شعار الموقع (Our Logo)

 

 

فيلم ذي ماتركس، هو فيـلم الخيال العلمي الرائع بامتياز، وقد استفاضت في سنة إنتاجه شبابيك السينما تهافتا عليه، وقصة الفيلم تختصر في أن البطل »نيو« مؤهل لأن يترك اعتقاداته المسبقة، وبمقدور »مورفيوس« أن ينزل برامج كمبيوترية في عقل »نيو« ليكون متحررا من عبودية أفكاره، كما يقول مورفيوس الزعيم.

ذهب مورفيوس مع نيو والطاقم، إلى برنامج الـ »الأوريكال« فدخلوا في أكثر من درس، أهمها، أن »نيو« قابل الجدة أوريكال، وقد رأى بجانبها عددا من الأطفال الذين هم أصفياء درس التحرر العقلي، قبل الشروع في المقابلة، قال طفل من تلكم الأطفال لـ »نيو« انظر للملعقة، أتستطيع أن تحنيها؟ فقال لا، فرد عليه: أنظر.. فانحنت الملعقة!!

سأل بطل الفيلم ذلك الطفل، كيف ذلك؟ فقال الطفل: إنني أتخيل الملعقة صلبة.. فتكون صلبة، وأتخيلـها منحنية، فتكون ذلك.

فجرب »نيو« ذلك، فكانت منحنية حينما فكر فيها، وشك في صلابتها.
في آخر الفيلم، شكك »نيو« في قوة الشر، وعمل على تدريب نفسه، فكان رجلا خارقا لا تؤثر فيه الرصاصات، فقاتل الأعداء قتالا شرسا، وأخرج الشرور من خلال الشك في مسبقاته، فارتاح وأراح.

الكلمات الواردة في الفيلم كما أذكرها: (الأفكار ما هي إلا إشارات كهربائية في العقل، بالمقدور تغييرها (الأفكار الثابتة عبودية)، (التحرر من العبودية يأتي بالشك)، (التحرر من المعتقدات صعب لكنه مهم)..الخ.

أقواس نتيشة

انطلق الكاتب من أقواس نيتشه، ليؤسس عبر تشكيك الأخير، المسافة التي تفصل بين المرء ومعتقداته، ذلك يعني، أن المسافة بمقدورها نسخ المسبقات والقداسات وما شاكلها من ثوابت لا يعتريها خمود، وتحيل المسافة تلك بكل حمولاتها الدلالية إلى المساءلة غير الحرجة لكل ما يقع في أقواس نيتشه، وغير الآبهة بأي شحنات صراطية قويمة تكسبها المعاني والدلالات.. مما يمكن للاستخفاف بها وفق ما صرح الديري بمقاله.

إذن الأقواس التشكيكية التي تعتمدها فلسفة فريدريك نيتشه، تغير المعاني، وتحيل الأنساق المتلقاة إلى وجهة أكثر انشراحا كما يزعم علي الديري في مقالته، وذلك حينما تغير المعاني الآيقونية التي تعتبر مساحات لا مجال فيها إلا بأخذها كما هي، فالسماء هي السماء المتعالية الطاهرة النظيفة، والأرض هي تلك المزيج بين الشر والخير والراحة والعذاب، لكن الشك يعطي للسماء معان أخرى كما للأرض ويفضي إلى تكبير وجهة التأويل وبذلك يكون انتصار اليقين يصير الأرض قرية ضيقة تباعدت عنها السماء وتوحشت، ومتى انتصر الشك على اليقين صارت الأرض مدينة واسعة واقتربت السماء من الأرض وتروضت. كما يشير الكاتب. ويدلل على ذلك، بقوله: السماء في الإنسان ليست هي السماء في السماء، والأرض في الإنسان ليست هي الأرض في الأرض، فالأشياء لا تبقى في ذاتها، حين تظهر في الإنسان، لذلك يحتاج الإنسان إلى الشك ليختبر ما يظهر فيه، أي أن يضع ما يظهر له، وهو يعيش دنيويته، بين قوسين، أن يضع مدينته بين قوسين، ليتيح لفضاء قولها الحياة على نحو استشكالي(...) واليقين الذي يطرد الشك، يطرد الإنسان بتجريده من إنسانيته، ومتى تمكن اليقين الميتافيزيقي من السيطرة على الإنسان، طرد شكل ممارسته المدنية »شكه المدني« وأحال شبه حياته يقيناً لا ماء فيه.

اليقين الميتافيزيقي يرى الأرض سماء لا يجوز الشك فيها، لذلك يبقى يطارد الشك المدني بتهم الشك الميتافيزيقي، فالشك في الأرض شك في السماء.

الديري وفخ ماتريكس

لا بد من الإشارة للفيلم أولا، ذلك الفيلم شاهدته مرتين، وكانت تساؤلاتي تزداد حوله كلما شاهدت ما يتعلق به، نحن إن أردنا أن نثبت »بمذهب الحسيين« عدم وجود ماوراء المادة، والعقل ما هو إلا قطعة تتحرك فيها الأفكار بشكل مادي محض، إذا أردنا أن نثبت كل ذلك فإننا أولا سنشغل العقل للتفكير في ذلك، وستأتي تلك الفلسفة بالحجة المزعومة من مضان ما أبطلته أصلا، وهذا يحيل إلى أن ما احتجب به هو رد عليها ونسخ لتدليلها.

والفيلم The Matrix حينما يأتي بالشك في موضوع حياة الإنسان، وإدخال الحاسوب كبرمجة لنسخ ملفات اليقين، التي ثبتت من »برامج« الإرث، وأدخل الإرث فيروساته التي أخفاها في جماليته، كما فعل مورفيوس للبطل »نيو«.

إن ذلك أولا يحيلنا إلى وثوق يقيـني في البرامج، وثانيا هو برمجة أخرى مفضوحة لمذهب شك مورفيوس، الذي يريد أن يحوز أنصارا عبر شكه، والذي ينتج صورا أخرى، من المفترض أن تكون بديلة، وتلك البديلة إما أن تكون ثابتة فتكون »يقيـنا«، وهذا أمر مردود عليه، لأن اليقين مرفوض في فكرة الفيلم، ألا أنه استبدلها البطل بيقين آخر، والاحتمال الثاني: أن تكون التشكيكات دائمة التبديل، وبذلك لا يمكن الوثوق بأي عالم من عوالم الشك، لأنها تنتج شكا مضاعفا، فيركن المرء إلى الحسم القطعي عبر أداة غير مؤهلة للحسم أصلا وهو »الشك«.

الشك في الشك

الديري، وقع فيما وقع فيه الفيلم، لكن الفيلم عمل سينمائي رائع اجتاح دور السينما وحقق مأربه بكسب المليارات واشتهار أبطاله، لكن ما الذي حققه الديري، حينما يحيـل أدوات التفكير إلى الشك، بما أنها إنتاج مفيد لموضوع التأويل وبذلك يكون الشك عند »الديري«:

١) »إقداماً وعلماً ونوراً وإيماناً وحياةً ومسافةَ أمانٍ وقوسي نجاةٍ واستشكالَ سؤالٍ وإرادةَ إنسانٍ«. فكيف يكون كذلك إذا كان الشك المدني غير طارد للنقائض، بل جالب لها.

٢) وإذا كان »اليقين - عند الديري - هو الذي يطرد الشك، يطرد الإنسان بتجريده من إنسانيته«، وإذا كان »تمكن اليقين الميتافيزيقي من السيطرة على الإنسان، هو عبارة عن طرد لشكل ممارسته المدنية (شكه المدني وأحال شبه حياته يقيناً لا ماء فيه«. وإذا كان »اليقين الميتافيزيقي يرى الأرض سماء لا يجوز الشك فيها، لذلك يبقى يطارد الشك المدني بتهم الشك الميتافيزيقي، فالشك في الأرض شك في السماء«؛ فهنا تنتج سؤالات عديدة على ما أورده الديري بمقاله:

أولا: كيف يمكن للشك أن يعيش مع شك آخر؟ بمعنى كيف يمكن لأن يكون شك الديري متعايشا في مجتمع مدني مع شك الذين ألغوا ندوة »علم الكلام الجديد«؟ فإذا كان كل طرف ينظر للآخر بأنه لا يمثل إلا فهمه الخاطيء للدين، فأي نوع من تكوثر التناقضات جالب للخير والفلاح؟

ثانيا: إذا كان الشك مباحا ومتاحا ومطلوبا، فبإمكاني الشك في مؤسسة إنتاج تلك المسلمة، التي تقول بأن الشك وتكثيره مفيد، وبذلك سيحيلني الشك في تلك المقولة/ المسلمة، إلى اليقين بعدميتها..

ثالثا: الشك المدني لا ينتج مجتمعا مدنيا -بالمعنى الذي تفاكرنا فيه مع بعض الأصدقاء ومنهم الديري-، والذي قصدنا به -أي المجتمع المدني- أن فكرة الدولة، في أي آيديولوجيا، هو متخيل يراد منه التسلط، ذلك لأن المجتمع المدني، يحتاج لتساو في مؤسساته من حيث القدرة والسلطة. وموضوع الشك، إن نخر أعواد الأمم استبد بهم التناقض وتبنوا النفي، لعدم اتفاقهم على مسلمات متفقة ولو أولية.


E-mail
: aljamry@hotmail.com

الأيام البحرينية في 23 سبتمبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

رداً على «السمك الرعاش» لـ علي الديري

الشـك لا يولّـــد إلا متخيــــلاً

بقلم - عباس الجمري