افتتح أمس مهرجان "وُلِدَ في بيروت" السينمائي بفيلم دانيال عربيد "معارك حب" الذي يعرض للمرة الأولى في لبنان (في عرض خاص) قبيل الافتتاح الرسمي للفيلم الذي تقيمه وزارة الثقافة اللبنانية في شهر ايلول (سبتمبر) المقبل, بعد أن شارك أخيراً في مهرجان "كان" السينمائي ونال الجائزة الأولى في باريس في معهد العالم العربي. المهرجان الذي ينظم للسنة الرابعة على التوالي ويستمر حتى نهار الاثنين المقبل يهدف الى تشجيع الأفلام اللبنانية والتعريف بها. وهو كان انطلق عام 2001 من فكرة تجمّع حولها أربعة شبان من عشاق السينما: بيار صراف, وديع صفي الدين, نديم تابت ودانيال عربيد, حين لمسوا حركة سينمائية لا بأس بها في البلد لا مجال لرؤيتها الا في اطار مهرجان من هذا النوع. وهكذا ولدت الفكرة وراح المهرجان الذي انطلق صغيراً يكبر أقله هذه السنة باستقدامه فيلم عربيد اضافة الى الأقسام الأربعة التي تتألف منها والتي لا شك ستعطيه هوية خاصة في السنوات المقبلة إن حافظ على النهج نفسه. عروض منوعة لأفلام صنفت في أربع فئات: فئة الأفلام اللبنانية, فئة فيديو البيت, فئة أفلام ضيف المهرجان (هنري فرانسوا أمبير), وفئة سينما الأمس (سينما مارون بغدادي). صبغة لبنانية خالصة تطبع المهرجان الذي اتخذ لنفسه هدفاً منذ البداية. هدف "ولد في بيروت" ليس كما قد يظن بعضهم اتساع رقعة المهرجان ليشمل أفلاماً عربية فعالمية, هدف "ولد في بيروت" هو أن يبقى "مكاناً لتشجيع السينما اللبنانية والسينمائيين الشباب". والسؤال: هل يقيه ذلك منافسة المهرجانات الأخرى التي تقام في بيروت على تعددها؟ "لا شك في ذلك", يجيب بيار صراف أحد مؤسسي المهرجان, "إذ ان المهرجانات الأخرى إما تتخذ لنفسها صبغة عربية أو صبغة عالمية من دون إغفال السينما اللبنانية ضمنها, أما نحن فنتوجه فقط الى السينما اللبنانية المنتجة في لبنان وفي الخارج أيضاً". ضيف فرنسي ماذا إذاً عن استقدام المخرج الفرنسي هنري فرانسوا امبير وما علاقته بالسينما اللبنانية؟ "هنري فرانسوا أمبير مخرج فرنسي معروف بصناعة سينما ذات نوعية بأقل تكاليف ممكنة وهو مخرج وثائقي قبل أن يكون مخرج أفلام روائية. نستضيفه في بيروت ليغنينا بتجربته علنا نستفيد منها في لبنان حيث يغيب الانتاج اللازم. من جهة ثانية, عمل كثيراً على سينما الـ8 ملم وهو صاحب فيلم "على شاطئ بلفاست" الذي يصور رحلة بحث شاب عن عائلة لم يبق منها الا شريط مصور وجده داخل كاميرا عتيقة وهذا في أساس فكرة فئة "فيديو البيت" التي أقررناها للمرة الأولى. وبالفعل عرف هنري فرانسوا أمبير بأفلامه المميزة هو الذي حمل كاميرته super 8 للمرة الأولى في العشرين من عمره وراح يصور كل ما يشاهد أمامه, وسرعان ما بدأ رحلته مع الأفلام الوثائقية التي بقيت مرتبطة بالعائلة وبالنشرات الاخبارية المصورة. ولعل كثراً لم يعرفوه قبل فيلم "لن يمروا..البوم الذكريات" الذي عرض في دورة "كان" للعام الفائت ولفت الأنظار. كاميرا البيت العتيقة من الماضي البعيد تأتينا أفلام "فيديو البيت" لتعيدنا الى بيروت القديمة, الى البحر الأزرق والسهل الأخضر, الى تقاليدنا وعاداتنا, الى لبنان. شرائط مصورة لحفلات وسهرات وأعراس موجودة داخل كل منزل, مهملة في بعضها, منسية في غيرها, أفلام تصور الحياة في بيروت الخمسينات والستينات والسبعينات, تروي تاريخنا, من خلال شخصيات غير معروفة, ندخل في حميميتهم من دون أن نعرف أين أضحوا اليوم وماذا فعلت بهم الحرب, على طريقة "تلفزيون الواقع" الى حدّ كبير مع فارق بسيط: "جميع من في هذه الأفلام أقارب وأحباء... هو حب الوالد لابنه وحب الصبية لخطيبها... حب هو سبب وجود كل لقطة". "فيديو البيت" مجموعة أفلام نبشتها أيدي هواة من عشاق السينما بعد أن أكلها الدهر.. فكانت نقطة الانطلاق لحفظ الذاكرة الجماعية وعرضها في المهرجان, ترافقها موسيقى حية وعزف على البيانو لخلق جو خاص يضاف الى سحر تلك الكاميرات العتيقة. وهو مشروع تجريبي لمشروع أكبر سيتم العمل عليه في السنوات المقبلة بطريقة منظمة ومستمرة. سينما الأمس - اليوم "سينما الأمس" نظرة جديدة الى سينما الجيل الاول من السينمائيين اللبنانيين, تعرف الجمهور الشاب على أعمال هؤلاء, وتعطيه فكرة واضحة عما كانت عليه السينما في الماضي. مارون بغدادي أحد أبرز مؤسسي السينما اللبنانية الحديثة, سيتعرف الجمهور الى سينماه من خلال "حروب صغيرة" و"حنين من أرض الحرب", وهما فيلمان عن الحرب اللبنانية يصوران المجتمع اللبناني على مصغر في زمن الحرب من خلال سيرة صاحبهما. ومن سينما الأمس الى سينما اليوم, يعرض مهرجان "ولد في بيروت" ما أنتج من أعمال لهذه السنة روائية, وثائقية وكرتون. من هذه الأعمال: "معارك حب" لدانيال عربيد, "أعجوبة" لجورج حمصي, "الفيلم الضائع" لجوانا حاج توما وخليل جريج, "الكرة الحمراء" لرنا سالم, سينما الحرب لهادي زكاك, "دردشة صالونات 1-2-3" لدانيال عربيد... مغامرات فيلم سحب من المسابقة لـ..."تميزه"! لم يكن جورج حمصي السينمائي اللبناني الشاب الذي يشارك أيضاً في مهرجان "ولد في بيروت" عن فيلمه "معجزة" قد فكر يوماً بالمتاعب التي سيواجهها لعرض فيلمه في المهرجانات المحلية. ظن ان من حقه (وصاحب الحق سلطان) ان يجول على كل المهرجانات التي تقام في بلده, وأمل ان يتعرف الجمهور اللبناني الى سينماه... ولم لا؟ أمل أيضاً ان ينال جائزة ما, تفيه تعبه وشقاء الليالي. فرح بداية حينما عرض فيلمه في الخارج في مهرجان برلين حيث نال جائزة أفضل مونتاج وحصل على تنويه خاص من لجنة التحكيم, وفرح أيضاً بمشاركته في مهرجانات بواتييه وبرشلونة ولوكانيا وفيلادلفيا... وفرح أكثر حين عرف باختيار فيلمه للمشاركة في مهرجان FIEC الذي يقام قريباً في الأرجنتين بعد ان لفت أنظار أحد المنظمين أثناء عرضه في برلين. وهو في الوقت نفسه راح يفكر ويحلم بعرض فيلمه في المهرجانات اللبنانية, في "أيام بيروت السينمائية" و"مهرجان بيروت السينمائي الدولي" و"ولد في بيروت" و"مهرجان" اهدن وصيفيات دير القمر... راح يحلم... وكانت النتيجة مشاركة مبدئية في كل تلك المهرجانات... ثم مفاجأة تلو المفاجأة. ماذا يفعل المرء حينما يسحب فيلمه من المسابقة الرسمية من دون ان يعطى صاحبه قبل هذا علماً وخبراً بذلك؟ ماذا يفعل بعد ان راح يحلم بالجائزة الأولى وبالدولارات التي ستساعده لانجاز فيلمه المقبل, خصوصاً عندما نعرف أهمية كل فلس عندما يغيب الانتاج في لبنان؟ ماذا يفعل حين يأتيه التبرير صاعقاً على مسمعه: "سحب فيلمك لأن مستواه يفوق أشواطاً الافلام المشاركة؟ هذا ما حصل معه في "مهرجان" اهدن. ظن بداية ان في الامر مزحة ما, ثم "شعر بالخديعة" كما يقول. ولم يقف الأمر عند هذا الحد... اذ ما ان انجلى حزن المفاجأة الأولى حتى كانت الثانية: عرف صاحبنا ان فيلمه لن يشارك في احد المهرجانات البيروتية لمشاركته في مهرجانات مماثلة... في المدينة نفسها... وبدأت الاحلام تذوي... محلياً على الأقل, اذ ان العروض الخارجية لا تزال قائمة... حتى الآن. الحياة اللبنانية في 27 أغسطس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
"وُلِدَ في بيروت" عن السينما القريبة والتي تبتعد فيكي حبيب |
|