شعار الموقع (Our Logo)

 

 

المكان‏:‏ مطار نيس الفرنسي

الزمان‏:‏ اليوم التالي لانتهاء مهرجان كان الدولي‏.‏

أقف في الصف منتظرا دوري لتقديم تذكرتي إلي الموظفة النحيلة التي تخدم حاليا أربعة شبان سمر دون العشرين بان عليهم أنهم من الخليج‏.‏ يبدو عليهم أيضا أنهم مبتهجون وسعداء‏.‏ الموظفة بشوشة وهم يتمازحونها‏.‏ بيني وبينهم امرأة في أربعينيات العمر تسبقني في الدور‏.‏ بعد نحو عشر دقائق حان دورها وحان دوري أمام مكتب آخر فذهبت إليه‏.‏ حين انتهيت وجدت تلك السيدة بانتظاري تريد أن تقول شيئا‏.‏ طأطأت برأسي في اهتمام وعلي شفتي ابتسامة صغيرة اتسعت عندما انتهت من كلمتها‏:‏ سير لا أقصد أن أبدو عنصرية أو أي شيء من هذا القبيل‏,‏ لكن ألا تشعر بالخشية حين تدرك أن هناك شبانا عرب علي الطائرة معك؟‏.‏

طبعا كنت أستطيع أن أقول لها‏:‏ لا‏.‏ لأني أنا نفسي عربي‏.‏ لكن ذلك لم يكن لينقذها من وسواسها فقلت‏:‏ لا‏.‏ أنا واثق من أنهم شبان أبرياء من كل ذنب وفي هذه الأيام لا يستطيع عربي أخذ الفيزا إلي أوروبا بسهولة‏.‏ اطمأني‏...‏

في تلك اللحظة شاهدت جيمس بوند يتقدم من المكان فأضفت‏:‏ وعلي أي حال ها هو جيمس بوند بنفسه وصل‏.‏

ضحكت وانشغلت عيناها به‏.‏

جيمس بوند المذكور لم يكن سوي روجر مور‏.‏ تجاوز الستين لكنه لا يزال يبدو عشر سنوات أقل‏.‏ مستقيم الظهر‏.‏ يحمل علي وجهه ابتسامة عريضة وتصاحبه زوجته‏.‏ نعم‏.‏ لم يتزوج بوند سوي مرة واحدة علي الشاشة‏,‏ لكن ثلاثة من الذين لعبوا بوند متزوجون سعداء وهم شون كونري وروجر مور وجورج لازنبي‏.‏ والأخير هو الوحيد الذي نص سيناريو فيلمه علي أن يتزوج علي الشاشة‏.‏ لا أحد يعلم ذلك لأن ذلك الفيلم‏,‏ وعنوانه في خدمة صاحبة الجلالة وتم إنتاجه سنة‏1971‏ فات في الحيط علي تعبير الموزعين اللبنانيين لوصف كل فيلم يسقط تجاريا‏.‏

لم يكن بد من مشاهدة روجر مور في ردهة المطار أكثر من مرة‏.‏ ودائما من مسافة‏.‏ إحدي هذه المرات كان ورائي في الصف الطويل صوب أجهزة المطار الأمنية‏.‏ يحاول أن يبدو طبيعيا بعدما أصبح محط اهتمام المحيطين‏.‏ كلهم كانوا ينظرون إليه بابتسامة ولا أحد تخطي حدود اللياقة وقدم نفسه أو طلب توقيعا‏.‏ هناك احترام للعالم الخاص للممثل الذي من حقه أن يشترك في شئون الحياة الاجتماعية كباقي الناس‏.‏ حين انتهيت من إجراءات التفتيش سمعت حارسا يقول لآخر‏...‏ هاهو جيمس بوند‏.‏ نظر الآخر‏,‏ وكان شابا دون الثلاثين‏,‏ إلي روجر مور‏.‏ ابتعدت قليلا أنظر إلي الموقف‏.‏ وصل دور روجر مور‏.‏ طلبه ذلك الموظف وراح يفتشه تفتيشا بدنيا وهو لم يكن قد فعل ذلك معي أو مع معظم الذين مروا علي جهاز الأكس راي‏.‏ نظرت إلي وجه الممثل الذي حببتني لكنته في اللكنة الإنجليزية بأسرها فلم أجد علي وجهه أي شعور بالامتعاض محافظا علي برودته المعهودة‏.‏ أما الموظف فكان يريد‏,‏ في رأيي‏,‏ إثبات أنه هو الذي فتش جيمس بوند‏!‏

جيمس بوند في مأزق

روجر مور هذه الأيام ينهي زيارة طويلة للصين قام بها كمندوب لليونيسيف‏.‏ موضوع وغاية تلك الزيارة الدعوة إلي وقف التمييز الذي يواجهه الطلاب الذين مات ذووهم بمرض الإيدز فأصبحوا بدورهم عرضة للنبذ والعزلة‏.‏ وكان نحو‏40‏ فندقا صينيا رفض استقبال نحو‏100‏ ولد مات والدهم أو والدتهم بمرض الإيدز‏-‏ علما بأن المرض لم يكن قد انتقل إلي أي منهم‏.‏ مور دعا الي مؤتمر صحفي في بيكينغ وقال‏:‏أصحاب الفنادق الذين رفضوا استقبال يتامي الإيدز عليهم أن يضعوا رؤوسهم في الأرض خجلا‏.

رسالة إيجابية بلا ريب خصوصا أن المؤتمر الذي استمر نحو‏45‏ دقيقة عرض أيضا لموقف الممثل الخاص من قضايا اجتماعية أخري وسمح الممثل لنفسه التطرق إلي حياته اليوم بعد جيمس بوند ذاكرا أنه أحسن صنعا حين اعتزل وقتما اعتزل‏.‏

مور كان البوند الرابع من بعد الراحل ديفيد نيفن‏(‏ في فيلم واحد هو كازينو رويال الذي لم يكن النوع الذي نعرفه من أفلام بوند‏)‏ وشون كونري وجورج لازنبي‏.‏ بدأ مور رحلته مع الفيلم الثامن في السلسلة الرسمية‏(‏ أي بخلاف كازينو رويال سينما ومسلسل تلفزيوني‏)‏ وذلك بفيلم عش ودع الموت سنة‏.1973‏ من يومها‏,‏ تم إنتاج اثني عشر فيلما رسميا‏(‏ والمقصود بالكلمة إنتاجا يتبع حقوق شركتي إيون ويونايتد آرتستس‏)‏ آخرها مت في يوم آخر الذي مثله بيرس بروسنان‏.‏ وهنا لب الحديث‏:‏ جيمس بوند في مأزق وهو بحاجة لمن ينقذه بعدما اعتاد إنقاذ الناس بأسرها‏,‏ بل العالم كله‏.‏

المأزق بسيط‏:‏ بيرس بروسنان يريد الفكاك من أنياب بوند‏.‏ المنتجون لا يمانعون في ذلك لكنهم يخشون من التفريط بالممثل الذي أعاد لون الحياة الي أفلام بوند بعد فترة ركود حينما لعب تيموثي دالتون الدور مرتين‏(‏ في نجوم النهار سنة‏1987‏ ورخصة للقتل سنة‏1989).‏ بروسنان له حق رفض السيناريوهات إذا لم يجدها مناسبة له‏.‏ وهو يقول إن كل ما كتب للفيلم رقم‏21‏ المفترض أن يقوم ببطولته ليس علي مستوي جيد‏.‏ المنتجون لا يعلقون لكن نقل عن بعضهم أن بيرس بروسنان إنما يقوم بعملية ابتزاز فهو يطلب أجرا أعلي مما تقاضاه في فيلمه الأخير من السلسلة مت في يوم آخر‏(12‏ مليون دولار‏).‏

قد تكون المسألة ابتزازا لكنها قد لا تكون‏.‏ بيرس بروسنان في لقاء عابر بيننا قبل شهرين في باحة فندق فور سيزنس أوتيل قال‏:‏ المسألة بالفعل هي مسألة قناعة‏.‏ أعتقد أن منتجي بوند ليسوا جريئين بما فيه الكفاية‏.‏

-‏ كيف ذلك؟

السيناريوهات التي يتوخونها تناسب جمهورا شابا صغيرا‏.‏ إنها ليست مكتوبة حسب تقاليد بوند العريقة‏.‏ في سعي المنتجين للحفاظ علي نجاح هذه السلعة يكمن الخوف من إنهم إذا ما عمدوا إلي سيناريوهات أعمق وأكثر دراية بالشخصيات خسروا الجمهور‏.‏ أنا لا أريد أن أقوم بعمل لست راضيا عنه‏.‏

اليوم‏,‏ هناك خمسة أشهر تفصل بيننا وبين الموعد المقرر للبدء بتصوير جيمس بوند جديد وليس هناك من بطل مؤكد‏.‏ هل يعود بروسنان عن قراره ويمثل الدور للمرة الخامسة؟ أم يسحب الدور منه ويمنح لممثل آخر؟ ومن يكون هذا الممثل؟ هل هناك من مرشحين؟

المؤكد هو أن الإنتاج ليس لديه ممثل محدد بعد‏.‏ ليس هذا فقط‏,‏ بل ليس في الأفق ترشيح لمخرج يتولي المهام الصعبة في تقديم بوند جديد يستند إلي الثروة الكبيرة التي جناها بوند في الوجدان العاطفي والثقافي للمشاهدين ويعمل في الوقت ذاته لاكتساب جمهور القرن الواحد والعشرين الذي يبدو أكثر تشرذما من أي وقت آخر‏.‏

بالنسبة لبيرس بروسنان فإن المسألة ليست مبتورة‏.‏ هو يضع شرط السيناريو وإذا ما حاز السيناريو علي إعجابه قام بالدور‏,‏ لكنها ستكون المرة الأخيرة إذا ما فعل‏.‏ إذا لم يقم ببطولة فيلم جديد‏,‏ فإن مت في يوم آخر الذي خرج للعروض في العام الماضي بنجاح لا بأس به‏,‏ هو الفيلم الأخير في دور العميل صفرين سبعة‏.‏

إذا ما حدث ذلك ومارس بروسنان امتناعه محولا التخمينات إلي حقائق واقعة‏,‏ فإن أقرب من تتناولهم الشائعات همسا هذه الأيام هو أورلاندو بلوم‏.‏ ذلك الفتي الذي تخصص في رمي السهام في سيد الخواتم ثم في طروادة والذي لديه معجبون شبان كثيرون يريد منتجو جيمس بوند جذبهم إلي أفلامهم‏.‏ والصورة الكاملة تشي بأن الأزمة أكبر من مجرد ممثل‏.‏ إنها في صلب الشخصية‏.‏

ولد جيمس بوند في كنف الكاتب إيان فليمنغ‏,‏ الذي كان عميلا لمكتب المخابرات البريطانية الملكية في جامايكا حين وضع روايته الجيمس بوندية الأولي بعنوان د‏.‏ نو‏.‏ علي الفور هب ألبرت بروكولي وهاري سولتزمان لإنتاج فيلم عن تلك الرواية سنة‏1962‏ قام ببطولته الجديد نسبيا شون كونري‏.‏ والنجاح الكبير الذي حققه الفيلم حث المنتجين علي شراء كل حقوق الروايات المنجزة من قصص هذا العميل المحنك وتحويلها إلي أفلام سينمائية‏.‏ كونيري لعب الدور خمس مرات أخري في من روسيا مع الحب‏1963‏ وغولدفينغر‏1964‏ وثندربول‏1966‏ تعيش مرتين فقط‏1968.‏ في أعقاب هذا الفيلم أعلن كونري أنه يريد الانصراف عن الشخصية ما حدا بالمنتجين بروكولي وسولتزمان إلي الاستعانة بالممثل الأسترالي غير المعروف جورج لازنبي وإسناد بطولة في خدمة صاحبة الجلالة إليه إنه الفيلم الوحيد الذي يقع فيه بوند في الحب فعلا‏,‏ والفيلم الوحيد الذي يتزوج فيه ممن أحب‏,‏ والفيلم الأول الذي يجعل من مهمة النيل من قاتل زوجته مسألة انتقام شخصي لاحقا شاهدنا انتقاما ذاتيا خارج نطاق المهمات الرسمية في رخصة للقتل ومت في يوم آخر‏.‏

تبعا لفشل ذلك الفيلم رغم صلاحية لازنبي الذي عاد إلي أستراليا‏,‏ قام كونري بتمثيل الدور مرة أخري في الماس للأبد سنة‏1971‏ إلي أن تم اختيار روجر مور‏,‏ الذي كان بطل حلقات جاسوسية تليفزيونية بعنوان القديس بطلا للمسلسل السينمائي‏.‏ مور كان أهلا للثقة الممنوحة إليه ولعب الدور في عش ودع الموت‏1973,‏ الرجل ذو المسدس الذهبي‏1974,‏ الجاسوس الذي أحبني‏1977,‏ مونراكر‏1980,‏ من أجل عينيك فقط‏1982,‏ آكتوبوسي‏1984‏ ومنظر للقتل‏.1986‏ فيه بدا مور أكبر سنا من أن يستطيع الحفاظ علي صورته البطولية وكان يريد الاعتزال قبل ذلك فأقدم علي تلك الخطوة بالفعل بعد هذا الفيلم الأخير له في السلسلة‏.‏

كونري في هذه الفترة عاد عن اعتزاله بعدما وقع خلاف بين المنتجين بروكولي وسولتزمان وتبين أن سولتزمان يملك وحده حقوق فيلم ثندربول ما جعله يقرر منافسة شريكه السابق بروكولي وإطلاق فيلم بوندي جديد‏.‏ هكذا ولد فيلم أبدا لا تقل أبدا.

الوضع حاليا يستمد من هذا التاريخ إمارات محنته‏.‏ إذ أن العملية تتجاوز مجرد اختيار ممثل إلي اختيارات أهم يأتي الممثل في عدادها‏.‏ من ناحية‏,‏ هناك الرغبة في مواصلة بوند كما هو‏:‏ عميل بريطاني يعمل لمصلحة المخابرات الملكية البريطانية ولمصلحة الغرب عموما في سيناريوهات متوازنة بين الجد والهزل والكثير من الانفجارات والمطاردات‏.‏

من ناحية أخري‏,‏ هناك رغبة في ضخ المزيد من مشاهد الأكشن في الأفلام المقبلة لكي تكسب السلسلة جمهور المراهقين لصفها علي أساس أن جمهور الأمس ولي أو هو في سبيله إلي ذلك‏.‏ ضمن هذا الوضع سيكون جيمس بوند أشبه بـ سباي كيد الذي أطلق قبل عامين أو ثلاثة مقدما مغامرات صبي وشقيقته في عالم الجاسوسية‏.‏ نهاية بحد ذاتها تثير مخاوف المنتجين وتشهد ضد هذه الرغبة‏.‏

الناحية الثالثة التي تعتري وضع بوند حاليا هي تلك المضادة للثانية‏.‏ وهي العودة إلي بوند كما كان في الأساس‏.‏ زخم من التأمل في الشخصيات مع أجواء الغموض والتشويق الناتج عن أسرار وقضايا والابتعاد أكثر عن مشاهد الانفجارات والخروج عن المعقول‏.‏

إذا ما مال بوند المقبل إلي هذه الوضعية فإن بيرس بروسنان مستعد للعودة إلي العمل مقدما أوراق اعتماده من جديد‏.‏ لكن إذا اختار أن لا يفعل فالراغبون في البطولة كثيرون وليس أورلاندو بلوم وحده‏.‏

هناك علي سبيل المثال إريك بانا الذي لعب بطولة طروادة وهناك البريطاني كلايف أووين الذي نراه حاليا في الملك آرثر‏.‏ وكولين فيرث ربما كان من بين المرشحين وبالتأكيد جود لو‏(‏ الجبل البارد‏)‏ وهيو جاكمان‏(‏ رجال إكس‏)*‏

الأهرام العربي في 28 أغسطس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

هل خسر العميل الأشهر موقع قدمه؟

هوليوود تبحث عمن ينقذ جـــــيمس بـونــد

محمد رضا