بدأت في الصالات المحلية منذ وقت قصير عروض شريط "زوجات ستيبفورد" The Stepford Wives للمخرج فرانك اوز. يعيد الفيلم بطلته نيكول كيدمن الى الشاشات المحلية للمرة الثالثة في غضون اقل من سنة، شهدت عرض فيلميها Cold Mountain مع جود لو للمخرج انتوني مينغيللا وThe Human Stain مع انتوني هوبكنز للمخرج روبرت بنتن. مع العلم ان فيلمها مع المخرج الدانماركي لارس فون ترير، Dogville، لم يُعرض محلياً. يتشارك "زوجات ستيبفورد" المشهد السينمائي مع افلام اخرى لا تشكل منافسة كبرى كما لا يفعل هو بالنسبة اليها. في إطار الكوميديا الرومنسية، تستمر عروض Laws of Attraction بين جوليان مور وبيرس بروسنان، Raising Helen مع كايت هادسن، Mean Girls دراما المراهقات مع ليندسي لوهن و If Only. تتنوع العروض الاخرى بين البوليسي والتشويق (Mindhunters وHighway Men)، الخيال والفانتازيا ( I,Robot، Spiderman)، الدراما الانسانية (The Eternal Sunshine of the Spotless Mind)، افلام التحريك ورسوم المتحركة (Shrek 2، Home on The range). كذلك تكمل عروض الوثائقي الاميركي "فهرنهايت 9/11" لمايكل مور والتاريخي King Arthur. في حين تشهد الصالات اللبنانية عروض ثلاثة افلام مصرية: "اسكندرية نيويورك" ليوسف شاهين المنتمي الى سيرته الذاتية والكوميديان "عوكل" من سلسلة "اللمبي" لمحمد سعد و"خالتي فرنسا" مع عبلة كامل. مع العلم ان شريطاً رابعاً سينضم اليها في منتصف ايلول/سبتمبر الجاري هو "باب الشمس" ليسري نصر الله. هنا مقالة تتناول شريط كيدمن واوز. *** في عصر الهوس بالـ make-over، اي التعديل او استبدال شيء بآخر، يأتي شريط فرانك اوز "زوجات ستيبفورد" The Stepford Wives منسجماً مع الظاهرة في الظاهر والباطن على حدٍّ سواء. وإذا كان الـ make-over يطاول مظاهر مختلفة بدءاً بالانسان (شكله وشخصيته) نفسه وصولاً الى عناصر في حياته ومحيطه، فإن الخلاصة التي يمكن الانتهاء اليها هي ان "الصورة" هي الهدف في نهاية المطاف. فكل تعديل مهما اختلف ميدانه يهدف الى تصدير صورة مختلفة عن سابقتها ومعدلة عن صاحبها وحياته. بل وأبعد من ذلك، يمكن بشيء من التحليل استنتاج ان الوصف، make-over، هو من افرازات عصر المرئي وثورة الصورة. إذ ان الكلام على تعديل او تبديل او تغيير بات لا يستقيم الا اذا كان مرئياً ومحسوساً امام جمهور. ومقاييس الصورة الجديدة المعدلة هي الاخرى مستقاة من قاموس مفردات الصورة المعاصرة التي تدين للمرئي، لا سيما التلفزيون، في تكريسها. اين يقف "زوجات ستيبفورد" من هذه الدلالات؟ وكيف يقارب الموضوع الشائك؟ الفانتازم تكمن المفارقة في ان الفيلم هو اعادة لفيلم آخر. اي انه بشيء من اللعب على الكلام make-over لشريط أُنجز العام 1974 وحمل العنوان عينه. أخرج النسخة الاولى براين فوربس عن رواية لإيرا ليفين، حملت عناصر الرعب ومظاهر الميثولوجيا. ولكن الشريط لم يدخل في كلاسيكيات السينما الاميركية كما حصل مع فيلم آخر مقتبس عن رواية للكاتبة هي Rosemary's Baby. غالب الظن ان رومان بولانسكي استطاع ان يقبض على خيط كان يمكن ان يتحول مجرد فانتازيا بين يدي مخرج آخر. ولكن بولانسكي ذهب الى تخوم النفس البشرية الضعيفة والمعذبة، المحاطة بالشر ابداً، كما هي حاله في افلام اخرى، تقوم في جوهرها على صراع بين القوة والضعف والخير والشر، الكامنة في النفس البشرية. لعل فكرة "زوجات ستيبفورد" تحمل في صميمها بذرة كوميدية لأنها قائمة على "فانتازم": في ضاحية "ستيبفورد" الراقية، يمكن استبدال الزوجة بزوجة آلية هي نسخة معدلة عنها في الشكل ومبرمجة بحسب رغبات الزوج الكامنة على الخضوع والتفرغ لحياة المنزل والعائلة. لا شك في ان موضوعاً من هذا النوع يدخل في إطار "التفكّه الاجتماعي" السائد القائم على درجة عالية من التمييز والأحكام المسبقة المتوارثة. اي انه في الظاهر، بحسب الكاتبة، اشبه بنكتة ولكن في الباطن يستجيب للفانتازم، اي لتلك الصورة الذهنية الاولية للرجل عن المرأة. موضوع من هذا النوع كان كفيلاً في السبعينات بإشعال الصراع القائم بين الجنسين وتعبئة النقاش حول المساواة ودور المرأة خارج الحدود المرسومة لها سلفاً بواسطة الطبيعة والافكار السلفية المتوارثة. ولكن حتى على هذا المستوى، لم يترك الفيلم الاصلي اثراً كبيراً ربما لأن الموضوع واسلوب معالجته بقيا على مستوى التأثير الخارجي فكانت النتيجة انقسام الجمهور بين فئتين: واحدة تتعاطى مع الموضوع كنكتة (يدغدغ فانتازم الرجال ويخاطب النساء غير المعنيات بالنقاش على مستوى سطحي اي لا يتعدى إخبار نكتة) والفئة الثانية تجده سطحياً في مقاربة موضوع جاد ومن بين جمهور هذه الفئة الحركات النسوية وقتذاك. في المقابل، لا تذهب النسخة الجديدة الى أبعد بكثير سوى انها تجهد لإدخال عناصر معاصرة الى الحكاية محاولة درء تهمة التمييز عنها. ولكن من عناصر الفانتازيا ان تُرسم الشخصيات والحكايات على الحدود الفاصلة بين الواقع والخيال. هكذا يقدم الفيلم شخصية "جوانا" (نيكول كيدمن بشعر اسود كالح قصير) في افتتاحية الفيلم إمرأة شرسة، حققت مكانة عالية في ادارتها شبكة تلفزيونية وانتاج برامج الواقع المخرّبة للعلاقات. فمن البرامج التي تفخر بها "جوانا" المتحدثة امام جمع بالمئات بثقة وتأثير كبيرين، "أستطيع ان اكون افضل" الذي يغوي الازواج الى الخيانة واستعادة كل منهما لحريته. منذ هذه اللحظة، ينتهج الفيلم خطاً عكسياً موازياً، اولاً بتقديم شخصية المرأة القوية المتسلطة المتحكمة بقدرها واقدار من حولها. وثانياً على الشاشة التي تعرض جزءاً من البرنامج "استطيع ان أكون افضل" حيث الرجل يرفض ان يخون زوجته بينما الأخيرة تختار ان تذهب في مغامراتها بعيداً من الحياة الزوجية. انها مقاربة في الاتجاه المعاكس، تشتهر بها هوليوود حيث التعبير عن المساواة بين الرجل والمرأة او اعطاء الاخيرة حقها يأتي عن طريق العناوين البراقة. ولكن على مستوى التفاصيل، تبقى الذهنية القديمة هي الفاعلة. "جوانا" التي تمثل نموذج المرأة المعاصرة العاملة والحرة، تتحدث بسرعة فائقة وبثقة كبرى وتتحرك باستعراضية مدروسة. وعندما تعلم ان برنامجها تسبب بقتل الزوج زوجته وعشيقيها، لا تتأخر ثوانٍ في ايجاد الحل: نعالجهم على حسابنا وندفع المصاريف اللازمة ومن ثم نحملهم بطائرة درجة اولى الى نيويورك من اجل مقابلة ترويجية للبرنامج! خلاصة القول ان "جوانا" لا تختلف بسلوكها عن إمرأة آلية مبرمجة باردة العواطف خالية من الاحاسيس الانسانية. بل ان النساء الاليات اللواتي يقدمهن الفيلم لاحقاً في "ستيبفورد" يبدون اكثر رقة ودفئاً منها! هكذا تُطرد "جوانا" من وظيفتها ويترك زوجها "وولتر" (ماثيو بروديريك) العمل في المحطة نفسها كنائب للرئيس مساندة لها بحسب قوله ويقرران البدء من جديد في مكان آخر. تبدو "ستيبفورد" المكان الأمثل بالنسبة الى امرأة خارجة لتوها من انهيار عصبي ولعائلة تبحث عن بداية جديدة. انه عالم اشبه ببيت الساحرة المكون من الحلويات في القصة الخرافية، عالم مثالي ببيوته وطبيعته واناسه الودودين الى حد يبعث على الشك. لن يمر وقت طويل قبل ان تستشعر "جوانا" مؤشرات غريبة في المكان: الزوجات الشقراوات بمعظمهن المبتسمات دائماً والانيقات بأزياء الستينات، يمارسن الرياضة بفساتينهن بوحي من طبيعة التنظيف المنزلي (تحريك الردفين والخصر كالغسالة الاوتوماتيكية). كما ان كلهن متفرغات للاعمال المنزلية وخدمة ازواجهن واولادهن. هكذا تبدو شخصية "بوبي" (بيت ميدلر) الكاتبة الممتلئة غير الآبهة بشكلها او بنظافة منزلها او برضاء زوجها، تبدو هجينة بين سكان "ستيبفورد" كما هي "جوانا". سرعان ما تصبح الاثنتان صديقتين. كلتاهما معجبة بعمل الاخرى وبانجازاتها. في الوقت عينه، ينبهر "وولتر" بالحياة وبنادي الرجال الخاص وبالزوجات المطيعات الجميلات دائماً. انه الفانتازم الكامن في كل رجل، بحسب ما يقول له "مايك" (كريستوفر وولكن) الذي يبدو الرجل المطاع في ستيبفورد كما هو تأثير زوجته "كلير" (غلين كلوز) على النساء. الصورة البديلة بما ان حكاية الفيلم باتت معروفة، لأنه بالدرجة الاولى اعادة، لا يجهد الفيلم في الحفاظ على التشويق او متعة الاكتشاف. بل ان المشاهد يكتشف قبل "جوانا" و"بوبي" ان الزوجات هن في الواقع آليات. على ان القطبة المخفية في الفيلم، وهي خاصة بالنسخة الجديدة، تكمن في مكان آخر. ولكن قبل اكتشافه، يبدو في الظاهر ان "وولتر" سينتهي كرجال "ستيبفورد" الآخرين الى استبدال "جوانا" بزوجة آلية، شقراء وسعيدة ومطيعة وتذوب لطفاً. ولعل من أطرف مشاهد الفليم ذلك الذي يصورها في حلتها الجديدة في "السوبرماركت"تتسوق مع النساء الاخريات. فالمكان المرتب المشع بالالوان وحركة الشقراوات مثاليات الشكل والاجساد فيه لا يمكن الا ان يكون محاكاة ساخرة لعالم الاعلانات ولنمط الحياة الاستهلاكي. في المشهد الأخير من الفيلم، تنكشف الامور على يديّ "وولتر" الذي يعبث ببرنامج "مايك" لتحويل النساء آلات، فتعود كل واحدة الى طبيعتها. ولكن اللافت ان كلهن يبقين على اشكالهن. صحيح ان الشعر الاشقر يبدو مستعاراً لدى معظمهن ولكن الاجساد المثالية لا تتغير وكذلك جمال الوجه. وفوق ذلك، يتضح ان إمرأة هي صاحبة الفكرة وليس رجلاً بينما الاخير هو المنقذ. لعل هذا التحليل مبسط بعض الشيء ولكنه لا يتعدى ذلك في عالم الفيلم. اي ان "عصرنة" فيلم قديم تقوم على العناصر التالية: المرأة العصرية باردة فاقدة الاحساس (بدليل ان "جوانا" و"وولتر" لم يمارسا الحب طوال سنة كاملة بحسب الاخير بسبب انشغالاتها)، غير قادرة بتاتاً على ادارة دفتي حياتها المهنية والعائلية (كل نماذج النساء العصريات في الفيلم هن كذلك)، دائمة التوتر وتعيسة. اللافت ان المرأة في الفيلم هي التي تريد للزمن ان يعود الى الوراء الى "البراءة" كما تقول. ولئن بدت الفكرة موضع نقاش، الا ان الفيلم يطرحها من وجهة نظر واحدة فقط هي زاوية المرأة في حين ان مشكلات الحياة العصرية تقع على الرجل والمرأة معاً. لا يبدو الفيلم اكثر سخاءً مع الرجل الا من حيث شخصية "وولتر" التي ترفض في نهاية المطاف الزوجة الآلية بعد ان تقبله "جوانا" بحرارة وتسأله ان كانت الزوجة الآلية تستطيع ان تقول "أحبكَ" بصدق. اما باقي الرجال، فيكتفون بآلاتهم على شكل نساء كأن الحياة المثالية بالنسبة الى الرجل هي زوجة مطيعة خانعة. حتى ان ذلك كفيل جعلهم اوفياء، وان لآلة، إذ لا يبدو على رجال "ستيبفورد" ملامح الخيانة او استراق النظر الى نساء اخريات ولا حتى الآليات. في المحصلة، لا يبتعد Stepford Wives بنسخته الجديدة عن ان يكون make-over للنسخة الاصلية بواسطة كل الاضافات البصرية المبهرة والكليشيات المعاصرة، يشفع به امر واحد هو الأداء الآسر لممثلاته النساء لاسيما بيت ميدلر وغلين كلوز والشغل البارز على الشكل الخارجي لـ"ستيبفورد". اما كيدمن الجيدة كعادتها، فتتحرك في هامش اقل بكثير من ذاك الذي اتيح لها في افلامها السابقة، لاسيما ان شخصية "جوانا" مرسومة لتكون متناقضة وضعيفة وسريعة التفكك. فبعد مضي بعض الوقت على الفيلم، تغيب شخصية "جوانا" الاولى وتظهر اخرى غير واضحة الملامح، تنكر ما كانت عليه ولكنها في الوقت عينه لا تدرك واقعها او حقيقتها الجديدة. يُضاف هذا الى نقاط ضعف عديدة في السيناريو كاستسلام "جوانا" لرغبة زوجها في تحويلها إمرأة آلية وغياب التأثير الحقيقي لاحساس "جوانا" بالغربة. تأثير كان يمكن ان يستعير من ملامح الرعب التي ارتدتها في "الآخرون" The Others. وفي نهاية المطاف، تصل الى استنتاج مسطح "الكمال ليس مطلوباً" والعلاقات الزوجية تحتاج الى تنازلات. مرة اخرى، تحضر الصورة كتعبير ملموس عن التغيير او التبديل (nake-over). فكلام "جوانا" هذا يأتي عبر برنامج "لاري كينغ" الذي يستضيفها لمناسبة انجازها فيلماً وثائقياً عن "ستيبفورد". كأن صورتها عبر "لاري كينغ" تعدل من صورتها الاولى في "يمكنني ان اكون افضل" وكأن "لاري كينغ" صورة ملتزمة بديلة من تلفزيون الواقع المتفلت. ولكن "جوانا" تبقي على الشعر الاشقر في اشارة الى ات ليس كل تغيير بالضرورة سيء. المستقبل اللبنانية في 3 سبتمبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
"زوجات ستيبفورد" يقارب عالماً مهووساً بالـ "over-make ريما المسمار |
|