عندما حصل فيلم »اسامة« لللمخرج الافغاني صديق بارماك على عقود للتوزيع الدولي، توقع منتجو الفيلم ان يخضع اسم الفيلم للتغيير على وجه السرعة. وقال بارماك : بالرغم من شيوع وانتشار اسم اسامة في العالم العربي، فان هذا الاسم دائما ما يرتبط بشخص محدد في اذهان الغرب الا وهو اسامة بن لادن ولكن »اسامة« الذي يحمل اسم اول الافلام الافغانية الخالصة ـ وذلك بعد صعود وافول نظام طالبان الحاكم ـ لا يشير على الاطلاق الى اسامة بن لادن ولكنه يشير بالضرورة الى فتاة صغيرة تعيش في كابول تحت حكم نظام طالبان الاستبدادي.وينقل الفيلم ـ المأخوذ عن قصة حقيقية ـ لمحة عن الحياة الافغانية في ظل حكم نظام طالبان من خلال التركيز عن معاناة فتاة افغانية تبلغ من العمر اثنتى عشرة سنة وذلك بالاضافة الى معاناة امها بعد فقدهم لوظيفتهم وذلك في اعقاب اغلاق نظام طالبان للمستشفى التي كانا يعملان بها. وكان نظام طالبان قد حظر على النساء ايضا الخروج من منازلهم دون وجود محرم شرعي. وبعد وفاة الاب والاخ، لم يكن هناك من عائل للاسرة. وبسبب عدم قدرة الام على مغادرة المنزل، قررت والدة الفتاة ان تخفي ابنتها الوحيدة في زي صبي وذلك حتى تتمكن من الذهاب للمدرسة التي كانت محظورة ايضا على الفتيات ابان فترة حكم طالبان. وبعد تخفيها تحت اسم »اسامة« خاطرت الفتاة بحياتها بمحاولتها اعالة والدتها من خلال التحاقها بعمل اضافي ورغبتها في اخفاء شخصيتها الحقيقية عن نظام طالبان الحاكم. وقال بارماك : ان احد اهم الافكار التي اناقشها في هذا العمل الفني هو مسألة غياب هوية المرأة على وجه الخصوص ابان فترة حكم نظام طالبان وقد انعكس هذا على اسماء الاشخاص في الفيلم حيث لم اقدم على تسمية اي فرد باسم شخصي في هذا العمل. وقد بدت خلفية المدينة محطمة ومدمرة تماما كما هو الحال بالنسبة للحالة النفسية للافغان ابان فترة حكم طالبان. لقد فقد الافغان كل شيء في هذه الفترة. وكان بارماك قد قرر الاعتماد على ممثلين من الهواة وذلك لكي يؤكد على واقعية القصة. ونحا »بارماك« الى البحث عن ضالته في معسكرات اللاجئين ودور الايتام. وبعد فشل مساعيه في الحصول على ما كان يصبو اليه. وجد بارماك ضالته اخيرا في مارينا غولباهاري الممثلة الناشئة التي لعبت دور البطولة في الفيلم عندما رأها في احد الشوارع. ويتذكر بارماك هذه الاحداث قائلا: لقد كانت فتاة فقيرة جدا، وكانت تستجدي المال من اجل لقمة العيش، وعندما رأيت وجهها تأكدت من الوهلة الاولى انني قد وجدت ضالتي فيها.. لقد استدعى الامر مني المزيد من الجهد حتى اتوصل لاقناعها بالموافقة على لعب الدور لانها لم تشاهد مطلقا اي فيلم سينمائي طيلة عمرها قبل ان القاها. لقد كانت خائفة قليلا في البداية وخصوصا من الكاميرا لانها كانت تعتقد انها مجرد سلاح، لقد تطلب الامر مني بضعة ايام حتى تعتاد مارينا على الكاميرا. وكان والدا الفتاة قد ابديا معارضة في البداية على قيام ابنتهما بلعب هذا الدور، ولكنهما سمحا لها في النهاية بالتمثيل وذلك بسبب الفقر وضيق ذات اليد وذلك بالاضافة الى مرض الوالد واحتياجه للرعاية الصحية التي لم يكن ليتحصل عليها في حال اذا لم يسمح لابنته بالتمثيل. وقال بارماك ومشاعر السرور والغبطة تعلو قسمات وجهه: لقد ساعدت مارينا اسرتها بصورة ملموسة انها الآن تمثل فيلما آخر في افغانستان. واضاف قائلا: لقد تحسن وضع المرأة بصورة ملموسة في السنوات القليلة الماضية. لقد اصبح بمقدور المرأة الذهاب الى المدارس والجامعات واصبح من حقها العمل في المكاتب. بيد انه استرجع قائلا: ان مجتمعنا ينحو ببطء نحو التغيير، وهذا يتطلب منا بذل مزيد من الجهد للتعجيل بدفع خطى هذا التغيير. ويضيف: لقد اعتمدنا في انتاج الفيلم على استخدام بعض الكاميرات وادوات التصور والاضاءة المستعارة من ايران، واعتمدنا على ميزانية بسيطة جدا وذلك بسبب غياب البنية التحتية لصناعة السينما في افغانستان منذ وصول نظام طالبان الى سدة الحكم في افغانستان وقيامه باغلاق جميع دور العرض السينمائية وتدميره لكل ادواتنا ومعداتنا التي كنا نستخدمها في انتاج الافلام. لقد كان الوضع سيئا في افغانستان قبل وصول نظام طالبان لسدة الحكم ولكنهم عملوا على زيادة الطين بله، بعد مجيئهم مما تسبب في انتاجنا لاربعين فيلما فقط منذ بداية صناعة السينما، ولذا فان مجرد المجيء الى هوليوود معقل صناعة السينما العالمية والفوز بجائزة »الكرة الذهبية« يشبه الحلم. وانا الى الآن اجد صعوبة في تصديق ما قوبلنا به من تصفيق حاد واستحسان عند صعودنا للمنصة لاستلام جائزة افضل فيلم اجنبي. ولا اتخيل الى الآن حجم التصفيق الذي قوبلنا به من نجوم وممثلين سينمائيين كبار من امثال جاك نيكلسون ومايكل دوغلاس وميريل ستريب وتوم كروز. لقد منحني هذا الموقف بارقة امل فيما يتعلق بمستقبل بلدي ومستقبل صناعة السينما فيها. الأيام البحرينية في 10 أغسطس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
فيلم "أسامة" للمخرج "صديق بارماك" حينما تكــون الطفولة عبئاً |
|
ضمن عروض نادي البحرين للسينما، يعرض يوم غدا الاريعاء الفيلم الفغاني »أسامة« للمخرج »صديق بارماك«، ولأن الفيلم يعتبر من الأفلام الحديثة والجيدة آثرنا في (ملحق سينما) تسليط الضوء عليها عبر وصف عام للفيلم ولقاء خاص بالمخرج أجرته معه وكالات الانباء. فلقد صور »صديق بارماك« اول افلامه بكاميرا ٥٣ ملليمترا وحيدة لا تزال موجودة في أفغانستان وبممثلين من اللاجئين والمتسولين . قصة تبعث القشعريرة عن معاناة النساء في عهد طالبان البائد وتضرب في عمق ماضي افغانستان عندما كانت النساء ضحايا قمع وحشي وكل أنواع الصور محظورة كجزء من تجربة صارمة لقيام دولة اسلامية متزمتة. ولكن بالنسبة لبارماك فان فيلم »اسامة«يتطلع الى المستقبل ايضا بقدر ما هو تحذير لبلاده وبقية العالم. بارماك (41 سنة) قال عن فيلمه: اخرجت الفيلم لاقول للعالم حذار من المستقبل. في الواقع اردت ان اقول انه ليس فيلما لشعبنا فقط ولكن أيضا للعالم أجمع لانها ليست معاناتنا نحن فقط. انها قصة انسانية يجب ان تحكى في كل مكان. وفي رأيي ان التعصب والتطرف لا ينتميان الى دين واحد أو ثقافة واحدة. يمكن وجود تطرف في كل ثفاقة ودين.»اسامة« اول فيلم أفغاني يجري تصويره منذ قيام وسقوط طالبان. فاز بجائزة الحكام الشبان في مهرجان كان، والفيلم لا صلة له بأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة المتهم بتدبير هجمات ١١ سبتمبر على الولايات المتحدة ولكنه عن طفلة أفغانية في الثانية عشرة تقص شعرها وتعيش كصبي وتعمل لتساعد امها الارملة وجدتها على البقاء في عالم لا تستطيع ان تعمل فيه المرأه أو تخرج من البيت بدون محرم. ويجري اعتقال أسامة مع اولاد اخرين لالحاقهم بالمدرسة الدينية حيث يكشفها تكوين جسمها وتحاكم وتجبر على زواج ملا كبير في السن. والفيلم مستلهم من قصة حقيقية تذكرها بارماك وهو يعيش في المنفى في باكستان حيث اضطر للهرب من بلاده بعد اسبوعين من تولي طالبان الحكم في ٦٩٩١. وقد اطاحت بطالبان قوات أميركية في ١٠٠٢ لايوائها تنظيم القاعدة بزعامة ابن لادن. واثناء رئاسته لهيئة السينما الافغانية قبل تولي طالبان كان بارماك من ابرز المخرجين في افغانستان التي انتجت نحو ٠٤ فيلما روائيا قصيرا فقط خلال ٠٠١ عام. وكل افلامه التسجيلية والروائية القصيرة دمرت في عهد طالبان. وثبت ان اخراج »أسامة« عملية أصعب من مجرد ايجاد واصلاح الكاميرا ٥٣ ملليمترا الملائمة الوحيدة في افغانستان بالاضافة الى التمويل الذي اسهمت فيه ايران. وبحث بارماك في المدارس ومخيمات اللاجئين وملاجيء الايتام في صيف ٢٠٠٢ عن شخصيات حقيقية لفيلمه وعشرات »الكومبارس« واغلبهم نساء. اما البنت التي تقوم بدور أسامة في الفيلم واسمها مارينا جولبهان فكانت تتسول في احد شوارع كابول. وقال بارمالك: بعد عدة سنوات من حكم طالبان والحرب، اصيبت عقليات تلك النساء بتلف. وعندما تتحدث عن فيلم يعتقدن انك تتكلم عن فيلم هندي فيه رقص وغناء ورومانسية واثارة. استغرق شرح موضوع الفيلم الذي اريده عن معاناتهن ومشاكلهن وقتا طويل. وبعد عدة معارك استطعت اقناع البعض بالقيام بالادوار المطلوبة في الفيلم. تساء كثيرات قبلن العمل معي من اجل النقود والغذاء والعشاء. كان العرض الاول للفيلم في في افغانستان حيث لا تزال توجد بضعة دور عرض. قال بارماك احب الناس هذا الفيلم. وابلغني كثيرون انهم شعروا بأنها معاناتهم ومشاكلهم.. وقال: ان حياة النساء تحسنت كثيرا بعد سقوط طالبان على الاقل في المدن حيث يذهبن الى المدارس وينخرطن في منظمات خاصة بهن ولهن صحفهن واذاعاتهن. ولكن ريفيات كثيرات مازلن أميات وتنقصهن الرعاية الصحية والوظائف ووسائل اطعام أطفالهن. وحينما وجهت له دعوة لحضور مهرجان جولدن جلوب السينمائي في لوس انجلوس لم يكن يتوقع اطلاقا الفوز بالجائزة. قال: كان مثل اعصار. لم اعرف ماذا أقول وانا أعتلي المسرح. ولكنني ايقنت ان الجائزة ليست لي بل لشعبي وبلدي ولسينما المستقبل. كنت سعيدا جدا لانها فرصة اخرى للسينما الافغانية. وهذا يعني مزيدا من الافلام ومزيدا من التفاؤل، من الجدير ذكره أن بارماك اعاد تكوين الهيئة العامة للسينما في بلاده. الأيام البحرينية في 10 أغسطس 2004 |