اذا كان يوجين اونيل هو اعظم مؤلفي المسرح الاميركي الجاد في النصف الاول من القرن العشرين، فليس هناك ادنى شك في ان تنيسي وليامز هو اعظم المؤلفين المسرحيين الاميركيين في النصف الثاني من القرن الماضي، علاوة على كونه اكثر المؤلفين المسرحيين غزارة في الانتاج. وقد قدم تنيسي وليامز عشر ات المسرحيات الدرامية التي تميزت بالمعالجة العميقة للمشاكل الانسانية المعقدة، كما اشتهر كمؤلف قصصي وشاعر وكاتب صدرت له عدة مجموعات قصصية ودواوين شعرية، ومن اهم ما يميز اعمل تنيسي وليامز تناوله لواقع الجنوب الاميركي وطبيعة الحياة فيه بعين ثاقبة ناقدة بشكل لم يحققه اي مؤلف مسرحي آخر. وما من شك في انه كمؤلف مسرحي وقصاص وشاعر وكاتب اسهم اسهاما كبيرا في تغيير المفهوم المعاصر لادب الجنوب الاميركي، كما لعب دورا مهما ككاتب جنوبي في تمهيد الطريق لغيره من الكتاب من ابناء الجنوب الاميركي. ومن الممكن مقارنة تنيسي وليامز كمؤلف مسرحي بالمؤلف الروائي الشهير وليام فوكنر في تفهمه العميق لحياة الجنوب الاميركي وتقاليده الثقافية والاجتماعية وترجمة تفاعلاته الانسانية الى مصاف اروع ما كتب في الادب الاميركي، ومما مكن هذين الكاتبين المرموقين من ذلك بطبيعة الحال كونهما من ابناء الجنوب الاميركي الذي ولدا وترعرعا فيه. وقد ولد تنيسي وليامز بولاية مسيسيبي في قلب الجنوب الاميركي في العام 1911، وفاز في سن الرابعة عشرة بمسابقة ادبية، مما شجعه على مواصلة الكتابة، وقام بتأليف عدد من المسرحيات التي عرضت في المسارح المحلية قبل واثناء دراسته الجامعية في اواخر فترة الثلاثينات من القرن الماضي، ومنها مسرحية «معركة الملائكة» التي قدمت في احد مسارح مدينة بوسطن. الا ان المسرحية التي ثبتت مكانة تنيسي وليامز كواحد من اهم المؤلفين المسرحيين الاميركيين هي مسرحية «لعبة الحيوانات الزجاجية» التي قدمها في العام 1944 وحققت نجاحا كبيرا على مسارح شيكاغو قبل ان تعرض بنجاح كبير في العام التالي على مسارح برودواي الشهيرة بنيويورك. وتستمد هذه المسرحية الكثير من احداثها من الحياة الخاصة لمؤلفها تنيسي وليامز نفسه، وقد فازت في العام 1945 بجائزة رابطة نقاد المسرح بنيويورك، وحولت تنيسي وليامز الى واحد من اعلام المسرح الاميركي، كما فتحت له الطريق ليصبح معلما ثابتا على مسارح برودواي منذ ذلك الوقت. وقدم تنيسي وليامز على مدى السنوات الثماني التالية سلسلة من روائعه المسرحية، ومنها «عربة اسمها الرغبة» و«الصيف والدخان» و«وشم الوردة» التي حققت جميعها نجاحا كبيرا على مسارح برودواي. وفاز تنيسي وليامز بجائزة بيولتزر مرتين، الاولى عن مسرحية «عربة اسمها الرغبة» في العام 1948 والثانية عن مسرحية «قطة فوق سطح صفيح ساخن» في العام 1955، كما فاز بجائزة نقاد المسرح الاميركي ثلاث مرات في كل من الاعوام 1946 و1953 و1962. وبلغ تنيسي وليامز ذروة شهرته في فترة الخمسينات من القرن الماضي بعد ان تحول العديد من مسرحياته الناجحة على مسارح برودواي بنيويورك الى افلام سينمائية متميزة في هوليوود. وتحولت خلال فترتي الخمسينات والستينات خمس عشرة من مسرحياته الى افلام سينمائية قام بكتابة السيناريو لمعظمها بنفسه او بالمشاركة مع كتاب اخرين، وشملت تلك الافلام عددا كبيرا من ابرز افلام تلك الفترة، ورشحت افلامه لثلاث واربعين من جوائز الاوسكار، وفازت بتسع من تلك الجوائز، واصبحت الافلام المبنية على مسرحياته مضربا للمثل للاعمال السينمائية المتميزة في النص والاخراج والتصوير، وخاصة في التمثيل حيث قام بادوارها نخبة من اقدر الممثلين مثل مارلون براندو وفيفيان لي وكاثرين هيبيرن وبول نيومان وكارل مالدين وكيم هنتر وجيرالدين بيج، وقد قام بعضهم ببطولة المسرحيات الاصلية بانفسهم على مسرح برودواي، ومن ابرز المخرجين الذين اخرجوا تلك الافلام السينمائية ايليا كازان وريتشارد بروكس وسيدني لوميت وجون هيوستن وجورج روي هيل. وكانت اول مسرحية لتنيسي وليامز تتحول الى فيلم سينمائي هي مسرحية «لعبة الحيوانات الزجاجية» التي قدمها المخرج هارفي رابر للشاشة في العام 1950 وتقاسم بطولة هذا الفيلم الممثلان كيرك دوجلاس وجين وايمان. واتبع هذا الفيلم في العام التالي بفيلم مبني على مسرحية «عربة اسمها الرغبة» للمخرج الشهير ايليا كازان، تقاسم بطولته الممثلان مارلون براندو وفيفيان لي، ورشح هذا الفيلم لاثنتي عشرة من جوائز الاوسكار، وفاز باربع جوائز منها ثلاث لممثليه فيفيان لي وكارل مالدين وكيم هنتر، كما فاز الفيلم بجائزة رابطة نقاد السينما في نيويورك وبجائزة المجلس القومي الاميركي لاستعراض الافلام السينمائية. ومن الافلام المتميزة الاخرى المبنية على مسرحيات لتنيسي وليامز في فترة الخمسينات من القرن الماضي فيلم «وشم الوردة» الذي رشح لثمان من جوائز الاوسكار وفاز بثلاث منها، احداها لبطلة الفيلم الممثلة الايطالية القديرة آنا مانياني، وفيلم «قطة على سطح صفيح ساخن» الذي رشح لست من جوائز الاوسكار، وشملت روائع الافلام المستندة الى مسرحيات تنيسي وليامز في فترة الستينات فيلم «النوع الهارب» و«طير الشباب الحلو» و«ليلة الاجوانا». لقد كانت مسرحيات تنيسي وليامز مناسبة تماما للاعمال السينمائية، بحيث لم تكن بحاجة الى تعديلات رئيسية، ولعل ترشيح هذه الافلام وفوزها بعدد كبير من الجوائز السينمائية المرموقة والنجاح الذي لقيته على شباك التذاكر خير دليل على ذلك. بل ان بعض هذه المسرحيات اعيد تقديمها كافلام تلفزيونية في السنوات اللاحقة، ومنها مسرحية «عربة اسمها الرغبة» التي قدمت في فيلمين تلفزيونيين، كما قدمت كل من مسرحية «لعبة الحيوانات الزجاجية» و«فجأة في الصيف الماضي» و«طير الشباب الحلو» في فيلم تلفزيوني بعد تقديم كل منها في فيلم سينمائي متميز. وقد استمدت الاعمال المسرحية والسينمائية لتنيسي وليامز قوتها اساسا من قوة النص الذي تمكن فيه من النفاذ الى اعماق مجتمعات الجنوب الاميركي ونجح في ترجمة تفاعلاته ومشاعره ومشاكله بصدق لا يخلو من السخرية والنقد اللاذع والقسوة وارتقى باعماله الى مستوى انساني دخلت اعماله بفضله الى كلاسيكيات الادب العالمي. وقد انعكس ذلك في الاعمال السينمائية المبنية على مسرحيات تنيسي وليامز، فهي تتضمن مجموعة من افضل الافلام التي قدمتها السينما الاميركية، وهي افلام دخلت سجلات كلاسيكيات السينما العالمية. الرأي الأردنية في 20 سبتمبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
رحلة المسرح الى السينما عبر اعمال وليامز: رصد الحياة الاميركية بعين الناقد عمان/ محمود الزواوي |
|