صورة الطفل الفلسطيني محمد الدرة وهو يقتل بالرصاص امام والده وامام العالم كله ستبقى حاضرة وحية فى ذاكرة الانسان في بلاد العرب تذكره بضعفه وهوانه. وصورة الاطفال الذين قتلوا منذ ايام فى المذبحة الروسية في مدرسة بيسلان بمنطقة اوسيتيا هي تعبير فاضح عن فقدان الاحساس والضمير عند بعض البشر فى هذا الزمن الدموي. السينما التي قدمت اول فيلم لمصاص الدماء واول فيلم حركة اطلقت فيه رصاصات غادرة واول فيلم رعب سالت فية دماء الضحايا في كل مكان، هذه السينما ساهمت بشكل او بآخر في تنمية خلايا العنف عند سفاحي هذا الزمان. واذا كان الارهاب يفطر ويتغذى ويتعشى على الخطف والتفجير والقتل، واذا كان الارهاب في هذا العصر قد اصبح مثل المارد الاعمى الذى انطلق في ليلة سوداء حالكة ليوزع بطاقات الموت على الجميع من دون تفريق بين رجل وشيخ او بين طفل وامرأة، فان المشكلة الحقيقية ان هذا المارد لا احد يعرف على وجه التحديد ما هي اهدافه ومتى سيضرب والى اين سيتجه فى المرة المقبلة؟!. السينما مطالبة وبسرعة ان تتوقف عن القتل المجاني، وعن تغذية المشاهد بالأفلام التي تمجد الابطال السفاحين، وان تتوقف عن اهداء المشاهد تلك الافلام التي تعلي من شأن القوة كحل وحيد لحل مشكلات البشر اعتمادا على آراء الفيلسوف الالماني نيتشة ونظريته الكريهة عن الانسان السوبرمان. والسينما عليها ان تتوجه الى اوسيتيا لترصد صرخات الامهات الذين فقدوا ابناءهم امام اعينهم في ابشع مجزرة انسانية يشهدها التاريخ الحديث. على السينما ان تسارع بتسجيل تلك المعاناة التي سيشعر بها مئات الآباء الذين فقدوا ابناءهم فى مشهد دموي مثير وليدفعوا في النهاية فاتورة حسابات سياسية ودينية لم يكونوا طرفا فيها. على السينما ان تشارك بجدية فى كشف ظاهرة الارهاب ومحاولة التعمق في اسبابه وفي تعريف المشاهد ان كل الاديان بلا استثناء تدعو إلى السلام والمحبة وتؤكد على مجادلة الآخرين بالتي هي احسن. والسينما مطالبة ايضا ان تقدم الوجة المشرق للاديان وللذين حملوا رايات هذه الاديان في بداياتها وتحملوا العذاب والويلات لإنارة نفوس البشر ولتطهيرها من الحقد والظلم والظلام. القائمون على الرقابات العربية ايضا عليهم دور كبير ومسؤولية اكبر ومطالبون فى ظل هذه الازمة التي يمر بها الكون ان يكونوا على مستوى الحدث وان يتحلوا بالوعي والاداراك. لا افهم مثلا ان تمرر الرقابة افلاما مثل «الاولاد الاشقياء» و«ماتركس» و«سوات» و«عوكل» وان تمنع افلاما مثل «آلام المسيح» و«الرسالة». في الأفلام الاولى تكريس للعنف المجاني وتهديد للأفكار الدينية الصميمة من خلال التغني من بعيد بالانسان الذي ينافس الله فى ملكوته. وفي فيلمي «آلام المسيح» و«الرسالة» يمكن التوقف كثيرا عند الكثير من القيم الاخلاقية الحميدة التي تجسدت في حياة الانبياء وسيرتهم وكيف كانت حياتهم مثالا للمحبة والتسامح وتجسيدا للمعاناة من اجل نشر قيم واخلاق الدين الحق بين البشر، هذه القيم التي تمحورت حول إلقاء السلام على الآخر، فاذا لم يرد علينا ان نحاوره بالهدوء والعقل والمنطق، واذا اضمر لنا شرا وقاتلنا علينا ان نقاتله هو ولا نقاتل اطفاله. وكل الاديان بلا استثناء دعتنا اذا قاتلنا العدو ألا نقتل طفلا او شيخا ودعتنا حتى الا نقتل الشجر! ان العجز كل العجز ان نخطف الاطفال وان نحتمي خلفهم (حتى النساء لا يفعلن ذلك) وان نجعلهم ضحايا ووقودا لانتقامنا. العجز كل العجز ان نفجر القنابل فى بساتين الزهور. وان نلطخ بالدماء وجوها صغيرة على عتبات الحياة. صحيح ان الواقع اصبح اكثر رعبا من السينما، والعنف المجاني يدق بشدة على كل الابواب. لكن السينما ما زالت قادرة على الكثير ليس فقط باعتبارها ذاكرة الامة ومخزون البشر الصوري، ولكن باعتبارها (احيانا) تسجل نبض الحياة وتدفع بهذه الحياة الى الامام. اذا لم يتدارك الجميع الامر ثق وتأكد ان جثتي وجثتك وقبلها جثث اطفالنا ستكون فوق النعوش في القريب العاجل. القبس الكويتية في 5 سبتمبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
..وشعرنا ببعض الخجل لأن الأطفال كانوا نصف عراة!
عماد النويري |
|