شعار الموقع (Our Logo)

 

 

يبدو أن الحركة السينمائية الجديدة في الكويت بأفلامها المصورة من خلال كاميرات الفيديو الرقمية (الديجيتال) والمحولة إلى أشرطة سينمائية بقياس 35 ملم، والتي دارت عجلتها بعد ظهور فيلم (شباب كول) للمخرج محمد دحام الشمري، قد أفرزت ظاهرة الإنتاج المتسرع وغير المدروس والمُنتحل أيضا، فيما يشبه السباق الجنوني والفوضوي من اجل الربح السريع واستقطاب الجمهور المراهق والضحل فكريا وثقافيا، وبتنازلات صارخة جعلت من شروط الفيلم السينمائي الحقيقي شروطا مائعة ومختلطة بما هو سائد في المسرح وفي الثورة التلفزيونية الجديدة أو ما يسمى بهوس المشاهدة النهمة والسريعة (أغاني الجسد والكوميديا العابرة ومطربي الأفراح والإعلانات) وما يستتبع هذه النتاجات من خضوع كلي لقانون : (اتبع ذوق الجمهور ولا تخش الخسارة، وزيادة على ذلك ضع بعض البهارات السياسية والاجتماعية حتى لا يفقد الفيلم انتماءه للبيئة المحلية وللهوية الوطنية!!)، هكذا وبكل سذاجة يمكن للفيلم التجاري أن يتعامل فقط مع جيب المشاهدين وأن يتوسل حضورهم لقاعة السينما أو قاعة المسرح (لا فرق بينهما عند المنتج الشامل المشغول بأرقامه وإيراداته)، وذلك عن طريق الملصقات الدعائية المثيرة التي تعرض صورا لممثلة روسية مجهولة ولبعض الممثلين المعروفين في الساحة مع إضافة كلمة (آكشن) العريضة والمتفجرة على الملصق، وهذا ما حدث فعلا مع شعارات الفيلم الكويتي (منتصف الليل) للمخرج عبدالله السلمان والمعروض حاليا في الصالات السينمائية بدبي، فأول ما يلفت انتباهك واستغرابك في ذات الوقت هو عنوان الفيلم والذي ستكتشف وفي حالة ندم متأخرة بأن لا علاقة له بتاتا بالأحداث التي شاهدتها طوال فترة جلوسك في صالة العرض، ويبدو أن الذهنية التجارية العبقرية للمنتج والمُعلن قد قامت بتوليف خلطة سحرية من الصور الصارخة والعناوين اللامعة والموحية بالرعب (عنوان الفيلم واللون الداكن للملصق) وبالإثارة الحسية (الممثلة الروسية) والمطاردات البوليسية (صور السيارات المحطمة)، في حركة تشبه رش الماء لتلميع السمك الفاسد!

وكما يبدو فإن مثل هذه الأفلام لن تفلت لا الآن ولا مستقبلا من سطوة الهيمنة الإعلامية المشوهة والمدعومة من مافيا الفيديو كليب والمسرح التجاري وأفلام المقاولات والتي أهملت كل القيم الاعتبارية لفن السينما الحقيقي وللشروط المنتمية للصورة السينمائية بكل تاريخها وارثها وعراقتها ــ نتذكر هنا وبحسرة بالغة فيلم: "بس يا بحر" لخالد الصديق ــ، ونخاف بشدة ونتوجس أن تنتقل هذه العدوى السينمائية الرخيصة والبائسة إلى باقي دول الخليج كما حدث مع ظاهرة المسرح التجاري ــ السيئ الذكر ــ في تسعينات القرن الماضي .

*******

ينتمي فيلم (منتصف الليل) وكما يقول الملصق إلى أفلام "الأكشن" ــ كلمة أخرى استعراضية ومخصصة للاستهلاك الإعلاني ــ وتعزيزا لهذه الفكرة الجهنمية يحاصرك المخرج من بداية الفيلم وحتى نهايته بأصوات صارخة ومؤثرات صوتية قادرة على زلزلة الصالة، فقط كي يعيش المشاهد المسكين حالة الإثارة والانخطاف و(الأكشن !!) بجسده وكامل حواسه وكي يصدق بأن كل العيوب الإخراجية والتقنية للصوت والصورة والأداء الفقير للممثلين وكوارث السيناريو يمكن تذويبها في الإزعاج والتشويش والصخب الحارق .

وسيتبين للمشاهد المطّلع والواعي وصاحب الذاكرة الحاضرة وبعد مرور بعض الوقت أن الحبكة الأساسية للفيلم ما هي سوى انتحال علني ومكشوف وبتفاصيل دقيقة للفيلم الأمريكي (لا تنطق بكلمة) ..... .... (Don’t Say a Word) المنتج عام 2001 ومن إخراج : "جاري فليدر" وبطولة كل من : مايكل دوجلاس وبريتاني مورفي وشون بن (البريطاني وليس الأمريكي)، ومن دون أي ذكر أو إشارة لهذه المعلومة من قبل المؤلف والمخرج والمنتج ومن دون أي تلميح على الملصق أو تترات البداية والنهاية (سيكون ذلك مقبولا على الأقل من باب الاقتباس ومن باب الأمانة التاريخية والتوثيقية)، ولكن يبدو أن المؤلف أراد قاصدا أن يستغفل الجميع ويستغفل ذاته كي ينسب الحبكة لنفسه دون أي إحساس بالتأنيب تجاه ضميره الفني أو حتى تجاه المشاهدين المدمنين على الأفلام وتنبيههم مسبقا كي لا يصابوا بالصدمة والتشويش لحظة تذكُّرهم لمشاهد الفيلم الأصلي، فهذه الحبكة وكما جاءت في الفيلم الأمريكي تدور وباختصار حول طبيب نفسي (مايكل دوجلاس) ــ (عبدالرحمن العقل في الفيلم الكويتي) يتم إجباره من قِبل عصابة محترفة على اختطاف المريضة النفسية التي يعالجها والتي تملك معلومات مهمة حول مسروقات قديمة، ولإجبار الطبيب على الرضوخ وتنفيذ المهمة ودون أن ينطق بكلمة للشرطة يتم اختطاف ابنته كرهينة عند العصابة (التغيير الوحيد في الفيلم الكويتي كان في اختطاف ابن عبدالرحمن العقل) ومن هنا فإن الخيوط الدرامية تتجمع وتتفرق من خلال هذه الحبكة وتتفرع منه أيضا كل المطاردات البوليسية من خلال السيارات الرياضية السريعة ودراجات (البانشي) الصحراوية والتي رأينا مناوراتها الخطرة من خلال لقطات مميزة ومدروسة وان عابها المط والتطويل، وكما يبدو فإن المخرج عبدالله السلمان الذي أخرج للتلفزيون أعمالا شبيهة كما في (الخطر معهم) و(اثنان على الطريق) هو عاشق كبير لمثل هذه المطاردات السريعة ويحب التعامل معها وهو قادر على تنفيذها بشكل مقبول في مشاهد كثيرة من الفيلم وليته اكتفى بإشرافه على هذه النوعية من الكادرات السريعة المفقودة والمغيبة في جل الأعمال الدرامية العربية ــ وإن عابها أحيانا المبالغة وعدم الإقناع ــ، ولكن يبدو أن إغراءات الإخراج قد أدخلته في متاهات كثيرة كان في غنى عنها، فطريقة إدارته للممثلين تفتقد لحساسية التقمص وملء الشخصية بالانفعالات المخصصة لكل موقف على حدة، فقد رأينا الممثليْن المخضرميْن (إبراهيم الحربي وعبدالرحمن العقل) وكأنهما يمثلان لأول مرة، لأننا وفي وسط الأحداث الساخنة والمطاردات والمواقف الجادة كنا نرى إبراهيم الحربي ومعه كل من الممثل أحمد إيراج وأحمد السلمان وهم يبتسمون ويتبادلون النكات، كما أن أداء عبدالرحمن العقل كان كلاسيكيا وذو جرعة عاطفية زائدة و كان يغلب عليه الشحوب والارتباك وانفلات التركيز، وكانت الطامة الكبرى في أداء الممثلة التي قامت بدور المريضة النفسية والتي أثارت سخرية المشاهدين في الصالة بدلا من استجلاب عطفهم، مع أن دورها كان محوريا في الفيلم وكان يتطلب الاستعانة بممثلة لها ثقلها ووزنها في هذا المجال، أما عامل البيتزا والذي كان مجرد شماعة لتعليق شعار اجتماعي مقحم في الفيلم حول (العمالة الوطنية) ــ فيما يشبه التقليد والمجاراة لأفلام الموجه الجديدة في الكويت، (شباب كول) على سبيل المثال ــ فقد كان أداءه التهريجي مبالغا فيه وانفعالات الخوف لديه أثناء دخوله قسم التحريات لم تكن مقنعة وغلب عليها الاصطناع والتكلّف، وكذلك الحال مع الممثلة الروسية التي لم يكن لوجودها في الفيلم أي مبرر منطقي وموضوعي، ولا ندري لماذا يلجأ بعض المخرجين لإقحام مشاهد ولقطات وشخصيات لا تخدم الخط الأساسي لحبكة الفيلم ولا تملك أية قيمة فنية وجمالية يمكن أن تضيف زخما وثراء للهدف والمغزى الأصلي الذي أراد النص والسيناريو إيصاله للمتفرج (نتذكر بغرابة مشهد الرقص والغناء والسهرة الحمراء في الشاليه، ونتذكر أيضا اللقطات الطويلة والمملة التي زجها المخرج وسط الأحداث للإطارات التي تخرج منها ألسنة اللهب والشباب الذين يلهون بسياراتهم على الكورنيش في إضافة تشبه الهبة أو الهدية من المخرج لإرضاء فئة خاصة من المراهقين والأحداث!، ونتذكر المطاردة الهائلة لمروجي المخدرات في الصحراء، مع قطع حاد لنهاية المشهد والانتقال لمشهد آخر جديد دون أي تفسير أو خاتمة منطقية لمشهد المطاردة نفسه، كما لا ننسى المبالغة الكبيرة في لقطات المطاردة في المدينة والتي رأينا فيها السيارات وهي تقفز فوق الشاحنات الكرتونية وكأنها تملك أجنحة أو موتورات نفاثة !) .... وهناك الكثير والكثير جدا من هذه الإقحامات والزوائد التي لم يكن لها داعٍ، وكان واضحا الخلل في صياغة وترتيب المشاهد وفي توهان النص بين الكوميديا وبين الدراما وحمى السرعة والمطاردات والحوادث.

والغريب فعلا أن يقوم بعض الصحفيين هنا بالتطبيل والترويج لمثل هذه الأعمال التي تحتاج لزمن طويل كي تتخلص من آفة تقليد الآخر وكي تمتلك الميزات التقنية والكوادر المؤهلة والوعي السينمائي المطلع والمتفتح كي تتأسس معها وبها أولى لبنات الصناعة السينمائية في دول الخليج، كما أنها تحتاج لزمن آخر كي تصل لمرحلة النضج الفني المأمول واستغلال البيئة والمكان والحكايات والقصص النابعة من المخيلة الشعبية لتقديم أفلام ذات خصوصية منفصلة ومتصلة في آن مع التراث الإنساني والعالمي .

أما أن يأتي أحد الصحفيين عندنا وينعت فيلما مثل (منتصف الليل) بأنه: "لقي ترحيبا من المهتمين بالشأن الفني والدراما والسينما في الإمارات" وأنه: "أثار اهتمامهم المستوى الفني العالي للفيلم"، وأنه: "تميز بحبكته البوليسية المشوقة مع لمحات كوميدية لطيفة" فإن هذا يعني أن الصحفي الذي كتب الخبر إما أن يكون قارئا للغيب كي يخترق قلوب وعقول السينمائيين في الإمارات ويتعرف بكل وضوح وشفافية على انطباعاتهم ومشاعرهم ثم يتحول إلى المتحدث الرسمي الذي يمثلهم، وإما أنه لم يشاهد الفيلم أصلا وارتجل كلاما للمجاملة والاستهلاك الصحفي لا أكثر.

إننا بحاجة للنقد والصراحة والصرامة أكثر من حاجتنا للتطبيل والتزمير والمحاباة، لأن فن السينما في منطقتنا ما زال وليدا وما زال يحبو وهو بحاجة ماسة للرعاية واهتمام القطاعات الرسمية والخاصة، وعرض نماذج تجارية متواضعة من هذا الفن وفي هذا التوقيت بالذات قد يعرقل مشاريع أخرى ناضجة و جادة، وتنتظر التنفس فقط كي تعبّر عن طاقاتها ورؤاها من خلال وعي حقيقي وعين راصدة و مثقفة وجديرة بأن تتاح لها الفرصة ويُوَفّر لها التمويل المناسب و التقنية الحديثة وهواء الإبداع المتجدد.

موقع "إمارات فيلم" في 10 سبتمبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

الفيلم الكويتي (منتصف الليل): تاه في منتصف الطريق بين الكوميديا والحركة!

حبكته الدرامية مقتبسة بتفاصيلها من فيلم أمريكي

الفيلم الكويتي (منتصف الليل) : تاه في منتصف الطريق بين الكوميديا والحركة!

دبي/ إبراهيم الملا