في العام الماضي( الأسبوع الثالث من أيلول/ سبتمبر) التقي المخرج والمنتج مصطفي العقاد مع رجل أعمال عربي معروف جدا( طلب مني أن لا أذكر اسمه) ليتباحثا معا في إمكانية إنجاز فيلم صلاح الدين الأيوبي. وحسب وصف المخرج المعروف:فوجئت بوصوله في الموعد المحدد بالدقيقة. رجل مختلف عن معظم من عرفتهم. تلقائي, مباشر في الوصول الي نقطة البحث ومرح من دون تكلف.تم الاجتماع باقتراح من رجل الأعمال وانتهي بالوعد علي الرد علي العرض المقدم من قبل المنتج- المخرج خلال أسابيع قليلة يكون رجل الأعمال قد بحث المشروع من كل جوانبه خصوصا وأنه يحتوي أيضا علي إنشاء ستديو يمكن استغلاله لاحقا لتصوير أي أفلام أخري لاحقة. العقاد هذه المرة متفائل في هذا الاجتماع الذي دعي إليه ولم يطلبه بنفسه:دائما ما يسألني الصحفيون والناس الذين ألتقي بهم, متي تعود بفيلم مثل الرسالة أو عمر المختار ودائما ما أقول:الأمر ليس بيدي. مثل هذه الأفلام تكلف الآن كثيرا ويجب أن يقف وراءها ممولون قادرون. ممولون يؤمنون بأهميتها وأهمية السينما ككل ويصبون إلي سينما عربية ذات قدرة علي مواجهة الإعلام الغربي المنحاز. هذا كله ليس جديدا قوله والعقاد أول من يعترف بذلك. فعبر عشر سنوات متواصلة نادي العقاد بأهمية عمل سينمائي كبير في مستوي الأفلام التاريخية الأمريكية. التقي بكثير من رجال الأعمال والأمراء والمسئولين الذين أكدوا له دعمهم وموافقتهم ورغبتهم في اعتماد السينما كسبيل لخلق توازن إعلامي يدركون مدي أهميته في مثل هذه الأيام. وكثيرا ما كرر العقاد خلال هذه السنوات أن الثمن المدفوع في طائرة حربية لن نستخدمها علي أي حال ضد أحد يمكن أن ينتج فيلمين أو ثلاثة من الأعمال الضخمة. كل هذا والمشروع لا يزال في موطنه الأول: خانة الانتظار. الجديد الوحيد خلال هذا العام ليس فقط التحرك الأخير الذي جمع العقاد برجل الأعمال البارز الذي انطلق في مختلف حقول الإعلام والفن إلي جانب استثماراته في جوانب اقتصادية عديدة, بل أساسا إعلان شركة فوكس انتهاء بتصوير فيلمها الخاص عن صلاح الدين الأيوبي تحت عنوان مملكة الجنة. وهو فيلم تم تصوير معظم مشاهده في المغرب وانطلق تصويره في الثاني عشر من يناير( كانون الثاني) من هذا العام, ويدخل الآن عمليات ما بعد التصوير ليكون جاهزا في الخامس من مايو( أيار) العام المقبل. كيف ينظر العقاد إلي هذا الوضع؟ أنظر إليه كبرهان علي ما ذكرته في كل لقاءاتي السابقة: ها هي هوليوود تقدم عملا آخر لن ينصف صلاح الدين ولن ينصف الإسلام ولا العرب. أما نحن فما زلنا بعيدين عن التفكير في العقلية الصحيحة وتقديم أفلام تتوجه إلي الغرب برجالنا وقضايانا الكبيرة. الي أن يتم ذلك فالميدان لهم وحدهم ومبروك عليهم. تفاهم وتواصل كيف يمكن للعقاد أو لأي أحد أن يحكم علي فيلم لم نشاهده بعد بأنه لا ينصف صلاح الدين الأيوبي ولا الإسلام ولا العرب؟:أنظر دائما إلي المنهج السائد. الفيلم- كلنا نعلم- يروي قصة الحملة الصليبية من وجهة نظر الذين قادوها. هذا وارد فيما نشرته فوكس نفسها عن الفيلم. وهذا وحده يعني من هم الأبطال في هذا الفيلم ومن هم الأشرار. الفيلم سيقوم علي ذات مبدأ نحن وهم علي أساس أنه لابد من وجود أعداء والمسلمون في هذه الحالة هم الأعداء. في أسبوع اللقاء نفسه خرجت نيويورك تايمز بتحقيق عن الفيلم يتساءل حول حكمة إنتاجه في ظروف كتلك السائدة بين العالمين الإسلامي والمسيحي والحرب الطاحنة الدائرة في العراق. وكانت نيويورك تايمز حصلت علي نسخة من السيناريو طبعت منه عدة نسخ وأرسلته إلي علماء دين واجتماعيين وأساتذة تاريخ عرب أمريكيين وغير عرب, ورد المساهمين العرب في هذا الموضوع كان سلبيا إذ وجد معظمهم فيه إنحيازا كبيرا ضد الصورة الإسلامية وتساءل أكثر من واحد عما إذا كانت هوليوود تدرك أهمية ما تقوم به في هذه الظروف الحرجة. وعكس مقال الصحيفة الأمريكية الكبري هذه الهواجس علي أفضل وجه. في هوليوود, يقول لي المنتج أندرو مورغان الذي كان أحد الذين انبروا لإنتاج نادي القطن والعراب للمخرج فرنسيس فورد كوبولا:هذا ليس وقته. نحن بحاجة إلي أفلام تنشد التفاهم والتواصل بين المجتمعات والثقافات. أين سنصبح إذا حققنا أفلاما ضد العرب وحقق العرب أفلاما ضدنا. أين هي الحضارات المشتركة التي بناها المسلمون والمسيحيون واليهود ورسالاتهم التي نادوا بها؟. والمسألة أكبر من هذا الفيلم أو الاتجاه بعينه. إنها مسألة يشترك في تزكيتها بلا ريب الوضع الحالي. من بعد11/9 هوليوود نفسها باتت مختلفة عما كانت عليه سابقا. الآن الكثير من النقاد يطالعون الأفلام علي خلفية الحدث الذي وقع في ذلك التاريخ, وأحد الأفلام الجديدة التي وقعت في هذا الحيز تفوق بورن الذي وصفه أكثر من معلق بأنه انعكاس لحالات الخوف إثر الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر, هذا بالطبع من دون أن يحتوي الفيلم علي عبارة واحدة حول ذلك الحدث. ولا حتي صورة لنيويورك كون أحداث الفيلم تقع في روسيا وتركيا واليونان وفرنسا. لكن الموضوع حول قيام السي آي أيه بمحاولة تصفية أحد عناصرها وما يخفيه الموضوع من عمليات خفية تمارسها المؤسسة الأمريكية تذكر البعض بالوضع الحالي. والنقاد حملوا علي فيلم المحطة لستيفن سبيلبرج من نفس المنهج. الفيلم الذي يتحدث عن رجل من جمهورية وسط آسيوية يصل إلي نيويورك في الساعات التي أعقبت, من دون علمه, انقلابا عسكريا أطاح بالجمهورية. الولايات المتحدة لم تعترف بعد بالانقلابيين وسلطات المطار لا تستطيع إدخال هذا الشخص ولا يملك العودة أيضا. وهو بذلك يبقي مواطنا في المطار. الجميع يوافق علي أن للفيلم طعما خاصا كونه خرج من بعد11/9 ولو أنها ليست مذكورة. نظريات مؤامرة والوضع نفسه ماثل في فيلم المرشح المنشوري, الفيلم الجديد الذي تدور أحداثه علي خلفية حرب الخليج الأولي وتبحث في مؤامرة يحيكها العسكر للتدخل في شئون حكم البيت الأبيض. ما هو خاص بهذا الفيلم ليس فقط أنه يعود بالأحداث إلي وقت قريب زمنيا ويجعل من الحرب الأمريكية في العالم العربي محيطا لها ونحن في حرب جديدة حاليا, بل أيضا إلي أنه مأخوذ عن فيلم بنفس العنوان أخرجه جون فرانكنهايمر في الستينيات وبوشر بعرضه أياما قليلة قبل اغتيال جون ف. كندي. المصادفة المهمة حينها أن الفيلم السابق دار حول محاولة العسكر وضع متطرف يميني من نوعية جوزف مكارثي في رئاسة البيت الأبيض وكلمة منشوريا تعود إلي طرف شيوعي صيني في الخطة. فالعسكر اليميني يتعاون مع عناصر شيوعية علي أساس إزكاء المخاوف تجاه الصين بوضع متطرف يودي بأمريكا إلي الحضيض ما سيمكن الصينيين من تسجيل انتصار سياسي إن لم يكن عسكريا أيضا. بعد اغتيال كندي تم سحب الفيلم من الأسواق نظرا للتشابه المحدد بعملية استبدال رئيس برئيس. حسب المخرج أوليفر ستون, الذي أنجز بدوره فيلما تاريخيا كبيرا أيضا هو ألكسندر( عن القائد الإغريقي الذي احتل أركان العالم وهو دون الثلاثين من العمر), فإن قتلة جون ف. كندي موجودون في كل أرجاء الحكم الأمريكي ومعظمهم من المتطرفين اليمينيين. أمر لم يستطع فيلم فرانكنهايمر تأجيجه فسحب من العروض واختفي باستثناء المرات القليلة التي عرض فيها تليفزيونيا. في السبعينيات والثمانينيات خرجت عدة أفلام مضادة للعرب تحاول الحديث عن خطط ومؤامرات أخري هذه المرة ليست صينية أو كوبية, بل عربية مع متعاونين من الداخل. نذكر بفيلم مثل تقلب مع جين فوندا وكريس كريستوفرسون الذي خوف من خطة لسحب العرب ودائعهم في البنوك الأمريكية ما سيرمي بالاقتصاد الأمريكي إلي الحضيض. منها أيضا إنديانا جونز في جزئه الأول الذي صور المصريين حلفاءا للنازيين بلا حدود. والقائمة تطول ويرد فيها بالطبع يوم الأحد الأسود الذي أخرجه جون فرانكنهايمر عن خطة عربية لتفجير منطاد فوق ملعب رياضي أمريكي. الخوف والسلطة لكن من بين كل هذه الأفلام يستوقفنا هنا فيلم آخر عن نظرية المؤامرة بعنوان سلطةPower. أخرجه سيدني لوميت وفي باله أن العرب يستأجرون, أو يشترون لا فرق, خدمات وولاءات أحد السياسيين الأمريكيين ويغمرون عليه المال لكي يدخل ترشيحات الرئاسة الأمريكية لتعديل سياستها في الشرق الأوسط( فتصبح أكثر توازنا أو تميل بالمطلق صوب العالم العربي وضد إسرائيل!!). بطل الفيلم هو ريتشاد جير الذي يعمل ملحقا صحفيا لهذا السياسي, وهو يفضل في نهاية الفيلم العمل بالمجان لصالح المرشح الأمريكي المنافس( الذي حدث أنه يهودي يؤمن بأمريكا أولا!!) بعد أن اكتشف علاقات المرشح الثري الذي يعمل له. والحقيقة أن سلطة, إلي جانب أنه كان موقفا أحادي الجانب ومليء بالافتراءات, عكس واحدا من حالات الخوف المستشرية في الولايات المتحدة التي تحذر منها حاليا أفلام أمريكية تسجيلية في مقدمتها فهرنهايت11/9, ذلك إن إثارة الخوف من الآخر برهن علي أنه السبيل لاجتياز نصف الطريق تجاه إقناع الأمريكي في بيته بتبني السياسة الأمريكية. سابقا ما كان الخطر الياباني علي لوس أنجلوس, ثم الخطر النووي الروسي, ثم الخطر النووي الروسي- الكوبي وضرورة الاختباء تحت طاولات الدراسة تجنبا لأثر القنبلة النووية( هناك أفلام تسجيلية كثيرة استخدمت هذه النكتة) وبعد ذلك تعددت الصور وصولا إلي الخطر الإسلامي. هنا يتوازي الخيال مع جزء من الواقع. كلنا نعلم أن الرئيس جورج دبليو بوش ليس إنتاجا هوليووديا, ولو أن البعض يقول إنه دائما ما يري نفسه في صورة جون واين. لكن ما رواه سلطة في العام1986 هو ما يرويه المرشح المنشوري في العام2004 مع اختلافات في التفاصيل: هناك خطة. هناك محاولة لزرع رئيس موال للعرب يستغل الحرب الدائرة لإثارة الخوف بين الأمريكيين وبذلك يهيمن علي الوضع السياسي والعسكري بأسره. وإذا ما شاء المرء منا التفكير بتطبيق خيال الفيلمين علي الصورة الحالية لوجد سبيلا إلي ذلك. فيلم آخر عن العراق هذا كله كلام نظري لكن الوضع السائد جعل من هذه النظريات احتمالات واردة ولو في جزء من السياج الاجتماعي الشامل. وهو كلام لن يوقف الأفعال. إلي جانب أفلام عن11/9 أوردناها في عدد سابق تلت فهرنهايت11/9 لمايكل مور, فإن الجديد المقبل يحتوي علي فيلم للمخرج ديفيد أو راسل الذي سبق له وأن أنجز فيلما معاديا للحرب علي العراق بعنوان الملوك الثلاثة. وللإيضاح فإن معاداة ذلك الفيلم للحرب (لأولي) لم تكن تتعلق بسياسة البيت الأبيض بقدر ما كانت تغوص في الوضع المأساوي والإنساني للعراقيين أنفسهم والوعود التي يحملها الأمريكيون معهم والتي تتبخر تبعا للمصالح والأغراض السياسية المتغايرة. وورنر تمول مشروع أو راسل الجديد( ميزانيته لا تزيد علي200 ألف دولار) والذي انتهي من جمع مواده وحاليا في المونتاج حيث يعمل علي إنجازه فريق من فناني التوليف( المونتاج) يعملون ليل- نهار ليكون الفيلم جاهزا للعروض عشية الانتخابات الأمريكية المقبلة. وهو يحتوي علي مقابلات مع لاجئين عراقيين كانوا قد ظهروا كلاجئين فعليين في فيلم أو راسل السابق الملوك الثلاثة في المشاهد التي جمعتهم في نهاية الفيلم مع جورج كلوني وآيس كيوب. باتصال مع وورنر قال متحدث:الفيلم ليس سياسيا علي نحو فيلم مايكل مور. اهتمامات أو راسل إنسانية محضة ولو أن هذه قد تؤدي إلي رسالة سياسية واضحة في نهاية الأمر. المخرج نفسه يقول:لا يقصد بالفيلم أن يكون منشورا سياسيا لكن ما فيه يؤدي إلي فتح المجال أمام الرأي السياسي المستقل لمشاهديه. ما أعرضه هنا هو وضع العراقيين الذي أرادوا التخلص من صدام لكنهم وقعوا ضحية الحرب عليه. وهو ينقل طرفي الصورة لأنه عندما يبكي جندي أمريكي شارك في تلك الحرب أمام الكاميرا, فإننا أمام وضع إنساني لا يمكن السكوت عليه. تصبحون علي خير في خضم كل ذلك وفي خضم الوضع العربي الحالي, ما هو مصير صلاح الدين الأيوبي نسخة عربية عالمية؟ العقاد لا يزال متفائلا, لكن لا إلي الحد الذي يجعله ينتقل إلي حيز التنفيذ. إذا ما وافقت الجهات الجديدة علي تمويل المشروع, خرج بفيلم يعرف هو وحده كيف يوازنه بحيث يحيي الصورة العربية ويرفعها لكي ترد علي الصورة الأجنبية عن العرب:لكني لن أقدم فيلما فيه تصوير نمطي لأحد. أهمية صلاح الدين, وهذا ما لم يرد في أي فيلم أمريكي عنه, إنه كان قوميا عربيا ولم يكن طائفيا. وهو قد حث علي ذلك وقدم صورة حضارية لأهمية التعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود. كان كرديا وبعض قيادييه مسيحيين ومعظم من فيه جيشه مسلم عربي. ولم يكن طائفيا وشعوبيا ومحصورا في مصالحه. عندما تتوفر هذه المعطيات لأي قيادة عربية تحقق النصر اليوم كما حققته بالأمس. من دونها نحن المهزومون ولدينا الوضع الحالي برمته يتحدث عن هزيمتنا* الأهرام العربي في 11 سبتمبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
هوليوود أنجزت فيلمها عن صلاح الدين بينما العرب لا يزالون يبحثون
هوليوود/ محمد رضا |
|