هل احتاجت السينما العربية الى أكثر من مئة سنة ومعرض فرانكفورت للكتاب, قبل أن يعترف بها عالم الادب بصفتها شيئاً أكثر من مجرد طرفة وفرجة وتمضية عائلية أو مراهقة لوقت الفراغ؟ صحيح ان للسينما مكانتها لدى أجيال متعاقبة من العرب. وهي واكبت القرن العشرين كله, أفلاماً وعروضاً وصالات وربما نقاشات وفعلاً في الاذهان أيضاً. وأكثر من هذا أنه في الوقت الذي يقال ان العروض السينمائية تموت... ها هي الشاشات الصغيرة تحيي السينما من جديد, خصوصاً عبر اعادة عرض ما هو قديم وكلاسيكي منها, بحيث ان الفن السابع يواصل حضوره في يوميات الناس وفي حياتهم. ولكن في مقابل هذا كله, غابت السينما - وان في شكل نسبي - عن حياة الكتاب والأدباء والمفكرين, الا حينما يكون فيها فوائد مادية. وقلة فقط من أدبائنا العرب أو مفكرينا, اعترفت بتأثرها بالسينما, على خطى نجيب محفوظ, الذي له دور في تاريخ السينما المصرية لا يقل عن دور يوسف شاهين وصلاح أبو سيف فيها. فهل يمكننا القول, اليوم, انه مع الفعاليات السينمائية الكثيرة والمدهشة التي ستواكب المشاركة العربية العريضة والمدهشة هي الأخرى, في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب, ستتغير العلاقة, ويفهم أهل الكتابة العرب, أن السينما كانت ولا تزال الفن الاكثر تأثيراً على الصعيد العالمي في طول القرن العشرين وعرضه؟ هذا ما يأمله السينمائيون, وهم يتفرسون في دهشة في برامج العروض السينمائية الموازية لبرامج الندوات والمناسبات الأدبية والفكرية التي يشارك فيها, بدءاً من أواسط الأسبوع المقبل, عشرات الكتاب والمفكرين من شتى أنحاء العالم العربي. واذا كان هؤلاء السينمائيون يعرفون كل ما قلناه أعلاه عن اهمية السينما, فإن من سيكتشف هذا, فاغري الأفواه, انما هم أهل الفكر والأدب... والعرب بخاصة... اذا قرروا أن يقوموا في فرانكفورت ببضع خطوات توصلهم الى متحف الفيلم الألماني حيث الندوات السينمائية والتظاهرات. هناك, إذاً, الندوات أولاً, وفي مقدمها ندوة أساسية مع المخرج يوسف شاهين, يشارك فيها عدد من النقاد والسينمائيين الألمان, ويديرها الزميل ابراهيم العريس. وهذه الندوة التي تقدم مساء الخميس المقبل, ستلي عرض آخر أفلام شاهين "اسكندرية... نيويورك" في المكان نفسه. أما الندوة الأساسية الثانية فهي حول "المراة والسينما العربية" وتشارك فيها السينمائية التونسية مفيدة تلاتلي والناقد المصري سمير فريد. وتأتي هاتان الندوتان متكاملتين, من ناحية مع معرض الملصقات والصور الفوتوغرافية حول "السينما العربية في القرن العشرين" (ودائماً في قاعة متحف الفيلم الالماني), ومن ناحية ثانية, وبخاصة, مع عروض لعشرات الأفلام العربية, تبدأ مع فعاليات معرض الكتاب (أي منذ الثامن من تشرين الأول / أكتوبر الجاري) وتنتهي في شهر آذار (مارس) من العام المقبل. ولعل لحظة القوة في هذه العروض, ذلك البرنامج الذي ينظم مشاركة مع معهد العالم العربي في باريس, اذ تعرض صالة "فيلم فوروم" سبعة افلام كانت فازت, تباعاً, بالجائزة الكبرى في مهرجان السينما العربية الذي يقام في المعهد منذ 1992, وهي "شاطئ الأطفال الضائعين" لجلالي فرحات (المغرب) - 1992- و"حومة باب الود" لمرزاق علواش (الجزائر) -1994 - و"ليلة ساخنة" للراحل عاطف الطيب (مصر) - 1996- و"بيروت الغربية" للبناني زياد الدويري (1998) و"موسم الرجال" للتونسية مفيدة تلاتلي (2000) و"في انتظار السعادة" للموريتاني عبدالرحمن سيساكو (2002) وأخيراً "معارك حب" للبنانية دانيال عربيد (2004). برسم المدن العربية واذا كانت هذه الأفلام ستعطى متفرجيها فكرة طيبة عن بعض جديد السينما العربية خلال السنوات الأثنتي عشرة الأخيرة, فإن العروض الاخرى التي ستتواصل نحو نصف عام, ستتكفل بوضع تاريخ السينما اضافة الى حاضرها أمام أعين المتفرجين. وهـي مقسمة كما يأتي: بانوراما السينما المصرية, وتضم 25 فيلماً تبدأ بـ"حياة أو موت" لكمال الشيخ, لتصل الى "باب الشمس" ليسري نصرالله, ومع أفلام علامات تحمل تواقيع توفيق صالح ويوسف شاهين وهنري بركات وشادي عبدالسلام ورضوان الكاشف ومحمد خان وغيرهم. بانوراما السينما في المغرب العربي, وتضم أفلاماً من الجزائر (بينها "رياح الاوراس", "القلعة" و "رشيدة") والمغرب (لأحمد المعنوني ونبيل عيوش بين آخرين) وتونس ( من "سجنان" عبداللطيف بن عمار الى "صندوق عجب" لرضا الباهي) إضافة الى فيلمين من موريتانيا (لسيساكو ومحمد عبيد هندو). بانوراما السينما في المشرق العربي, وفيها 7 أفلام من لبنان (بينها ما يحمل تواقيع برهان علوية والراحل مارون بغدادي وأسد فولادكار...) وسبعة من سورية (من توقيع نبيل المالح وسمير ذكرى ودريد لحام ومحمد ملص... وغيرهم) وستة من العراق (بينها "سعيد أفندي" و"رجل القصب") وخمسة من فلسطين (من "عرس الجليل" الى "عطش") وفيلم "الحاجز" لبسام الزوادي من البحرين. طبعاً هذا ليس "كل" السينما العربية... ولكن من الواضح أن المنظمين حرصوا على اختيار أعمال تبدو الأكثر دلالة على تطور الفن السينمائي العربي. ومعظمها حاز - بجدارة - مكانته ليس فقــط في خريطــة الــسيــنــما العربية, بل أحــياناً في خريطة السينما العالمية أيضاً, خصوصاً أنه لا مفر من القول أخيراً, للأسف ان بعض أفضل هذه الأفلام كان تحقق بتمويل أوروبي... ولهذا أيضاً دلالته التي ستبدو واضحة من خلال هذه العروض الأولى من نوعها في ألمانيا... والتي كانت قدمت في شكل او آخر, في فرنسا, ولكن, وبكل أسف أيضاً, لا تزال في حاجة الى أن تقدم في... المدن العربية نفسها... أليس كذلك؟ الحياة اللبنانية في 1 أكتوبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
تكريم يوسف شاهين وندوة للمرأة ... وعشرات الأفلام في فرانكفورت فيكي حبيب |