شعار الموقع (Our Logo)

 

 

لسنوات طويلة حمل المخرج الايراني باباك بايامي كاميرته وافكاره متشرداً من مكان الى آخر، بحثاً عمن يدعم افكاره وتوجهاته ورؤاه.. وفي دوامة بحثه لم يتوان عن تصوير اشرطة وجدت قبولا لدى البعض ورفضا لدى الآخرين، وآخرها فيلم “صمت بين فكرتين” الذي يحكي عن شابة في الريف الايراني تعفى من عقوبة الاعدام وهي على قاب قوسين من الموت. ويبدو ان السلطات الايرانية عارضت عرض الفيلم وصادرته في حين شاهده اللبنانيون في عرض خاص بحضور مخرجه ومعه كان الحوار:

·         بعد مشاهدة الفيلم لوحظ حذف بعض المشاهد؟

لا، لكنني لم املك كل المواد التي صورتها بعد مصادرتها، لذا حاولنا انجاز الفيلم بالقليل الذي حصلت عليه. وعلى رغم ما فعلته الرقابة، اعتقد ان الفيلم اكتسب هويته الخاصة ونجح في التعبير عن نفسه.

·         ما الذي حصل مع الرقابة؟

بإيجاز، كنت تلقيت دعوة للمشاركة  في مهرجان الفيلم في موسكو بصفتي عضواً في لجنة التحكيم. وفي طريقي الى روسيا، اوقفني مدنيون بصفة غير رسمية واخضعوني للاستجواب لكنني رفضت الاجابة عن اسئلتهم. لم أر اية مذكرة توقيف او استدعاء قضائي او معاملة قانونية، ومع ذلك، دهموا مكاتبي وفتشوها وصادروا ما وقعت عليه ايديهم. وبعد ذلك اخلوا سبيلي بكفالة ولم يوفروا تفسيرات رسمية عن سبب هذه الاجراءات، لكن احد الضباط اطلعني لاحقاً عن تلقيهم تقارير تشير الى سيئات الفيلم، علماً انهم لم يكونوا قد شاهدوه. وقد فرضوا عليّ توقيع ورقة املوا علي كتابتها في المطار، واجبروني على التعهد بتسليم نفسي الى السلطات الايرانية فور عودتي. وعندما اتصلت بوزارة الثقافة الايرانية، قالوا انهم لم يشاهدوا الفيلم، وانهم لا يعرفون هوية هؤلاء الاشخاص، وبالتالي لا يستطيعون شيئاً حيال هذه المسألة.

·         هل تتمنى لو يشاهد الايرانيون فيلمك؟

حتما، فهو يتوجه اليهم والى شعوب هذا الجزء من العالم قبل الشعوب الغربية، إذ يعالج مشاكلهم ومعاناتهم. وشخصية “الحادجي” شخصية شهدها العالم بأجمعه على مر العصور، فأوروبا عانت هذه الظاهرة خلال القرون الوسطى، وفي السنوات النازية. كذلك يشهد التاريخ على طغاة في تكساس كانوا يحكمون الناس في مناطق معزولة، اضافة الى ما حصل في افغانستان في ظل حكم الطالبان، إذ تم تأويل الدين وتمثيله بصورة خاطئة مما أوقع الناس ضحية ايمانهم الاعمى الذي غاب عنه الاعتدال والثقافة. وقد اثبت التاريخ انهم هدفوا الى الاستفادة من مواقعهم واعطاء صورة غير صحيحة عما يمثلونه، تماماً كما يرى المسيحيون اليوم ان الحروب الصليبية والمذابح النازية لم تأخذ طابعاً مسيحياً، علماً ان المسلمين ايضاً لا يرون تمثيلاً صحيحاً لديانتهم من خلال ما يحصل في عدد من البلدان بما فيها افغانستان.

·         للمرة الثانية، نلاحظ انك تميل في افلامك الى معالجة الامور الدينية. لماذا؟

الدين جزء لا يتجزأ من حياة شعوب الشرق الاوسط واذا تغاضينا عنه، نفسح المجال للناس ان يظنوا اننا ارهابيون علماً انني واجهت بصرامة شخصيات غربية سياسية واعلامية بارزة لانهم وصفوا في تصريحاتهم ومقالاتهم الشعب العربي والاسلامي بأنه اقل مقاماً من المسيحيين في الغرب، وهذا أمر شائن لذا من واجبنا ان نثبت ان الارهابيين لا يمثلوننا كشعوب.

·         لكن ايران وأنت منها تعارض ما تقوم به؟

اذا عدت في التاريخ الى الوراء، أدركت ان لا حكم تمكن يوماً من قمع الفنانين واعمالهم، واعتقد ان اعمالي ستصل الى الجمهور الايراني عاجلاً ام آجلاً. انا بطبعي متفائل وبما انني حققت الفيلم الذي اريده ودافعت عن مبادئي الانسانية، فلا مجال للندم او الخوف. اضافة الى ذلك، حاولت جهدي ألا أسيّس محتوى الفيلم كما يفعل المسؤولون عادة لتبرير اعمالهم السيئة وقمعهم للحريات.

·         لكن هذا التفاؤل لا يظهر في الفيلم؟

بل يظهر ولو بغير وضوح، لكن “الحادجي” يخرج من القرية في نهاية المطاف والفتاة لا تموت! يرتكز الفيلم على قصة مأساوية وهو يتمحور حول اربع شخصيات اساسية، الاولى ميتة، والثانية هي زوج الام، وهو مزارع بسيط وبريء يتخلى عن ولده عندما يدرك ان هذا الاخير استسلم للافكار الشريرة. اما الشخصية الثالثة فهي رجل معتدل يحاول تقبل “الحادجي” ومقاومته في الوقت عينه، اضافة الى “الحادجي”، أي الشخصية الرابعة.

·         تطرح في الفيلم عدداً من الاسئلة التي تغيب عنها الاجابات؟

هذا صحيح. لم ارد التطرق الى الاسباب التي تدفع مجتمعاتنا الى تهميش المرأة واضطهادها، علماً انه يمكن معالجة هذا الموضوع الواسع من وجهات نظر عدة. وهذا ليس هدف الفيلم. كذلك لم يلبس الفيلم طابع التحليل الديني بقدر ما قص حكاية التمثيل الخطأ للدين من جانب اشخاص يتصرفون باسم الاسلام. لكنني اردت ترك بعض الامور للمشاهد ولا اظن ان أيا من المشاهدين، أكان في العالم العربي او الغربي، لم يتأثر بالفيلم لانه يعالج مسألة انسانية على نحو موضوعي. لقد حان الوقت لمحاربة المتسترين بالدين وهزمهم كي نتخلص من الطغاة. على سبيل المثال، يستغل الرئيس الامريكي بوش عقيدة شعبه القومية من اجل خدمة اهدافه الاقتصادية والعسكرية في العالم عموما، والعالم العربي خصوصا.

·         هل تعتقد ان الموضوعات التي تتطرق اليها السينما الايرانية تعكس الوضع الحالي فيها؟

اعتقد ان الفيلم يعكس الحالة الانسانية عامة ولا يتوقف فقط عند ما يعانيه الايرانيون. كنت اتحدث في الواقع الى شخصيات اوروبية وغربية وقلت لهم انهم يستطيعون ايجاد هذا “الحادجي” في قلب مجتمعهم وعلى مقربة منهم لانه يمثل طبيعة انسانية كونية، تماماً مثل جميع الشخصيات الموجودة في الفيلم.

·         ماذا عن العروض السنوية في دور السينما الايرانية؟

لا املك احصاءات دقيقة، لكن الواقع انها تقدم بين 50 و70 فيلماً روائياً طويلاً وهذا جيد نسبة الى بلدان اخرى، علماً ان معظمها من الانتاج المحلي بسبب القيود التي تفرضها الحكومة. وذلك يؤدي الى انحصار نوعية الجمهور الذي يقصد دور السينما وهو امر مؤسف حقاً. رأيت أخيراً بعض الصالات التي يتم تحديثها وتزويدها بالمعدات التكنولوجية اللازمة، لكنني اعتقد ان ما تبقى منها على شفير الهاوية أي انها توشك على الافلاس.

·         ما معدل كلفة صناعة الفيلم؟

4 ملايين دولار هو اعلى مبلغ قد ينفقه منتج على فيلم ما، لكن الكلفة مرهونة بما يصبو اليه المخرج ومستوى الابتكار الذي ترتكز عليه الصناعة. لكن اذا ما اردنا المقارنة بالمعيشة في ايران، يمكننا القول ان أي فيلم سينمائي يكلف مبالغ طائلة. اضافة الى ذلك، يواجه المخرج صعوبات جمة في ما يتعلق بالمعدات الضرورية، إذ تسيطر عليها الحكومة وبالتالي من الصعب الوصول اليها. كذلك لا يمكن تحميض الافلام بالسهولة المنشودة لان عدد المختبرات لا يتعدى الاربعة في البلد بأكمله. لذا، فالأمر مكلف نسبة لوضع البلد الاقتصادي.

·         ما تأثير العولمة على هذا المجال؟

لا شك ان الحكومة حاولت جاهدة التأقلم مع ظاهرة العولمة لكن ذلك لم يكن كافياً نظراً للمحرمات والقيود. على رغم هذا، فالانترنت والصحون اللاقطة تؤمن معلومات مهمة ومعطيات اساسية لتقدم الصناعة السينمائية في ايران. وبالتالي، يستطيع الجيل الجديد التعرف الى احدث ما يدور في العالم من اخبار ونشاطات، علماً ان القواعد التي تفرضها الحكومة غير قادرة على السيطرة على وسائل الاتصالات تلك.

الخليج الإماراتية في 2 سبتمبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

فيلمه الأخير مرفوض في بلده إيران

باباك بايامي: الطغاة فشلوا دائماً في قمع الفنانين

بيروت/ هوفيك حبشيان