شعار الموقع (Our Logo)

 

 

كل شريط سينمائي لـ»ثيو انجلو بولوس« يقدم جمالية مسرحية للواقع ويوحي بأن العالم نفسه مثل المسرحية ذاتها.

»إليني.. الارض التي تبكي« هي السلسلة الاولى من ثلاثية سينمائىة اراد »ثيو« ان يخصصها لقرن انتهى منذ حين، يروي احداثه المثيرة في عيني امرأة، ويستمد نصوصها الثلاثة من »اوديب« و»السبعة ضد طيبا« و»انتيغون«.

انه اختيار يؤكد قناعة »ثيو انجلو بولوس« بأن الهوية الجماعية تستمد اصولها من التراث الثقافي اساسا. ما يلي الحوار معه:

·     يرتبط كل شريط سينمائي انجزته بحدث من الاحداث. هكذا تقول دائما. هل كذلك هو الشأن مع شريطك الاخير »إليني.. الارض التي تبكي؟«.

- اردت من خلال هذا الشريط ان اعود بزيارة الى القرن الذي عشت فيه وان اروي الاحداث التي طبعته في عيني امرأة وترمز الى هجرة الاغريق وغياب المأوى وانتقال الناس وفقا لرغبة التاريخ. فحين انهينا السيناريو انتاب المنتجين قلق منه وفزعوا.

كان الشريط طويلا جدا ومكلفا! ولذلك نصحوا بتحويله الى ثلاثية. لكن الفكرة لم تعجبني انما كدت استسلم لها في نهاية الامر وظلت هناك عقبة اخرى شديدة الاهمية وهي اليونان خلال الثلاثينات من القرن الماضي حين كادت البلاد تختفي كليا، ولذلك كنت في حاجة الى قرية كاملة حتى اغرقها تحت الطوفان. وكان هذا الحدث اكتشافا بالفعل بفضل صديق مصور سينمائي من روسيا دلني الى مكان في سهوب روسيا يقع في مجرى احدى البحيرات شبه الجافة في فصل الشتاء. قمنا اذن ببناء هذه القرية اليونانية وصورنا المشاهد قبل ان تغمر المياه تلك البحيرة.

·         ما الذي يجعل موضوع الهجرة يستحوذ عليك مثل الوسواس في هذا الشريط؟

- السبب في ذلك هو انني اشعر بالغربة في بلدي. فلم اعثر يوما على مأواي الحقيقي الذي احس فيه بالتناغم مع نفسي ومع العالم الذي يحيط بي. فأنا مثل شخصياتي السينمائىة اشعر انني افقد بلا انقطاع كل اشيائي وانا في طريق العودة الى اهلي ووطني.

·     مرة اخرى انها قصة رجل غائب بعد اختفاء الاب في شريط »طبيعة في الضباب« وقصة الرجل السياسي في »خطوة اللقلق المعلقة«.

- ينطبق هذا على اختفاء النظام المرجعي الذي نظل نبحث عنه باستمرار. البحث عن المفقود هو البحث عن الهوية. انه البحث عن الاله بالنسبة للمؤمنين والبحث عن الايديولوجيا بالنسبة للآخرين.

·         المياه تغمر شرائطك السينمائىة دائما! لماذا؟

- اجل! انها المطر والضباب والغيوم والثلج! فانا اعيد خلق هذه الاشياء بلا انقطاع. اني افجر رطوبة اصطناعية في كل مرة. هكذا يفرض منظري الجواني نفسه علي دائما!

ذات يوم كنت اتكاسل بل وانفر من انجاز شريط وثائقي للتلفزيون. وكان لا بد من الشروع في العمل على الفور والذهاب الى اماكن التصوير.

فجأة جاءني المصور ليحثني على البدء في العمل. قلت له: انني متردد! فقال لي: هل تعلم ان السماء تمطر الآن؟! واسرعت الى النافذة وظللت بلا حراك أتأمل سقوط المطر. ثم قلت له: هيا بنا! وانطلقنا في العمل!

اما الانهار التي تجري نحو البحر فهي مرتبطة عندي بالسفر وبالهجرة دائما.
في هذا الشأن يقول عني صديقي السيناريست »توتينو غيرا« انني مثل الوادي الذي يذرف دموعا صغيرة على العشب وبأن هذه الدموع تتجمع في الاخير لتشكل دفقا، ويصير الدفق نهرا!

·         كيف عملت معه؟

- يجلس هو على الارض واظل انا اتحرك من حوله والقي اليه بالافكار التي يسميها »الفراشات« ويظل يستمع ويستمع الى ان تقع عليه »فراشة« مهمة فيدونها.

في اعتقادي انه لا يمكن ان تكتشف فكرة الشريط السينمائي في شكل مفاجىء ولا بالصدفة. فنحن »مسكونون« بانشغالات تنام في اعماقنا وتظل تعمل بهدوء من غير ان نحس بها. وتظل كذلك حتى اللحظة التي نوجه فيها نداءنا فتنبثق من اعماقنا تلقائيا!

·         تبدو الموسيقى عاملا اساسيا في الاخراج؟

- حين بدأت العمل في الاخراج السينمائي لم اكن ارغب في اي نوع من الموسيقى على الاطلاق. ففي »رحلة الكوميديين« ترى فرقا موسيقية كثيرة ولكنك لا تسمع اي موسيقى في الاجواء الخلفية للشريط. ولم اشعر بالحاجة الى الموسيقى الا في »الصيادون« لانني كنت اريد ان يكون هذا الشريط مبنيا مثل القداس البيزنطي الذي يرافقه جمع من الاصوات. وهكذا شيئا فشيئا صارت الموسيقى عنصرا ضروريا.

اني ابحث عن وحدات موسيقية تفصل بين مختلف الوحدات التصويرية. البعض يجدها بطيئة ولكني اعتبرها »توقفات« ما بين لقطتين مختلفتين بالنسبة لي لا يمكن ان تكون الوقفة الا موسيقية.

·         هل ستذهب الى حد اخراجك شريطا صامتا تكون فيه الموسيقى المعادل الموضوعي الصوتي الوحيد؟

- ولم لا! لقد قال لي كوروساوا يوما انني اعود الى اصول السينما الاولى. اثناء ما كان هناك عروض لشرائطي في نيويورك، فذات يوم اقبل علي بكثير من الحماسة احد الاساتذة بجامعة المسيسيبي ليعرض علي مقالة لملك المونتاج السينمائي »ايزنشاين« يمدح فيها مستوى الوحدة التصويرية »اي الوقفة ما بين اللقطات« مؤكدا انها في رأيه افضل المستويات.

وما الآلة الموسيقية المثالية؟ هل هو الاكورديون؟

- انها افضل ما يحبه سكان البلقان من آلات موسيقية على الاطلاق. لن تجد حفلة موسيقية شعبية تخلو من الاكورديون. انها الآلة التي تثير الحنين الى كل شي جميل.

عن »لوموند«

الدستور الأردنية في 22 أغسطس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

احداث القرن العشرين في عيني امرأة:

الشريط السينمائي »إليني، الارض التي تبكي« لليوناني ثيو انجلو بولوس

ترجمة: مدني قصيري