شعار الموقع (Our Logo)

 

 

"يمنع ظهور صورة الرسول(ص) صراحة أو رمزا أو صورة أحد الخلفاء الراشدين وأهل البيت والعشرة المبشرين بالجنة وسماع أصواتهم وكذلك إظهار صورة السيد المسيح وصور الأنبياء بصفة عامة وعلى أن يراعى الرجوع في كل ما سبق للجهات الدينية المختصة"

وزارة الإعلام والثقافة المصرية ـ لجنة الرقابة على المصنفات الفنية

الفقرة (5) من قرار رقم 220 لعام 1976 

"ليس هناك باطل على وجه الأرض أبطل من التمثيل"

الفقيه أحمد بن الصديق

"إقامة الدليل في حرمة التمثيل.. لا مانع من تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال في التمثيل"

الإمام حسن الشيرازي / الشعائر الحسينية 

"أجمع علماء المسلمين على تحريم تقديم الشخصيات الإسلامية في أعمال فنية ومن ينادي بأن هذه الأعمال تعطي صورة للإسلام وتساعد الغرب على فهمه واعتناقه أيضا أقول هذا هراء"

الشيخ يوسف البدري

عضو مجمع البحوث الإسلامية فتي الشارقة السابق 

"الغناء ليس حراما على إطلاقه أو حلالا على إطلاقه.. وأن العبرة بالمعنى... الرسول(ص) حينما كان يحفر الخندق هو وأصحابه في غزوة الأحزاب كانوا يرددون بعض الأغاني بغية طلب العون والمدد"

شيخ الأزهر   محمد سيد طنطاوي 

"أن الحياة تتغير وأساليب الدعوة في الماضي كانت مختلفة، وإلا فعلينا أن نمتنع عن استخدام أساليب التكنولوجيا الحديثة لأنها لم تكن موجودة في عهد النبي"

مصطفى العقادمخرج فيلم الرسالة

 

واجهت السينما ومنذ نشأتها الكثير من الأسئلة عن مدى جدواها وبالتحديد في النواحي غير الترفيهية، وكتبت الكثير من البحوث عن مدة تأثير السينما على المشاهدين كالعنف والجنس والقيم الاجتماعية والدينية، إلا أن الفلم الديني ظل بمنأى عن الدراسات المعمقة وعانى كثيرا من إشكاليات الإنتاج وابتعاد المنتجون عنه مقارنة بغيره من الأفلام، وذلك لما يتعرضون له من مشكلات تصل في كثير من الأحيان إلى تحريم عرض الفلم ومقاطعته ومنع عرضه في صالات العرض الجماهيرية كما حدث مع معظم الأفلام الدينية العربية المنتجة في مصر فضلا عن أفلام الرسالة والقادسية والمهاجر وما لاقاه فيلم( محمد خاتم الأنبياء) المنتج بتقنية الرسوم المتحركة من نقود شتى على الصعيدين الفني والديني. ولعل عنوان دراستناالحالية يحمل في طياته عددا من الأسئلة الملحة التي تطرح في ميدان السينما العربية اليوم بعد أن تحولت السينما إلى ميدان واسع وجذاب في تمرير الأفكار والمعتقدات بطريقة فعالة وخاصة طريقة تناولها للأحداث ودخول السياسة هذا الميدان وأثر ذلك في الرأي العام .

الدين والسينما:

مما لاشك فيه أن السينما العالمية انتبهت بصورة مبكرة لأهمية السينما في توصيل الأفكار بطريقة سهلة وسريعة أكثر منها في الكتب أو باقي الوسائل المتاحة خاصة بعد أن أعلن علماء تكنولوجيا التعليم أن الصورة الواحدة تعادل أكثر من عشرة آلاف كلمة، والصورة كما يرى    ( جون لوك غودار) تحتوي على جانبين متعارضين ومتكاملين، هما الجانب الدلالي، أي( ما يقال) والجانب الجمالي، أي ما يتضمنه الخطاب دون قوله مباشر، بل هو منغرس في ثنايا الخطاب ورموزه الموحية)(1). وإذا كان النص الأدبي(رواية، قصة) يمكنه (أن يدمج متلقيه في تركيبة ملامحه) كما تقول جوليا كرستيفا في كتابها (علم النص) فأن السينما يمكن أن تلعب دورا محوريا في توجيه سلوك الأفراد مثلما هي وسيلة فعالة لتوجيه أهدافهم واتجاهاتهم داخل المجتمع وذلك لعدة أسباب يلخصها( روسك) بـ:

1/ يضع الناس أنفسهم في موضع الأبطال، ويتقبلون بطريقة لا شعورية الاتجاهات التي يعبرون عنها، والأدوار التي يقومون بها.

2/ الأفراد الذين يعانون من المشاكل المختلفة يتقبلون بطريقة لا شعورية، أو شعورية، الحلول التي تقدمها الأفلام كحلول لمشكلاتهم الخاصة(2).

ويتم ذلك عبر مفهوم التراكم، وهو مفهوم تستعمله السينما كثيرا من خلال قوة تأثير الصورة وفنية صناعتها ويكمن أثر هذا التراكم من المشاهدات على المتلقي في صياغة الشخصية بمواصفات معينة تحددها مضامين المنتج السينمائي والفرد عندما يتلقى الرسالة من السينما بشكل تحكمه خاصتان هما:

1/ الأرجاء: بمعنى أن التأثير على الجمهور لا يبدو مباشرة بعد التلقي، بل لابد من مضي زمن يسمح بتراكمها واختمارها وفقا لقوانين نفسية محددة.

2/ الكمون: حيث تكمن التأثيرات التي تعرض لها الجمهور وهي ليست تأثيرات مادية ظاهرة يمكن رصدها بسهولة، بل تأثيرات تعبر عن نفسها في مواقف تستثيرها للظهور في شكل استجابات(3).

وأول من أنتبه إلى تأثير السينما في كل ذلك هم رجال الدين المسيحيين والمبشرين منهم على وجه الخصوص وبدؤوا بإنتاج سلسلة أفلام التوراة مثل ( الوصايا العشــر) و( سادوم وعمورة)    لـ( سدي ميل) و( شمشون و دليلة) لـ( وليم ويلر) وبعض الأفلام الدينية التي تناولت حياة السيد المسيح أبان دعوته وما لاقاه من عنت وتعسف من الدولة الرومانية كفيلم( ملك الملوك) ولتستمر دون توقف رغم ما يعترضها أحيانا من انتقادات ودعوات لمقاطعة هذا الفيلم أو ذاك ومن بينها فيلم (التجربة الأخيرة للمسيح) الذي قوطع في العديد من الدول وأحرقت بعض دور السينما التي أصرت على عرض الفيلم والذي صور السيد المسيح بطريقة لا تتفق مع المعتقدات المسيحية. كما تذكر مجموعة تطلق على نفسها (شهود يهوه) أنها أول من أنتج فلما ناطقا عن رواية (أيام الخلق المصورة) تناولت فيه مواضيع عديدة ابتداء من خلق الأرض إلى" نهاية ملك المسيح" وبوشر العرض عام 1914 بحضور بلغ 35000 مشاهد كل يوم(4) وقد أعقب ذلك إنتاج عشرات الأفلام السينمائية التي اتخذت في كثير من الأحيان شكل المسلسل الفيلمي متناولة حياة الأنبياء والرسل، ولم تتوقف هذه الإنتاجات حتى اليوم.

ولعل أولى المحاولات العربية في هذا الباب كانت للفنان المصري يوسف وهبي الذي حاول تجسيد شخصية الرسول(ص) في السينما بالتعاون مع المخرج وداد عرفي في عام 1926، وقد جوبه بانتقادات شديدة من قبل علماء الأزهر الذين رفضوا ظهور الشخصيات المقدسة في السينما وأجبر يوسف وهبي على تقديم اعتذار علني عن فكرته هذه تحت ضغط الإكراه الذي وصل بالملك فؤاد إلى التهديد بحرمانه من الجنسية المصرية إذا أصر على تأدية الدور!! وكانت هذه أول مواجهة بين "الفن الجديد" والمؤسسة الدينية تنتهي لصالح الأخيرة بسهولة مطلقة!! بل وقد عززت من مواقف رجال الأزهر ضد هذا الفن واعتبروه رجس من عمل الشيطان وطالبوا بمزيد من الرقابة على الأزياء والحوار، وقد أدى ذلك إلى انصراف السينما إلى محاكاة الحياة الأوربية أسلوبيا وقضايا حياتية وابتعادها عن إنتاج الأفلام الدينية لمدة ربع قرن كامل وأكثر من نصف قرن على بداية الفن السينمائي في مصر والعالم قبل أن يظهر إلى النور أول فيلم ديني عربي يحمل عنوان(ظهور الإسلام) عن قصة( الوعد الحق) لطه حسين ومن إخراج إبراهيم عز الدين. وقد استقبل الفيلم بترحيب كبير من الجمهور العربي في كل مكان وقف معه رجال الدين موقفا متباينا بين الرفض القاطع والتأييد المشروط بـ(الاستغناء عن مغريات الجسد بانطلاق الروح، وعن اللذات الملموسة بالنشوة المحسوسة، وأن يخاطب القلوب والعقول خطابا واضحا مستنيرا حتى يحس الجمهور بأن السينما ترتفع به إلى ربه ولا تنزل به إلى حمأة الشهوات     والالتزام بالملابس الشرعية بالنسبة للنساء، فلا يظهرن كاسيات عاريات بما يشف ويكشف ويجسم ولا مائلات مميلات بما يغري ويقلد والابتعاد عن الأحضان والقبلات بعدا نهائيا) (5) وكانت هذه الشروط بمثابة أولى المقترحات لإقامة سينما إسلامية كما يشير بعض المهتمين بهذا الموضوع.

 

الموضوعة الدينية في الأفلام العربية:

الحديث عن كيفية تناول الموضوعة الدينية في السينما العربية يقتضي منهجيا التمييز بين نوعين من الأفلام السينمائية هما:

1/الدين موضوعا رئيسيا للفلم وهذا يشمل اثنتي عشرة فيلما أنتجتها السينما المصرية وفيلم الرسالة الذي أنتجه وأخرجه الفنان السوري الأصل مصطفى العقاد، وهو ما سنتناوله في هذه الدراسة.

2/ الدين موضوعا فرعيا، وهذا يشمل العديد من الأفلام العربية التي أنتجت عبر حقبة زمنية قاربت القرن من الزمان. فضلا عن فلمي القادسية، الذي أنتجته شركة بابل ودائرة السينما والمسرح العراقية والمقاطع منذ أكثر من عشرين عاما من قبل الأزهر وفيلم المهاجر ليوسف شاهين، وسنفرد لها دراسة خاصة لاتساع مساحة البحث في هذا الموضوع.

كما يود الباحث الإشارة إلى أن هدف البحث الحالي هو دراسة الأفلام ذات الموضوعة الدينية المنتجة في البلدان العربية وبالتحديد جمهورية مصر العربية مع وجوب التذكير بوجود أفلام سينمائية ينطبق عليها هدف البحث ولكنها أنتجت بلغات أخرى في دول إسلامية مثل جمهورية إيران الإسلامية سيخصص لها الباحث دراسة خاصة في المستقبل.كما يستثني البحث الحالي أفلام الرسوم المتحركة ذات الموضوعة الدينية .

وقبل الخوض في دراسة هذه الأفلام لابد من الدخول في الموضوعة الأكثر شائكية في هذا الباب وهو موضوع التحريم الذي لازم موضوعة الفن بمختلف أبوابه وما هو موقف المؤسسة الدينية بمختلف أطيافها المذهبية أو مستوى اعتدالها من موضوعة إنتاج الأفلام الدينية. 

ماهية التحريم؟

يتلخص موضوع التحريم لدى السلفية الإسلامية اتجاه التمثيل في المسرح أو السينما بفكرتين أساسيتين هما التحريم بالموضوع والتحريم بالذات وفي هذا الباب أسهب الناقد حسن بحراوي في ذلك عبر مناقشته لرسالة الفقيه أحمد بن الصديق المعنونة( إقامة الدليل في حرمة التمثيل) الصادرة في القاهرة سنة 1953(6). فحرمة الموضوع كما يرى أصحاب هذا الاتجاه ترى الفن مباح وأن حكمه هو حكم موضوعه فإذا كان الموضوع شائنا ويمس الحرمات فهو محرم وما كان غير ذلك فهو مباح. وأما التحريم بالذات فهو تحريم على وجه الإطلاق وهو من أكبر الكبائر والمحرمات وفيه أسباب عامة وأخرى خاصة، فالعامة هي تلك التي تخص البدع وعلى اعتبار أن التمثيل هو نوع من البدع بل هو شر البدع ومن ابتكار الكفار وجاء بسبب الاستعمار الإفرنجي!! والتشبه بالكفار محرم( ليس منا من تشبه بغيرنا) (7) ويرى الباحث أن حقيقة تفسير هذا الحديث قد اختلف فيه علماء الدين وخاصة في مفهوم التشبه أولا وموضوع أصل التمثيل ثانيا، فالأول يبتعد كثيرا عن تفسير صاحب رسالة التحريم، فهل كل ما يأتي به الاستعمار أو الكفار أو الإفرنجة هو من الكفر ولا يجوز الأخذ به!!؟ وهنا يتوجب علينا ترك كل التقنيات الحديثة من الكهرباء حتى العلاج بالليزر على اعتبارها من ابتكارات العقل الاستعماري حسب رأي الفقيه بن الصديق!! الذي يذهب في دعم رأيه في التحريم بالقول( التمثيل من اللهو الباطل واللعب المذموم شرعا وعقلا حيث يذهب الممثلون .... إلى تقمص أدوارا تحط من إنسانيتهم فيصبحون قردة وخنازير... ويجعل الممثل نفسه حمارا يمشي على أربعة.. وتارة يجعل نفسه حاملا ذات بطن منتفخ ثم يجلس للولادة... ويخلص بن الصديق إلى القول أن التمثيل هو من قلة الحياء والإخلال بالمروءة وضياع للوقت ووسيلة لتبذير المال وما يقوم به الممثلون هو حرام ملعون محرم شرعا) (8) أما الأسباب الخاصة في الحريم فهي تلك التي تخص تمثيل الأشخاص المعينين أو غير المعينين ويسوق في ذلك العيد من أخبار الصحابة وعن نهي الرسول(ص) لهذا الفعل الشائن ويختم بن الصديق هذا الباب بفتوى( ليس هناك باطل على وجه الأرض أبطل من التمثيل)!!. والغريب في الآمر أن بن الصديق قد بنى مناقشته لفن التمثيل على اعتبارات عدم التميز بين الواقع والخيال الذي يعتمده فن التمثيل أساسا في بنيته التكوينية ولا يمكن الخلط بين مفهومين متناقضين في مناقشة موضوع واحد!! وهل يجوز معاملة المتناقضات على درجة حكم واحدة!؟ وكما ذكرت فقد اختلف علماء الدين في تفسير موضوع التشبه ومدى حرمته فقد ذكر الإمام حسن الشيرازي في كتابه (الشعائر الحسينية)(9) الكثير من مواضع التشبه الإيجابي في القرآن الكريم كتشبه نور الله تعالى بمشكاة. وفي كثير من الأحاديث الصحيحة تشبيه الأمام علي(ع) بالأسد أو يعسوب النحل وتارة بالزناد القادح، وفي موضوع التشبه أيضا يفرق الأمام بين التشبه الدائم والمؤقت فالتشبه الدائم هو حرام ومكروه ونص عليه الحديث الشريف ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) وفي حديث أخر( لعن المخنثين من الرجال المتشبهين بالنساء والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال) وهذه الأحاديث تنهى عن التشبه الدائم، أما التشبه المؤقت فهو ما يحصل في حالات التمثيل الشائعة اليوم ويورد الإمام نصا واضحا بالقول( لا مانع من تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال في التمثيل)(10) ولكن هذا الرأي العلمي المفتوح تقابله العديد من الآراء المتشددة المغلقة التي ترفض مجرد مناقشته وتصر على التحريم المطلق لهذا الفن، فيذكر الشيخ يوسف البدري، عضو مجمع البحوث الإسلامية ومفتي الشارقة السابق: التمثيل نفسه ليس له هدف إسلامي فالإسلام عندما جاء حرم هذا الفن تماما.. والسيدة عائشة(رض) كانت تشكو للرسول(ص) من امرأة ظلت تحاكيها وتفعل مثلما تفعل فقال" مه" يا عائشة.. أي توقفي، أن الله قد نهانا أن يحاكي بعضنا البعض ونتشبه بالآخرين. وقد أجمع علماء المسلمين على تحريم تقديم الشخصيات الإسلامية في أعمال فنية ومن ينادي بأن هذه الأعمال تعطي صورة للإسلام وتساعد الغرب على فهمه واعتناقه أيضا أقول هذا هراء.. فهل الذين أسلموا في أمريكا كلهم شاهدوا مسرحية أو فيلما عن الإسلام؟ وأفلام صلاح الدين والشيماء، ماذا فعلت للإسلام؟ هل زادت معدلات المسلمين بعد عرضهما؟ وهوليود قدمت أكثر من 1500 فيلم يسب الإسلام والمسلمين ومع ذلك أسلم الكثيرون بلا أفلام أو أعمال درامية وعندما كنت في نيويورك جلست مع بعضهم وقالوا لي أننا قرأنا عن الإسلام الكثير بشكل أذهلنا وشرح صدورنا فكان اختيارنا الشخصي لدخول الإسلام ولم يقولوا شاهدنا فيلم كذا(11). والذي يتفحص رأي الشيخ البدري يجده مليء بالثغرات والانفعالية واستخدام المفردات التي لا تعبر عن روح التسامح الإسلامية الرفيعة، فضلا عن استخداماته لأدلة غير علمية ولا تجوز في البحث العلمي من قريب أو بعيد كقوله (جلست مع بعضهم وقالوا لي)!! وإذا كانت هوليود أنتجت 1500 فيلم ضد الإسلام والمسلمين كما يقول البدري أفلا يجدر بالمسلمين أن ينتجوا أفلاما وبرامجيات تدافع عن الإسلام أو تزيح هذه الصورة السيئة التي لحقت بهم من جراء ماكنة الدعاية المضادة الموجه ضدهم؟ خاصة إذا ما عرفنا مدى التأثير الفعال الذي تحدثه وسائل الإعلام في تغير الرأي العام في كل مكان وخاصة في الغرب الذي يعتبر الإعلام جزء من مفرداته اليومية. والمشكلة التي واجهت معظم الأفلام الدينية ومنها فيلم الرسالة هي عينها التي واجهت فيلم القادسية للمخرج صلاح أبو سيف والمنتج عام 1979 والذي أصبح جاهزا للعرض في عام 1981وقد منعت لجنة الأزهر عرضه جماهيريا. وجاء في نص المنع( تدور أحداث هذا الفيلم حول الصراع بين العرب والفرس وانتصار العرب في معركة القادسية بقيادة الصحابي سعد بن أبي وقاص(رض) واللجنة التي شاهدت هذا الفيلم ترى أنه قد خرج على ما أجمع عليه علماء المسلمين وأقره مجمع البحوث الإسلامية من منع تمثيل شخصيات العشرة المبشرين بالجنة وسعد بن أبي وقاص(رض) بطل هذه الملحمة واحد من هؤلاء المبشرين العشرة)(12) ويستند هذا المنع في الأصل إلى قرار وزارة الإعلام والثقافة المصرية رقم 220 لعام 1976 بشأن القوانين الأساسية للرقابة على المصنفات الفنية، وتنص الفقرة الخامسة منه على" منع ظهور صورة الرسول(ص) صراحة أو رمزا أو صورة أحد الخلفاء الراشدين وأهل البيت والعشرة المبشرين بالجنة وسماع أصواتهم وكذلك إظهار صورة السيد المسيح وصور الأنبياء بصفة عامة وعلى أن يراعى الرجوع في كل ما سبق للجهات الدينية المختصة".هذا القرار في حد ذاته قد ساهم بصورة أساسية في ابتعاد المنتجين والمهتمين بهذا النوع من الأفلام عن إنتاجها خشية الوقوع في شرك قرارات المنع وتدخل علماء الدين في تفسير كل شاردة وواردة مما يعيق حرية التفكير والإبداع في تناول الموضوعات، والمشكلة تتكرر كلما أقدم مخرج أو منتج على التفكير في تقديم عمل جديد يتناول موضوعا دينيا ولعل ما حدث للمخرج المصري يوسف شاهين في عمله المهاجر 1992 خير دليل على ذلك فقد وصل الموضوع إلى حد الحسبة التي أقامها أحد المحامين لوقف عرض الفيلم ورفض الأزهر الفيلم بشكل تام كونه يجسد شخصية أحد الأنبياء" النبي يوسف(ع)". وتحت ضغط الأزهر أضطر المخرج لإعادة كتابة سيناريو الفيلم كما غير أسم الفيلم من "يوسف وأخوته" إلى " المهاجر" كما اضطر أيضا إلى كتابة مقدمة تعرض في بداية الفيلم تنص على أن الفيلم لا يتعرض لشخص من الأنبياء ولا علاقة للفيلم مع قصة النبي يوسف(ع) ولا تمت بصلة إلى أية أحداث تاريخية. إلا أن الأزهر قد رفض الفيلم رفضا قاطعا بحجة تحريم تجسيد الأنبياء على الشاشة.

ومما تقدم يتضح أن معظم الأفلام الدينية التي أنتجت داخل مصر وخارجها قد تعرضت إلى الكثير من الاعتراضات والمنع من قبل لجنة الأزهر على الرغم من بعض الفتاوى التي صدرت من قبل علماء الأزهر وخاصة في موضوع الغناء في الأفلام أو خارجها ومنهم شيخ الجامع الأزهر"جاد الحق علي جاد الحق" الذي أفتى بعدم حرمة الغناء والموسيقى إلا إذا اقترنا بمعصية(13) كما أفتى شيخ الأزهر الحالي" محمد سيد طنطاوي" بأن الغناء ليس حراما على إطلاقه أو حلالا على إطلاقه.. وأن العبرة بالمعنى.. فإذا كان يدعو إلى مكارم الأخلاق فهو حلال وإذا كان يدعو إلى الرذائل فهو حرام.. فالرسول(ص) حينما كان يحفر الخندق هو وأصحابه فيغزوة الأحزاب كانوا يرددون بعض الأغاني بغية طلب العون والمدد(14). وتنسجم هذه الفتوى مع موضوعة التحريم بالموضوع التي تأخذ بها السلفية الإسلامية التي ذكرناها في بداية الموضوع. 

الهوامش:

1/ محمد نور الدين أفاية، السينما.. الكتابة والهوية، مجلة الوحدة، أكتوبر/ نوفمبر،الرباط، 1987،ص27.

2/ سمير نعيم أحمدـ علم الاجتماع القانوني ـ دار المعارف، القاهرة، ص2،د.ت،ص13.

3/ قدري حنفي، ملامح البطل في الأفلام المصرية في (هاشم النحاس محررا) الإنسان المصري على الشاشة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،ص18، 1986.

4/ شهود يهوه من هم؟ سلسلة مطبوعات مركز المراقبة،، الولايات المتحدة الأمريكية، نيويورك، ص6، عام 2000.

5/ محمد صلاح الدين، الدين والعقيدة في السينما المصرية، ط1، مكتبة مدبولي، 1998م،19.

6/ حسن بحراوي، الإسلام والمسرح، إقامة الدليل في حرمة التمثيل، دراسة منشورة على الانترنيت في موقع مسرحيونwww.masraheoon.com بتاريخ 25/8/2003.

7/ حسن بحراوي، المصدر نفسه.

8/ المصدر نفسه.

9/ الإمام حسن الشيرازي، الشعائر الحسينية، ط5، مؤسسة الإمامة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، عام 2000،ص 112.

10/ المصدر نفسه، ص 122.

11/ منى مدكور، الأعمال الدينية بين الرفض والقبول واعتراض الرقابة وساحات المحاكم، صحيفة الشرق الأوسط، العدد 8796، بتاريخ 8/11/2002، ص13.

12/ المصدر نفسه.

13/ البيان الذي أصدره فضيلة الأمام الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر في أول تموز عام 1988 بعنوان( سمات الحلال والحرام في الإسلام) .

14/ محمد صلاح الدين، الدين والعقيدة في السينما المصرية، مصدر سابق، ص146.

 

* باحث عراقي مقيم في السويد

Hassansudany@maktoob.com

موقع "إيلاف" في 4 أكتوبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

التابو في الفيلم الديني 1-2

قراءة في واقع إنتاج الأفلام الدينية العربية

حسن السوداني