شعار الموقع (Our Logo)

 

 

إنتهى الفيلم بسلام كامل.

"تيتو" مات. والضابط الفاسد سحب الى السجن. واعيد بناء المطعم وهو يحمل اسم البطل. ولا تنسى لقطات بطيئة للبطلة وهي تحتضن طفل الشوارع المتشرد والمتمرد على عملية التعقيم المبالغة والمفتعلة.

تيتو، طفل شوارع يذهب الى سجن الاحداث في عملية سرقة مجوهرات وقتل امين شرطة. في السجن يتربى عنفه كنوع من الدفاع عن النفس. بعد الخروج يبحث عن عائلته لا يجدها. فيذهب الى صديق يكتشف انه يعمل عند ضابط بوليس كبير يسرق اموال المجرمين قبل القبض عليهم. يموت صديقه ويصبح هو قفاز الضابط. ومن حصيلة عملياته اصبحت لديه ثروة تؤهله ان يكون محترما.. ويظل الصراع بين الماضي.. ورغبته في الدخول الى عالم جديد... حتى يمتنع عن تنفيذ عملية.. هنا يقتله الضابط بعد ان يترك امواله لحبيبته (من الطبقة المحترمة) وملف فساد يفضح الضابط. هكذا لم يخدش فيلم "تيتو" استقرار المشاهد. يمكن ان تخرج منه مطمئنا على نفسك واخلاقك على احترامك في المجتمع ما دمت تملك مالا. على الامن ما دامت عيون الشرطة ساهرة وتقبض على الفاسدين الكبار وتقتل اصابعهم الصغيرة مثل تيتو. ويمكن ان تشارك المخرج (طارق العريان) فرحته باخراج اول فيلم "اكشن" مصري. كما كتبوا في بعض الصحف ومواقع الانترنت.

اعلان كبير

كاد فيلم "تيتو" ان يتحول الى اعلان كبير.

لا اقصد طبعا الرعاة الذين مولوا الفيلم مثل فودافون وغيرها. فاستخدام سلع شهيرة مثل ماركات السجائر او السيارات الكبيرة او التركيز على اسماء فنادق خمس نجوم اصبح عرفا نقلته السينما المصرية عن الاميركية براحة ضمير على انه حل سحري وكأنه من الطبيعي او المنطقي ان يتسرب اعلان داخل فيلم سينما.

لكن هذا ليس مهما هنا الان.

المهم ان الفيلم كان في ذهن المخرج (طارق العريان( اعلان عن قدراته في صناعة فيلم "حركة"(action) وبالتحديد افلام حرب العصابات المعتمدة على وحدتين: اولا مطاردات السيارات.. وثانيا القتل العنيف بأسلحة شخصية فتاكة. وهو هنا التزم كالعادة بالكتالوغ الاميركي تماما بداية من استايل ازياء العصابات وحتى الطريقة التي يبنى بها المشهد وكأنه في شيكاغو وليس في القاهرة.

في "تيتو" اصبح طارق العريان محترفا في تنفيذ الكتالوج الاميركي.. ربما اكثر من "الامبراطور" و"الباشا". اضيف اليه خبرات بتقنية الفيديو كليب. بإيقاعها السريع الخاطف المعتمد على فكرة الابهار وسرقة العين.

هذه التقنيات لا تسندها روح خاصة.. لكنها تعتمد على امكانيات انتاجية (الفيلم كلف 10 مليون جنيه كانت نسبة كبيرة منها لصالح تقنيات الابهار في المطاردات والديكورات قبل تحطيمها).. وليس على مهارات مخرج يستطيع نسج كل عناصر الفيلم في رؤية (والرؤية هنا ليست افكاراً سياسية او موقف ايديولوجي او رسالة فلسفية.. بل هي نظرة عامة تبني الفيلم وترتب عناصره).

طارق العريان لم يهتم سوى بالاعلان عن مهارته في اخراج مشاهد المطاردات. الدراما. والبطل. وكل شيء كان في خدمة استعراض القدرة على صنع فيلم اكشن اميركي بمواد محلية.

واعتمد في جانب المشاعر على اسلوب ركيك جدا وهو اللقطات البطيئة التي لم يفرق فيها بين مشهد تقديم البطل "تيتو" بعد خروجه من السجن (بما يحمله الايقاع البطيء من ترقب كيف سيكون لهذا العنيف مكان في مجتمع مزدحم بالرغبات المكبوتة؟) وبين مشهد عاطفي تزور فيه حبيبة البطل (تلعبها حنان ترك) الطفل الذي تبناه "تيتو".

ربما طبعا يجب الاشارة الى ان مهارة طارق العريان كانت في اطار ايجابي اخر وهو اختيار عناصر محترفة. اختيار دقيق. ومناسب ابرزها مثلا المونتير (خالد مرعي) الذي استطاع ان يخلق قوة لمشاهد كثيرة بتقطيعات مونتاج احدثت تاثيرا عاطفيا.. وصل الى حد التصفيق احيانا (مثلا مشهد وتيتو يلتقط الصورة مع اصدقاء من الناس المحترمة ويتذكر لحظات تصوير الفيش والتشبيه.. او في التقطيع المتوازي بين هدم المطعم ولعب الضابط للاسكواش..)

الاب الروحي

في التمثيل كان الاكتشاف هو: خالد صالح.

ممثل يمتلك مهارات وادوات صنعت علامة كبيرة من دور مكتوب بتقليدية وسطحية ملفتة للنظر. هو ضابط برتبة كبيرة يقود في الخفاء عصابة تسرق اموال لصوص الاثار وتجار المخدرات والسلاح... وذلك قبل ان يضبطها البوليس بلحظات. اي انه يسرق المجرمين. وهذا مبرر اخلاقي اعطى الحياة لابطال كبار في الخيال الشعبي مثل: "روبن هوود" الذي سرق ممتلكات الاثرياء الانجليز ووزعها على الفقراء.. و هو ما فعله ايضا البطل المكسيكي "زاباتا" والمصري علي الزيبق في عصر المماليك وادهم الشرقاوي في ايام احتلال الانجليز. كلهم من اللصوص وقطاع الطرق الذين اصبحوا ابطالا شعبيين. ورموزا لمقاومة الشر والظلم و(الاستعمار طبعا) تخلدها الحكايات والمواويل والصورة المطبوعة في مخيلة الناس عن المجرم ـ البطل.

كل منهم تحولت سيرته الى موال شعبي او حكاية بطولة خارقة.. ربما لان الناس تتعاطف مع من يعادي الحكومة.. خاصة في المراحل التي تكون فيها تلك الحكومة فاسدة. وربما لان السرقة من اغنياء مشكوك في ثرواتهم يجعل من الجريمة وكانها اقتناص حق لا جريمة عادية.

عموما يظهر هذا النوع من الشخصيات في لحظات التوتر بين المجتمع والسلطة. وخاصة لحظات يشعر فيها المجتمع بالعجز في مواجهة السلطة القابضة على كل شيء. وصعود شريحة واسعة من ديناصورات مال وحشي. هذا ربما خلفية لم يلتفت اليها لا السيناريو ولا المخرج في النظر الى شخصية الضابط رفعت السكري. وهي شخصية مركبة بهذا المعنى الذي يجعل منه سارق اموال هي محرمة في الاساس.. ثم انه يلعب مع البطل "تيتو" دور الاب الروحي وزعيم العصابة والضابط والموجه الاجتماعي في نفس الوقت. هو يقود تيتو ويحتاج اليه. هو اقوى من تيتو بفعل المنصب والسلطة والقدرة على التخطيط.. وهو اضعف منه لانه لا يمكن ان يفعل شيئا بيده. هو باحث عن قفاز. وعن فرصة لصعود اخير فوق امكانيات وظيفته واموالها.

هذه الشخصية الثرية قتلها السيناريو وأحياها الممثل بالشحنة الداخلية التي كان ينطق بها كل مشهد يظهر فيه. تشعر به وبانفعالاته بدون حركة زائدة. يختزن المشاعر ولا يثرثر بها في حركات او استعراض لنموذج الشر المكرر في الافلام المصرية.

السيناريو قتل الشخصية اساسا من فرط سذاجته وتعاليه الاجتماعي.. فهو ينظر من عين تخاف الاقتراب من فكرة الصراع الاجتماعي. وترى ان مشكلة "تيتو" فردية. من صنع ظروفه واختياراته. وهذه رسالة تكشف عن مزاج عام في الفيلم يرى ان هناك اغنياء طيبين. اختار لهم الفيلم اسماء لها دلالة على طريقة حواديت الاطفال والافلام الرومانسية القديمة: فارس (لأنه تصرف بفروسية مع البطل القادم من حضيض الشوارع.. واستقبله بدون سؤال عن ماضيه.. ورضي ان يكون شريكه في حلم عمره..) ونور (لانها تنير امام البطل طريق الحصول على احترام المجتمع وتفتح له باب الالتحاق بهذه الطبقة التي يراها صناع الفيلم افضل لانهم يمتلكون مالا وطيبون ايضا).

هذا اللقاء بين عالم طفل الشوارع المتمرد وبين "الناس المحترمة الطيبة" كان محور اهتمام الفيلم من ناحية صناعة عالم مثالي للمتشرد كي ينضم اليه. العالم المثالي هو شقة الزمالك وقصر عائلة فارس والمطعم.

هذه الاماكن كانت هي الديكور المبهر الذي اعلن فيه محمود بركة مهندس الديكور عن امكانياته كديكوريست متخصص في الاماكن فخمة.. وليس كصانع مكان درامي كل تفصيلة فيه تعطي معنى او تشير الى جزء من الحكاية (مثلا: لماذا كانت شقة البطل في الزمالك من مستويين..؟! ولماذا لم يكن في الحارة سوى تلك الموتيفات المكررة وكأن تفاصيلها غير مهمة رغم انها ملعب طفولة البطل؟!).

ربما هذه خبرة الفيلم وصناعة بعالم " قلعة الكبش" (المنطقة الشعبية التي خرج منها البطل). وربما هذة رسالته "الاصلاحية". وهي رسالة ساذجة لانها تغفل اكثر من جانب في حكاية البطل القادم من الشوارع الى الموت. اولها ان طفل الشوارع ليس نتيجة اختيار فردي للعفن والزبالة كما نفهم من كلام "تيتو" للطفل الذي التقطه من الشارع ورأى فيه مرآة لطفولته وأراد برعايته ان يصلح نفسه وكأنه يريد غسيل تاريخه الشخصي.

بالنسبة لهذه الرؤية: طفل الشارع هو مجرم اتوماتيكيا. رغم ان نظرة اكثر عمقا تقول بأنه: ضحية اصبحت مجرما.

كما ان الاحترام الذي يبحث عنه "تيتو" ليس في المال واعتراف العائلات المحترمة به او المشاركة في مطعم على مقاس احلام ابن الطبقات الغنية.. في افلام اخرى قديمة كان الاحترام يعني تعلم القراءة والكتابة او تعلم حرفة جديدة او الدخول في افاق مجتمع بمهارات شخصية وليست مالية.

ولهذا ربما لم يلتفت السينايو الى دراما الصراع بين الضابط وتيتو.. الاول يحاول غسل امواله ليصعد خطوات اخرى في سلم المجتمع.. والثاني يغسل تاريخه ليعطى لأموال الجريمة معنى جديد يولد به من جديد.

هذا لم يكن موجودا في الفيلم الذي وصل الى النهاية المطمئنة للجميع. وهى نهاية صنعها اصرار جهاز الشرطة على ان يعاقب الضابط الفاسد ويعتقل تأكيدا على ان الفساد في الشرطة حالة فردية (وقاوم صناع الفيلم اضافة مشاهد يمنح فيها ضابط امن الدولة الذي سعى وراء القبض على رفعت السكري مكافاة من الوزير..). صنع النهاية ايضا رؤية كلاسيكية لم يكن لديها افق ولا جرأة البحث عن نهاية غير مطمئنة لبطل غالبا يعيش بيننا حياة كاملة بتوتر اقل.

احمد بوند

في " تيتو" بدا ان احمد السقا في لحظة تحول. لديه رغبة ما في الخروج قليلا من صورة نجم على الطريقة السائدة. او فتى الشاشة الحالي بملامح تشبه موظفي موبينيل (شركة المحمول) وشباب النوادي.. وجوه لامعة لا تعبر عن شيء محدد. مجرد فاترينة عرض. للموضة او للافكار الساذجة في فيلم مثل "شورت وفانلة وكاب" او حتى حين تغطي تلك السذاجة بطبقة رقيقة من خطب الوعظ والارشاد او الوطنية المحايدة الاقرب الى الدعاية الرسمية "مافيا".

احمد السقا نجم يصلح كموديل. يجد فيه المنتج صورة للبطل الذي يستعرض عضلاته وقوته البدنية.. ويركب الحصان ويقفز من فوق الجبال. سوبرمان مصري كما يقولون في الدعاية له.. لم ينتبه احد الى ان ميزة احمد السقا وعيبه في نفس الوقت انه نموذج موجود في كل ناصية. شاب تائه في مجتمع مرتبك يعيش لحظة تفكيك. اقرب الى لحظات الاهتزاز الكبيرة. لا يرى نفسه في المرآة. بلا ملامح.. يبحث عن الموديلات الجاهزة. التي لا تقول شيئا اكثر من تقليد النموذج العالمي بنموذج محلي "مضروب" بلا روح تقريبا.

ومن الممكن ان يكون مصير احمد السقا هو نجم مصنوع على مقاس ابطال السينما الاميركية مرة باتباع كتالوج نجوم هوليوود ومرة باستخدام المقويات التي تصنع عضلات منفوخة من الهواء. انه بنيان متين. يكشف عن فراغ خلفه. ونجاحه لا يعتمد على الموهبة او الكفاءة بل على ذكاء استغلال اللحظة الراهنة.

يحتاج الهروب من هذا المصير الى ارادة قوية تجذب احمد السقا الى التمثيل.. والى الخروج من النمط الجاهز.

في "تيتو" بدت محاولة احمد السقا في اتجاه التمثيل اكثر. حافظ على نظرة مكسورة تعبر عن شخصية طفل الشوارع الذي لا يحميه سوى قوته البدنية. لا سند عائلي ولا كيان اكثر من وجوده الفردي. هذه النظرة مع نبرة صوت داخلي هامس. مرتبك لا يقع في اكليشيه المجرم السفاح.

هذه محاولات احمد السقا في لمس اطراف شخصية "تيتو". لكنه كان مجذوبا بقوة اكبر الى رغبة اخرى في ان يكون "احمد بوند". وهو ما تؤكده الدعاية له. ومايؤكده الافيش الذي يبدو فيه مثل الرجل الوطواط (باتمان) قادما من فضاء تسيطر عليه الوان الجريمة المعتادة: الاحمر والاسود.

الافيش يدفع الجمهور الى انتظار البطل: سوبرمان. بوند. باتمان. بعيدا عن الدراما. او الفيلم. مغامرات تلبي غريزة التفوق والانتصار وتحقيق المكبوت والمحرمات. وهذه لعبة افلام الحركة الخالدة.

حاول احمد السقا ان يضع رتوشا من تمثيل مشحون بعاطفة وتوتر ورغبات متعارضة..لكنها كانت مجرد رتوش.. لم تحدث لها عملية اشباع لا في المشاهد ولا في المزاج العام لفيلم كانت نهايته متوقعة من اللحظة الاولى.

المستقبل اللبنانية في 25 سبتمبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

صناعة بطل مصري على الكتالوغ الأميركي:

تيتو.. أو "سوبرمان" الحزين!

وائل عبد الفتاح