تطرح المهرجانات السينمائية العربية باستمرار التساؤلات حول فعاليتها وتأثيراتها في المناخ السينمائي الذي تنتمي اليه. فهي بقيامها على سينمات متذبذبة الانتاج وعلى آلية يغلب عليها العنصر الاستعراضي، تتنحى عن ابرز مهام المهرجان السينمائي اي اكتشاف تيارات جديدة وتوليد نقاش جدي حول السينما. ويبقى السؤال المعلق: الا يجدر بالمهرجانات السينمائية العربية ان تحول موازناتها الضخمة إلى تفعيل انتاجاتها؟ من جهة ثانية، تعلو اصوات تعتبر هذه المهرجانات الحصن الاخير الذي يوفر فرصة مشاهدة سينما مختلفة عن السائدة. في إطار انعقاد الدورة الاخيرة لمهرجان السينما العربية بباريس الشهر الماضي، التقت "المستقبل" مديرته ماجدة واصف في حوار حول المهرجان وانجازاته منذ انطلاقه قبل اربعة عشر عاماً وحول المهرجانات السينمائية العربية عموماً. هنا نص الحوار. *** · بعد 14 سنة و7 دورات ماذا حقق مهرجان السينما العربية وما هي الاهداف التي مازال يقف دونها؟ ـ من الناحية الايجابية، حقق المهرجان وجوداً للسينما العربية في باريس وفرنسا وفي اوروبا بشكل عام، بما حول السينما العربية مركز اهتمام العديد من المهرجانات والانشطة التي باتت موجودة اليوم. إلى ذلك، ثمة نوع من تراكم لجمهور المهرجان سنة بعد أخرى ونوعية جمهور مختلفة تتكون. لا أقصد المشاهد العادي الذي يشاهد فيلماً ويمضي. بل اعني المتابعين والمتخصصين. فهناك مثلاً من يأتي من اليابان ليختار مجموعة افلام من اجل تظاهرة للسينما العربية ستُقام هناك العام المقبل. هذا بالاضافة إلى مدراء المهرجانات والموزعين والمنتجين الحاضرين من اجل التعارف والتواصل وربما انتاج المشاريع. هذا كله يشير إلى تنامي الناحية الاحترافية والمهنية للمهرجان. اما الجانب السلبي فهو ان المهرجان يكبر وامكانياته في المقابل تتضاءل. فقد انطلق المهرجان بدعم من المعهد وبعض المؤسسات الفرنسية ولكنه دعم قليل في الوقت الذي توسع المهرجان فيه وازداد عدد افلامه وأُضيفت اليه فئات جديدة. هذه المعاناة تجعلنا قاصرين عن القيام ببعض الخطوات الذي نجده هاماً مثل سوق للافلام كما يحدث في مهرجان كان. او ان نضاعف عدد الصالات وان نثبت بعضها ليعتاد المشاهد ان يرتادها طوال العام. فريق العمل ايضاً على المهرجان صغير جداً. النافذة بين مهمته ان يكون عرضاً للانتاجات العربية ونافذة على اوروبا وبين تواجده في عاصمة اوروبية. يواجه المهرجان ما تواجهه سائر المهرجانات العربية اي عدم القدرة على اقامة عضوية بالمكان واهله والتجذر فيه. السينما العربية سينما هامشية وستظل على هامش الانتاج السينمائي العالمي كسينمات كثيرة اخرى. في عاصمة مثل باريس، تطغى على الخارطة السينمائية الافلام الاميركية والفرنسية. الافلام العربية نادراً ما تُعرض الا اذا كانت ذات انتاج مشترك فرنسي. وذلك حال السينما الالمانية ايضاً.، خلال الاعوام الاخيرة، لم تعرض الصالات الباريسية سوى فيلمين المانيين. بهذا المعنى اذا لم تحظَ السينما العربية بدعم توزيعها تجارياً فستظل مهمشة وجمهورها قليل جداً. سبق وشاركت في لجنة مشاهدة المركز القومي للسينما في فرنسا. كنا نشاهد الافلام التي ستنزل في الصالات والملفات المرفقة بها التي تتضمن موازانات التوزيع والترويج الهائلة. امام هذه الارقام، لا بد للسينمات الاخرى من ان تسقط في المنافسة. والافلام العربية مهما كانت مكلفة لا تستطيع المنافسة في مرحلة التوزيع والترويج لأن ذلك يحتاج إلى استثمار خاص وإلى معرفة بالسوق الخارجية. هناك بعض المستثمرين المهتم بفتح صالات سينمائية او انتاج مشاريع ولكن الخطة غائبة. لا بد من العمل على ايجاد مؤسسات لدعم الافلام العربية في مرحلة ما بعد الانتاج اي التوزيع والعرض. بالنسبة إلى المهرجان، فإنه يقوم بهذه المهمة على قدر امكانياته. نحن دورنا فني وليس تجارياً او صناعياً او اقتصادياً. هناك حلقة وصل ناقصة بين الاثنين. نحن بحاجة إلى جهة تدافع عن الافلام العربية ومخرجيها تماماً كما تحمي اميركا وجودها السينمائي في العالم. وذلك ليس اعتباطياً لأن هذه الافلام جزء من هويتها وصورتها. العرب قاصرون عن الاستفادة من الصورة سواء التلفزيونية أو السينمائية لتغيير صورتهم او تقديمها بالشكل المنصف. · هناك إحساس ان مهرجانات السينما العربية تنعقد بمعزل عن مشكلات هذه السينما. أي ان اي مهرجان يحمل في شكله وتركيبه هذه المشكلات وضعف السينما. هذه الدورة من بيتالي السينما العربية مثلاً تعرض افلاماً معظمها ذات انتاجات اجنبية صرفة. كيف يمكن لمهرجان سينمائي ان ينمو ويتطور في الوقت الذي تتهشم فيه ركيزته الاساسية، اي السينما العربية؟ ـ يمكن القول انه على الرغم من كل ذلك، وبرغم انني اوافقك الرأي تماماً، الا ان الموضوع ليس بهذه السوداوية. هناك وجه ايجابي يتحرك هو جيل الشباب الجديد الذي يبرز في كل دورة ويحاول تقديم شيء جديد. أعتقد ان الدعم الخارجي امر لا مفر منه لأن كل الحكومات العربية "غاسلة ايديها" وفي اعتقادي ان ذلك افضل من ان تتدخل وتفرض ايديولوجياتها على العمل السينمائي. بالنسبة إلى المهرجانات العربية، هناك جزء يتناقض مع مفهوم السينما كأن يُقام مهرجان في بلد يفتقر إلى دور العرض الجيدة. هنا يجدر بالمؤسسات السينمائية الرسمية العربية ان تحل نفسها بنفسها وتعيد تكوين جسم آخر لدعم السينما والسينمائيين. أعتقد ان تجربة المغرب ناجحة جداً من خلال دعم السيناريوات من دون الحد من حرية السينمائي. هذا نموذج يمكن تطبيقه في سوريا ولبنان وسواهما. في لبنان اليوم ولادة حقيقية للمواهب السينمائية ولكن إلى اين ستذهب؟ أحياناً أشعر بالعجز وأفكر ان المعهد كان يمكن ان يلعب هذا الدور. كنا نفكر مثلاً بتنظيم مسابقة سيناريو ولكن هناك مشكلات كثيرة لاسيما ان المعهد مفتوح على الانشطة الثقافية كافة والسينما جزء منها. تساؤلات · من التساؤلات التي تكتنف المهرجانات السينمائية كيفية اختيار الافلام. هل تتغير لجنة الاختيار سنوياً؟ ـ بعض الاشخاص ثابت لاعتقادنا باطلاعه ومعرفته. أعترف انها لا تتغير بالشكل الكافي. ربما نحتاج إلى قلبها أكثر. لهذه الدورة شاهدنا نحو 300 فيلم طويل وقصير ووثائقي وتناقشنا كلجنة اختيار. لا يغيب عن بال المشاهد ان افلاماً كثيرة جيدة نعجز عن عرضها لأن اصحابه يفضلون الذهاب بها إلى البندقية او كان او لوكارنو وهذا حقهم المشروع بالطبع. في بعض الاحيان، نختلف تماماً حول عمل. لنأخذ لبنان مثالاً. "زنار النار" كان من الافلام التي وقع خلاف عليها بين اعضاء اللجنة. ربما لأن الحرب اللبنانية شكلت محور عدد كبير من الافلام كان آخرها "معارك حب" لدانييل عربيد. هذا الموضوع المتكرر يسهل احياناً عدم التجاوب مع فيلم ما الا اذا كان التناول مختلفاً وجذاباً بالنسبة إلى لجنة الاختيار. بهذا المعنى، حدث التجاوب بين اللجنة وبين فيلم "معارك حب" بينما لم يحدث مع فيلم "زنار النار". الموضوع الفلسطيني مثال آخر لأنه هو الآخر بات مكرراً ويحتاج إلى نظرة جديدة. بعضهم انتقد عرض المهرجان لافلام فلسطينية تقوم على صيغة المباشرة مثل "جنين جنين". ولكن اعتقد ان الفاصل الزمني ربما ضروري لاعادة تقويم الفيلم فضلاً عن انه معروض وسط تنويعة تظهر تناقضات نتاج السينما الفلسطينية بما يتيح نظرة اوسع واشمل. · السينما العراقية في المقابل خُصَّت بـ"لقطة مكبرة" بينما غابت الافلام عن العراق عن فئات المهرجان الاخرى. وحتى البانوراما اقتصرت على اختيارات كأنها "تبيض" وجه الانتاج السينمائي لجهة تحييد الافلام الدعائية التي انتجها البعث وكانت احد اشكال الانتاج السينمائي السائدة لوقت طويل؟ ـ لا توجد افلام حقيقية عن العراق. هناك افلام عن حرب العراق مثل "كونترول روم". في دورات سابقة، عرضنا أفلاماً لعراقيين مثل "أطفال الحصار" لمحمد توفيق. علي الاعتراف بأن برنامج "اللقطة المكبرة" على السينما العراقية كان اكثر طموحاً من النتيجة النهائية ولكننا اصطدمنا باوضاع البلد واوضاع السينما. بمساعدة بعض السينمائيين العراقيين، حصلنا على المتوفر من الافلام بنسخ سيئة وانما لا بديل منها. لم نستبعد الافلام البعثية لأنها جزء من تلك الفترة وهناك افلام تابعة للنظام مثل "الظامئون" و"النهر". ظروف العراق لا تسمح حالياً بأكثر من هذا. حاولنا جمع عراقيي الشتات. خلا هذه الافلام لا وجود لافلام عراقية. هذه مرحلة وستنجلي بعدها الامور وستظهر افلام جديدة هي شهادات للمخرجين العراقيين. أعتقد انه من المهم ان نتابع عمل اولئك اكثر من اعمال ووجهات نظر اجنبية وعربية حول الموضوع. هذه الدورة حاولت رصد الواقع كما هو وأعتقد ان جمع 21 مخرجاً عراقياً موزعين في العالم في حلقة نقاش امر لم يحدث منذ زمن بعيد. · كمديرة مهرجان، هل تعتقدين ان اختيارات المهرجان يجب ان تكون حاسمة لجهة تشكيل هويته وتجسيد اهدافه، أم انه في حالة المهرجانات العربية لا مفر من ان تلعب دور "خزانة عرض"؟ واسوق هنا "سهر الليالي" مثالاً إذ انه عُرض في مهرجانات كثيرة وأخذ فرصه في حين هناك افلام اخرى لم تنل الفرص عينها. - بالنسبة إلى "سهر الليالي"، أعتقد انه عُرض كثيراً ولكنه لم يأخذ فرصته في اوروبا. هذا عرضه الاول امام جمهور مختلف. انا لست ضد عرض فيلم يقوم على معادلة لا تخلو من جانب تجاري ولكنها في الوقت عينه تقدم شيئاً من الحرية الغائبة عن السينما المصرية من حيث الموضوع اي العلاقات بين الرجال والنساء في المجتمعات العربية. في لبنان، حرية اكبر في هذا المجال ولكن بالنسبة إلى مصر او اي مجتمع عربي آخر يهيمن عليه النفاق الاجتماعي بسبب التزمت الرسمي والرؤية السلفية المتحجرة، فإن ما يطرحه هذا الفيلم يبدو مغايراً عن السائد. في شكل عام، ألعب احياناً دوري كمديرة مهرجان برفض فيلم أو قبول آخر. هناك افلام نعرضها احياناً لاعتبارات غير فنية. كالفيلم السعودي مثلاً الذي اعي تماماً نقاط ضعفه ولكنه يمتلك عناصر تؤهل عرضه: تديره مخرجة في بلد تُمنع السيدات فيه من قيادة السيارات ويطرح موضوعاً جريئاً بالنسبة إلى محيطه. "بحب السيما" · "بحب السيما" و"أحلى الاوقات" فيلمان مصريان جديدان لم يعرضهما المهرجان لماذا؟ ـ الاول يسعى مخرجه اسامة فوزي إلى عرضه في مهرجان البندقية حيث قدم فيلمه الاول وهذا حقه المشروع بالطبع. اما "أحلى الاوقات" فلم أشاهده لأنه عُرض بعد ان اكتمل برنامجنا. · عرض المهرجان في هذه الدورة فيلم محمد خان "كليفتي" خارج المسابقة. هل لأنه مصور بواسطة الديجيتال؟ الا تعتقدين ان التمييز بين الوسائط التعبيرية المختلفة بات امراً غير اساسي في العالم؟ ـ الديجيتال موجود من خلال الاقسام المختلفة باستثناء الفيلم الروائي الطويل. ولكن للمرة الاولى نعرض فيلماً طويلاً ديجيتال هو "كليفتي" لمحمد خان. ولكن خان لم يحقق التزاماته تجاهنا من ترجمة ونقل إلى 35 ملم فاضطررنا إلى عرضه خارج المسابقة. بالنسبة إلى عرضه داخل المسابقة بنظام ديجيتال، فإن ذلك يستلزم تغيير قوانين المهرجان التي تنص على عرض الافلام السينمائية فقط في المسابقة. ولكنني أظن ان التغيير ضروري وقريب لأن مسألة الوسيط لم تعد هي الاساس. وكذلك الامر بالنسبة إلى تخصيص الافلام التجريبية بفئة خاصة والافلام التي ترافقها تجهيزات. هذا هو المستقبل ولا بد من تطوير المهرجان لاستيعابها. المشروع المقبل هو تخصيص برنامج للفيديو ـ آرت والمعارض والتجهيزات على هامش المهرجان بالتعاون مع جهات اخرى مهتمة بهذه الانواع. من المهم ان تجد التجارب العربية في هذا المجال نافذتها إلى العالم من خلال المعهد العالم العربي بباريس. · كيف تنظرين إلى ظاهرة انتشار المهرجانات السينمائية العربية؟ هل هي دائماً دليل عافية؟ ـ قبل اقامة اي مهرجان علينا ان نسأل اين؟ ومن وراءها؟ هناك مهرجان للافلام العربية يُقام سنوياً في بلدة صغيرة تُدعى "فاميك". هذا مهم لأن عنده جمهوره الخاص وهو نشاط يغذي حضور السينما العربية في الخارج. المؤسسات العربية في البلدان العربية هي الغائبة. المهرجانات العربية ترصد اموالاً طائلة لاقامة مهرجاناتها السينمائية بينما سينماها ترزح تحت اوضاع مزرية. هنا لا بد من وقفة وأسأل: مهرجان القاهرة لماذا؟ مهرجان الاسكندرية لمن؟ في المقابل، هناك مهرجان الاسماعيلية الذي يستأهل التشجيع لأنه من دورة إلى اخرى يتطور ويجذب الجمهور ويشكل فرصة لمشاهدة افلام لا مكان آخر لعرضها. انه فرصة لقاء وتعارف وتبادل حقيقية. ولكن المهرجان الذي يهتم بالصرف على النجوم وفي المقابل لا يثمر توزيع لفيلم اوروبي جيد في السوق المصرية ويعجز عن خلق جمهور للسينما العالمية. من الاحرى رصد هذه الاموال للسينمائيين المصريين. زمان قبل ان اترك القاهرة، كنا مجموعة شباب مهتمين بالسينما وكنا نجد فرصاً لمشاهدة افلام فنية ومناقشتها. انتفى هذا اليوم. يجب على المهرجان السينمائي ان يلعب هذا الدور. في رأيي، هناك جمهور سينمائي كبير في مصر ومتعطش لنوعية اخرى من الافلام وهو جمهور الشباب والطلبة والمعاهد الفنية. هذا هو الجمهور الذي يجب ان نتوجه اليه ونربيه ليصبح جمهور المهرجان من سنة إلى اخرى. ولكن قبلها يتوجب على المهرجان ان يجيب عن اسئلة اساسية: لماذا اقيم مهرجاناً؟ لمن اتوجه؟ كل البلدان العربية تريد ان تقيم مهرجانات سينمائية عالمية وهذا يعكس خللاً في التفكير من حيث الربط بين السينما والنجوم والبريستيج بعيداً من اية اعتبارات فنية. مجرد فرقعة. المستقبل اللبنانية في 10 أغسطس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
ماجدة واصف مديرة مهرجان بينالي السينما العربية بباريس: في لبنان اليوم ولادة حقيقية للمواهب السينمائية ريما المسمار |
|