شعار الموقع (Our Logo)

 

 

* المنع ليس تهمة لأي رقيب لأن مهنته المنع والإباحة.. وعندما يوافق علي فيلم «علي بياض»... فهذا خطأ قانوني

* علاقتي بمدكور ثابت ممتدة عدة عقود... مع أنني كنت ضد جلوسه علي كرسي الرقيب

كتب الزميل أيمن الحكيم في العدد الماضي من «القاهرة»، مقالا عن الرقيب مدكور ثابت جاء فيه أن الرقيب أبدي حماسا زائدا لفيلم «فهرنهايت 911» إخراج مايكل مور أخذه عليه سمير فريد في مقاله الأسبوعي بجريدة «الجمهورية»، «28 / 7» بقوله: أما موقف مدير الرقابة المصري فهو أغرب من المنع ومن الإباحة، «إنه يحكم علي الفيلم قبل أن يراه، ولم يبق سوي أن يتخذ القرار من دون مشاهدته». علي أية حال قطع عليهم رئيس الرقابة خط المرور، وأفسد خطتهم بتعليق المنع في رقبة الرقابة، وأصبح لزاما عليهم البحث عن مخرج جديد، فهل تنتهي الأزمة في مهدها ليتفرغ رئيس الرقابة لاستقبال فيلمه القادم، أم يستكثرون عليه لحظات الفرح والهدوء.

وكان المقال قد أشار إلي الشركة التي توزع الفيلم تفكر في التراجع بسبب مصالحها مع دولة خليجية يهاجمها الفيلم ورأت أن الحل هو إشاعة أن الرقابة في مصر تقف ضد عرض الفيلم، ولذلك سارع رئيس الرقابة إلي إعلان موافقته المبدئية حتي قبل وصول نسخ الفيلم، وحتي لا يتكرر سيناريو «آلام المسيح»، حيث أشيع أنه رفضه بينما كان مسافرا خارج مصر ووقع بالموافقة  علي بياض، وفوجئ بعد عودته أنه متهم بالمنع.

كان من واجب الزميل أيمن الحكيم أن يذكر أنني في مقالي هاجمت رقابة الكويت لأنها منعت الفيلم، وأيدت رقابة  دبي في عرضه، لأنني ضد منع أي فيلم أو أي عمل فني لأي سبب، ولم يحدث أبدا والحمد لله، وطوال أكثر من 40 عاما من العمل في الصحافة أن طالبت بمنع أي فيلم وكل ما هناك أنني عبرت عن غرابة موقف الرقيب في مصر لأنه يشيد بفيلم من دون أن يراه من حيث المبدأ ولكن إشارة الزميل إلي رأيي هذا جاءت في سياق يبدو منه أنني مع منع عرض الفيلم، خاصة عندما يضعني في خانة واحدة مع مديري  شركة التوزيع ويقول إن رئيس الرقابة أفسد «خطتهم» بتعليق المنع في رقبة الرقابة.

* دراويش مايكل مور

لست من «دراويش» فيلم «مايكل مور» ولكن ما آخذه علي الفيلم لا يعني أنني مع منعه، تماما كما أن عدم الإعجاب بأي فيلم لا يعني المطالبة بمنعه، ولكن حتي بعض الصحفيين وليس فقط عامة الناس، أصبحوا يتصورون ذلك نتيجة الخلط بين دور الرقيب ودور الكاتب أو الصحفي أو المثقف بصفة عامة، وهو الخلط الذي أحدثه تعيين نقاد وفنانين في منصب الرقيب، وادعاء أحدثهم وهو مدكور ثابت أنه يدافع عن الحرية في هذا المنصب وهو أمر مستحيل تماما وغير منطقي وتبرير لا يقبله عاقل لقبوله أن يتولي هذا المنصب الكريه.

عمل الرقيب تثبت الأمر الواقع، وعمل المثقف تغييره، فكيف يمكن أن يلتقيا عمل الرقيب أن يمنع ويبيح وعمل المثقف أن يبيح فقط؟ فكيف يمكن أن يلتقيا، وعندما يقول مدكور ثابت إنه فوجئ بعد عودته من الخارج بأنه «متهم»، بمنع فيلم «آلام المسيح»، فهذه ليست تهمة لأي رقيب لأن عمله المنع والإباحة، وعندما يقول إنه وافق علي الفيلم «علي بياض»، بنص تعبيره، وكذلك يوافق علي فيلم مايكل مور قبل أن يشاهده فمعني هذا أنه  يخطئ كموظف مسئول من الناحية القانونية البحتة، وكان عليه أن يرفض هذا المنصب طالما يراه متعارضاً مع قناعاته.

لقد  قبل العقاد منبر الرقيب علي المطبوعات وقال إنه وافق حتي يمنع  الكتب التي تروج للشيوعية والنازية و الفاشية وكل الأنظمة الشمولية.. وقبل نجيب محفوظ منصب الرقيب علي المصنفات الفنية، وقال إنه وافق لأنه كان يعمل موظفا في وزارة الثقافة ولا يستطيع أن يرفض تكليف الوزير له بتولي الرقابة، وكان عليه إما أن يقبل أو يترك الوزارة وكان هذا نفس  موقف الناقد علي أبوشادي الذي تولي الرقابة قبل مدكور ثابت ولكن أحدا لم يقل إنه يوافق علي تولي الرقابة من أجل الدفاع عن الحرية فالرقيب ضد الحرية بحكم عمله، وواجبه الدفاع عن النظام العام والآداب في حق وظيفته.

* لحظات فرح وهدوء

الأمر الثاني اللافت في مقال الزميل أيمن الحكيم قوله لماذا لا يتركون مدكور ثابت يتفرغ لاستقبال فيلمه القادم، ولماذا يستكثرون عليه لحظات الفرح والهدوء، وبغض النظر عمن هم الذين يفعلون ذلك فقارئ هذه الكلمات يشعر وكأن مدكور ثابت شهيد في معركة غامضة أو ضحية مؤامرة تستهدف شخصه وإلي درجة عدم إتاحة الفرصة أمامه لكي يفرح ويعيش في هدوء.

ثم ما معني كلمة «التفرغ»، لاستقبال فيلمه الجديد وعن نفسي فالعلاقة بيني وبين مدكور تمتد عدة عقود ولم تشبها شائبة، صحيح أنه لو كان قد سألني قبل قبول منصب الرقيب لكان موقفي هو أن يعتذر عن عدم قبوله، تماما مثل علي أبوشادي وهو من أصدقاء العمر، ولكن كل إنسان حر في اختياره، وعليه تحمل تبعاته.

والمؤكد أن قبول العقاد ونجيب محفوظ أن يكونا رقيبين يتناقض مع كونهما من عظماء الليبراليين ولكن قبولهما لم يقلل من مكانتهما الكبيرة.

وفي نفس  الصفحة من «القاهرة»، العدد الماضي مقال من الدوحة بتوقيع أحمد صلاح زكي يدافع عن فيلم مايكل مور ويقول إن بعض النقاد العرب مثل سمير فريد قاموا باتهام فيلم مور بالدعائية والمبالغة، وبأنه شبيه بالرسالة الإعلامية لقناة «الجزيرة»، والتي تهدف إلي «تهييج المشاعر واستثارة العواطف وليس تشكيل وعي الناس». ويتساءل الكاتب منذ متي كانت الأفلام رسائل علمية هدفها التوثيق والتحليل، الأفلام نوع من أنواع الفنون وكل الفنون تخاطب المشاعر والأحاسيس والتي فيما بعد تشكل الوعي.

وبغض النظر عن استخدام الكاتب عبارة «غزوتي»، نيويورك وواشنطن في مقاله، فمن حقه أن يري في فيلم مور ما يري ولكن تساؤله الاستنكاري منذ متي كانت الأفلام رسائل علمية هدمها التوثيق والتحليل ورده بأن الأفلام مثل أي أعمال فنية تخاطب المشاعر والأحاسيس يتجاهل أن الفيلم موضوع الحوار فيلم تسجيلي، وبالتالي فهو مثل الرسائل العلمية التي تستهدف التوثيق والتحليل وليس مثل الأفلام الروائية التمثيلية بل إن بعض هذه الأفلام أيضا يخاطب العقل، وليس فقط المشاعر والأحاسيس ولا تناقض أساسا بين العقل والأحاسيس والمشاعر في الأعمال الفنية الكبري في كل الفنون.

كما أنني  أختلف معه في قوله إن الفيلم يمثل علامة فارقة في العلاقة بين السيف والسلطة، فمن الأمور العادية في أمريكا إنتاج أفلام تنقد السياسات والرؤساء والسلطات وإنما هو علامة فارقة في العلاقة بين جمهور السينما والأفلام التسجيلية لأنه أول فيلم تسجيلي في تاريخ السينما يدر أكثر من مائة مليون دولار داخل أمريكا، وربما يدر مثلها خارج أمريكا.

جريدة القاهرة في 10 أغسطس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

سمير فريد يكتب:

لم أطالب بمنع «فهرنهايت».. فقط  أستغرب من موقف رقيب يجيز فيلما دون أن يراه