شعار الموقع (Our Logo)

 

 

يلجأ عدد من السينمائيين في العالم عند رغبتهم في صنع فيلم إلى اقتباس فكرة أو موضوع من فيلم شهير، حقق نجاحا متميزا على المستوى الجماهيري أو النقدي. ويكثر أن يحدث هذا في البلاد التي لا تملك أدوات سينمائية متكاملة، خصوصا في جانب كتابة النصوص والسيناريوهات، مما يضطرها إلى الالتفات نحو البلاد المتقدمة سينمائيا، والبحث عما يمكن نقله من بلده الأصلي إلى بيئة أخرى دون أن يفقد الكثير من مضمونه. ولعل في علاقة السينما المصرية بالأميركية ما يدلل على هذا، إذ كثرت الاقتباسات المصرية عن هوليوود حتى إن بعض الأفلام تم تمصيرها أكثر من مرة، بل تعدى هذا إلى نقل نموذج النجم الأميركي، بصفاته وألقابه، إلى الممثل المصري، فتصبح هند رستم مثلا مارلين مونرو السينما المصرية، وهكذا.

لكن أن تقوم صناعة سينمائية عملاقة، كالسينما الأميركية، بما تملكه من قدرات سينمائية على المستويات المختلفة، باقتباس فيلم من بلد ما وإلباسه لبوسا أميركيا، فذلك أمر ملفت حتما. إذ لا بد أن هذا الفيلم الذي جذب أساطين الإنتاج في هوليوود على درجة عالية من الامتياز بالتأكيد، وإلا لما اهتم الأميركيون باقتباسه. واللافت أن صفات معينة يجب أن تتوافر في الفيلم الذي يمكن الاقتباس عنه، حتى يمكن تحويله من ثقافة إلى أخرى. وأهم هذه الصفات أن يكون الفيلم ذا طابع كوني، أي ألا يكون من خصوصيات البلد المنتج له بالضرورة، وذلك مثل أفلام العاطفة والمغامرات التي يمكن أن تحدث في أي مكان في العالم.

والأمثلة التي سنقدمها عن الاقتباس في هوليوود ينطبق عليها هذا الكلام، فاثنان منها من أفلام الحركة والجريمة، إذ وجدت هوليوود في أفلام المخرج الياباني الكبير أكيرا كوروساوا مصدرا مميزا للاقتباس. فأفلام كوروساوا يابانية إلى درجة كبيرة، باعتماد كثير منها على أبطال الساموراي وقصصهم، لكنها تحمل خصائص كونية أيضا، إذ تكثر فيها المغامرات والأحداث المعتمدة على الحركة (action) ، وهو ما يجعلها قريبة من أفلام الويسترن الأميركية، ظاهريا على الأقل. وقد نظر كثير من النقاد الأميركيين إلى كوروساوا على أنه جون فورد اليابان، نسبة إلى المخرج الأميركي الشهير بأفلام رعاة البقر. لذلك عندما تم اقتباس كوروساوا أميركيا، تحول رجال الساموراي اليابانيين إلى رعاة بقر أميركيين، كما نشاهد في أشهر هذه الاقتباسات (العظماء السبعة). فهذا الفيلم، الذي أخرجه جون ستورجز عام 1960، مأخوذ عن فيلم كوروساوا العظيم (الساموراي السبعة) الذي أخرجه عام 1954. ومع أن الفيلم الأميركي حقق نجاحا جماهيريا كبيرا، إلا أن من الظلم مقارنته بفيلم كوروساوا الأصلي، سواء في مستوى الإخراج أو التمثيل. فالساموراي السبعة تحفة خالدة عن إرادة الإنسان وقدرته على التحدي، ومشاهد المعارك على ظهور الخيل التي حواها وصلت إلى القمة. ومع أن النسخة الأميركية حوت ممثلين كبارا، أهمهم يول براينر، إلا أن الساموراي السبعة يعد علامة في مسيرة اثنين من عظماء التمثيل الياباني، هم توشيرو ميفوني وتاكاشي شيمورا، اللذين ظهرا في أغلب أفلام كوروساوا.

لكن الفيلم الأميركي الثاني المقتبس عن كوروساوا كان أقل نجاحا من سابقه، ولم يستطع البقاء في ذاكرة المشاهدين. فأن تقتبس فيلما عن رائعة كوروساوا (راشومون) فلا بد أن يكون فيه ما يخترق ذاكرة المشاهد وينسيه، أو ينافس على الأقل، الموقع الذي يحتله راشومون. لكن ذلك لم يتوفر أيضا للفيلم الأميركي (الغضب) الذي أخرجه مارتن ريت عام 1964. وربما نسي منتجو هذا الفيلم أن راشومون أصبح علامة لا سينمائية فحسب، وإنما سردية وفلسفية أيضا، إذ هو من أوائل الأعمال الفنية التي تعتمد تعدد وجهات النظر في سردها، وقد أثر في العديد من الكتاب والمخرجين الذين استعاروا منه هذا الأسلوب.

أما الأمثلة الأخرى على الاقتباسات الأميركية فهي من النوع العاطفي الذي لا يرتبط بخصوصيات مكان وزمان معينين. وقد سبق أن ذكرنا أن الاقتباس سيتوجه نحو أفلام حققت من النجاح العالمي ما يبرر أن تكون مصدرا لهوليوود. فالفيلم الإسباني (افتح عينيك) للمخرج أليخاندرو أمينابار كان مصدرا للفيلم الأميركي (سماء الفانيلا) الذي أخرجه كاميرون كراو قبل عامين، ومثله توم كروز وبينيلوب كروز. والطريف هنا أن بينيلوب كروز، الإسبانية الأصل، مثلت الدور ذاته في كلا الفيلمين، وقد كان دورها في النسخة الإسبانية طريقها إلى العالمية. وربما تكون غرابة القصة في الفيلم الإسباني القائمة على تداخل الأزمان السردية هي ما جذب صناع السينما في هوليوود إليها.

وغرابة القصة العاطفية ستتكرر أيضا مع فيلم المخرج الألماني فايم فاندرز (أجنحة الرغبة) المنتج عام 1987، والذي تحول إلى فيلم أميركي بعنوان (مدينة الملائكة) من إخراج براد سيلبرلنج وتمثيل نيكولاس كيج وميج ريان. وكلا الفيلمين يحكي قصة ملائكة يهبطون إلى الأرض ويراقبون حياة البشر، ويقع أحدهم في حب فتاة، ويتخلى عن ملائكيته ليبقى معها. والذي شاهد الفيلمين يكتشف أن النسخة الألمانية أكثر عمقا من الناحية الفلسفية، خصوصا في استخدام الألوان، إذ استخدم المخرج اللون الأبيض والأسود مع اللقطات التي تظهر فيها الملائكة، أما لقطات البشر فكانت بالألوان الطبيعية.

لكن بعض الاقتباسات الأميركية عن روائع سينمائية نسيت ولم يعد أحد يتذكرها، ولا يلفتنا إليها إلا الكتب المختصة التي تشير إلى أن هذا الفيلم أو ذاك مقتبس عن أصل سينمائي لبلد معين. ويكون هذا بسبب ضعف مستوى الفيلم الأميركي وعدم قدرته على الوصول إلى شيء من مستوى الفيلم الأصلي، حتى يشعر المشاهد أن صانعي الفيلم اعتمدوا على شهرة الفيلم الأصلي كي يسوقوا بضاعتهم، كما نشاهد مثلا في اقتباس الفيلم الفرنسي الشهير (جول وجيم) الذي أخرجه فرانسوا تروفو وتحويله إلى (ويلي وفيل) عام 1980 بإخراج بول مازرسكي، والفيلم السويدي (ربيع العذراء) لانجمار بيرجمان الذي تحول إلى فيلم هزيل بعنوان (آخر بيت على الشمال) للمخرج ويس كرافين.

الرأي الأردنية في 16 أغسطس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

الاقتباسات في السينما الأميركية:

تميّز الاصل ام استحواذ المشهد؟

عمر خليفة