اسدل الستار مساء يوم الاربعاء الماضي علي فعاليات الدورة الثانية عشرة للمهرجان الوطني لفيلم الهواة بقليبية. وقد صنعت لجنة التحكيم التي ترأسها الفنان المسرحي توفيق الجبالي الحدث في حفل الاختتام بقرارها اسناد الجائزة الاولي لشريط الجدار لفتحي بن سلامة، وهو شريط قصير من النوع التسجيلي يتناول موضوع جدار فاصل ليس في الاراضي الفلسطينية وانما هو سياج انتصب في احدي ضواحي العاصمة التونسية، فاصلا بين احد الاحياء الشعبية ومقبرة قديمة للجنود الالمان الذين سقطوا في تونس ابان الحرب العالمية الثانية. ومهرجان فيلم الهواة بقليبية في تونس لا يعكس ما قد يتصور البعض ـ ليس تظاهرة صغيرة يلتقي فيها الشبان والمبتدئون من هواة السينما لعرض افلامهم وتبادل الرأي والتجارب، فسينما الهواة بتونس حركة سينمائية قائمة بذاتها نشأت منذ اوائل الستينات اي حتي قبل ان تنجح تونس في صناعة اول شريط سينمائي طويل تونسي مئة بالمئة، ويعد مهرجان قليبية اعرق المهرجانات السينمائية في تونس وفي افريقيا. وقد سبقت نشأته تنظيم الثورة الاولي لمهرجان ايام قرطاج السينمائية في سنة 1966. وقد مثلت الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة طوال عقود طويلة مدرسة تخرج من صلبها ابرز المخرجين والسينمائيين المحترفين في تونس كرضا الباهي صاحب شمس الضباع و السنونو لا تموت في القدس وفريد بوغدير صاحب عصفور السطح والطيب الوحيشي صاحب ظل الارض وغيرهم. كما يعود الفضل لهذا المهرجان في اكتشاف السينمائية المصرية عطيات الابنودي رائدة الفيلم التسجيلي في الوطن العربي. ومن اصدقاء المهرجان: يوسف شاهين والمخرج الراحل رضوان الكاشف. ولئن شكلت سينما الهواة في بدايتها ردة فعل علي غياب صناعة سينمائية محترفة طوال العشر سنوات الاولي من الاستقلال فانها سرعان ما تحولت الي توجه فني لسينما بديلة ومغايرة تخلصت من ضغوطات الربح التجاري ومنطق الرقابة الذاتية الذي يحكم الانتاج السينمائي في ميدان الاحتراف. واتسمت افلام الهواة منذ بداية السبعينات بجرأة كبيرة في تناول المواضيع المحظورة اضافة الي منحي تجديدي من حيث اللغة السينمائية المعتمدة. وعكس ما يشاع فان السينما المحترفة هي التي تأثرت بتوجهات سينما الهواة سواء علي صعيد المقاربة الجمالية او علي صعيد المواضيع والقضايا المطروحة. ولا شك ان مخرجين من امثال عبد اللطيف بن عمار والنوري بوزيد وفريد بوغدير وغيرهم قد استلهموا من نبع سينما الهواة في ما انتجوه لاحقا من افلام طويلة محترفة مثلت فيما بعد ابرز علامات في السينما التونسية لسنوات الثمانينات والي يومنا هذا. وليس ادل علي ذلك من الجرأة الكبيرة وعمق التناول حيث تتصف بهما الافلام التونسية كـ ريح السد لنوري بوزيد و عصفور السطح لفريد بوغدير و شمس الضباع لرضا الباهي الذي اخرج في اطار الهواية شريطا قصيرا سنة 1972 بعنوان عتبات ممنوعة تطرق فيه لموضوع السياحة واثارها علي المجتمع التونسي بشكل اعده الرسميون اساءة لتونس و اضرارا متعمداً بقطاع اقتصادي هام مما ترتب عنه منع هذا الشريط من العرض. واليوم ومن خلال الثورة الاخيرة لمهرجان الهواة بقليبية المنتظمة من 20 الي 26 آب (اغسطس) 2004 لمسنا عودة قوية لهذا النفس النضالي لسينما الهواة، فتتويج شريط الجدار للسينمائي الهاوي فتحي بن سلامة تمر انطلاقا من جرأة التناول واحكام السيطرة علي اللغة السينمائية لتوظيفها قصد تسليط الضوء علي قضايا تجاهلتها السينما المحترفة ووسائل الاعلام الرسمية علي حد سواء. والشريط عبارة عن تحقيق اجراه المخرج ـ علي طريقة افلام الامريكي مايكل مور ـ في احد احياء العاصمة الذي يقع بمحاذاة مقبرة المانية قديمة. وقد وجد سكان الحي انفسهم محاصرين وراء سياج حديدي يمنعهم من ولوج طريق علي ملك الدولة الالمانية. هذا وقد انتظمت علي هامش هذه الدورة ندوة فكرية تناولت موضوع مسرحية وتوظيف صور الحرب شارك فيها كل من د. فتحي التريكي (استاذ فلسفة وباحث مختص في دراسة الحرب) قدم قراءة تاريخية للعلاقة بين الحرب كفعـل عنيف وما تتطلبه من اسناد نظري وايديولوجي من خلال تسويق جملة من التصورات التي تشرع لهذا الفعل. وتحدث الناقد السينمائي والجامعي الهاري خليل عن صورة صدام حسين اثر اعتقاله في مداخـلة بعنوان الجثة المعروضة في قراءة مقارنة بينها وبين ما عرضه التلفزيون التونسي سنة 1982 لقائد ما عرف بـ تمرد مدينة قفصة احمد المرغني اثر القاء القبض عليه. اما الناقد عبد الكريم قابوس فقد عنون مداخلته بـ الصورة الاخيرة من الالبوم: هذا صلاح الدين وليس صدام حسين وضح فيها ان الصورة التي ستبقي في الاذهان هي صورة صدام حسين ولحيته الكثة والمعاملة الحيوانية التي تعرض لها من خلال الفحص الطبي مبينا ان ما عرضه الجيش الامريكي لم يستهدف اهانة صدام حسين كعدو سابق وانما كان الهدف تشويه صورة البطل العربي في اذهان الامة. كما اشار الي ان صورة صدام بعد ان حلقت لحيته وتم تحفيف شواربه قصد منها ان يظهر شبيها بهتلر الذي عرف بمثل هذا الشارب. وقد اكدت هذه الدورة عبر مختلف فعالياتها رغبة جادة لدي الجيل الجديد من السينمائيين الهواة في انتـــاج صورة بديلة وفن مغايــــر لكل ما هو سائد محققا في ذلك مساحة الحرية التي يوفرها الشريط القصير عكس الاشــــــرطة الطويلة الخاضعة لاحكام السوق وتكاليــــف الانتاج. غير ان وجه الاختلاف بين هذا الجيل وجيل السبعينات يتجلي في الاصرار علي عدم الوقوع في فخ التسييس المجاني الذي يولي مسألة المضـــــمون الايديولوجي الاهمية الاكبر علي حسـاب المقاربة الجمالية. فالسينما حسب هؤلاء الشباب فن له لغته ومفرداته التي تختلف جذريا عن مفردات الخطاب السياسي المباشر. القدس العربي في 8 سبتمبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
اختتام الدورة 12 للمهرجان الوطني لفيلم الهواة بتونس:
تونس/ محرز القروي |
|