شعار الموقع (Our Logo)

 

 

* تحية إلي الرقابة التي أجازت هذا العمل الطليعي المتقدم

* أتوقع لبطل الفيلم يوسف الشريف أن يكون الفتي الأول للسينما المصرية

لعل سمة «سرعة ظهور الجديد»، هي أميز ما يميز الزمن الراهن الذي نعيشه الآن بل وهذه السمة هي التي تعكس رتم وإيقاع هذا الزمن فما يكاد يظهر جديد في منتج ما حتي تتبعه إضافة أو تطوير تجعل المنتج الأول موديلا قديما، وهنا تذكر مساحة التعايش الممكنة جنبا إلي جنب بين مختلف موديلات المنتج وكل موديل يؤدي دور ويلبي إمكانية ونظرة علي واقع الكمبيوتر والمحمول تفي بكشف ما نقصد من مصطلح «سرعة ظهور الجديد»، والأهم من هذا هو أن هذه السمة الخاصة بالزمن لم تترك مكانا علي كوكبنا إلا وشملته بدرجة أو بأخري وفي رأيي أن هذا هو السبب الرئيسي لتعالي صوت مفهوم أننا فريق أهل كوكب الأرض من نوع الإنسان فينا الغني والفقير ماديا وجسمانيا وروحيا متنوعاً في الآخر.

* اكتشاف يوسف شاهين

ومن هنا فإنني لا أستطيع إنكار أن أحد أهم دوافعي لمشاهدة فيلم «7 ورقات كوتشينة»، هو إعجابي الشديد وانشدادي لنجمة وبطلة اللحظة الراهنة وأقصد أحد اختيارات المخرج الفنان ـ يوسف شاهين في فيلم «سكوت ح نصور»، وهي كشفه ولا جدال وإن عملت مع غيره من المبدعين ـ فعندما شاهدت كليبها كنت أسعي لتكرار المشاهدة كلما سنحت فرصة للفضائيات إنه كليب روبي وإنه الوحيد في جميع كليبات المنطقة التي نعيش فيها الذي استطاع أن يقول وبقوة إنني مختلف ومتميز عن كل ما هو حولي وقد حاز بالفعل هذا التميز وأعرف طفلا يافعا اسمه عمرو محمد يونس هو يحصي عدد مرات مشاهدته لكليب روبي لأكثر من ست وعشرين مرة، وهنا أيضا لابد من ذكر المؤلف المخرج شريف صبري فالكليب كان  من إخراجه وهو يدعونا لمشاهدة روبي في أول أفلامه السينمائية والذي هو من تأليفه.

والآن ماذا في الفيلم؟ إن شريف صبري المؤلف والمخرج يأخذنا من البداية في لقطات كليبية فلاشية ليدخلنا في منهج العرض في هذا الفيلم لنعرف أن الباشا في لقطات الترف والبذخ المتكررة الأولي وما تعنيه من ثروة تورث الآن لبطلنا وفناننا في مشهد شديد الكليبية  يجمع المحامي والقريب والبطل وكليبته في أننا لن نري المحامي أو القريب ثانية كما أننا لن نعود للمكان مرة أخري،  والمكان الواضح أنه للبطل البسيط المستور بعلمه ودراسته تلك الدراسة التي سوف تتيح للمحامي أن يقدم المساعدة والطريق لمشواره حتي يتسلم ميراثه الموجود حاليا بالبحر الأحمر قصر الباشا إضافة إلي كارت توصية للعمل بالمنطقة، ويسرع بطلنا إلي أصدقائه ليخبرهم بما حدث معه بعدما نتابع نحن ما يحدث مع الأصدقاء وهم يمارسون عملهم وحرفتهم التصوير الفوتوغرافي، وقد ساهمت حيادية وجه الفتي في استدراجنا كمتلقين لقبول الأحداث ولم يكن هناك أي عيب بل علي العكس كانت هناك براعة مخرج وممثل واعيين.

ومع انتقالنا مع بطلنا ورفاقه إلي الموقع الجديد موطن الأحداث الكلية للفيلم وهنا يستخدم المخرج المؤلف صيغة الحوار الداخلي المونولوج ليعرفنا علي أحداث  لم تعرضها الصورة كفعل وإنما تعرضها كنتائج أفعال والصوت يحسم وعلي ما يبدو أن هذا المنهج يعتبر منهجا وسمة كليبية بحيث إن منهج الفوتو مونتاج الذي هو معتمد في السرد القديم لم يعد الآن مع الكليب له معني أو وجود ولا ضرر في هذا المهم أننا أصبحنا أمام تقديم كامل لبطلنا الذي لم تعطلنا الأحداث قبل ظهور روبي رائع الدخول أي تصور أو توقع لكيف أن هذا هو بطلنا الذي سيكون أمام روبي ثم بجوارها ومعها، ثم تتوالي الأحداث بالنظرة الأولي والاقتراب و اللقاء وقد نسجت هذه  المنطقة من الفيلم بتلقائية وبساطة أخذتنا بسلاسة إلي الدخول  للأحداث والعمق والتعمق فيها ويتم إدخال خط طارق بيه المدير المالك وكذا دينا صاحبة الباشا المتوفي مالكة سر الرواية كلها بسلاسة مع استمرار العلاقة التي تزداد مشهدا بعد مشهد عمقا وقربا  حتي أنهما يصبحان في موقع البطل والبطلة للفيلم بوضوح شديد عند هذا الحد يكون منتصف الفيلم قد حان وعنده يحدث الحدث الوحيد القادر في ظل كل ما تقدم من أن يوقف الأحداث والتوالي، لقد شاهد البطل مشاهدة واضحة للبطلة روبي مع طارق بيه المرسوم بعناية وخبرة كيف يكون أمثاله وعلاقاتهم النسائية في وجود زوجات رسمية وهنا نري البطل في لوكيشن مجرد يعاني مما رأي ثم أوقفت دار العرض بالمول الذي  كنت أشاهد الفيلم فيها الفيلم لاستراحة خرجت لدورة المياه وعدت سريعا فإذا بالعرض يستكمل ويبدأ النصف الثاني من الفيلم وفق أسس جديدة هي نتائج ونهايات ما تم تقديمه لنا خلال النصف الأول فإذا بنا نري رحلة نيولوك تجري علي يد دينا عالمة السر الذي باحت به للبطل ومن خلالها عرفنا وتتم العملية بيسر شديد وبساطة تغيب خلالها روبي لتعاود الظهور لنا في مشهد كليبي يشبه مشهد المحامي والقريب مع البطل هذه المرة في بيت روبي مع أمها وأختها الصغري، ولزيادة تقريب روبي إلي مساحة أكبر وأوسع من المتلقين تخبرنا من خلال أختها بأن كارت شحن موبايلها قرب يخلص  ثم ينحي الفيلم منحي آخر يشكف لنا من خلاله ومن خلال استخدام منهج سرد فيلمي هو من مكتسبات منهج السرد القديم وأقصد  منهج الفلاش باك مع أحداث حدثت مع الأصدقاء المصورين الفوتوغرافيين والفيلم يأخذنا لهذا المنهج بعدما عرض علينا محاولة دينا للقيام بمهمة تشبه المهمات الانتحارية مع طارق بيه والذي نكتشف بعد المهمة أنه داخل في قلب أحداث السر الذي عرفناه غير أن المهمة لم تفض إلي  النتائج التي كانت ترجوها دينا وهنا يدخلنا المؤلف إلي استرجاع أحداث الأصدقاء ليكتشفوا معلومة وقوع المفتاح مع روبي والمفتاح  هذا هو العنصر الذي اجتمع عليه الجميع بحثا إضافة إلي فقد  دينا في عمليتها الانتحارية التي قامت بها مع طارق المدير المالك إلي المعلومة الخاصة بالبنك الموجود به خزينة مجوهرات الباشا المرحوم وتهتز العلاقة التي كانت قد أخذت تتوثق بين بطلنا ودينا التي تختفي قصدا بحادث تصادم لا نراه لتفسح المجال لبطلتنا روبي لاستكمال حدوتة الرواية فنراها تستكمل الاتفاق مع طارق فهي تملك المفتاح وهو يعرف البنك وتقلهما طائرة صغيرة إلي بلاد بره وخارج أحد الأبنية الفخيمة، نري روبي وطارق يخرجان وبيد طارق حقيبة المجوهرات وتنطلق بهما السيارة التي يركبانها وفي كازينو ببلاد بره نري أصدقاء البطل المصورين الفوتوغرافيين يتابعون البطلة وطارق بيه ورغم منهج الكليبية بل شديد  الكليبية لتلك الأحداث فإن المعلومات المقصودة هي سطو الأصدقاء بمساعدة روبي علي الحقيبة وبعد هذا المشهد ينتهي خط طارق بيه بكل ما عرفناه عنه ونعود من بلاد بره إلي موقع الأحداث الأصلي لنستكمل مع البطلة مشوار كيفية عودتها إلي البطل وبعد أن تقدم له الحقيبة تدعوه لأن يذهب إلي دينا فهو لن يستطيع المسامحة فيما عرف ورأي وفي هذا المشهد تبرز روبي قدرات تلقائية طبيعية تنم عن صفاء المقدرة التمثيلية لديها وهنا تأكد لي أن يوسف شاهين لا يعرف الهزار  أو المجاملة فيمن يقدمهم في أعماله، وتتوالي الأحداث حيث يأخذنا الفيلم مع البطل إلي اللوكيشن المجرد السابق تقديمه ولكن في هذه المرة ليعبر عن الضيق  والحيرة والعجز أمام الأحداث التي مرت به وتمر وفي نهاية المشهد يلقي بكل عزمه بالكرسي الموجود بالموقع ونشعر من الإلقاء  بأنه سيذهب بعيدا  بعيدا وإذا به عند سقوطه علي الشاطئ الطيني الذي تصله المياه نحس بعجز ضاغط وقد كان تعبيرا سينمائيا بليغا يحسب لمخرج الفيلم تأثيره، ولما كان حسم  قضية عودة البطل إلي روبي موقوفاً علي تعاونهما عمليا في مسابقة أفضل كليب والتي يفوزون فيها بالمركز الأول.

درة سينمائية

روبي هي بطلة الكليب وبطل الفيلم هو مخرج الكليب الفائز وعموما فإن شريف صبري يتركنا وقد ترك في يقين كل منا عودة البطل إلي روبي وعودة روبي إلي الطل وإن لم يكن هذا الترك ظاهرا معينا، وبصدق ما لم يترك شريف صبري هذا الإحساس داخلي ما كنت لأتصدي نقديا لتقديم هذا العمل المتفرد الذي يمثل اتجاها جديدا ويقدم نهجا جديدا أيضا في السرد الفيلمي المعاصر متماشيا تماما مع سمة الزمن الراهن سمة سرعة  ظهور الجديد. لدرجة أنه يعطي فرصة جيدة لسد بعض ما نفتقده في حياتنا النقدية من كتابات نقدية تساعد كلاً من المبدع والمتلقي من التواصل الصحيح خاصة وقد أصبحنا اليوم في عالم كوني أصبحت المعلومات فيه وحق معرفتها خاصة في المجتمعات الإنسانية المعاصرة المتحضرة حقاً متاحاً للجميع ناهيكم عن المجتمعات الإنسانية الراغبة والساعية للحاق بركب حضارة بني البشر وبركب المجتمعات المتحضرة حيث الكل يرغب في إنهاض واقعه ليكون أفضلا ليست به عوائق أو عقبات تعيق تمتع الجميع بحياة أفضل الجميع فيها يفهم والتميز للذين يعرفون المعلومات علي الجاهلين بها الذين لا يعرفون آخر المعلومات في لحظتهم التي يعيشونها الآن، وكمثال لهذا تلك الجمل والعبارات التي أخذت مع نهايات السنوات الأخيرة من القرن الفائت والسنوات القليلة المنقضية من القرن الجديد في غزو جميع قنواتنا الأرضية بشكل أساسي ثم الفضائيات وهي مزخرفة منقوشة كما الاستامبا «كلاشيه: زمن الفن الجميل»، الذي أخذ يتردد علي ألسنة مذيعينا ومذيعاتنا وكأن هذا الترديد هو علامة الأصالة والتمسك بالثوابت متناسين جميعهم أنه لا أحد يملك ولا هو صاحب حق في تثبيت زمن مضي عاشه هو فقط ولم يعشه جيل أبنائه الموجود الآن ومبررهم في استخدام نعت الجميل يشعرك بأنهم لم يفرقوا بعد بين كونهم في ذاك الزمن كانوا يستطيعون العثور علي شقة سكنية وإيجادها ثم وظيفة في وقت كانت بنديرة التاكسي تحسب بالقروش وتأثيث الشقة ممكن مع تلك الشوارع الواسعة المضاءة وذلك الإيقاع  الذي كان يفصل بين الجديد والأجد كالتليفزيون مثلا والأمر نفسه كان في سطوع نجم واستمراره لحين حدوث الجديد المتطور التالي وكما نري فالمسافات الزمنية كانت كبيرة بين الشيء وجديده في حين أن هذه السمة وهذه الرتمية في الإيقاع لم تعد موجودة وأشرت إلي موديلات الكمبيوتر والموبايل وأكرر التأكيد علي مساحة التعايش فيما بين كل الموديلات فالجديد معروف والأحدث أيضا معروف وكل يؤدي دوراً ويلبي احتياجات مواطن كل في مكانه وبلده.

وفي الأخير لا يتبقي من مهمتي النقدية إلا أن أقول لكل من شريف صبري أولا إن التجربة التالية تفرض عليك التأني والتروي حتي يتم استيعاب كل ما قدمته لك هذه التجربة الأولي المتفردة العامرة بالنتائج الإيجابية المتقدمة والمتطورة ولتكن التجربة التالية أوفر حظا في دراسة بقايا المناطق التي لم يقدم المنهج الكليبي الجديد رؤية كليبية جديدة وتم الاضطرار لاستخدام حلول مناهج لم تعد جديدة، فالنصف الأول من الفيلم مشدود ويؤدي كل عنصر دوره حتي لحظة الصدمة بينما النصف الثاني لم يأخذ حظه ولا حقه في حسن البناء كما في النصف الأول فوقع في مشكلة الفيلم المصري خاصة عند تجميع الخيوط للنهاية، مع أنه يحسب للمخرج كشفه العبقري عن الوجه الجديد يوسف الشريف بطل الفيلم فهو من نفس جنس الكشف وهو نموذج معبر بصدق وقوة عن الفتي الأول المصري المعاصر الذي يستحق روبي.

ولا ينبغي ونحن نتعرض لهذا الفيلم نسيان ذكر جمال الحوار فيه والذي تمثل في تلخيصه الشديد وتعبيره المتقن عن واقع ما يحدث بين شخصيات الفيلم المرسومة بدقة والتي تعكس حقيقة المعايشة فعلا لا المتخيلة كما الحال في كثير من مشاهد السينما المصرية القديمة وبالجملة ففي الفيلم شريط صوت متميز في هارمونيته.

وأخيرا وليس آخرا تبقي روبي الدرة الثمينة في عقد الدرر السابقات في السينما المصرية بدءاً من عزيزة أمير وراقية إبراهيم مرورا بماري كويني وآسيا وكذا أمينة رزق ثم هدي سلطان ومديحة يسري وهند رستم إلي فاتن حمامة وماجدة وشادية ثم نادية لطفي وسعاد حسني إلي نجلاء فتحي وميرفت أمين إلي يسرا  وليلي علوي وإلهام شاهين وصولا إلي حنان ترك ومني زكي، والآن يمكننا إضافة روبي حيث إنها تقع في وضعية الرمز المعبر عن نموذج اللحظة الراهنة المعاشة المعاصرة لكل دقات إيقاع الزمن الراهن تماما كما  كانت سابقاتها في عقد الدرر معبرات عن أزمانهن وإيقاعاته. وتحية واجبة إلي الرقابة التي أجازت هذا العمل الطليعي المتقدم.

* مخرج بالمركز القومي للسينما

جريدة القاهرة في 10 أغسطس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

اكتشاف يوسف شاهين يتألق

روبي... درة السينما المصرية القادمة

طارق الميرغني