أعاد نجاح فيلم “تيتو” الاعتبار إلى سينما الحركة والأكشن التي يحبها الجمهور، والتي تعاني من تعالي النقاد غير المبرر عليها وإهمال المنتجين لها بسبب تكلفتها العالية وصعوبة المنافسة مع الأفلام الأمريكية.ويؤكد فيلم “تيتو” ومن قبله فيلم “مافيا” إمكانية وجود سينما حركة وأكشن مصرية وعربية جذابة وتستطيع المنافسة.وقد ولد الأكشن مع ولادة السينما نفسها، وكان أول فيلم في العالم هو “وصول القطار للمحطة” للأخوين لوميير وتسبب تصويرهما مقدمة القطار وهو يدخل المحطة في فزع الجمهور ومغادرته لمقاعده ليعود إليها مرة أخرى بعد أن يكتشف أنها خيال لهذا الاختراع السحري الجديد الذي غير حياة الناس.وفي مصر، ظهرت الحركة منذ الفيلم الأول “مدام لوليتا” عام ،1919 فالمعارك الصغيرة والمشاجرات كانت جزءا مهما في السينما الصامتة والتي تطورت بعد ذلك في الأفلام التي كانت ساحتها الصحراء لتتحول إلى معارك بالسيوف والخناجر، ومع سذاجتها إلا أنها شكلت اتجاها سينمائيا عشقه الجمهور وتسيّد الساحة رغم النجاح الذي حققته الأنواع الأخرى من حين إلى آخر. ولا يمكننا القول بحسم متى ولدت أفلام حركة كاملة في مصر بشكل محدد، لكن يمكن اعتبار فيلم “لاشين” للمخرج فرتي كرامب المأخوذ عن مسرحية للمؤلف الألماني هينريش ماين والذي عرض عام 1938 نقطة الانطلاق حيث تضمن قدرا لا بأس به من المعارك التي برع المخرج في تنفيذها بتصورات وإمكانيات ذلك العصر، ومن بعده لم تتوقف الأفلام عن استخدام المعارك حتى اليوم سواء في الحارة أو القصر أو بيوت الطبقة المتوسطة. ففيلم “العزيمة” عام 1939 لرائد الواقعية المخرج كمال سليم ينتهي بعد معركة طاحنة داخل الحارة بين بطل الفيلم محمد والشرير الجزار الذي حاول الاستيلاء على البطلة بالخديعة والوقيعة بينها وبين حبيبها، وقد تضمنت هذه المعركة وكان هذا تطورا مهما- قذفا بالكراسي، ثم معركة باليدين بين البطل وغريمه. وفيلم بسيط مثل “طاقية الإخفاء” للمخرج نيازي مصطفى عام 1944 لم يستغن عن المعركة التي دائما تسبق النهاية السعيدة حتى يرضي مزاج الجمهور في انتصار بطله بالقوة وليس بالعقل فقط. وظل هذا الاتجاه قائما في أفلام الأربعينات، أما الخمسينات فقد شهدت الحدث الاستثنائي في تاريخ مصر وهو ثورة ،1952 ولكن تغير الخطاب وبالتالي طريقة التعامل مع الحركة في الأفلام التي تم إنتاجها في هذه الفترة وكان أصحابها مشغولين بإثبات فساد النظام السابق. ومن هذه الأفلام “أرض الأبطال” لنيازي مصطفى عام 1953 بطولة حسين صدقي وكوكا، فقد دارت أحداثه حول حرب فلسطين وقضية الأسلحة الفاسدة التي تسببت في قتل جنودنا، ومن بعده فيلم “الله معنا” عام 1954 والذي دارت أحداثه حول نفس الموضوع وتضمن مشاهد لمشاجرات ومشاهد من المعارك الحربية. وهو نفس ما قدمته العديد من أفلام هذه الفترة ومنها “رد قلبي” عام 1956 و”إني راحلة” عام 1961. ولكن الستينات شهدت تراجعا في أفلام الحركة لصالح الأفلام الاجتماعية المشغولة بمناقشة قضايا تطور المجتمع في ذلك الزمان، لكن هذا لم يمنع فيلما مثل “من أحب” الذي أخرجته النجمة السينمائية ماجدة من الظهور وقد كان يدور أيضا حول حرب فلسطين وان كان قد تأثر بأسطورة السينما العالمية فيلم “ذهب مع الريح” وقد كانت مشاهد الحرب تحتل جزءا أساسيا في الفيلم، كما أنها كانت جزءا أساسيا في الدراما ولم تكن فقط مجرد حلية كما تفعل معظم الأفلام. وهناك أيضا فيلم “أرض السلام” الذي أخرجه كمال الشيخ عام 1965 ويدور حول دور الفدائيين المصريين في حرب فلسطين، وقبله في عام 1962 كان هناك فيلم “صراع الجبابرة” الذي أخرجه زهير بكير وريمون نصور عن شاب ثري يقع في حب راقصة يهودية ويهرب معها إلى “إسرائيل” وهناك يهاجم الصهاينة قرية عربية فيهب لنجدتها مجموعة من الفدائيين المصريين، وفي سياق الأحداث يقوم بعض الأسرى المصريين بتغيير موقفه المتخاذل من وطنه، وبصرف النظر عن مستوى الفيلم الذي لا يرقى إلى مستوى حرفي عال لكنه كان زاخرا بمشاهد المطاردات وإطلاق النار. ولكن الفيلم الذي يجب التوقف عنده في أفلام الحركة هو “واإسلاماه” للمخرج اندرو مارتو، فقد كان نقلة نوعية في مشاهد الأكشن ومنها مطاردة التتار للأميرة جهاد وغيرها ولكن كانت الذروة في المشاهد الحربية التي انتصر فيها قطز وجيشه على التتار، وقد نفذت بحرفية شديدة وإتقان ملفت للنظر. وفي العام 1962 أيضا تم إنتاج فيلم “اللص والكلاب” لكمال الشيخ وكان يحمل مواصفات الفيلم الحركي، وكان السبب بالطبع هو طبيعة أحداثه التي تدور حول لص تدفعه ظروفه القاسية إلى السرقة والقتل، ورغم أن طبيعة المخرج كمال الشيخ تميل إلى تخفيف العنف على الشاشة إلا أنه قتل بطله في نهاية الفيلم رميا بالرصاص. وكان أيضا لنفس المخرج فيلم آخر هو “الخائنة” الذي يمكن اعتباره فيلم حركة وإثارة، فالزوج يكتشف خيانة زوجته ويبدأ في البحث عن العشيق في وسط أصدقائه والمحيطين به. وفي العام 1963 قدم المخرج يوسف شاهين درة أفلام الحركة في فيلمه الشهير “صلاح الدين الأيوبي”، فتنفيذ المعارك ودورها في الدراما كان في غاية المهارة والإتقان. ولكن في السبعينات عادت أفلام الحركة للتراجع مرة أخرى مفسحة المجال أمام الأفلام الخفيفة التي تضمنت معركة هنا أو هناك ومنها فيلم “حكاية بنت اسمها مريم” وغيره، لكن ظهرت مجموعة من الأفلام التي صورت الاعتقالات السياسية ومشاهد التعذيب في إطار الانتقاد العنيف لكل ما له علاقة بثورة يوليو ومنها أفلام “أسياد وعبيد” و”وراء الشمس” و”زائر الفجر” وغيرها. أما في الثمانينات والتسعينات فقد اتخذ الأكشن شكله الخاص نوعا ما للسينما المصرية، حيث ظهرت أفلام المقصود منها تقديم بطل أسطوري يركب الطائرات ويقتل أعداءه بالمسدس مثل “الرجل الثالث” و”شمس الزناتي” وغيرهما. لكن فيلم مثل “يا مهلبية يا” للمخرج شريف عرفة والسيناريست ماهر عواد استخدم مشاهد الحركة في استرجاع حرب 1948 بشكل كوميدي صرف يسخر من التاريخ. لكننا لا نستطيع أن نقول إن هناك فيلم أكشن مصريا 100% إلا بعد منتصف التسعينات بظهور فيلمي “الإمبراطور” و”الباشا” للمخرج طارق العريان وهو ما أفسح المجال أمام تجارب جادة تريد صناعة فيلم أكشن أهمها “مافيا” لشريف عرفة ومن بعده “تيتو” لطارق العريان والذي يعرض حاليا محققا نجاحا جماهيريا لا يستهان به ومنافسا بقوة لأفلام الكوميديا التي احتكرت السوق لسنين طويلة. الخليج الإماراتية في 10 سبتمبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
نجاح “تيتو” أعاد لها الاعتبار
القاهرة/ شهاب لطفي |
|