شعار الموقع (Our Logo)

 

 

في إطار اللقاء السينمائي السنوي <<نما في بيروت>>، الذي أقيمت دورته الرابعة في إحدى صالتي <<سينما أمبير>> في <<مركز صوفيل>> في الأشرفية بين السابع والعشرين والثلاثين من آب الفائت، عُرضت أفلام تجريبية لبنانية عدّة استدعت التوقّف النقدي عندها انطلاقا من سؤال المعنى الثقافي والشكل البصري لهذا النمط السينمائي الحديث في لبنان والمنطقة العربية.

الأفلام التي شاهدتها مساء الاثنين، هي: <<عناق>> و<<من دون عنوان 1997/2003>> للميا جريج، <<وا>> و<<طبله>> لزياد عنتر، <<اليوم الذي ينشقّ فيه الفجر>> لحسني عوجا، <<حفظ ماء الوجه>> لجلال توفيق، <<التواء>> و<<أجزاء من حياة مُدمِّرة>> لكريستوف كراباش.

مرّة جديدة يُعاد طرح سؤال السينما التجريبية في لبنان والعالم العربي. ذلك أن الأفلام المختارة في الدورة الرابعة ل<<نما في بيروت>> حرّضت على معاينة نقدية تكاد لا تختلف عن تلك التي أثارتها أفلام شاركت في <<أشغال داخلية>>، الذي أحيته <<أشكال ألوان>> قبل أشهر طويلة. إن السؤال الأبرز في هذا المجال كامن، ببساطة، في: هل السينما اللبنانية (والعربية) قادرة على إنتاج أفلام تجريبية، محتاجة إلى تطوّر طبيعي للتقنيات المستخدمة وللثقافة والوعي والمعرفة والعلم، قبل أن تنفصل عن الأنواع السينمائية الأخرى، وتؤسّس لنفسها حيّزا مستقلا؟ هل هناك ارتباط ما بين ضرورة أن يكون للسينما اللبنانية شكلا إنتاجيا متكاملا وسويا، وتحقيق أفلام تجريبية؟ هل أجابت الأفلام اللبنانية المُنتجة في خلال خمسة وسبعين عاما على الأسئلة السينمائية كلّها، الفنية والجمالية والدرامية مثلا، كي تبدأ تجريب لغة مختلفة لا تزال منفصلة عن الواقع الثقافي اللبناني العربي؟ وهل <<يجب>> على الأفلام اللبنانية أصلا أن تجيب على هذه الأسئلة، كي تختبر النوع التجريبي؟ أم إن المسألة كلّها مرتبطة بتماه مسطّح بالتطوّرات الحاصلة في الغرب، وبادّعاء أعمى باللحاق بالعصر، من خلال تقليد النماذج الغربية من دون انتباه لمدى ملاءمتها بالمحليّ اللبناني والعربي؟

تساؤلات

لا أبغي من هذه التساؤلات أكثر من رغبة صادقة في فهم معنى الانجذاب اللبناني والعربي لسينما تجريبية ما، في وقت لا تزال السينما اللبنانية، مثلا، غير قادرة على بلورة مفهوم متجدّد لها في مسألتي الإنتاج والجماليات: إنها غارقة في أزماتها المتنوّعة، وعاجزة عن بلورة أسس صناعية لها، ومستسلمة لعشوائية إنتاجية لا تقدّم هوية واضحة، وإن قدّمت أفلاما كثيرة ذات سوية درامية وجماليات فنية وفكرية وبصرية مثيرة للاهتمام والمساءلة. في مناخ كهذا، هل يُعقل أن يمارس البعض هواية التجريب من دون ارتكاز على بُعد ثقافي وتاريخي ثابت وعام، يُمكنه دعم الاختبارات كلّها؟ في الحقيقة، لا أملك أجوبة بقدر ما أحاول البحث عنها. فهذه السينما التجريبية لا تعني لي شيئا على الإطلاق، من دون أن يعكس موقفي الشخصي هذا رفضا لها، إذ إنها جزء من النتاج السينمائي الغربي، بأبعاده الثقافية والتقنية والفنية والجمالية الحاضرة في مجتمع غربي نجح، منذ زمن بعيد، في خلق حداثة حقيقية لا تزال أصداؤها تدوّي في جنباته المختلفة.

هل امتلكت الأفلام التجريبية المشاركة في الدورة الرابعة ل<<نما في بيروت>> خصوصيات تجريبية محلية، أو على الأقلّ بعض قواعد التجريب السينمائي الموضوعة من قبل منظّرين لها في الغرب؟ فالناشط السينمائي الفرنسي مارسيل مازيه (مدير <<مهرجان باريس للسينمات المختلفة>> والرئيس الحالي ل<<جماعة السينما الشابة>> التي ساهم في تأسيسها) قال إن السينما التجريبية هذه <<تستخدم إمكانيات التعبير عن طريق الصورة والصوت بطريقة حرّة ومتحرّرة تماما، خالقة بذلك كتابة جديدة أكثر طواعية للهموم والمشاغل المعاصرة>>، مضيفا أن المادة الفيلمية <<تصبح نوعية، ويُمكن للعناصر الأولية للسينما (سرعة الضوء، تتابع الصُوَر، مونتاج الصورة والصوت، الإطارات، إلخ.) أن تكون منسّقة ومرتّبة بطريقة تُترجم تماما الفكرة الفنية للسينمائي من دون عقدة تحدّه>>. يُستشفّ من ذلك أن السينما التجريبية متحرّرة من البناء الروائي التقليدي المقدّس ومن مواضيع محرّمة، ثقافية وسياسية وجمالية واجتماعية وجنسية وشخصية وتاريخية ومعاصرة ومستقبلية إلخ. الباحث السينمائي الكندي دومينيك نوغيز قال إن السينما التجريبية <<تمتلك كل ما هو حيّ وجوهريّ في فنّ الصوت والصُوَر المتحرّكة>>، مشيرا إلى أن <<السينمائيّ التجريبي لا يصنع أفلامه لكي يبيعها بل ليحقّق متعة خاصة يحسّها المبدع، ولا من أجل أسطورة <<الجمهور>> أيضا بل لبعض الأصدقاء، إن لم نقل من اجله هو لوحده>>. ورأى أن هناك شرطا أساسيا لهذه السينما مفاده أن <<كل فيلم يجسّد هموما شكلية إبداعية>>، قاصدا بذلك <<كل همّ يرتبط بالمظهر والبناء الفيلمي، من دون التفكير كثيرا بالمعنى الذي يقدّمه>>. هذا ما ذهب إليه مازيه أيضا بقوله إن الشكل هو الأهمّ، ف<<التقنيات السينمائية والفيديوية والوسائط الإعلامية المتعدّدة تسمح بذلك. إن التخلّص من التقنيات المتكرّرة والمُعادة والنمطية <<المتواضعة>> غالبا، الخاصة بسينما تجارية وصناعية، يؤدّي إلى تحرير الكاميرا وجعلها تدور في الاتجاهات كلّها>>.

تجريب لبناني

يُمكن القول إن أفلاما تجريبية لبنانية عدّة <<أجابت>> على القواعد الموضوعة، في حال تمّ التسليم بأن ما قاله بعض المنظّرين التجريبيين يعكس المعنى الحقيقي لهذه <<السينما التجريبية>>: تركيز على الشكل، تحرّر من التقليد البنائي والمواضيع المكرّرة، متعة شخصية، لا مبالاة بمدى اهتمام الجمهور بها وإن عُرضت في لقاء سينمائي يُراد له أن يكون جماهيريا... لكن، هل يكفي هذا لاعتبار الأفلام سينمائية؟ هل الإمعان في تشويه مفهوم جمالي للصورة (ربما لا يزال كثيرون يعتمدونه وإن بات، بنظر آخرين، تقليديا باهتا) نموذجا سينمائيا صالحا لإيجاد <<سينما تجريبية>>؟ هل إبطاء الإيقاع الفنيّ للسياق الحكائيّ تمرّد على قواعد سينمائية في السرد والقصّ، أم محاولة لخلق مساحة أخرى من السرد ومفهوم مختلف للقصّ، على الرغم من نظرية الشكل على حساب المضمون في السينما التجريبية؟ هل تثبيت الكاميرا على لقطة/مشهد/حدث ما رغبة في تشريح <<المضمون>> من خلال فبركة شكل معيّن للتصوير، أم مجرّد <<لعبة فنية ما>> لا يُتقنها إلاّ بعض السينمائيين، ومنهم من يرى فيها <<تمرينا سينمائيا>> يساعد على تفعيل علاقة السينمائيّ بالكاميرا والصورة والتفاصيل الأخرى؟ لا أعرف أجوبة نهائية، ولا أبغي حسما للموضوع. ذلك أن هذه السينما التجريبية اللبنانية لا تزال في موضع الاختبار، وتحتاج إلى مزيد من المساءلة النقدية، كي تتوضح صورتها ومفاهيمها. غير أن بعض الأفلام المشاركة في <<نما في بيروت>> أسرف في ادّعاء ثقافي وفني لا يصنع صورة بقدر ما يسحقها، ولا يعكس حالة إنسانية أو اجتماعية أو سياسية إلخ بقدر ما يوجد حالة فنية باهتة ومضجرة. والاشتغال على الصُوَر دونه عقبات إبداعية عدّة، إذ ظلّت هذه الصُوَر معلّقة في الحدّ الفاصل بين الجمالية والقبح، مع ميل واضح إلى قبح لا يُحتمل في استخدام الكاميرا واختيار المشاهد وصنع اللقطات والاستعانة بالموسيقى و/أو الأغاني المرافقة إلخ.

اختارت لميا جريج فيلمين قصيرين للغاية من أفلامها الفيديوية المتنوّعة لعرضهما في فقرة مخصّصة بالسينما التجريبية في <<نما في بيروت>>، علما أن فيلمها الوثائقي الأخير <<هنا وربما هناك>> يُعرض في الدورة الثالثة ل<<أيام بيروت السينمائية>> المزمع إحياؤها بين الخامس عشر والخامس والعشرين من أيلول الجاري، ويتناول مسألة إنسانية لبنانية حسّاسة ومُعقّدة ومعلّقة أيضا، هي مسألة المخطوفين و/أو المفقودين (عُرض هذا الفيلم سابقا في <<أشغال داخلية>>، كما <<حفظ ماء الوجه>> لجلال توفيق). فيلما الفيديو مصنوعان في إطار خاص بتجهيزات حقّقتها جريج سابقا: الأول بعنوان <<عناق>> (4 دقائق) والثاني <<من دون عنوان 1997/2003>> (8 دقائق). الأول عن علاقة بين شاب وصبيّة بدت أحيانا متوترة ومرتبكة وظهرت في أحيان أخرى سوية. الثاني تراكم صُوريّ التقطته كاميرا مرتبكة أو مهزوزة. فيلمان آخران لمخرج واحد يُدعى زياد عنتر، هما <<وا>> (دقيقتان) و<<طبله>> (دقيقتان)، مرتبطان بالموسيقى. الأول عن طفلين يعزفان ويغنيان كلمة واحدة هي <<وا>>. الثاني عن شاب يستحمّ ويدقّ على صدره مقطوعات موسيقية. الأول متميّز بالطفلين الجميلين. الثاني عاديّ. كريستوف كراباش هو المخرج الثالث الذي اختير له فيلمان اثنان أيضا هما <<التواء>> (5 دقائق) و<<أجزاء من حياة مدمّرة>> (8 دقائق). الأول توليف بصري لصُور تُعنى بالحروب وتفاصيلها وعناوينها المختلفة. الثاني عن الحياة اللبنانية من خلال أغنية <<الهوّارة>> ومشاهد الحيوانات الأليفة المُساق بعضها إلى الذبح. كأن المخرج أرادهما انتقادا ساخرا لأنماط حياتية وفكرية مختلفة.

السفير اللبنانية في 2 سبتمبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

"نما في بيروت" يُقدّم الفيلم التجريبي اللبناني

هل له خصوصية أم أنه مجرّد تمرين سينمائي؟

نديم جرجورة