شعار الموقع (Our Logo)

 

 

الجزء الثاني من الحوار المطول والممتع مع المخرج السوري سمير ذكرى يحمل ردودا على أسئلة مهمة تتعلق بالسينما العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص اذ يجيب على سؤال مفاده ان كثرة الحوار في الفيلم تشتت المشاهد، ويوضح ان شكل السرد قضية مهمة للغاية، وهو يلجأ الى اسلوب الحبكة والسرد .وهما عنصران ليسا غريبين عن تاريخنا كما هو الحال في الف ليلة وليلة التي تتميز بلوحاتها المتتابعة والمترابطة في الوقت نفسه.ويضيف: لقد حاولت في افلامي أن أتأثر بذلك أثناء عملي على النص لأجعل منها سبحة واحدة ينظم حبيباتها خيطا مشتركا هو توصيف المجتمع بشكل صادق وواع.

كما عملت على تقوية البناء السردي لانه قوة الدراما ولا أخفيك اني أنا نفسي الذي صنعت هذه الافلام كلما رأيتها أفاجأ بها ودائما أراها متجددة الادهاش دون ان يكون بين لقطاتها سيارة تطير أو نساء عاريات أو خدع بصرية، بل ما ألجأ اليه هو صناعة سينما بسيطة تدهش بأسلوب سردها. للأسف ثمة من ادعى انه هو من بدأ بمثل هذه الفسيفساء.

كما في فيلم احلام المدينة إلا انني أنا من بدأ ذلك الاسلوب في فيلم حادثة النصف متر ثم تابعت في فيلم وقائع العام المقبل حيث كان الفيلم عبارة عن لوحات أدت الى لوحة عامة في النهاية شديدة المفاجأة لانه خالف منطق السرد العادي وفي فيلم تراب الغرباء ثمة عودة مقصودة الى البنية الكلاسيكية والسرد الكلاسيكي عبر حياة الكواكبي.

وقد تم اغناءه اجتماعيا عبر خيوط كثيرة أخذت حقها في التطور والتنامي لتلتقي كلها في نهاية واحدة تكون اللوحة الاجتماعية الكاملة وها أنا الآن أمضي في ذلك المنهج في فيلم علاقات عامة وكم يغمرني السرور لو حاول زملائي الآخرون السير على ذات النهج شرط ان يكونوا مخلصين لعناصره.

·     علاقات عامة طرح جاد لقضايا سياسية واجتماعية ودينية هل سيستطيع سمير ذكري ان يقدمه كوثيقة تاريخية لتكون بداية طرح جديد وجريء ستنتجه المؤسسة العامة للسينما لهذا العام؟

ـ يجب ان أكون صادقا أمام هذا السؤال فالحقيقة فيلم علاقات عامة ليس بداية لتجاوز الممنوع، إذ ان افلام المؤسسة كانت دائما جريئة، والسبب ليس فقط هؤلاء الجريئين الذين يصنعونها بل بسبب وجود الجهة المنتجة والواعية وراء دعم تلك الافلام، حيث لم يمر أي فيلم أو ينفذ بالغفلة والصدفة، بل نحن مدينون لتلك الجهة المنتجة التي قدمت لنا ظروفا لا بأس بها في ظروف صعبة كانت سوريا تمر بها، ففي سنة 1982 .

حيث كانت المعارك شديدة بين النظام السوري وحزب الاخوان المسلمين قدمت وزارة الثقافة ومؤسسة السينما فيلم حادثة النصف متر ونجوم النهار ووقائع العام المقبل واحلام المدينة، لذا لا يمكن لأحد ان يستهين بدور تلك الجهات المنتجة خاصة، وان في دول العالم الثالث غالبا لا يتوفر ذلك الوعي والتنور لدى اصحاب القرار والمسئولين عن تقديم ودعم الثقافة والفكر مما يضع عراقيل كثيرة أمام انتاج أي فيلم،.

واذكر مثالا على لبنان الشقيق الذي يبدو للوهلة الاولى ان وضع مثقفيه وفنانيه اكثر ليبرالية واكثر تحررا ومسئوليهم اكثر تحديثا لكن في الحقيقة تراهم لا يقفون مع الفن الجيد ولا يدعمون الثقافة، بل يتركون للناس تدبير أمورهم.

وهذا ما يخلق لديهم معوقات جدية أمام صناعة سينما لبنانية، وقد حدثتني مخرجة لبنانية ان الجهة المنتجة فرضت عليها ان تتحدث احدى شخصيات فيلمها الذي هو شاب يعمل بائعا متجولا على بسط باللغة الفرنسية كي تستطيع ان تأخذ مساعدات فرانكفونية.

·         فأين هي الليبرالية اذا لم يكن هنالك موقف مادي يدعم الثقافة؟

ـ ومن هنا اعود لأذكر بأننا نحظى بوعي ثقافي يتناسب مع اعمالنا وابداعاتنا من قبل الجهة المنتجة التي تقف خلف انتاجاتنا، فنحن نصنع الفيلم ونترك توقيت عرضه للجهة التي تبنت افلامنا المتنوعة والمختلفة اختلاف اساليبنا وشخصياتنا، فكلنا يجمعنا هم واحد هو المجتمع والفرد السوري ويعيش بداخلنا هم وطني واحد، وطموح عالي المستوى .

ولهذا صمدت السينما السورية وانتشرت الى الخارج وشاركت في مهرجانات مختلفة ومازالت تحظى بجوائز اقليمية عربية وعالمية ودائما لها صدى طيب وحضور لافت وذكر حسن في المقالات التي نشرت في مجلات عالمية مهمة كالليموند والتايمز وغيرها.. مما يجعلني افخر بأننا مجموعة فنانين سوريين اسسنا لصناعة سينمائية سورية من الالف الى الياء ووفق سوية عالية.

ومن هنا اقول جديا ان مؤسسة السينما لدينا يجب ان تتبع الى وزارة الدفاع والسبب هو انه لم يبق لنا نحن العرب سلاح ندافع به عن انفسنا امام اسلحة الدمار الشامل والصواريخ الذكية الا الحجة والفكر الذي نطرحه في الفيلم السينمائي الذي يعتبر من اهم الوسائل الثقافية.. واذكر مثالا عن فيلم تراب الغرباء الذي عرض في جامعة نيويورك وكولومبيا وجامعات .

واماكن اميركية اخرى وبعد احداث الحادي عشر من سبتمبر حيث كان الشعب الاميركي منزعجا من الاسلام ومقتنعا بأن المسلمين هم ارهابيون، فبعد احد عروض الفيلم سألني احد الحضور هل هذه الآيات التي تحض على العلم والقراءة والسلام والاخوة موجودة في القرآن بحق؟

فأجبته: صدقني حين كنت أنا احضر لهذا الفيلم لاتحدث عن الاسلام التنويري كان هناك من يحضر لطالبان وسوف اقول شيئا لا اجد حاجة للتصريح به في بلدي سوريا، لقد قمت بتنفيذ هذا الفيلم بمحض اختياري الشخصي، وانا كمسيحي عربي تعود اصوله الى بني بكر وائل، وبني تغلب، نصارى العرب وقوم الزير سالم وامرئ القيس يكون الاسلام جزءا مهما من ثقافتي وعالمي الروحي والدنيوي.

اذكر حادثة اخرى في احد عروض الفيلم ايضا تقدم من المنصة بعد انتهاء الفيلم احد المواطنين الاميركان من اصل عربي والدموع تملأ عينيه ليقول لي: لا ادري كيف اشكرك..؟! كل ما قلته في فيلمك وفي حديثك نريد ان نقوله لهم لكنهم يظنوننا جميعا طالبان.

أليس اذا عمل المخرج بقادر على ان ينسف قناعة ويغير وجهة نظر عالم بأسره من خلال دقائق يصنعها وفيلم سينمائي يقدمه، أبعد هذا كله اجد نفسي مضطرا لان اشرح لمسئول سابق احتج على تقديم الدعم المادي للسينما السورية من أنه سيدفع بعض الملايين لكنه سيدور العالم لينشر ثقافة يغير بها نظرة الغرب لنا ولثقافتنا..

سألني احد الاميركان ما كلفة فيلمك أظنها بحدود السبعين مليون دولار فأجبته ضاحكاً بل نصف مليون دولار يا أستاذ انه مبلغ زهيد قد لا يعادل ثمن سيجار ينفثه بعض المسئولين وبعض شخصيات المجتمعات العربية التي تنفق اموالها على أشياء تافهة.

·     انت تذكرني بالقرار الذي اتخذ فيما مضى بإنهاء المؤسسة وتحويلها الى مؤسسة تقدم الخدمات والأفلام الدعائية والوثائقية والاعلانية السياحية فقط فهل ألغي القرار أم انه قد يعود؟

ـ نحن حينها قمنا كسينمائيين بوضع ورقة عمل متكاملة وعقد اجتماع مع رئيس مجلس وزراء أسبق وناقشناه وقد تمت تدخلات من أوساط عليا وشخصيات اعتبارية وقيادية مهمة دعمت الغاء القرار والابقاء على دور المؤسسة العامة للسينما.

·     أزمة السينما السورية أين تكمن وهل هي أزمة انتاج أم تسويق وتوزيع أم أزمة مشاهد أم هناك مشكلة في نوعية الفيلم السوري المطروح أم هي غير هذا؟

ـ هنالك ازمات عدة منها ما قلته ومنه ما اضيفه، أولاً لدي ازمة في تردي المستوى المعيشي عند المواطن السوري فالمواطن الاجنبي يدفع اثني عشر دولارا ببساطة ثمن بطاقة الدخول لان مستوى دخله يسمح له بذلك، وهناك دول عربية تملك المال لكن ليس لديها سينما كالسعودية ومعظم دول الخليج، وهناك دول فيها نسبة الامية والجهل عالية.

وثانياً الحرية فأنا ممنوع ان اطرح على هؤلاء المساكين الذين يعانون الكثير من مشاكلهم، فكيف لي ان اجذبهم بتقديم واقع في فيلمي بعيد عن واقعهم في حين ان المجال الواسع متروك امام الفيلم الاميركي الرخيص ان يطرح ما يشاء من جنس وعنف وتشويه للحقائق وتزييف للتاريخ ويربي جيلنا كما يشاء، فالفيلم السوري اذا ظهرت فيه نصف ساق نرى الاساتذة اعضاء لجنة الرقابة يتنطعون لقص هذه اللقطة وتلك وأنا هنا اقصد مقص الرقابة دون ان اناقض كلامي المذكور عن وعي الجهة المنتجة لانتاج افلام تتناول مواضيع وقضايا جريئة.

·         هل حدث وأن وضعت ذات مرة في موقع الرقيب؟

ـ في تجربة المهرجان السينمائي الاخير كنت عضواً في لجنة المشاهدة ومراقبة الافلام المشاركة وقد تم الاتفاق بيننا كلجنة والاستاذ مدير عام المؤسسة العامة للسينما الفنان الناقد محمد الاحمد ان الفيلم الذي ستقص منه لقطة واحدة سيحذف بأكمله، فما دام في كل بيت ستالايت وعشرون قناة تعرض أفلاما فاضحة والقصة لم تعد سراً أمام هذا الجيل الذي تتوفر بين أيديه السيديات.

وافلام الفيديو والديفيدي والانترنت ليس من حقنا كلجنة ان نتعرض بمقص الرقابة الى افلام سينمائية عالية المستوى كفيلم الساعات الذي يطرح مشاهد حب راقية المعالجة ونظهر امام هذا الجيل بمظهر الغباء والسذاجة والعجز، وان لا نحترم ذوقه الغني والعمل الفني الذي اعرضه له.

ومن هنا قد تم عرض أربعمة وخمسين فيلما لم يمنع منها سوى فيلم واحد انا طالبت بمنعه لما يمكن ان يسببه موضوعه الاساسي من إشكاليات كونه يقوم على العلاقات الشاذة، وقد نجحنا من خلال أفلام المهرجان ان نستعيد المشاهد الى الصالات التي كانت تغص بالشباب الى ما بعد منتصف الليل لانهم فقط شعروا بأن هناك سينما ومؤسسة تحترم عقولهم ووعيهم وذوقهم ورغباتهم وغرائزهم وكوامنهم الداخلية وتسعى لاستعادة ثقتهم بها، ولان الدخول كان شبه مجاني.

·     هذا إنجاز رائع بحق ولكن الا ترى ان ثمة مشكلة لو نفتح نوافذنا على ثقافة الغرب دون ان نملك سلفا الارضية الثقافية الصلبة والسليمة أقصد هنا الخوف على الجيل من الانصراف عن التفكير بأمور أساسية تتعلق بالسياسة والمجتمع والاخذ والاكتفاء بما يقدمه له هذا الوافد الثقافي القادم من الخارج امام ضعف إمكانياتنا بالتعويض له وفق إنتاج ثقافي سينمائي متطور؟

ـ لا اعتقد بأن هذا الكلام صحيح فحين يحدث اعتراض على منظمة التجارة الدولية او اعتصام شبابي في الخارج او احتجاج على التمييز العنصري او على النهج الاسرائيلي في فلسطين نرى شباب الغرب يخرجون لذلك رغم انهم قد انشئوا على ثقافة غربية وهذا ما حاولت ان اضع يدي عليه في فيلم حادثة النصف متر حيث نرى ذلك الشاب الذي ضاع نتيجة جوعه المادي والجنسي وجوعه لكرامته مما جعله يعجز عن اتخاذ موقف حقيقي في حين لا يستطيع ان يفعل عكس ذلك لو كان إنسانا متوازن الشخصية مشبعا في داخله وفي غرائزه.

انا لا أدعو الى ممارسة الجنس المحرم ولا أدعو لعلاقات مفتوحة تعارض قيمنا ومجتمعنا لكن ادعو لمساعدة الشباب ولتزويجهم وتحسين دخلهم الاقتصادي وفتح صناديق معونة لهم وقروض دون فوائد او ضمانات تعجيزية وتقديم شقق للسكن، فمعظم الشباب يعجزون عن صرف ثمن فنجان قهوة مع صديقته في كافتيريا او مكان عام لانخفاض دخلهم المادي. اظن ان من التناقض ومن الاجحاف ان آتي لهؤلاء الشباب وأقول لهم شاهد هذا ولا تشاهد ذاك.

·     لنعد قليلا الى أزمة السينما السورية والتي نبتعد كثيرا عن مواصلة الحديث عنها الا بما فرضته رحابة الحوار.. قلت اولا تدني دخل المواطن السوري وثانيا الحرية وثالثا؟

ـ ثالثا أزمة تعدد وتنوع الصالات وهي أزمة ترتبط ايضا بأزمة انخفاض المستوى المعيشي للمواطن، سأبدا اولا منا نحن كمخرجين نصنع تلك الافلام ونتقاضى اجورا متدنية ويقال عن سينمانا بأنها خاسرة ورغم انها ليست كذلك وليست قاصرة بل لان المجتمع الموجودين فيه ليس بإمكان أفراده دفع ثمن بطاقة دخول.

والبرهان على ذلك فتح الباب امام القطاع الخاص لإنشاء دور سينما وصالات عرض وخوفه من الاقدام او المجازفة الى الان، أذكر مثالا حين عرض فيلم «تراب الغرباء» في حلب خيرت بين صالة شهباء حلب وهي محدثة جدا وثمن بطاقة دخول 150 ليرة وبين صالة الكندي حيث البطاقة بـ 25 ليرة عندها اشار لي اهل الشيخ عبدالرحمن الكواكبي باختيار السينما الحكومية اي صالة الكندي لانهم يستطيعون ضمن تسعيرة بطاقة الدخول ان يدعوا من يشاءون.

ونفذت رغبتهم، اذن مستوى المعيشة فرض علي اختيار صالة العرض رغم عدم حداثتها، فمن أين لفيلمي امكانية استعادة كلفته الانتاجية؟ اضافة لهذا، دور السينما غالبا محصورة في مركز المدينة التي اخذت بالامتداد والانتشار حتى الضواحي وربما القرى الريفية القريبة ما يتطلب نشر دور سينمائية معها. اضافة لتمركز الدور في العاصمة وقلتها في بقية المدن والمحافظات.

البيان الإماراتية في 25 سبتمبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

السينما العربية عبر السورية (2 ـ 3)

سمير ذكرى

الفيلم وسيلتنا الوحيدة الباقية لتقديم ثقافتنا

دمشق/ ديانا فارس