حين جلسنا, نحن كأعضاء لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقاد السينما, لنبحث في الفيلم الذي يستحق جائزتنا الخاصة بأفضل فيلم في الدورة الجديدة من مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي, كنا متفقين علي شيء واحد: الجائزة في وسط هذه الظروف السياسية الصعبة حول العالم عليها أن تذهب إلي أفضل فيلم هو بنفسه أبعد فيلم عن السياسة. السياسة تذهب وتأتي, والظروف تتغير, لكن الفيلم الفني يبقي سرمديا. هكذا قالت رئيستنا التشيكية تيريزا بردوفوكا لأحد الأعضاء الذي تساءل لماذا؟ واتفقنا ثانية علي أن أفضل/ أبعد فيلم هو الياباني توني تاكيتاني لمخرجه جون اتشيكاوا: دراما حانية وآسرة حول رجل يعمل مصمما في محلات تجارية يعيش ثريا ووحيدا ويقرر الزواج من إمرأة شابة طلبها للعمل عنده قبل أن يعرض عليها الزواج. أثارت إهتمامه بملابسها المعتني بنوعيتها وطرازها, كما بجمالها الهاديء وهي توافق علي العرض وتفسخ علاقتها بصديقها. بطلنا, توني تاكيتاني, يكتشف سريعا أن زوجته مدمنة ابتياع ملابس. لديها غرفة خاصة بكل ما تشتريه وهي تشتري أكثر مما تستطيع أن ترتدي. وهو بعد حين يطلب منها بهدوء يوازي هدوء الفيلم إيقاعا وحركة, الكف عن الشراء. وتوافق بإستعداد. طريقتها للكف عن شراء الملابس من كل مكان تمر به هو أن تبقي في البيت. بعد حين تموت كما لو كان عصفورا في السجن. توني سيحمل ألم موت لم يتوقعه لإمرأة لن يحب غيرها. وحيدا بدأ حياته ووحيدا سيستمر بها. لا شيء بين العشرين فيلما التي عرضت في مسابقة الدورة الجديدة( السابعة والخمسين) من هذا المهرجان القابع في منطقة خلابة من منطقة ليست بعيدة عن الحدود الإيطالية في سويسرا, يوازي هذا الفيلم جمالا وإتقانا في لغته الفنية. شكله المعتني به. حركة الكاميرا الموازية لإيقاع الموضوع. اللعب الماهر بين التعليق والحوار. الأجواء الرمادية التي تبدو كما لو رسمت بالريشة بعيدا عن أي صخب أو أي تكلف وادعاء. لون السماء يتغير لكن توني تاكيتاني ليس الفيلم الأهم كقصة. هذا حقيقي والتفضيل إذ مال إليه, استبعد أفلاما كثيرة ذات طروحات تهم العالم في الوقت الحالي, ولو أنه ليس من بينها ما لديه جواب لها أو حل يتبرع به. معظم هذه الأفلام, من الناحية الفنية, جيد لكنه سيكون من الازدواجية والابتعاد عن روح الجوائز تقديم الجائزة لفيلم لمجرد أنه يقول شيئا مهما أو ذا بعد لمشاكل آنية. أفضل تلك الأفلام واحد بعنوان ياسمين للمخرج البريطاني الشاب هنري كلغلان. هذا عن امرأة باكستانية تعيش حالة ما قبل وما بعد11/9 في إنجلترا. قبل تلك الكارثة تمارس حياة مزدوجة. أمام عائلتها وفي الحي الذي تعيش فيه ترتدي الحجاب لكنها كل يوم توقف سيارتها الصغيرة في مكان ناء وهي في طريقها إلي العمل لكي تغير حجابها وترتدي الملابس الغربية التي تظهر بها طوال اليوم. ثم قبيل وصولها إلي المنزل تتوقف في ذات المكان وترتدي الحجاب من جديد. والدها زوجها من قريب أبله كان بحاجة إلي جواز سفر إنجليزي, لكنها لم تعش مع هذا القريب كزوجة ذلك أنه جاء بأثقاله من العادات والتقاليد الإجتماعية الريفية. شقيقها الشاب يبيع الحشيشة للبنات البيض والحياة رتيبة, رغم تلاسنات عنصرية بسيطة بين الباكستانيين المسلمين وبعض البيض. ثم تقع11/9 ويتغير لون السماء فوق الجميع. تحاول بطلة الفيلم ياسمين( ارتشي بونجابي) أن تفصل نفسها عن حقيقتها كمسلمة أكثر مما كانت تفعل. تحاول أن تشرب وأن تسهر وأن تنتقد وتشتم أسامة بن لادن لعل كل ذلك ينفع في إبقائها علي مقربة من خلانها البيض. لكن هؤلاء كانوا قد رسموا خطوطا ولصقوا علي الناس هويات جديدة. وما يلبث البوليس أن يأتي زائرا ويقودها وصديقها الأبيض إلي الشرطة محققا معهما بخصوص الزوج. فالزوج كان يتصل بقريب له من القاعدة للتحية. هذا الأبله لم يكن يعلم شيئا عن ذلك المتطرف. لكن ياسمين كانت الضحية. إذ تفهم ما يدور في حياتها, وإذ تنقطع علاقتها بمحيطها العملي ويبتعد صديقها الوحيد عنها, ترتدي الحجاب وتبدأ في الصلاة وحين تستلم أوراق الطلاق التي كانت قد طلبتها وتتجه بها إلي البوليس حيث يحتجز الزوج, يتم إلقاء القبض عليها مجددا. هذا يجعلها أكثر إصرارا علي التدين. وعندما تخرج ترمي بأوراق الطلاق ولو أنها لاحقا ما تجعل الزوج الخارج بدوره من السجن يرميها بالطلاق شفهيا. ينتهي الفيلم بها وقد أصبحت ضحية إسلام مخطوف وحالة من التعنت والتعصب من كل جهة. إيرانيون عبر الحدود الإقبال الذي شهده هذا الفيلم من قبل المشاهدين يقترح أن الغرب يريد مثل هذه الأفلام اللافتة المتحدثة عن هوية الإسلام الحقيقية انطلاقا من تصوير لضحايا التطرف الحاصل. وهو إقبال فاق, علي سبيل المثال, ذلك الذي واجهه الفيلم الإيراني قصة غير منتهية وهو يدور عن لاجئين إيرانيين( وبعضهم غير إيرانيين) يحاولون الهرب عبر الحدود إلي البلد المجاور( غير محدد ولو أنهم يتحدثون عن توجههم لاحقا إلي إيطاليا وفرنسا). الفيلم يقدم منتجا تلفزيونيا ومصوره يحققان فيلما تسجيليا عن هذا الموضوع المشار إليه. فيصعدون أتوبيس متفق عليها كل من فيها غطوا وجوههم بأقنعة حتي لا يتم التعرف إليهم. لكنهما يطردان من الحافلة ولو أنهما لاحقا ما يتعقبان اللاجئين إلي الحدود حيث يقرر المنتج, وبعد أحداث لا تتوقف, الانضمام إلي الهاربين لكي يتابع قصص حياتهم. في مشهد ذي دلالات يطلب من النساء خلع الحجاب وارتداء شعور مستعارة. معظمهن يرفضن خلع الحجاب لكنهن يضعن الشعر المستعار( بألوان شقراء وحمراء وبنية) فوق الحجاب. علي الرغم من هذه الإشارات الذكية لمجتمع يبحث, فيما يبحث, عن الهرب من تقاليده, يوزع الفيلم نقده الاجتماعي متسترا بغلاف رقيق من الكوميديا. ومن الهند فيلم عن تطرف إسلامي آخر. الفيلم هو الجمعة الأسود لمخرجه أنوراغ كاشيياب. هذا هو ثاني فيلم روائي له( الأول لم يعرض تجاريا) وذلك بعد سنوات من العمل في التليفزيون. وما يهم المخرج هنا هو الحديث عن الانفجارات التي قامت بها جماعة إسلامية متطرفة في الثالث عشر من أيلول/سبتمبر1993 في نيودلهي وراح ضحيتها أكثر من600 شخص. في ذلك اليوم وزع أفراد الجماعة عددا من القنابل أقواها تلك التي انفجرت في مبني التجارة الدولي. وينطلق الفيلم كما لو كان في مهمة بوليسية: البوليس ضد الإرهابيين والتحقيقات في ثلاث ساعات مملة وذات شكل تقريري مضجر كما القراءة في دليل الهاتف. يأخذنا الفيلم من الانفجارات إلي داخل التنظيم مرورا بالتحقيقات و التخطيط والتدريب والتنفيذ لكنه لا يبدأ بهذا التسلسل بل يختار ما يراه مناسبا من دون قواعد عملية. بذلك تدخل وتخرج من المشاهد كما لو أن المخرج ماسك بياقة سترتك يقودك إلي حيث يشاء. وبذلك أيضا يقع الفيلم في التكرار والترداد ويخسر للأبد فرصة تقديم نظرة متوازنة. فهو علي الرغم من أنه يذكر أن العمليات الإسلامية كانت ردا علي مجازر الهندوس التي وقعت قبل ذلك بأعوام قليلة وتم بها تدمير مسجد تاريخي لايزال إلي الآن أكواما من الحجارة المتراكمة, إلا أنه لا يضع إرهاب الهندوس في ذات مستوي الإرهاب الإسلامي. لا يعامله بذات التهمة ولا بذات الحجم. ولا هو يشير إليه بأي إصبع اتهام. الجمعة الأسود بذلك هو فيلم منحاز علي الرغم من تأكيد المخرج علي إنه يعالج موضوع ردة الفعل علي فعل سابق. وإنه مستوحي من كتاب وضعه مسلم( اسمه حسين عزيز) حقق في ملفات العملية التي قامت بها تلك المجموعة وكيف توصل القانون إلي إلقاء القبض علي أفرادها. المخرج يظهر الضرب المبرح الذي يمارسه البوليس لكنه لا يدينه. يظهر أن الإرهاب والإرهاب المضاد خطر علي البلاد لكنه لن يتركك إلا وأنت تشعر بأنهم هناك في الهند لديهم مكيالين واحد مخفف للهندوس وآخر ثقيل للمسلمين. فلسطين في إيطاليا لم يعرض فيلم عربي في مسابقة لوكارنو لكن الفيلم الإيطالي خاص يفي بالحاجة. إنه من إخراج سافيريو كوستنانزو وبطولة الممثل الفلسطيني محمد بكري مع عرين عمري وهند أيوب وآخرين يؤلفون حياة العائلة ب التي تعيش في بيت يقع في منطقة فاصلة بين المستوطنات اليهودية التي اندفع الجيش الإسرائيلي للدفاع عنها وبين المناطق الفلسطينية المتمردة. نتعرف أولا إلي حياة العائلة بدءا من جدال يقرر فيه الأب أنه لن يترك هذا البيت لا أريد أن أصبح لاجئا. فهو يعلم أنه إذا فعل ما تريد زوجته منه أن يفعل, وهو ترك البيت, فإن اليهود سوف يحتلونه وسوف يتحول هو إلي لاجيء كملايين الفلسطينيين غيره. لكن ما تخشاه الزوجة يقع. الجيش الإسرائيلي يداهم البيت ويفرض علي أفراد العائلة العيش في الطابق التحتي. اما الطابقان الثاني والثالث فهو ملك للجيش في مواجهته للهجمات الفلسطينية. بطل الفيلم محمد بكري يرضي بالمذلة فهي لا تزال عنده أفضل من ترك البيت وباقي أحداث الفيلم تدور في هذا الجو الخانق حيث الفلسطيني سجين حقه وبيته. تم تصوير الفيلم بميزانية ضحلة في منطقة تقع جنوبي إيطاليا. يقول محمد بكري حين قابلته من دون موعد: صورناه بأقل ميزانية ممكنة في منطقة كاليبريا. أرسل لي المخرج السيناريو وأعدت صياغته بعدما وافقت عليه لكي أتحاشي الوقوع في فخ التعريب. لذلك الحوارات ذات رنة عربية كذلك التمثيل طبيعي. المخرج في نظري نجح في صنع فيلم جيد رغم المساحة المحدودة للتحرك كون معظم الأحداث تقع داخل ذلك البيت. في الفيلم الجانب الفلسطيني يثير التعاطف والتأييد وهذا كان شعور معظم الذين شاهدوا الفيلم. والجانب الإسرائيلي معتد وظالم والكابح للحريات ما قد يسبب انفجارا, إسرائيل هي المسئولة عنه. وهذه الرسالة نجدها أيضا في عروس من سورية, وهو فيلم إسرائيلي( بالكامل) من إخراج إيران ريكليس وبطولة هند عباس وكلارا خوري( بطلة عرس رنا لهاني أبو أسعد) ووالدها مكرم خوري. الأحداث تقع في قرية درزية علي الحدود الحالية مع سوريا في مرتفعات الجولان. إذا ما ذكرنا هذا بفيلم حديث وقعت أحداثه هناك, فإن المكان الجغرافي ليس سوي واحد من عناصر تشابه عديدة. عروس من الجولان إذ تقع أحداثه في قري الجولان المحتلة, فإن الفيلم الوارد للبال سريعا هو ذاك الذي أخرجته اللبنانية رندة شهال صباغ بعنوان طيارة من ورق وحصدت عليه جائزة لجنة التحكيم الثانية في مهرجان فانيسيا. كلاهما عن الجالية الدرزية في تلك المنطقة, وعروس من سوريا هو مثل فيلم المخرجة اللبنانية صباغ يدور حول زواج فتاة ممن لم تتعرف. مثله أيضا, كل من العروس والعريس يقبع علي الجانب الآخر من الشريط الفاصل المسمي حدودا. لكن في حين أن بطلة طيارة من ورق تعيش في الجانب السوري, فإن بطلة عروس سورية تعيش في الجانب المحتل. وهذا مهم لأن من يعرقل حريتها هم السلطات الإسرائيلية. ردة الفعل الفورية بين الحضور الغربيين هي انظر في أي وضع مأساوي يعيشه العرب في إسرائيل. بطلة الفيلم هي مني( كلارا خوري بطلة عرس رنا) التي تم إختيار عريس من الجانب السوري لها هو ممثل كوميدي ذو شعبية كبيرة. لم تلتق به مطلقا لكنها مستعدة لأن تقبله. المشكلة ليست هنا بل في الحياة الصعبة التي تعيشها عائلتها. والفيلم يستعرض مشاكل اجتماعية وعاطفية تعصف بحياة تلك العائلة: شقيقتها( هيام عباس) التي لم تحب زوجها وعلي شفير التمرد عليه, والدها( مكرم خوري والد كلارا فعليا) المهدد بأن يودع السجن مجددا من قبل ضابط إسرائيلي حقود, وشقيقها العائد مع زوجته الروسية لهذا الفرح وعلاقته المتوترة بينه وبين والدهما. لكن الفيلم ينطلق في نصف ساعته الأخيرة صوب الحدود ذاتها حيث تصل العائلة وعروسها بانتظار وصول العريس من الجانب الآخر. لسبب يتعلق بالضابط الإسرائيلي إياه, فإن التأشيرة التي طبعها المسئول الاجتماعي علي جواز سفر الفتاة للخروج من الأرض المحتلة إلي سوريا تحمل ختما إسرائيليا. حين انتقال مسئولة الصليب الأحمر إلي الجانب السوري فإن مسئول الحدود هناك يرفض الختم لأن الجانب الواقع تحت الإحتلال سوري أيضا ولا يمكن الإعتراف بذلك الختم. أربع ساعات من ذلك العذاب وينتهي الفيلم بالعروس التي تقرر التوجه إلي الجانب السوري الذي قد لا تدخله ما يعني أنها قد تبقي عالقة في أرض بين الجانبين. زوجته نجمة سينما ومن بطولة عربية لكن دون أي رابط آخر هناك أوردو فيلم من بطولة الممثل الجزائري الأصل رشدي زم يؤدي فيه دور ابن مهاجرين لا نتعرف إلي والديه, ولا نعايش أجواء المهاجرين بسببهما كما أنه لا يجيد العربية ولا يمارس الشعائر الدينية. علي ذلك, لايزال غريبا كلما سأله أحدهم عن أصوله قال له إنها يونانية.
الفيلم عن بحار فرنسي من أصول جزائرية
ويونانية والفيلم يقدم خلفيته في خمس عشرة دقيقة منتقلا به من بداية شبابه
إلي
زواجه الأول ثم الثاني ثم التحاقه بالبحرية وخروجه منها ثم عودته إليها.
لكن
الفيلم يبدأ بسرد قصته الفعلية عندما يقرأ بطله أوردو( ويقوم
به الجزائري الأصل
رشدي زم) عن النجمة الفرنسية الشابة لويز وفي المقال ذكر بأنها كانت
متزوجة
منه. يطلب أوردو إجازة ويحصل عليها ويروح يبحث عن الحقيقة, لماذا تدعي
نجمة
إنها كانت زوجته الأولي. إنه يذكر زوجته الأولي جيدا ولا
يستطيع أن يصدق أنها هي
ذاتها النجمة التي تملأ سماء فرنسا. يكتشف أوردو أن لويز بانتظاره وهي
تستقبله في
فيلتها في جنوب فرنسا حيث تصور فيلمها الجديد. هناك ترتاح إليه وتشعره
بأنه لا
يزال محبوبا من قلبها, لكنه لا يستطيع الراحة ولا يقدر الحب
الذي لاتزال تبثه
إياه. يطلب أكثر من ذلك وفي النهاية يفترقان. ثيران فيتنام وإذا ما كانت الصفة الغالبة في أفلام لوكارنو هذا العام هي تلك المتناولة لما يقع اليوم أو ما وقع في الأمس القريب, فإنه ليس غريبا أن يشاهد المرء أفلاما أخري تتعرض لحالات كهذه. الفيلم التسجيلي انكشاف: الحرب علي العراق للأمريكي روبرت جرينوولد يسير علي درب فهرنهايت11/9 فهو أيضا معاد لبوش وسياسته ولحرب العراق. وهو يتخصص في تلك الحرب مظهرا كيف انقادت أمريكا إليها, وكاشفا ما بتنا نعرفه جميعا عن الترتيبات والدعاوي التي رتبت سريعا كمبررات لدخول الحرب. من جنوب أفريقيا غفران: دراما عن أبيض يعترف بجريمة قتل شاب أسود للعائلة التي مازالت تبكيه. كفعل انتقام تتصل الابنة الكبري بأصدقاء لها لقتل الأبيض والفيلم بعد ذلك سجال علي سؤال حول ما الذي سيحدث عند نهاية الفيلم: هل سيعاقب الأبيض علي فعلته- ولو بعد حين- أم أنه سينجح في طلب المغفرة؟ وماذا عن القاتل الحقيقي(!)... كلام إنشائي منساب بصور غير جذابة وبتمثيل متهالك علي العواطف المجانية غالبا. حديقة البافالو هو فيلم فييتنامي لمن يريد قضاء ساعتين تحت المطر وفوق الأنهر الجارفة. وسأكون كاذبا إذا قلت إنني أستطيع تلخيص مفهوم معين لما يود الفيلم الحديث فيه. إنه عن ذلك الشاب الذي عليه قيادة ثورين في موسم الطوفان( لا يصح غيره) ويموت الثور الأول ثم الثور الثاني ثم والدا الشاب ثم المرأة التي آوته... وتتمني لو مات الفيلم قبلهم جميعا حين كان لا يزال مشروعا علي الورق* الأهرام العربي في 21 أغسطس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
مهرجان لوكارنو يستعرض الأزمات الراهنة سينما الواقع تتجاوز حدود الخيال لوكارنو/ محمد رضا |
|
"باب الشمس" و"انكشاف" يطرحان حرب العراق وقضية فلسطين لوكارنو/ محمد رضا فيلمان عن الحب مهّدا للأفلام الثمانية عشر المشتركة في المسابقة الرسمية لمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي. كلاهما يدور حول أسمى ما في الإنسانية لكنهما يتعثّران كثيراً في وصفه ومعالجته. فيلم الافتتاح كان “تهجئة خطأ” للمخرج جان-جاك زيلبرمان (فرنسا) والذي كان افتتاحاً خطأ لولا أن ما يشفع له أن الافتتاح بأي فيلم جيد مع عدم وصول كل المدعوين كان سيحرمهم من التعرّف إليه. بعده عرض فيلم “رائحة النجاح الحلوة” وهو لمحبي الأعمال الذهبية. أخرجه ألكسندر مكندريك سنة 1957 مع بيرت لانكاستر وتوني كيرتس. خارج المسابقة أيضا وفي برنامج تنظمه جمعية الحقوق المدنية عرض فيلم يسري نصر الله “باب الشمس” الذي جال مهرجانات كثيرة منذ عرضه الدولي الأول في مهرجان “كان” السينمائي في ربيع هذا العام. وبعيداً عن الإعجاب محدوداً كان أم شاملاً، فإن ما نجح هذا الفيلم المصري الفرنسي في إنجازه هو طرح الموضوع الفلسطيني على أعين جديدة تستلهم من معرفتها المحدودة بخلفية المخرج (الجديد نسبياً) او من معرفتها بالقضية الفلسطينية الرغبة في مشاهدته. النصف الأول من الفيلم وحده كاف لوضع القضية الفلسطينية برمّتها عند أعتاب عام 1948 عندما وقعت النكبة أول مرة. إذا لم يفعل الفيلم أكثر من هذا فله فضل النتيجة لأنه أعاد المسألة الى أساسها: الاحتلال “الإسرائيلي” سبق كل أشكال القمع والقتل اللاحقة وأسس دولة في مكان خطأ. لا شيء في العالم او في مسار التاريخ سيستطيع تغيير هذه الحقيقة. قصص عاطفية فيلما المسابقة المشار إليهما هما “أنتاريس” صنع نمساوي للخرج غوتز سبيلمان والذي يسعى منذ العام 1990 عندما حقق فيلمه الأول “إروين وجوليا” لإنجاز الفيلم الممتاز، لكن “أنتاريس” ليس هو الفيلم الذي وعد به نفسه. يتناول ثلاث نساء في ثلاث حالات حب ثم تتداخل كل حالة مع الأخرى. الغريب في الفيلم انه رغم تحدثه عن الحب، فإنه لا يكن أي حب صوب شخصياته او صوب موضوعه. الى ذلك، هناك المعتاد في أفلامه، وأفلام كثير آخرين، من محاولة ضرب الموضوع على رأس المشاهد حتى يُغمى عليه او يندفع هارباً. لكن في فيلم “لماذا (لا) البرازيل؟” للمخرجة لاتيتيا ماسون هناك حب للشخصيات وللموضوع. المشكلة هي أن المخرجة، التي بدأت تحقيق أفلام قصيرة في عام 1990 والتي تقدم هنا خامس فيلم روائي لها، تضيع بين رغباتها في الفيلم: هو فيلم ذاتي مائة في المائة، لكن مع تشعّبات لا تدري المخرجة كيف تعود منها الى الهدف الأساسي او الخط الرئيسي الذي تنطلق منه: قصة مخرجة (هي المخرجة نفسها وتمثلها إلسا زيبلبرستين) عهد إليها منتج فرنسي معروف باقتباس رواية “لم (لا) البرازيل” للكاتبة كريستين أنو الى فيلم. المخرجة التي بحاجة للعمل تمتعض كثيراً مطلع الأمر (وتمتعض طوال الفيلم فيما بعد) كون الرواية “مستحيلة الاقتباس” كما تقول. لكنها تحاول على أي حال وتقرر أن الطريقة الوحيدة هي معايشة تجربة الرواية بنفسها. هذه المعايشة تضعها على شفير الخيانة الزوجية وتضعف العلاقة الزوجية التي، نكتشف بعد قليل، أنها لم تضعف بل قويت بعد انفصالها عن زوجها. الفيلم لا يفسّر كيف حدث ذلك او مكنوناته العاطفية لكن هاهي المخرجة تمارس الحب مع زوجها فيما تبقى من ساعتي الفيلم. ثم تغضب منه حينا ويغضب منها حيناً ويصفها، وكلاهما يهودي، بالنازية وتتهمه بأنه اغتصبها ويرد عليها “لا تغالي”! قبل ذلك الوقت بطويل يكون الفيلم قد فرط وهو القائم على بناء هش منذ البداية. الفيلم سريعا ما يذكر بالفيلم الأمريكي الذي خرج قبل عامين “اقتباس” مع نيكولاس كيج في دور كاتب سيناريو يجد أن اقتباس إحدى الروايات مستحيل فندخل معه في حياته الخاصة. كما يذكر قليلاً بفيلم فرنسوا تروفو “ليلة أمريكية” وذلك في مطلعه قبل أن ينفصل عنه بمسافة كونية. بين الفيلمين شاهدنا “انكشاف: الحرب على العراق” لروبرت غرينوولد. هذا الفيلم الأمريكي التسجيلي يقوم على مقابلات مكثّفة مع عدد كبير من السياسيين والمخضرمين في المجالات العسكرية والسياسية والاستخباراتية، وكلهم يرون أن بوش كذب على الشعب الأمريكي وعلى الكونجرس واستخدم تهويلاً بالخطر لم يكن له ما يبرره وزوّر في الوثائق والتقارير التي وصلته ليقتطع منها ما يناسب الحرب التي قرر وأعوانه شنّها. الفيلم الجيد مضحك مبكي ذلك أن المرء لا يستطيع الا أن يضحك من بعض ما يرد في الفيلم، مثل أقوال الرئيس او ردوده على اسئلة الصحافيين، لكن الموضوع بأسره محزن كون ألوف الأبرياء من الجانبين العراقي والأمريكي دفعت حياتها ثمناً لحرب لم تكن ضرورية على الإطلاق. والفيلم واحد من عدة أفلام تسجيلية جديدة تشن حربها الخاصة على جورج بوش. الخليج الإماراتية في 9 أغسطس 2004 |