلر كإنسان بهذا الشكل''· ويضيف ''إنه من الصعب تحمل ذلك· وكان على من أعدوا الفيلم أن يظهروا لنا أكثر من الجوانب الشريرة في هتلر، وتطرفه وليس هذا الكم من الجانب الإنساني''·

وعندما سئل إيجون سافيلسبرج وهو يهودي ألماني من برلين عمره 72 عاما قضي طفولته مختفيا عن أعين النازي، قال لم يترك الفيلم لدى أي انطباع متعاطف· أما سيلفيا برايت وهي يهودية نمساوية ألمانية المولد فقالت ''لقد حان الوقت لأن نرى مثل ذلك الفيلم الذي يشير إلى أن الناس مازالوا يهتمون بهتلر رغم إنه انتهي هو ونظامه''.

المستشار كول: فيلم مهم

المستشار الألماني السابق هيموت كول قال ''لقد كان من الضروري أن يخرج مثل هذا لفيلم إلى النور· وأتمنى أن يشاهده كثير من الناس· إنه فيلم مهم لأنه يتيح الفرصة للجيل الحالي من الألمان أن يعلموا كيف يمكن أن تسيطر الاشتراكية القومية على مجموعة من البشر الذين يحملون مشاعر إنسانية·

منتج الفيلم واجه الانتقادات التي وجهت له لمجرد أنه تناول واحدا من المحرمات الألمانية، بقوله إن حقيقة الأمر أن هتلر كان جذابا وساحرا وهذا مكمن الخطر· وحقيقة أخرى أن في داخل كل إنسان يكمن ''حيوان''، وهذه هي رسالة الفيلم·

أسوأ كوميديا

وتنوعت تعليقات الصحف والنقاد بعضها يرحب بفكرة الفيلم باعتبارها بداية مشجعة، بينما شن البعض حملة على الفيلم ومنتجه· صحيفة ''تاجشبيجل'' التي تصدر في برلين قالت ''إن منتج الفيلم إيشينجر ومخرجه وبدون قصد أن جعلونا نشاهد أسوأ كوميديا هذا العام''!! أما ''فرانكفوتر الجماينه'' فقد نشرت في نقد مطول وتحت عنوان ''العين بالعين·· لقد فشل إيشينجر كما فشل هتلر''!!

في ذلك المقال التحليلي والمهم الذي كتبه توماس شميت يقول: لقد جاء الفيلم ليرسخ الصور المعروفة عن هتلر في أيامه الأخيرة التي قضاها في مخبأ مستشارية الرايخ· ولقد كان المنتج إيشينجر من السذاجة التي جعلته يعلن في مؤتمره الصحفي الذي قدم فيه الفيلم أن ''التحدي الأكبر في عمل الفيلم كان تحقيق أكبر قدر ممكن من الدقة في تناول الأحداث''.

فيلم ملحمي·· ولكنه تافه!!

ويضيف: أن هذا الفيلم لم يفد إلا في تغذية الصورة القاتمة لهتلر· قد يكون للمخرج حقه الشرعي في ما قام به ولكن ذلك لا علاقة له بالتأريخ· أن فيلم إيشينجر ملحمي ولكنه في واقع الأمر فيلم ''تافه''!! لقد تعجبنا عندما علمنا من إيشينجر أن من تسبب في قتل جماعي كان إنسانا أيضا· حقيقة لقد دهش الناس عندما علموا أن هتلر لم يكن وحشا متعطشا للدماء كما صورته الدعايات الثورية اليسارية· وفجأة أيضا علمنا أن جوبلز إنسان من لحم ودم، وليس وحشا آليا أو إنسان قادم من الفضاء· وتساءل: ''ما هي الصورة الذهنية التي لدينا عن ألمانيا تحت حكم هتلر، والتي سمحت لإيشينجر بأن يبيع لنا هذا الاكتشاف الثوري؟''!!

إن النجاح المتوقع للفيلم يشير إلى شيء واحد: هو أن كثيرا من النقد الموجه للحرب العالمية الثانية قد راح هباء· إن كل تلك الأفلام الوثائقية والمسلسلات التليفزيونية التي تصور الرايخ الثالث كمجموعة من المرضى النفسيين وأن الناس كانوا يقضون أيامهم في الاستعراضات والتعذيب والقتل والهتاف ''هايل هتلر''، كانت تربية في الاتجاه العكسي·

خداع دفن الإجابة عن أسئلة

إن ذلك الخداع قد دفن الإجابة على الأسئلة ''كيف ولماذا حدث ذلك''· لذلك فإن نجاح فيلم إيشينجر مرتبط بفشله·

ويقول شميت إن فيلم إيشينجر يركز على نهاية الفوهرر وليس في ذلك من جديد· وإن هتلر إيشينجر الساقط والضعيف هو الأخ الكبير لهتلر النازي الذي شاهدناه كثيرا· كما أن الممثل السويسري برونو جانتس الذي قام بالدور لم يتجاوز عتبة الصورة الكاريكاتورية لشارلي شابلن، فقط لقد صنع صورة جديدة من ذلك النوع· وكان من الممكن إظهار هتلر على الشاشة في صورة أكثر فائدة، ولكن مع الاحتياط بحذر· فهتلر الزعيم كما يضيف شميت، الذي انتهى كان واحدا من أذكي السياسيين في القرن العشرين، لقد استطاع أن يسحر الجماهير وكان بصورة لا مثيل لها قائدا ناجحا للحزب ورجل دولة لمدة تزيد عن عقد كامل، ولم ينحصر تأثيره في الألمان فقط· ولقد تم عمل دراسات وأبحاث حول هذه الجوانب في حياة هتلر ولكنها لم تر النور· وكان أولى أن نشاهد هتلر الذي كان مطلوبا ويكن له الاعتزاز ومشاعر الفخر به، والذي استطاع أن يسيطر على حركة جماهيرية من العدم، بدلا من أن نتتطلع في وجه وعيون الدكتاتور المنتهي والساقط·

الإتحاد الإماراتية في 1 أكتوبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

حملة شنيعة على منتج هتلر لإظهاره الجانب الإنساني للديكتاتور

برلين- يوسف فاضل